التعايش السلمي للأديان

التعايش السلمي للأديان

0 المراجعات

التعايش السلمي للأديان وفقه العيش المشترك نحو منهج التجديد 

مقدمه 

ففي عصر تعدد فيه الأديان والمذاهب والتوجهات الفكرية ، نرى أن من أهم محاور استقرار المجتمعات ، هو مدى قدرة أبنائها على التعايش مع الآخرين على تنوعهم واختلاف عقائدهم ومشاربهم ، ذلك الاختلاف الذي يعد سنة إلهية وكونية ؛ حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : ) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ( (هود) 

المشتركات الإنسانية في الشرائع السماوية 

لا شك في أن البشرية جمعاء في حاجة إلى تأكيد منظومة القيم الإنسانية ، والإيمان بالتنوع الحضاري والثقافي ، والانطلاق للعيش معا من خلال المشترك الإنساني بين البشر جميعا ، وتأكيد أن هذا التعايش هو صميم رسالة الأديان جميعا ، حتى لا يستغل الدين لمصالح سياسية أو أطماع اقتصادية ؛ فيحدث القتل والتدمير والتخريب باسم الدين وتحت صيحات التكبير والتهليل ،أو التصليب ، وما شاكل ذلك أو شابهه .

وقد أجمعت الشرائع السماوية على جملة كبيرة من القيم والمبادئ الإنسانية ، من أهمها : حفظ النفس البشرية ، وقد وجه الله تعالى : ) أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) ( (المائدة) فالإنسان بنيان الرب ، من هدمه هدم بنيانه عز وجل .

فقد تختلف الشرائع في العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان ، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التي تكون أساسا للتعايش ، لم تختلف في أي شريعة من الشرائع ، يقول نبينا (r) :[إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فافعل ما شئت] .

أورني أن شريعة من الشرائع أباحت قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، أو أباحت الزنى ، أو عقوق الوالدين ، أو أكل السحت ، أو أكل مال اليتيم ، أو أكل حق العامل أو الأجير ، وأروني أي شريعة أباحت الكذب ، أو الغدر أو الخيانة أو خلف العهد ، أو مقابلة الحسنة بالسيئة ! 

وديننا علمنا أن نقول الكلمة الطيبة للناس جميعا من دون تفرقة ، فقال سبحانه : ) وقولوا للناس حسنا ( (البقرة :83) بل نحن مطالبون أن نقول التي هي أحسن ، يقول الحق سبحانه وتعالى : ) وقل لعبادى يقولوا التي هي أحسن ( (الإسراء : 53) 

فالأديان كلها أتت من أجل خير الإنسان وسعادته البشرية في العاجل والآخر ، والقيم الدينية في كل حضارة كانت هي الأساس للقيم الأخلاقية السامية والمبادئ الإنسانية الرفيعة ، والحضارات التي لا تعني بالقيم والأخلاق تحمل عوامل سقوطها مع لبنات بنائها ؛ ومن هنا ، فإن الحوار حول ما يجمع أصحاب الأديان من قيم إنسانية مشتركة هو أفضل السبل لتفهم كل جانب للآخر ، والتعاون البناء من أجل خير الإنسان وتقدمه واستقرار الأمن والسلام في العالم ، وعلى هذا النحو يمكن إقرار السلام بين الأديان التي يعد شرطا لا مفر منه لإقرار السلام بين بني البشر.

وثيقة المدينة ومبادئ العيش الإنساني المشترك

تعد (وثيقة المدينة) من أفضل النماذج في تاريخ البشرية للعيش الإنساني المشترك ، وإننا في هذا المناخ الثقافي والسياسي الذي نعيشه هذه الأيام ، والمشحون بالصراعات ومحاولات الاستقطاب من الأطراف ، في أمس الحاجة إلى العودة إلى تراثنا الإسلامي لاستلهام روح التسامح التي يفيض بها تاريخ المسلمين الحضاري ، والتي أكدتها هذه الوثيقة وما تحتويه من إجابات على أسئلة الحاضر ومآلات المستقبل ؛ ما يؤصل للتعايش المشترك على أسس إنسانية راقية.

لقد وضعت هذه الوثيقة أسس التعايش الذي يريده الإسلام لأبناء المجتمع الواحد على اختلاف ديانتهم ومعتقداتهم .

كما نجد في هذه الوثيقة تأكيدا لما يوفر سبل الأمن المجتمعي والتراحم والنصيحة وحفظ العهود والمواثيق ، وأن لغير المسلم في مجتمع المسلمين ما للمسلم من حقوق وعليه ما على المسلم من واجبات نحو المجتمع .

وفي حديث رائع لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، شيخ الأزهر أكد أن الإسلام دين إنصاف يحث أتباعه على الإنصاف الذي يرتكز على العدل ، بصرف النظر عن الحب أو البغض تجاه الآخر ، قال الله تعالى : ) وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) ( (المائدة) أي لا يحملنكم بغض قوم على أن تظلموهم وألا تعدلوا معهم .

ويقول فضيلة الإمام : هذا الإسلام الذي أنشأ أمة ، وصنع تاريخا ، وأبدع حضارة هو – كما نعلم جميعا – دين سلام للعالم أجمع ، يصنع الأمن والسلام بين أهله ويصدره للإنسانية جمعاء ، وقد أرسل الله تعالى نبيه محمدا رحمة للعاملين ، وطلب إلى أتباعه أن يكونوا رسل سلام فيما بينهم أولا ، ثم رسل سلام إلى الدنيا كلها ، بل رسل سلام إلى عالم الحيوان والنبات والجماد .

ومن ثم فالإسلام يدعو إلى السلام ، ويحث عليه ، ويهيب بالناس جميعا أن يجنحوا له ويدخلوا فيه ، حتى نستطيع أن نحقق معاني الإسلام ومبادئه في الحياة ، وحينئذ يمكننا أن نجني سلاما في النفس ، طمأنينة في القلب ، وصفاء في العقل ، وإشراقا في الروح.

كل ذلك من أجل نشر الأمن والسلام بين أفراد المجتمع ؛ ليتمكنوا بعد ذلك من أداء مهامهم الدينية والدنيوية ، ويحققوا لأبنائهم وأوطانهم ما يحلم به كل غيور على بلده وأهله ، مجد في بلوغ آماله وطموحاته .

وانطلاقا من مبادئ الإسلام العامة ومقاصده المهمة ، لم يقتصر السلام في الإسلام على أهل الإيمان ، وإنما صار مبدأ للبشرية قاطبة ، لينعموا مع المسلمين بالأمن والسعادة ، ويحرصوا جميعا ، على نشره في الأرض ، فلقد جاء في حديث زرارة بن أوفى (t) قال : حدثني عبد الله بن سلام قال : لما قدم النبي (r) المدينة انجفل الناس قلبه وقيل : قدم رسول الله ، قدم رسول الله ، قدم رسول الله ثلاثا فجئت في الناس لأنظر ، فلما تبينت وجهه ، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال : [ يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ] 

وهكذا ؛ فالسلام يعني في مضمونه العملي إقامة مبادئ العطف والبر ، والعدل والإنصاف ، والمساواة بين الخلق ، بعيدا عن الأطماع البشرية ؛ إذ لا يسمى السلام سلاما إذا كان لمصلحة طرف دون الآخر . ويذكر الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصرية الأسبق ، أن التسامح الديني له ضوابطه وشروطه .

فالشرط الأول الذي لا غنى عنه لقيام أي حوار ، هو التسامح الواجب حيال دين الشريك الآخر في الحوار ، والتسامح بهذا المعنى الذي نقصده ، ليس مجرد تحمل سلبي للآخر ، بل هو نوع من هدنة فكرية ، تتيح الإحجام عن كل ما يعكر الصفو ، والانطلاق إلى صميم الحدث الحقيقي والفهم من أجل التواصل إلى حلول علمية ، إنه تسامح عن علم ، لأنه يتطلب معرفة بالأديان قائمة على أساس متين .

والشرط الثاني هو : لإجراء أي حوار ناجح هو الاحترام الواجب حيال كرامة الإنسان ، كرامة كل فرد قادر من حيث المبدأ بفضل عقله على ان يكون خليفة لله يعمل بمسئولية وابتكار ، فاختلاف البشر في الثقافة والعرق والقومية والدين ولون البشرة هو الذي يجعل تربية الإنسان والارتقاء به أمرا ممكنا ، وذلك لأن هذه الاختلافات العديدة من شأنها أن تتيح التنافس المثمر وتبادل الأفكار بين البشر وإثراء الحياة الإنسانية .

ولم يقف الأمر عند (وثيقة المدينة) وحدها ، فقد كان النبي شديد الحرص على صون حقوق الإنسان بالنسبة إلى غير المسلمين ، ولهذا جاء في إحدى رسائله إلى أهل نجران : [ ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد رسول الله على مالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ، لا يغير أسقف عن أسقفيته ، ولا راهب من رهبانيته ، ولا كاهن من كهانته ، وليس عليه دنية ] 

وفي هذا كله ما يؤكد عظمة الإسلام في تعامله مع غير المسلمين وإنصافهم ، وعدم إكراههم على الدخول في الإسلام ؛ حيث يقول الحق سبحانه : ) لا إكراه في الدين ( ويقول (U) على لسان نبيه : ) وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) ( (الشورى) 

خطورة الفكر التكفيري والفتوى دون علم 

لقد عانى كثير من دول المنطقة ، بل كثير من دول العالم أشد المعاناة من موجات التشدد باسم الدين ، واقتحام غير المتخصصين لساحات الدعوة والفتوى ، وتوظيف الدين لأغراض سياسية ، ما جعلنا نقرر وبقوة ، النأي بالدعوة والفتوى معا عن أي توظيف سياسي أو صراعات حزبية و مذهبية ، قد تتاجر باسم الدين أو تستغل عاطفة التدين لتحقيق مصالح خاصة حتى لو كان ذلك على حساب أمننا القومي .

وقد حذر العلماء من خطورة إطلاق التكفير من دون دليل قاطع ، فقال الإمام الشوكاني (رحمه الله) : [ إن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دينه ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أو ضح من شمس النهار ] وفي تأكيد خطورة التكفير والتحذير من إطلاقه من دون حق يقول نبينا (r) : [ أيما امريء قال لأخيه يا كافر . فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ] .

ولقد جاء في السنة ما يمنعنا ويحذرنا تحذيرا شديدا من التكفير : ومنه قول النبي (r) : [ من دعا رجلا بالكفر أو قال : عدو الله ، وليس كذلك إلا حار عليه ] أي : رجع عليه قوله 

كما أن عدم تكفير المسلمين يعتبر من أصول العقيدة كما روي عنه (r) أنه قال : [ ثلاث من أصل الإيمان : الكف عمن قال لا إله إلا الله ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل ، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتى الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ، والإيمان بالأقدار ] 

فهذه النصوص صريحة غاية الصراحة في تحذير المسلم من الإسراع في التكفير ، وشديدة نهاية الشدة في تنفيره من الولوج في هذا الباب لما له من خطر على الأمة أفرادا وجماعات .

فتأكيد الإسلام خطورة التكفير أمر ظاهر في النصوص في مقابل مثل هذه الآراء التي قامت على التساهل في تكفير المسلم ، وتنطلق الرؤية الإسلامية السليمة من قوله تعالى : ) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ( (النساء : 94) فقد نهت الآية الكريمة عن تكفير من يلقى إلينا السلام ، فكيف بمن يصرح بكلمة لا إله إلا الله التي تعصم النفس والمال ، فتكفير المسلم والحكم عليه بالخروج من الإسلام أمر عظيم وشيء كبير في دين الله ؛ فعن ثابت بن الضحاك (t) أن رسول الله (r) قال : [ لعن المؤمن كقلته ، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به في الآخرة ، وليس على رجل مسلم نذر فيما لا يملك ، ومن رمى مؤمنا بكفره ، فهو كقتله ] .

وقد أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في كلمته التي ألقاها في افتتاح مؤتمر (خطورة الفكر التكفيري والفتوى بدون علم على المصالح الوطنية والعلاقات الدولية ) الذي عقده المجلس الأعلى للشئون الإٍسلامية بالقاهرة في الفترة 25 – 26 مارس 2014 أن البعد عن التكفير أصل من أصول الأحكام في الإسلام ، موضحا أنه إذ صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد ، حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر ، وأنه من المقرر عند أهل العلم أنه لا يخرج من الإيمان إلا جحد ما أدخلك فيه .

ولا ينبغي أن يتعرض للفتوى في دين الله من ليس له علاقة بالفقه والأصول ، وإن كان قد درس التفسير أو علوم القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف أو السياسة الشرعية ، ولا ينبغي للمفتي أن ييئس الناس من رحمة الله عز وجل ، وألا يرخص لهم في المعاصي ، وأن يكون ذا ورع ، وأن يرجع عن الخطأ إذا تبين له ، فالرجوع إلى الحق خير له من التمادي في الباطل ، وأن يفتي بما يعلم أنه الحق ، ويصر عليه ، فلا يخضع لأهواء العوام ، ولا لأغراض السلطان ، بل يجعل رضا الله تعالى غايته ومبتغاة .

التنوع الثقافي في مواجهة الانغلاق 

الاختلاف سنة إلهية كونية ؛ فالإنسانية التي خلقها الله من نفس واحدة ، تتنوع إلى شعوب وقبائل وأمم وأجناس وألوان ، وهذا التنوع والاختلاف في الثقافة واللون والأفكار والعقول ، إنما هو آية من آيات الله (عز وجل) ؛ حيث يقول سبحانه : ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) ( (الروم) 

وبما أن هذا الاختلاف إرادة إلهية وسنة كونية لا تتخلف ولا تتبدل لم يعد الاهتمام بالثقافة والتكوين الثقافي للفرد والمجتمع ترفا أو أمرا ثانويا أو من نافلة القول أو العمل ، إنما هو أمر في صميم المصلحة الوطنية ، بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن المصلحة الوطنية لا يتم تحققها الكامل من دون إطار أو وعاء ثقافي مدروس ومتكامل .

ومن هنا تأتي أهمية إعادة النظر في كم المكون الثقافي ونوعيته في التعليم الجامعي وما قبل الجامعي ، وتنشيط دور مراكز الشباب في الحوار المجتمعي ، وأن يعمل الخطاب الدعوي على الإسهام في ذلك بفاعلية كبيرة ، وذلك من خلال :

1- إطلاق قوافل حوارية تعني بالاستماع إلى جيل الشباب ومناقشة الحجة بالحجة والفكر بالفكر ، وتفعيل المنهج الحواري القرآني مع الشباب بقوافل تجوب القرى والنجوع بثوب جديد يناسب مستجدات ومتطلبات العصر .

2- إقامة الملتقيات الحوارية والثقافية والدينية في المدارس والمساجد والمعهد ومراكز الشباب والمؤسسات المعنية بهذا الشأن ، مع الالتفاف حول الدعاة المتخصصين والحكماء والمعتدلين .

3- إقامة الندوات والمحاضرات التثقيفية والتوعوية حتى لا يغرر بالشبان .

4- التعرف عن قرب إلى المشكلات الفكرية والثقافية ، والعمل الجاد على محو الأمية الإسلامية لدي جميع شرائح المجتمع وبخاصة لدي جيل الشباب .

5- عمل دراما دينية عبر التلفزيون ، يبث من خلالها المكون الثقافي المعتدل الوسطي بما يتفق مع حضارتنا وثقافتنا وتراثنا وقيمنا .

6-  مشاركة جيل الشباب في المؤتمر الدولية والهيئات العامة التي تنشر الإسلام الوسطي.

7- مشاركة جيل الشباب مع الدعاة في المسابقات البحثية والدينية ، محليا وعربيا ودوليا.

8- التنسيق بين الجهات المعنية بالدعوة والفكر والثقافة في عالمنا العربي والإسلامي ؛ من أجل نشر ثقافة التعايش السلمي وفق الفهم الوسطي الصحيح للإسلام ، وبما لا يتعارض مع ثوابتنا العقدية والإسلامية ، وإقامة شراكات فكرية وثقافية مع المؤسسات والمنتديات العالمية المعنية بالتواصل الحضاري من دون تكبر أو استعلاء أو محاولات إملاء على الآخر أو قبول إملاءات منه ، بل مع من يؤمنون بالقيم الإنسانية ، ويعملون على ترسيخها ، شكلا ومضمونا ، ظاهرا وباطنا ، من دون موارية أو مخادعة ، أو توظيف لمصالح سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية.

السماحة وفقه التعايش من الأصول التي بنى عليها الإسلام 

لقد قررت النصوص الشرعية من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة مبدأ الجمع بين التسامح والتعايش مع المحافظة الكاملة على تميز شخصية المؤمن ، فهذه سورة (الكافرون) تعلن منهج الإسلام في الأمرين كليهما ، إذ يقول الله تعالى  : ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) ( (الكافرون) وهذا إعلان عن البراءة من معتقدهم مع تركهم وشأنهم ؛ مالم يعتدوا وما لم يصدوا من يدعو إلى دين الله .

إن عظمة الإسلام هنا تتجلى في التفريق بين العقيدة التي تؤصلها النصوص الشرعية والتعايش الذي يفرضه الإسلام ، فالخلط بين الأمرين أوقع كثيرين في حرج عظيم ، إن الإسلام الذي أحكم عقيدة المؤمن وحرص على تميز شخصيته إلى درجة أن النبي (r) نهى أن يتشبه المؤمن بالكفار ؛ بغية أن تكون له كينونته المستقلة ، هو الإسلام نفسه الذي فرض على أتباعه التعايش السلمي إلى درجة تجعل من يقدم من المسلمين على ظلم واحد من غير المسلمين في بلاد الإسلام في خصومة بينه وبين النبي يوم القيامة ، يقول (r) : [ ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ] .

إننا ندعو في النهاية إلى تواصل هادئ يعتمد على القيم الإنسانية المشتركة التي تحث على التسامح والتراحم ، وتدعو إلى الإيثار وحب الخير والحق والعدل والمساواة وتفعيل مبدأ الاحترام المتبادل ، وعدم الرغبة في الهيمنة أو الاستئثار من أجل تقوية السلم ونشر الأمن والوفاق والوئام .

ومن المبادئ التي يقوم عليها التسامح :

1- احترام الرأي الآخر : فمن الدعائم المهمة هنا لتقريب الشقة ، وتقليل حدة الخلاف ، احترام الرأي المخالف ، وتقدير وجهات نظر الآخرين ، وإعطاء آرائهم الاجتهادية ، حقها من الاعتبار والاهتمام ، ما دامت لم تمس ثوابتنا العقدية .

2- إمكان تعدد الصواب : فما يعين على التسامح في الخلافيات واحترام الرأي الآخر ، الاعتقاد بإمكان تعدد الصواب ، وإذا كان بعض سلفنا الصالح يقول : [ رأي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ ، يحتمل الصواب ] فإننا نقول إن الرأيين كليهما قد يكونان على صواب .

3- قبول الاختلاف في تكييف الواقع (تحقيق المناط) : ففقه الاختلاف يملي على المسلم احترام آراء الآخرين وعدم تسفيههم أو تكفيرهم .

4- عدم التكلف أو التنطع في الدين : إن من أسباب الوفاق والتقارب بين المسلمين للإسلام ، تجنب التنطع في الدين ، وهو ما حذر النبي من الوقوع في الهلاك بسببه .

5- الحنو على المدعوين ولا سيما العصاة والمخطئين : لقد ضرب النبي أورع المثل في الحنو على المدعوين ، وبخاصة من العصاة والمخطئين ، ألا ترى كيف تعامل الرسول (r) مع الأعرابي الذي بال في المسجد .

تفهم ما لدي الآخر من عادات وتقاليد وموروثات حضارية 

يقولون لا ترفض الناس جملة فيرفضوك جملة ؛ فالإقصاء يولد الإقصاء المضاد ، والرفض يقابله رفض مضاد مساو له في النسبة – إن لم يفقها – ومعاكس له في الاتجاه .

وقد حث الإسلام على التواصل والتعارف بين الأمم والشعوب الحضارية فقال سبحانه وتعالى : )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ( (الحجرات) 

يقول فضيلة الإمام الأكبر الطيب : فالمسلم ينبغي أن يتعامل مع من يخالفه في الدين انطلاقا من قاعدة العدل ، وقاعدة الحق وقاعدة ما يستحقونه ، فلا يليق بمسلم أن يسيء إلى غير المسلم أو يحتقره أو يؤذيه أو يظلمه ؛ لأن الإسلام حرم الإساءة إلى الآخر أيا كان مذهبه أو دينه أو جنسه، قال الله تعالى : ) وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي ( (الأنعام : 152) فالمسلم مطالب بالعدل في كل كلمة يقولها ، فليس من العدل الاستهزاء بالآخر ، وليس من الإنصاف إيذاؤه أو ظلمه أو الإساءة إليه .

وتتجلى عظمة الإسلام في الإحسان إلى أسرى الحرب ، فكان الصحابة يتسابقون إلى إطعامهم ، ولما فتح الله مكة على نبيه عامل أهلها الذين آذوه وأخرجوه وحاولوا قتله بالحلم والصفح ومقابلة السيئة بالحسنة ، فقال لهم قولته المشهورة : [ يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وبن أخ كريم ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء ] .

ولكن لكي تبني الثقة بناء حقيقيا محكما ، ويؤتي تفهم ما لدي الآخر ثمرته المرجوة للطرفين ، لابد من تأكيد أمور :

1-التخلي عن نظرة الاستعلاء إزاء الآخر : وهذا يعني الاحترام المتبادل متفهم مواقف الطرف الآخر واحترام خصوصياته الحضارية على أساس من الندية والمساواة .

2- التخلي عن أطماع الهيمنة الاستعمارية : فإن محاولة أي حضارة من الحضارات الهيمنة على الحضارات الأخرى وفرض قيمتها ونظمها على هذه الحضارات ، وإلغاء خصوصيتها ومحو ذاتيتها ، أمر يعد ضد طبيعة الأشياء ، ويعد جناية على الشعوب المنضوية تحت هذه الحضارات ؛ لأنها ستجد نفسها من دون هوية ، وستجد نفسها مقطوعة الجذور ، وفي الوقت نفسه لا تنتمي إلى حضارة الآخرين ، وفي ذلك قتل الشخصية الحضارية للأمة المعتدي على خصوصيتها لصالح الحضارة الساعية للهيمنة ، ما يؤدي حتما إلى صراع الوجود ، لا إلى التواصل ولا إلى التكامل .

3- اللجوء إلى الحوار بدلا من العنف : فالعنف لا يوجد إلا العنف ، أما الحوار فهو اللغة الحضارية التي تليق بالبشر ، وهو الأسلوب الأمثل لحل كل المشكلات ، وتفادي الكثير من الشرور والدمار الذي يسببه اللجوء إلى العنف ، ولن يكون هناك حوار مثمر إلا إذا كان كل طرف لديه استعداد للاستماع إلى الطرف الآخر والتفكير فيما يطرحه من تصورات ، ولديه الاستعداد لممارسة النقد الذاتي ، والبعد عن التنديد بالآخر أو التقليل من شأنه ، والسعي إلى التواصل من خلال الحوار إلى رؤى ومعايير مشتركة تفتح السبيل إلى تعاون مشترك ، لا من أجل مصالحنا المشتركة فحسب ، وإنما من أجل سلام هذا العالم واستقراره ، وبذلك يمكن التصدي لكل شكل من أشكال العنف والمواقف السلبية .

خاتمة 

وختاما أسجل النقاط الآتية :

1-إن الإيمان بتعددية الحضارات ، واختلاف الأمم ، والأديان ، والثقافات أمر واقع لا يمكن إنكاره أو تجاوزه أو الهروب منه ، بل إن الرؤية الإسلامية الصحيحة الثاقبة تجعل منه سنة إلهية وكونية ؛ حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : ) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ( (هود) 

2- إن البشرية جمعاء في حاجة إلى تأكيد منظومة القيم الإنسانية ، والإيمان بالتنوع الحضاري والثقافي ، والانطلاق للعيش معا من خلال المشترك الإنساني بين البشر جميعا ، وتأكيد أن هذا التعايش هو من صميم رسالة الأديان جميعا ، حتى لا يستغل الدين لمصالح سياسية أو أطماع اقتصادية ، فيحدث القتل والتدمير والتخريب باسم الدين وتحت صيحات التكبير والتهليل ، أو التصليب ، وما شاكل ذلك أو شابهه.

3- إن الإسلام دين إنصاف ، يحث أتباعه على الإنصاف الذي يرتكز على العدل ، بصرف النظر عن الحب أو البغض تجاه الآخر ، فالمسلم ينبغي أن يتعامل مع من يخالفه في الدين انطلاقا من قاعدة العدل ، وقاعدة الحق ، وقاعدة ما يستحقه ، فلا يليق بمسلم أن يسيء إلى غير المسلم أو يحتقره أو يؤذيه أو يظلمه ، لأن الإسلام حرم الإساءة إلى الآخر أيا كان مذهبه أو دينه أو جنسه .

إن اختلاف الثقافات والحضارات والأعراف والتقاليد ، يولد – بالطبع – اختلافا في الحقوق والواجبات ، ولا يمكن لحقوق الإنسان في الغرب التي ترتبط بطبيعة المجتمعات فيه ، أن تستنسخ وتفرض قسرا على الشرق ولا العكس قائم أيضا ، فعلى كل من الشرق والغرب أن يحترم ثقافة الآخر وحضارته ، لنتعامل في ضوء تكامل الحضارات لا تصادمها ، فللغرب ثقافته وعاداته وتقاليده وحقوقه التي لا ينكرها عليه الشرق ، ولا يملي عليه غيرها ، وللشرق ثقافته وحضارته وتقاليده وحقوقه التي لا يقبل أن يتدخل الغرب في تغييرها قسرا أو إملاء غيرها عليه تحت أي ذريعة أو مسوغ ، فينبغي أن يكون الحوار الحضاري بعيدا كل البعد عن نظريات الإملاء ومحاولة الهيمنة ، ويكون لدي كل طرف إيمان حقيقي بالحوار ، واستعداد جاد لتقبل الآخر ، وتفهم ما لديه من عادات وتقاليد وموروثات ثقافية وحضارية ، فالرفض يقابله رفض مضاد .

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة