الإسلام والتحرر من الجوع

الإسلام والتحرر من الجوع

0 المراجعات

الإسلام والتحرر من الجوع 

من البديهي أن كل كائن حي لابد من الحصول على كفايته من الطعام الغني بالعناصر الغذائية الأساسية ، والإنسان أشد هذه الكائنات احتياجا إليه ، لبناء جسمه وتعويض ما يفقد منه نتيجة لنشاطه الدائب  ، ولوقايته من غزو الأمراض ، التي يمهد الجوع طريقها إليه .

وهذا العدو مازال يهدد البشر من مبدأ وجود الحياة الإنسانية على الأرض في صورتها الأولية البدائية ، إلى هذا الوقت الذي بلغ فيه النضج الفكري والتقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي درجة عالية .

وقد يهون أمر الجوع فلا يمس إلا فردا أو أفرادا محصورين ، وقد يستفحل خطره فيهدد المجتمعات الكبيرة ، ويشمل أقطارا متعددة وفي قارة أو أكثر .

وقد تقص مدته وقد تطول ، وهو في صورته الجماعية الواسعة يطلق عليه أحيانا اسم المجاعة أو القحط أو الأزمة .

وقد عم هذا القحط منطقة كبيرة ، جعل سكانها يقصدون مصر ليمتاروا فيها ، وكان من نتيجة ذلك لقاء يوسف بأخوته ، ودخول أسرة يعقوب إلى مصر آمنين ، حتى خرجوا منها على يد موسى وهارون .

وفي العصور الوسطى حدثت عدة مجاعات في أوروبا اضطر الناس فيها إلى أكل الطين مخلوطا بقليل من الدقيق .

وفي العصور الحديثة تسلطت المجاعات على فرنسا ثلاث عشرة مرة في القرن السادس عشر.

وفي القرن التاسع عشر مات في الصين مائة مليون من الجوع ، وكان الواحد منهم يلقي صديقه في الصباح فتكون تحيته له : هل أكلت ؟ بدل أن يقول له : صباح الخير كما هو المعتاد .

وفي القرن العشرين كثر الموت جوعا في هولندا .

وفي البرازيل أصيب الإقليم الشمالي بقحط سنة 1951 إلى 1953 .

فكرة الإسلام عن الجوع 

تتلخص فكرة الإسلام عن الجوع في النواحي الآتية :

1- جعله الله من الأمور التي تمقتها الطبيعة البشرية ، وتحاول أن تبعد شبحه عنها ، قال تعالى مبينا نعمته على آدم في الجنة : ) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) ( (طه) .

2- جعله نوعا من أنواع العقاب على الخطايا التي يرتكبها عباده ، يقول سبحانه : )وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) ( (الأعراف) وقال الله تعالى : )وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) ( (النحل) 

كما جعله مظهرا من مظاهر الابتلاء فقال : ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) ( (البقرة) 

3- تعوذ النبي (r) من الجوع : فكان يقول في دعائه : [ اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة ] .

4- رخص الإسلام لغير القادر على الصوم أن يفطر ، محافظة على صحته ووقاية له من فتنة الجوع ، كما نهى الصائمين أن يصلوا ليلهم بنهارهم دون تناول مفطر .

5- نهى الله عن تحريم ما أحل من الطيبات فقال : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) ( (المائدة) . منكرا على من يفعل ذلك فقال : ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ( (الأعراف : 32) 

وتحريم الطيبات ضرب من التنطع ، وهو التشدد الذي لا مبرر له وهو مذموم في الإٍسلام لقول النبي (r) : [ هلك المتنطعون ] .

6- أمر الإسلام أن يتناول الإنسان كفايته من الغذاء ، في اعتدال فقال سبحانه : )وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) ( (الأعراف) 

وقال (r) : [ كلوا واشربوا وتصدقوا ، ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة ] (رواه النسائي) وهذا مظهر من مظاهر التحدث بنعمة الله .

والجوع الذي يذمه الشرع وينفر منه يقول عنه العلماء : إن وصل الإنسان إلى حد الضرر ببدنه ، وكان سببا في تقصيره في أداء الواجب عليه لله ولنفسه ولأسرته ووطنه كان حراما ، أما إذا لم يصل إلى هذا الحد فهو مكروه ، وهو على كلتا الحالتين لا يحمده الشرع ، وعلى المسلم ألا يورط نفسه فيه ، وأن يجتهد في دفعه عنه بما يمكنه من الوسائل .

التشريع الإسلامي لمكافحة الجوع 

مبادئ أساسية :

أولا : الصحة 

صحة الجسم هي التي تمكن الإنسان من أداء واجبه لربه ولنفسه ولمجتمعه . لهذا حرص الإسلام عليها حرصا بالغا . وعدها من النعم الكبرى التي يغفل كثير من الناس عن إدراك قيمتها ولا يؤدون واجبها مع الشكر عليها .

منهى عن المطعومات والمشروبات الضارة ، وعن الإسراف في المباحات وعن مخالطة المرضى والتعرض للعدوى أو نقلها .. إلى غير ذلك من المحظورات .

والمبدأ الثاني العناية بتقوية الأجسام بالغذاء الصحي والشراب النقي والنوم الكافي والرياضة البدنية ، وذلك كله تحقيقا لقوله عليه الصلاة والسلام : [ إن لبدنك عليك حقا ] كما حث على النظافة التي هي ركن أساسي في الصحة والوقاية من الأمراض .

والمبدأ الثالث المبادرة بالعلاج عند المرض ففي الحديث الشريف : [ تداووا عباد الله ، فإن الله خلق الداء والدواء ] .

ثانيا : رفع مستوى المعيشة :

الإسلام يدعو إلى رفع مستوى المعيشة بالوسائل المتنوعة ، وقد ورد أن النبي (r) كان يستعيذ من الفقر الذي يزل النفس ويقعد عن الواجب ، فكان من دعائه : [ اللهم إني إعوذ بك من الكفر والفقر ] وكان يقول قبل أن يتحلل من الصلاة والسلام : [ اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ] وكان دعائه : [ اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ] وأذ أوى إلى فراشه قال : [ اقض عنا الدين وأغننا من الفقر ] وعلم عليا هذا الدعاء : [ اللهم أكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمن سواك ] .

ثالثا : كفاية القوت :

مدخرات الكون كافية لتغطية حاجة البشر من الغذاء وسائر المطالب الضرورية لبقاء الحياة ورخاء الإنسانية وقد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة قبل أن يقررها خبراء العصر الحديث يقول الله سبحانه وتعالى : ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( (هود : 6) 

رابعا : تعدد مظان الرزق 

مظان الرزق وموارد الثروة ومنابعها كثيرة ومنوعة ، فهي في الأرض والبحر والجبال وكل ركن من أركان الكون . وإذا كنا نعتمد على ما تجود به علينا الأرض من نبات وما يعيش عليها من حيوان ، فإن في المحيطات وهي ثلاثة أرباع الكرة الأرضية مدخرا من الغذاء يكفي .

خامسا : اشتراكية الطعام 

هذا الرزق الذي يعج به الكون منحة من الله لعباده ، وهو مالكها الحقيقي إن شاء منح وإن شاء منع ، ولهذا لا يجوز أن يحول أحد دون انتفاع أي مخلوق بها ، في الحد الذي لا ضرر فيه ولا ضرار ؛ لذلك أن الجميع أعضاء في الأسرة الإنسانية ، التي يجمعها رحم واحدة ، فأبوهم آدم وأمهم حواء .. كما كان خالقهم جميعا واحد هو الله الذي له الخلق والأمر . فلكل إنسان أن يأخذ من رزق الله ما يحفظ عليه حياته ويوفر له كرامته كإنسان ، وله  أن يسلك من السبل ما يصل به إلى مراده على قد همته ونشاطه ، مع الحفاظ على حقوق الآخرين ، وعلى الأسرة الإنسانية متضامنة أن تكفل العاجزين غير القادرين على طلب الرزق من مظانه التي يسعى إليها الأصحاء القادرين . وهذا المعنى يلزم تعاون البشر جميعا وتكافلهم في رفع مستوى المعيشة لأي مجتمع في آية بقعة ، وفي حل مشاكل الأسرة الإنسانية وتبادل الخبرات وتيسير الهجرة وتسهيل التصدير والاستيراد إلى ذلك من الوسائل والمظاهر التي هي صدى للأخوة الإنسانية العامة .

أسباب الجوع وعلاجها 

(1) قلة الإنتاج 

تعالج قلة الإنتاج بتشجيع العمل على زيادته . وقد تبين لك فيما سبق أن مدخرات الكون كافية لتغطية حاجة البشر جميعا من الغذاء ، ما بقيت على الأرض حياة ، وترجع قلة الإنتاج إلى عدم استغلال موارد الثروة على كثرتها وتنوعها ، وذلك إما جهلا وإما كسلا وإما لأسباب أخرى .

أهم ما تتحقق به زيادة الإنتاج :

1- مضاعفة استخدام الطاقة اللازمة للاستغلال ، سواء في ذلك الطاقات البشرية والطبيعية والميكانيكية وما يستحدث من طاقات أخرى .

2- توسيع قاعدة العمل وتعدد مجالات النشاط الاقتصادي .

3- تحسين الإنتاج .

4- حماية الثروة ومنابعها من التلف .

5- تعميق المعنى الجماعي والتمكين للروح التعاونية بين الأفراد والجماعات والدول.

ولتوضيح ذلك نقول :

1- مضاعفة الطاقة : 

توجيه الطاقات لاستخراج كنوز الأرض والإفادة من مدخرات الكون لتحقيق الكفاية الإنتاجية معناه العمل الدائب المستمر . والإفادة من كل جهد . والإسلام ، وهو دين الحياة الكريمة والمدنية الفاضلة . جعل العمل بمعناه الواسع وفي دائرته المشروعة أحد الركنين الأساسيين لسعادة البشر في العاجلة والآجلة .

والإسلام ليس دينا روحيا يعزل العلائق المادية ، فهو دين واقعي ومثالي في هذه الواقعية ، فكما أن المسلم مأمور بأداء الصلاة ، وهي العلاقة الخاصة بين العبد وربه ، مأمور أيضا بالسعي لطلب الرزق .

إنه يكره العجز والكسل ، ويحقق التكفف والاستجداء ، ولا يرضى للمسلم أن يقنع بالدون وهو قادر على الكمال ، فالله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ، والمؤمن القوي في نظر الإسلام خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .

ولما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة عرض عليهم الأنصار أن يقاسموهم أموالهم بغير مقابل ، قياما بواجب التعاون على الخير ، الذي تفرضه الأخوة الدينية والأخوة الإنسانية العامة ، ولكنهم أبوا إلا أن يكون عيشهم بكفاحهم وسعيهم .

والإسلام يشجع على ابتكار الوسائل الجديدة للاستغلال ، التي تتطور مع الزمن وتناسب مقتضيات العصور ، وتواجه واقع الحياة لتغطي مطالبها . وما من شك في أن الآلات والوسائل البدائية للاستغلال تستنفد طاقة بشرية كبيرة ، في الوقت الذي لا تنتج فيه إلا قليلا لا يجاري نمو عدد السكان وتعقد مطالب الحياة .

توسيع قاعدة العمل وتعدد مجالات النشاط :

تقدم لك أن مظان الرزق كثيرة ومنابعه متعددة ، وقد سخر الله الكون كله للإنسان وجعله مسرحا لنشاطه ، والواجب أن توجه القوى لاستغلال هذه المنابع جميعا .

 تحسين الإنتاج :

يقوم تحسين الإنتاج على عوامل كثيرة ، منها اختيار البذور التي تعطي غلة أوفر وقيمة غذائية أكبر ، والتي تقاوم العوامل المضادة بشكل أقوى من غيرها . ويكون الجهد الذي تتطلبه أقل بقدر الإمكان . ومن ذلك أيضا اختيار السلالات الحيوانية التي تعطي نتاجا أفضل من لحم ولبن ونسل. وتتحمل العوامل المختلفة بتكاليف أقل. كما يدخل في هذا الباب دراسة التربة واختيار البذور المناسبة لها، والعناية بتسميدها بالمخصبات الصالحة لكل نوع من التربة ومن النبات ، وتغذية الحيوان على أسس علمية . وكذلك نظام الدورات الزراعية الذي تسير عليه بعض البلاد . إلى غير ذلك من الوسائل التي يتكشف عنها العلم وتهدي إليها التجارب .

حماية الثروة

الحماية إما حماية مصدر الثروة ومنبعها ووسيلتها ، وإما حماية المحصور والإنتاج والثمرة ، وذلك يكون بحماية النبات والحيوان وجميع مصادر الرزق ، ومن الآفات والأمراض والعوارض التي تضرها فتعوق نموها أو تقلل من قدرتها الإنتاجية ، أو تمس القيمة الغذائية لما ينتج منها ، وبحماية المحصول من الفساد أو الضياع بأية وسيلة من الوسائل .

الروح الجماعية :

زيادة الإنتاج بهذه الوسائل تحتاج حتما إلى تضافر الجهود المختلفة ، وتبادل الخبرات الفنية المتنوعة ، وتيسير انتقال المختصين من بلد إلى آخر ، والحصول على المبيدات والمخصبات والسلالات الجيدة ، وتنظيم الحجر الزراعي ورقابة تنفيذه بشدة ، والتعاون التام في القضاء على الآفات التي يعم ضررها ويعظم خطرها عند تقصير فرد أو تعاون جهة أو سكوت دولة .

(2) سوء التوزيع 

سوء توزيع الثروة ناتج من تمكن الروح الفردية ، وتحكم الأنانية في النفوس .

علاج ذلك يكون بإصلاح القاعدة الأساسية وتعميق الروح الجماعية في النفوس ، التي يظهر أثرها التطبيقي في التوزيع العادل لهذه الثروة التي خلقها الله للناس جميعا . ويملك خزائنها وحده ، إن شاء أعطى وإن شاء منع .

والإسلام من هذه الفلسفة التعاونية الإنسانية غني بالنصوص والوقائع التي تثبتها وتؤكد صدقها في حل هذه الأزمة والتخفيف من وطأتها .

وكان لهذا التعاون أثره البالغ في حل الأزمات ، وأبرز مثال لذلك هو موقف الأنصار من المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وهم ألوف ، فوسعتهم قلوب الأنصار – قبل تسعهم أموالهم وأديارهم ، وكان الواحد منهم يتنازل عن إحدى زوجتيه ليتزوجها المهاجر بعد انتهاء عدتها .

وهذا التعاون الذي يحل مشكلة سوء التوزيع يكون بين الجماعات والدول كما يكون بين الأفراد . وعلى الدول المتقدمة اقتصاديا والتي يتوافر لديها القوت وتوجد الخبرات أن تساعد الدول المختلفة والمحتاجة ، وأن يكون هناك تسهيلات كبيرة للاستيراد والتصدير وغير ذلك من الوسائل التي تسهل الحصول على الغذاء .

(3) سوء الاستعمال 

نعم الله على عباده كثيرة ومتنوعة . إذا أحسنوا استعمالها بتوجيهها إلى الخير أفادوا منها كثيرا . وأنتجت من وراء ذلك نعما أخرى . وإذا أساءوا التصرف فيها انقلبت من نعمة إلى نقمة وأذن لها بالزوال مصداقا لقوله سبحانه : ) لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) ( (إبراهيم)

( أ ) الإسراف :

والإسراف في كل شيء مضر ، وهو في تناول الطعام يشر البدن ويسلم إلى كثير من الأمراض والعلل ، إلى جانب ما فيه من ضياع للأموال . وإهلاك لعصب الحياة . وضن به على من هو في أمس الحاجة إليه .

والنصوص كثيرة في النهي عن الإسراف عامة وفي الطعام بنوع خاص ، قال الله تعالى : ) وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)( (الإسراء) 

(ب) الاهتمام بالكماليات :

أول شيء يجب أن توجيه إليه النعمة هو التغذية ، فبها تقوم الحياة وتتحرك الأعضاء وينشط الجسم لمباشرة المهام الجسام ، وحق الحياة مقدم على كل الحقوق ، والتغذية عمادها الرئيسي ؛ ولهذا كان الطعام أول ما وجه إليه الله سبحانه وتعالى اهتمام آدم حين أسكنه الجنة .

ومن السفه أن يؤثر الإنسان شيئا آخر على تغذية الجسم بما يكفيه ، فالذين يلبسون فاخر الثياب ليبدوا أمام الناس بمظهر الترف والعظمة .

والذين يدمنون شرب الدخان أو الشاي والقهوة مثلا ، مستغنيين بذلك في كثير من الأحيان عن الطعام ، إما إيثارا لها أو اكتفاء بها .

(ج) الجوع النوعي :

الجوع النوعي أو سوء التغذية مظهر من مظاهر سوء استعمال النعمة وأساسه الجهل بأصول التغذية الصحيحة ، فقد تكون هناك مواد غذائية متوفرة الكمية وأسعارها رخيصة والحصول عليها ميسر ولكن من توجد في مناطقهم هذه المواد يعانون أمراضا كثيرة ترجع إلى سوء التغذية .

والإسلام – وهو الشريعة الكاملة – يدعو إلى تخير الأطعمة المشتملة على العناصر الأساسية في التغذية الصحيحة ، ولا يمانع في ذلك مطلقا ، وهذا مندرج تحت الأمر العام بالحرص على كل ما ينفع الإنسان المنصوص عليه في قول النبي (r) : [ احرص على ما ينفعك ] .

ويذكر تقرير مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي لآسيا والشرق الأقصى أن نمو السكان السريع قد يكون معطلا للتطور الاقتصادي في معظم دول آسيا . ويعلل هذا بأن منفذ الهجرة – الذي خفف كثيرا من ضغط السكان في أوروبا إبان انتقالها الديموجرافي – لا يتوفر للدول الأسيوية توفرا ملحوظا .

ولمعالجة هذا السبب يجب أن نلاحظ أن مشكلة زيادة السكان ليست مشكلة اقتصادية خالصة ، فهي تمس المثل الثقافية والمبادئ الأخلاقية والفلسفة الاجتماعية والسياسية . وهي مسائل تختلف النظرة إليها عند الشعوب والحكومات ، فالبعض يميل إلى الأخذ بمبدأ تحديد النسل ، سواء في ذلك تدخل الحكومة فيه أو تركه للشعب دون ضغط عليه . والبعض الآخر لا يميل إلى الأخذ بهذه السياسة – لأن من أخذوا بها على كلا وجهيها لم يصلوا بعد إلى نتيجة مرضية ، وهؤلاء يرون أن العمل على زيادة الإنتاج أقرب وأيسر وأكثر فعالية .

هذا ومن المتفق عليه أن العامل الاقتصادي لابد من مراعاته في تكوين الأسر ، فلها مطالبها والتزاماتها التي تتعقد كلما تقدمت الحضارة . وإذا كان الأعفاف مطلبا من المطالب الإسلامية يتحقق بالزواج ، فإن الدين يعمل حساب تبعاته ولا يتركه لكل من يريده .

ومن هنا يمكن أن نقول كما قال الغزالي بجواز تنظيم النسل بوسائله المشروعة الميسرة التي لا خطر فيها ولا جناية ، وذلك كتنظيم الاتصال الجنسي ليكون في فترات تقل أو تنعدم فيها فرص الحمل ، والأطباء لهم درايتهم في هذا الموضوع .

(5) ضعف الصلة بالله 

وكأن الله سبحانه وتعالى قد أوقف قدرة البشر عاجزة عن الوصول إلى الحل النهائي لكل مشاكلهم الغذائية وغيرها ، وادخر لنفسه وحده بعض العوامل وهي في الحقيقة أهمها وأقواها ، لعلهم يرجعون بعد طول العناء إلى التسليم للقدرة التي بيدها كل شيء .

إن هذا العامل الخطر هو ضعف صلتنا بالله ، إما لعدم الإيمان بوجوده أصلا . وإما لعدم الثقة في تشريعه والخروج على تعاليمه ، إذا كان العالم يريد أن يخرج من هذه الأزمات أو تخف حدتها عليه فعليه أن يلاحظ هذه الحقائق التالية :

1- الله سبحانه وتعالى صاحب كل القوى التي تؤثر على الغذاء وعلى كل شيء في الكون ، فيجب الإيمان بجوده ، ويجب البعد عن طريق الإلحاد الذي جرد النفس من غذائها الروحي.

وعلينا أن نرجع إلى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها وهي الإيمان بأله واحد : قال الله تعالى :  ) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) ( (الروم) 

2- عوامل الطبيعة لا يمكن أن يتجاهل أحدا أثرها على الحياة بجميع مظاهرها ، وهي بأمر ربها صاحبة الكلمة الأولى في أحداث الكون عامة . وفي التحكم في أرزاق الناس ونشاطهم بوجه خاص. فالحر والبرد والعواصف والأمطار والسيول والزلازل والبراكين وما إليها ما زالت آثارها في أرزاق الناس تنطق بصراحة في كل عصور التاريخ أنه لابد من الإيمان بخالقها ومدبر أمرها.

3- هذه العوامل عجز العلم وما يزال عاجزا عن السيطرة التامة عليها ، والتحكم فيها بما يدفع شرها ويوجهها إلى ما يريد ، فالله وحده مالك أمرها ، ونشاط الإنسان من أثرها هي فلا يمكن أن يكون هو مؤثرا عليها بما يخالف طبيعتها ويخرج نفسه من دائرة أثرها عليه. ورب غضبه واحدة من حر أو برد أو ريح أو زلزال أو بركان .. تقرر مصير شعب بأسره ويذهب معه علمه وفنه وجبروته .

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة