تنظيم الأسرة في الإسلام

تنظيم الأسرة في الإسلام

0 المراجعات

تنظيم الأسرة في الإسلام 

إذا كان النبي (r) قد قال في حديث له بمناسبة تأبير النخل : [ أنتم أعلم بأمور دنياكم ] فإن ذلك ينسحب بطبيعة الحال على كل شيء يتعلق بأمور الدنيا مما يخضع للعلم والخبرة والمصالح العامة والتجارب الطويلة التي ثبتت صحتها .

ومن أمور الدنيا التي تخضع للمصلحة العامة للمجتمع وسعادته ورفاهيته تدبير أمور الحياة المعيشية للمواطنين وضرورة المواءمة بين الموارد من ناحية والإنفاق المطلوب لتوفير العيش الكريم لهم من ناحية أخرى . وكل ما يحقق المصلحة العامة للمجتمع في هذا الصدد .

فهو من الدين . ومن المأثور عن الإمام نجم الدين الطوفي (ت 716 ه) قوله : [ حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله ] .

ونحن في مصر نعاني من محدودية الموارد وزيادة الإنفاق نظرا للزيادة الرهيبة في أعداد السكان التي تبلغ مليونا وثلث المليون من الموالد التي تستقبلهم بلادنا كل عام ، الأمر الذي لو استمر على هذا المعدل فإن جميع خطط التنمية على جميع المستويات ستتوقف وتضطر البلاد إلى الاستدانة لإطعام الأعداد الغفيرة التي تتزايد عاما بعد عام من السكان .

ومن هنا فإن مصلحة الأمة في ظل هذه الظروف الخطيرة تحتم ضرورة اللجوء إلى تنظيم الأسرة للحد من هذه الزيادة المخيفة حتى يمكن توفير أسباب العيش الكريم للمواطنين .

حقائق أساسية حول تنظيم الأسرة 

1- إن الأديان السماوية ، أنزلها الله – تعالى – لسعادة البشر ، ولهدايتهم إلى الصراط المستقيم ، ولغرس المعاني الفاضلة في نفوسهم .

2- إن الكلام في الأمور الدينية بصفة خاصة . وفي غيرها بصفة عامة ، يجب أن يكون مبنيا على العلم الصحيح ، والفهم السليم ، والدراية الواسعة الواعية لأصول الدين وفروعه ، ولمقاصده وأهدافه وأحكامه .

وأن يكون كذلك لحملته وسداه : الأمانة والصدق . وخدمة الحق والعدل . والتنزه عن الأحقاد والأطماع . والبعد عن المآرب والأهواء ، والترفع عن النفاق وكتمان الحق .

3- إن الخلاف في الأمور التي تقبل الاجتهاد لا غبار عليه ، ولا ضرر منه ، ما دام القصد الوصول إلى الحق ، وإلى ما تتحقق معه المصالح النافعة للأفراد والجماعات .

وما دام – أيضا – هذا الخلاف مصحوبا بالنية الحسنة وبالكلمة الطيبة ، وبالمناقشة الرصينة التي يزينها الأدب ومكارم الأخلاق .

4- إن الأولاد هم ثمرة القلب ، وإحدى زينتي الحياة الدنيا ، وقد تمنى الذرية جميع الناس حتى الأنبياء ، فهذا سيدنا إبراهيم يدعو الله فيقول : ) رب هب لي من الصالحين (

ولكن الأولاد في الوقت نفسه ، أمانة في أيدي أبائهم ، ويجب على الآباء أن يراعوا هذه الأمانة حق رعايتها ، بأن يحسنوا تربيتهم دينيا ، وجسميا ، وعلميا ، وخلقيا ، وبأن يقدموا لهم ما هم في حاجة إليه من عناية مادية ومعنوية .

5- إن هذا الكون قد أقامه الله تعالى على نظام دقيق ، بديع ، محكم ، فكل شيء فيه يسير وفق تدبير متقن وتنظيم بديع .

فالشمس تشرف وتغرب في وقت معلوم . ومثلها القمر والليل والنهار ، كما قال – سبحانه وتعالى - : ) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) ( (يس) 

6- إننا نعيش في عصر لا تتنافس فيه الأمم بكثرة أفرادها ، ولا باتساع أراضيها ، وإنما نحن نعيش في عصر تتنافس فيه الأمم بالاختراع والابتكار ووفرة الإنتاج ، والتقدم العلمي بشتى صوره وألوانه ، وهذا التقدم الذي يجعل احتياج الغير إليك ، أكثر من احتياجك إليه .

ونحن نشاهد أمما أقل عددا من غيرها ، ولكنها أقوى وأغنى من ذلك الغير .

7- إن من مزايا شريعة الإسلام ، أن الأمور التي لا تختلف المصلحة فيها باختلاف الأوقات والبيئات والاعتبارات ، وتنص على الحكم فيها نصا قاطعا ، لا مجال مع النص للاجتهاد والنظر ، كتحليل البيع وتحريم الربا .

أما الأمور التي تخضع فيها المصلحة للظروف والأحوال فإن شريعة الإسلام تكل الحكم فيها إلى أرباب النظر والاجتهاد والخبرة ، في إطار قواعدها العامة ، ومن هذه الأمور مسألة تنظيم الأسرة أو النسل ، فإنها من المسائل التي تختلف فيها الأحكام باختلاف ظروف كل أسرة ، وكل دولة وباختلاف إمكانياتها .

تساؤلات وإجابات حول قضية تنظيم الأسرة 

والجواب ببساطة : تنظيم الأسرة معناه : أن يتخذ الزوجان باختيارهما واقتناعهما . الوسائل التي يريانها كفيلة بتباعد فترات الحمل . أو إيقافه لمدة معينة من الزمان ، يتفقان عليها فيما بينهما .

وهناك فرق شاسع بينه وبين التحديد والتعقيم والإجهاض ، إذ تحديد النسل بمعنى منعه منها مطلقا دائما حرام شرعا ومثله التعقيم الذي هو بمعنى القضاء على أسباب النسل نهائيا .

وأما الإجهاض وهو قتل الجنين في بطن أمه ، أو إنزاله ، فقد أجمع الفقهاء – أيضا – على حرمته وأنه لا يجوز إلا إذا حكم الطبيب الثقة .

إن تنظيم الأسرة أو النسل ، بتلك الصورة التي سبق بيانها جائز شرعا وعقلا متى كانت هناك أسباب تدعو إليه ، وهذه الأسباب يقدرها الزوجان حسب ظروفهما . فقد تنشأ أسباب تدفع الإنسان إلى تنظيم أسرته أو نسله ، وقد ذكر الفقهاء قديما وحديثا جملة من الأسباب التي تبيح للزوجين تنظيم نسلهما .

يرى الإمام الغزالي أن منع الولد مباح ولا كراهة فيه ، فمنهم فضيلة الشيخ السيد سابق .

إلا أن الإسلام مع ذلك لا يمنع في الظروف الخاصة من تنظيم النسل ، باتخاذ دواء يمنع من الحمل .

فيباح التنظيم في حالة ما إذا كان الرجل معيلا – أي كثير العيال – ولا يستطيع القيام على تربية أبنائه التربية الصحيحة وكذلك إذا كانت المرأة ضعيفة .

ثالثا : هل تنظيم النسل أو الأسرة هو الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة تزايد السكان ، ورفع مستوى المعيشة وحصول كل فرد على مطالب حياته بصورة مقبولة ؟

والجواب : ما قال عاقل بأن تنظيم النسل أو الأسرة هو الوسيلة الوحيدة لحل هذه المعضلات ، وإنما هو وسيلة من بين كثير من الوسائل التي من أهمها : أداء كل فرد من أفرادها لواجبه قبل مطالبته بحقوقه ، وحرص هذا الفرد على أن يكون لبنة نافعة في بناء كيان مجتمعه ، لبنة تقوى كيان المجتمع ولا تضعفه وتعطيه من إنتاجها أكثر مما تأخذ منه .

وقد أجاب فضيلة الشيخ عبد المجيد سالم – مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت – بقوله : اطلعنا على هذا السؤال ، ونفيد بأن الذي يؤخذ من نصوص الفقهاء الأحناف ، أنه يجوز أن تتخذ بعض الوسائل لمنع الحمل على الوجه المبين بالسؤال .

وكان الجواب : اطلعت اللجنة على هذا السؤال وتفيد بأن استعمال دواء لمنع الحمل مؤقتا لا يحرم على رأي عند الشافعية وبه تفتي اللجنة لما فيه من التيسير على الناس ودفع الحرج ولا سيما إذا خيف من كثرة الحمل ، أو ضعف المرأة من الحمل المتتابع بدون أن يكون بين الحمل والحمل فترة تستريح فيها المرأة وتسترد صحتها والله تعالى يقول : ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر( .

وكان جوابي : لا مانع شرعا من إيقاف الحمل لفترة من الزمان ما دام يقصدان من وراء ذلك حسن التربية لطفلهما ، وما دام يؤمنان هذا الإيمان العميق بقدرة الله – تعالى – على كل شيء .

وكان جوابي : أنه لا مانع شرعا من ذلك ، لأنهما بفعلهما هذا يباشران الوسائل السليمة لتربية ولديهما تربية قويمة .

وكان جوابي : أن هذا الشعور بظروف الدولة التي تعيشان فيها شعور طيب وحميد ، يدل على حسن الظن ، وعلى الثقة فيها تصدره الدولة من بيانات حول هذا الموضوع ، كما يدل على الاهتمام المشكور بأحوال المجتمع الذي تعيشان فيه استجابة لقول النبي (r) : [ من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ] .

والجواب : لا تتعارض الدعوة إلى تنظيم النسل متى سيقت بأسلوب حكيم مع قوله تعالى : ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا .. ( .

ولا تتعارض الدعوة إلى تنظيم الأسرة مع قوله سبحانه ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم .. ( .

لأنه ما قال أحد بأن تنظيم الأسرة قتل للأولاد ، وإنما هو حماية لهم من النواحي الدينية والصحية والاجتماعية .

ولذا فتنظيم الأسرة لا يتعارض إطلاقا مع الاعتقاد بأن الله تعالى هو الرازق لمخلوقاته ، لأننا مع هذا الاعتقاد مطلوب منا أن نسعى لطلب الرزق من وجوهه المشروعة ، حتى نقدم لمن هم أمانة في أعناقنا ما يغنيهم ويسترهم .

ونحن نكرر أم مسألة تنظيم الأسرة ، ليست من المسائل التي لا تقبل التغيير أو النظر لأنها تنزيل من حكيم حميد . وإنما هي من المسائل التي تقبل المراجعة والنظر ، والتي هي من الأمور النسبية التي تخضع لظروف كل أسرة وأحوالها .

سابعا : هل الدين يدعو إلى اتخاذ وسائل معينة لتنظيم الأسرة ؟

الجواب : إن الدين يدعو إلى الحياة السعيدة بين الزوجين ، ويرسم لهما طريقهما ، ويحدد لهما ما هو حلال وما هو حرام ، ثم بعد ذلك يعطيها الحرية الكافية لتصريف حياتهما في إطار شريعة الله – تعالى ومكارم الأخلاق.

وطرق تنظيم النسل أو الأسرة ، كانت في القديم مقصورة على (العزل) وهو قذف النطفة بعيدا عن الرحم عند الإحساس بنزولها .

وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال : كنا نعزل على عهد رسول الله (r) والقرآن ينزل .

ثم تطورت طريقة تنظيم النسل بمرور الأيام وابتكر الأطباء أنواعا كثيرة لهذا الغرض ، منها ما يؤخذ عن طريق الفم ، ومنها ما يؤخذ عن طريق الحقن ، ومنها اللولب المعدنية إلى غير ذلك من الوسائل .

أنه لا تنافى ولا تعارض بين تنظيم الأسرة وبين الإيمان بقضاء الله وقدره لأن تنظيم الأسرة أو النسل ما هو إلا لون من مباشرة الأسباب التي أمرنا الله تعالى بمباشرتها لتنظيم حياتنا.

رأي لجنة الفتوى بالأزهر في تنظيم النسل 

إن الأولاد إن كانوا ثمرة القلب وإحدى زينتي الحياة الدنيا فإنهم في الوقت نفسه أمانة في أيدي آبائهم ليحسنوا تربيتهم دينيا وجسميا وعلميا ففي الحديث : [ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] ، فالإنسان العاقل هو من يتخذ النظام شعارا له في سائر تصرفاته مصداقا لقول الله تعالى : ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ( .

ويشاهد العلم أمما أقل عددا من غيرها ولكنها أقوى وأغنى . ومن مزايا شريعة الإسلام أن الأمور التي تخضع فيها المصلحة للظروف والأحوال تكل الحكم فيها إلى أرباب النظر والاجتهاد والخبرة في إطار قواعدها العامة ومنها مسألة تنظيم النسل ؛ ففي الدول التي لا تتحمل إمكانياتها الكثرة لأنها تستورد من غيرها معظم ضروريات حياتها يكون تنظيم الأسرة فها أمرا مرغوبا فيه ومطلوبا منها مع غيره من الوسائل الأخرى التي تؤدي إلى تقدمها .

وبعد المناقشة أيدت اللجنة ما ذهب إليه فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي الديار المصرية من جواز تنظيم النسل للعوامل الصحية والاقتصادية والاجتماعية عند تراضي الزوجية ومن أنه لا داعي لإصدار قانون بذلك . هذا وبالله التوفيق 

لقد أصبحت المشكلة السكانية اليوم من أخطر القضايا المعقدة التي تواجه مصر ، إن لم تكن أخطرها على الإطلاق . فالانفلات السكاني الراهن يبتلع كل جهود التنمية من ناحية ويعوق تقدم البلاد من ناحية أخرى.

ومن أجل ذلك ينبغي أن تتضافر كل الجهود وتتعاون كل الأجهزة المختصة في الدولة من أجل تنفيذ حقيقي للخطط الموضوعة لتنظيم الأسرة ، بهدف الحد من الزيادة الرهيبة في أعداد السكان حتى نضمن لبلادنا مستقبلا ينعم فيه المواطنون بالتقدم والازدهار .

حفظ النسل في الشريعة الإسلامية :

يحرص الإسلام أشد الحرص على سلامة المجتمع وقوة أفراده لينهض كل فرد بمسئوليته الملقاة على عاتقه من أجل النهوض بالحياة والأحياء . وحفظ النسل – الذي يعد أحد المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية – يعني بصفة عامة المحافظة على النوع الإنساني ، كما يعني بصفة خاصة المحافظة على الأسرة التي تعد الخلية الأولى في تكوين أي مجتمع إنساني سليم .

ومن هنا يهتم الإسلام بحفظ الأنساب وحمايتها من الاختلاط ، ويحرم زواج المحارم ، ويوصي بعد زواج الأقارب لما يترتب على ذلك من ضعف النسل .

كيف يتفق ذلك مع الدعوة إلى تنظيم النسل والحد من تكاثره كحل للمشكلة السكانية ؟

ألا تمثل هذه الدعوة تحديا سافرا لمقاصد الشريعة الإسلامية وخروجا واضحا عليها ؟

ألا تتعارض هذه الدعوة مع الحديث الشريف القائل : [ تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ] .

الكم والكيف :

ولتوضيح الإجابة عن ذلك نود أن نقول بصفة عامة : إن الكثرة التي يتحدث عنها الحديث النبوي المشار إليه لا يمكن أن تكون هي مجرد الكثرة العددية غير الفاعلة التي أطلق عليها النبي (r) وصف (غثاء السيل) في حديثه المعروف : [ يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . قالوا : أمن قلة نحن حنيئذ ؟ قال : لا ، فأنتم حينئذ كثير ، ولكن غثاء كغثاء السيل ] .

والنبي (r) يبين لنا أن [ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ] والمراد هنا القوة البدنية والمعنوية معا .

إن كل هذه الشواهد تبين لنا خطأ فهم حديث (تناكحوا تكثروا) على أنه يعني مجرد الكثرة العددية . فالمباهاة لا تكون بغثاء السيل ولكن بالقوة النوعية الفاعلة .

والمسلمون اليوم يشكلون أكثر من خمس سكان العالم ، ولكن الآخرين الأقل عددا يتحكمون في مصائرهم . فهل يعقل أن يباهي النبي (r) بهذا الكثرة العددية الضعيفة التي تنبأ بأنها ستكون مثل غثاء السيل ؟ 

تنظيم النسل في الإسلام :

إن الإسلام يرفض رفضا قاطعا تحديد النسل الذي يعني إرغام كل أسرة على ألا يزيد الإنجاب فيها عن طفل واحد كما تفعل بعض الدول ، كما يرفض التعقيم بهدف منع الإنجاب مطلقا كما تفعل دول أخرى . ولكن الإسلام بوصفه دين الوسطية والاعتدال يجيز التنظيم للنسل وذلك بتباعد فترات الحمل حتى يأخذ كل طفل حقه بالكامل من الرضاعة الطبيعية والرعاية الأسرية .

وهذا  يعني ضرورة المحافظة على الطفل في هذه الفترة لتتاح له الفرصة للتربية السليمة بدنيا ونفسيا وحتى ينشأ نشأة قوية .

وسائل منع الحمل :

وقد روى كل من البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قوله : [ كنا نعزل على عهد رسول الله (r) والقرآن ينزل ] 

وفي رواية أخرى : [ فبلغ رسول الله (r) فلم ينهنا ] وفي صحيح مسلم أيضا عن أسامة بن زيد (t) أن رجلا جاء إلى الرسول (r) فقال : [ يا ر سول الله ، إني أعزل عن امرأتي ، فقال رسول الله (r) لم تفعل ذلك ؟ فقال الرجل : أشفق على ولدها – أو قال على أولادها – فقال الرسول : لو كان ضارا – أي العزل – لضر فارس والروم ] 

وإذا كان الله قد أعطانا العقل لنفكر به ونتدبر أمورنا فإن العقل والمنطق يحتمان علينا أن نلجأ إلى تنظيم الأسرة ما دام ذلك سيحقق لنا مصلحة حقيقية تعود بالخير على الأفراد وعلى المجتمع بصفة عامة .

تنظيم النسل ومصلحة المجتمع :

لا شك في أن الانفلات السكاني في ظل هذه الظروف أمر يضر بمصلحة مصر وأمنها أبلغ الضرر ، لأن الدولة بمواردها المحدودة لن تستطيع مستقبلا – إذا استمر الإنجاب بهذا المعدل – أن تواجه متطلبات هذه الزيادة الرهيبة ، وهذا يعني أنها لابد أن تستدين من غيرها لإطعام الأعداد الغفيرة التي تولد سنويا .

وهذا يعني بالتالي أنها ستكون تحت رحمة غيرها ، وأن قرارها تحت وطأة هذا الدين لن يكون نابعا من إرادتها الحرة ، فمن لا يملك غذاءه لا يملك قراره . وهذا أمر لا يرضاه أي مصري مخلص لوطنه غيور على حريته واستقلاله .

توجيهات نبوية :

وهناك أحاديث نبوية كثيرة تلفت نظرنا إلى ضرورة تحكيم عقولنا في هذه القضية وغيرها من قضايا حياتية . فالنبي عليه الصلاة والسلام يأمرنا بأن نفرق بين أبنائنا من الذكور والإناث في المضاجع – كما جاء في قوله – [ فرقوا بينهم في المضاجع ] فكيف يتأتى ذلك لموظف بسيط يعيش مع أسرته في غرفة واحدة أو غرفتين ؟

ولا يغيب عنا أن الانفلات الرهيب في السكان – وبخاصة بين الطبقات الفقيرة التي لا تستطيع إعالة الأعداد الكثيرة من أطفالها – يتسبب في ظاهرة أطفال الشوارع الذين يستخدمهم تجار المخدرات في نقل السموم التي تدمر شباب المجتمع ، ويفتح ذلك بابا واسعا من أبواب الجريمة ، الأمر الذي يعود على المجتمع بأوخم العواقب .

ومن هنا يمكن القول بأن العقل والشرع معا يحتمان علينا في مصر على وجه الخصوص أن نلجأ إلى تنظيم النسل حرصا على المصلحة العامة للمجتمع .

تفسير خاطئ :

ومن التفسيرات الخاطئة التي يحتج بها معارضو تنظيم النسل تبريرا لموقفهم الرافض لهذا التنظيم قولهم : إن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بالرزق لكل كائن حي وذلك في قوله تعالى : ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها (

وهذا يعني في رأيهم أن الدعوة إلى تنظيم النسل والحد من الزيادة السكانية من أجل مصلحة المجتمع تتعارض مع ما جاء في هذه الآية الكريمة .

والإسلام دين النظام في كل شيء . وتنظيم الأسرة بالمعنى الذي أشرنا إليه لا يختلف عن تنظيم أمر المعيشة والنفقة بالنسبة لما يصل إلى يد الإنسان من موارد.

فالمرء مطالب بأن يوائم بين موارده وبين ما تتطلبه احتياجات أسرته . فإذا زادت أعباء الأسرة وقلت الموارد اختل ميزان حياة الأسرة ، وعاشت في ضيق وشدة .

والهدف الذي يسعى إليه الإسلام هو تحقيق السعادة للإنسان في دنياه وأخراه . ومن هنا نجد أن المصلحة العامة للمجتمع تتفق تماما مع مقررات الدين . ومن المأثور عن علمائنا الثقات في هذا الصدد قولهم : [ حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله ] .

الإسلام وتنظيم الأسرة 

تمهيد :

إن الإسلام دين الفطرة ونحن بذلك مؤمنون ، وهو دين الله الخالد ، وشريعته الخاتمة إلى أن تقوم الساعة . أبلغنا ذلك رسول الله (r) ، ووجهنا فيما وجه إليه من فضائله ونظمه إلى تكوين الأسرة وهدى إلى السبب المكون لها وهو الزواج مبينا أنه من سنن المرسلين ، يشهد لذلك قوله تعالى : ) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( وقد لفت بذلك أنظارنا إلى أنه تعالى حين اقتضت حكمته أن يخلق الزوجين الذكر والأنثى ، اقتضت كذلك أن يجعل اتصال أحدهما بالآخر فيما فطرهما عليه سببا في وجود النوع الإنساني وتكاثره لعمارة الكون والخلافة في الأرض.

ومنا هنا كانت المنة على بني الإنسان بمثل قوله تعالى : )هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ( وقوله سبحانه : ) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ( ولاشك أن الزواج أمر أقرته الأديان كلها ، وأقرته المجتمعات البشرية كلها من لدن آدم عليه السلام إلى يومنا هذا .

المقصود من الزواج :

نفهم من كل ذلك أن المقصود من الزواج أمران :

أولهما : الإنجاب حتى قال عمر بن الخطاب : ما أتزوج إلا لأجل الولد ، وهو في ذلك متأثر بفطرته وبنحو قوله (r) [ تزوجوا الودود الولود ] 

وثاني الأمرين : الإحصان والإعفاف وبعبارة أخرى غض البصر وحفظ النفس من ملابسة ما حرم الله ) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ( .

تنظيم الأسرة وما يراد منها :

يراد من تنظيم الأسرة : تنظيم تحصيل الأولاد ، والتحكم في الإنجاب بما هو مقدور البشر مما أباحه الله تعالى في حدود الطاقات التي منحها والتكاليف التي شرعها . ويدخل في مفهوم ذلك محاولة من لم ينجب – رجلا كان أو امرأة – تحصيل ما تهفو إليه نفسه عن طريق العلاج المشروع ، بعيدا عن كل ما يغضب الله تعالى .

أليس في هذه الإباحة الإذن الضمني بعدم تحصيل الولد والاكتفاء بالمقصود الثاني من الزواج وهو الإعفاف والإحصان ثم أليس تحصيل العدد الأقل من الأولاد – تحقيقا لغاياته – أولى من عدم التحصيل مطلقا ؟

نوعية النسل التي تريدها الشريعة : 

وفي إطار الحديث عما قدمنا من أن أهم مقاصد الزواج الإنجاب والنسل ، وفي إطار المقصود من تنظيم الأسرة أحب إن تعلموا : أن الشريعة الإسلامية إنما تريد من النسل نوعية جيدة تتطلع إليها الآمال ويتحقق بها كونها زينة الحياة الدنيا .

وهذه النوعية الجيدة هي ما نريد في تنظيم الأسرة – ولهذا جاءت الآيات والأحاديث المرشدة إلى تخير الزوجات وتربية البنين والبنات ) ربما هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( ) رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ( .

إن تنظيم الأسرة أو تنظيم الإنجاب أمر مباح للزوجين عن تراض منهما وتشاور ، على حسب ظروف الأحوال عامة أو خاصة لا تمنع الشريعة منه ، بل قد يكون مطلوبا إذا وجد موجبه عاما كان ذلك الموجب أو خاصا أيضا .

نصوص متصلة بتنظيم الأسرة :

من قال إن الإسلام منذ أول أمره تحدث عن تنظيم الأسرة بالمفهوم الذي قدمناه فهو صادق ، ذلك لأنه في توجيهه لتكوين الأسرة لم يغفل أمر ثمرتها المرجوة ، أعني أمر أهم ما يقصد من توكينها وهو الإنجاب .

1- قال رسول الله (r) لأصحابه وهو توجيه لنا ، ولما قبلنا ومن بعدنا : [ تخيروا لنطفكم ، فأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ] .

2- وقد علم أن أصحابه يعزلون وهذا صريح في عدم تحصيل الأولاد وفي الانتفاع بالسبب المانع من تحصيلهم ، فلم يسألهم عن سبب فعلهم ذلك ولم ينههم عنه .

3- عن ابن عباس عن النبي (r) فيما روي ابن ماجة : [ الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم ] وهو بهذا يرسم الطريقة المثلى لتنظيم الأسرة عن طريق أمر الآباء والأمهات بتربية أولادهم وملازمتهم في غدوهم ورواحهم ومصاحبتهم في نشأتهم لأنهم أحرص الناس عليهم وأحبهم لهم وأرفقهم بهم.

4- فيما يصح من حديث رسول الله (r) : [ مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع ] وهذه الفقرة الأخيرة من الحديث شاهدنا في شرعية تنظيم الأسرة ذلك بأن الأمر بالتفريق بينهم في المضاجع عند هذه السن يراد به إبعادهم عن نطاق الشر والحيلولة بينهم وبين الاستجابة للغرائز المنحطة . وهو بالتالي توجيه إلى أن يكون الإنجاب في دائرة القدرة المادية التي يستطاع معها تحقيق هذا الأمر.

عود إلى نوعية النسل المطلوب :

ولهذا كان من واجب كل أسرة أن تترسم الخطة الحكيمة في هذا الشأن حتى لا توقع نفسها ولا مجتمعها في حرج مادي أو معنوي ، ولا يختلف اثنان في أن الإسراف في تحصيل الأولاد دون توفر الإمكانات التي نبعت عليها الشريعة في أمثال ما روينا من الأحاديث أمر مرهق مجهد مؤد إلى غايات غير مرجوة .

ولا ندع هذا المقام حتى نقول إن الكثرة العددية من حيث هي كثرة لا تكون مخيفة ولا عبئا على مجتمعها إذا أعدت البرامج لاستثمارها والانتفاع بسواعدها في أغراض تنمية المجتمع وإنتاج ما يحتاج إليه ويرفه عنه مع الجدية الحازمة الحاسمة في تنفيذ هذه البرامج وتحقيق أغراضها . وهذه مسئولية القادة ورجال التخطيط وولاة الأمور في ظل ما ننادى به صادقين من وجوب تنمية الإنسان المصري واستثمار طاقاته .

وإلى أن يتحقق ذلك لابد من أن يفكر كل مسلم في أمر تنظيم أسرته والانتفاع بإرشادات الشريعة في هذا الشأن حتى لا يسهم في إضافة تزيد في متاعب مجتمعه .

أحكام تؤيد جواز تنظيم النسل :

1-أعطى الفقهاء لكل واحد من الزوجين عن طريق القاضي حق فسخ عقد الزواج إذا ظهر أن بالطرف الآخر مرضا يمنع المقصود من الزواج أو يخشى تعديه إلى الأولاد أو الأحفاد .

2- ينهي الفقهاء عن الإرضاع مع الحمل والمقصود من ذلك إرجاء الحمل الثاني إلى انقضاء مدة الإرضاع للصغير وفطامه . لأن الطفل الذي يرضع من الحامل ينشأ عليلا ضعيفا ويستصحب الضعف طول حياته .

3- أجاز الفقهاء وفي مقدمتهم حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي للزوج : 

أ- منع الحمل إذا كان ذلك يذهب بجمال امرأته وهو يريد استبقاء جمالها وحسن سمتها للإعفاف واستدامة العشرة .

ب- منع الحمل للخوف على حياتها من خطر الولادة ويخص من ذلك القيصرية .

ج- منع الحمل للخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد ومتاعبهم .

د- منع الحمل للاحتراز من دخول مداخل السوء في تحصيل ما قد يحتاجون إليه من المطالب.

ه- منع الحمل إذا خيف على الولد السوء لفساد الزمان .

و- منع الحمل إذا دعت إلى منعه حاجة مهمة في نظر الشارع .

ز- منع الحمل إذا كان لبن الأم ينقطع بعد الولادة ، وليس لوالد الصبي أو الصبية مال يستأجر به مرضعة وخيف الهلاك على المولود .

تنظيم الأسرة في الإسلام 

(1) فلسفة الشارع 

حب الأولاد طبيعة في الإنسان :

حب الأولاد طبيعة في الإنسان منذ وجد على ظهر الأرض ، لأنهم امتداد للوالدين ، وبهم عمارة الحياة . يقول تعالى : ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( .

(2) الكيف والكم

الذرية الصالحة :

والولد يكون قرة عين لوالديه ، إذا عاش سعيدا في حياته معافي في بدنه ، مستقيما في سلوكه ، ناضجا في تفكيره ، بصيرا بشئون دينه ودنياه !! 

لكنه إذا عاش تعيسا في حياته ، منحرفا في سلوكه وتفكيره ، سقيما في بدنه ، فإنه يكون مبعث ألم وتعب لوالديه ، ولأسرته ولأمته !! 

1-فالجانب الجسمي : يتطلب توفير وسائل العيش الكريم ، بحيث يتوافر للإنسان احتياجاته من مأكل ومشرب وملبس وعلاج إذا سقم .

2- والجانب الروحي : يتمثل في توجيهه الوجهة الدينية ، والخلقية التي يكون بها الإنسان المثالي في معتقده وسلوكه ، وأقواله وأفعاله .

3- والجانب العلمي : يكون بتثقيفه ، وتزويده بوسائل العلم والمعرفة المختلفة عن طريق المنزل والمدرسة وسائر وسائل المعرفة على اختلافها وتنوعها .

(3) طبيعة مجتمعنا المعاصر 

مجتمع الكفاية والعدل :

المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على أساس من الكفاية ، والعدل ، والأخوة الصادقة بين أبنائه ، قال الله تعالى : ) إنما المؤمنون إخوة ( .

وطبيعة مجتمعنا تجعل الدولة والفرد مسئولين عن تنشئة الأجيال الجديدة . وشأن الدولة في الوفاء بالتزاماتها للمجتمع شأن الوالد مع أولاده ، ورب الأسرة مع أسرته ، فإذا كان واجب الفرد أن يوازن بين دخله ونفقاته حتى يعيش سعيدا ينهج منهجا وسطا عملا بقوله تعالى : ) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) ( (الإسراء) 

ولا يستطيع ذلك إلا إذا واءم بين دخله ونفقات أسرته ، فإذا زادت أعباء الأسرة اختل ميزان حياتها وعاشت في ضيق .

فالأساس الذي لا محيص عنه أن يكون مؤشر النمو السكاني خاضعا للحالة الاقتصادية زيادة ونقصا ، وفي اعتبار هذا الأساس سعادة للأسرة والدولة ، فالدولة كل يصلح بصلاح أجزائه ويشقى بشقاء أجزائه .

(4) التضخم السكاني وآثاره 

ومشكلة زيادة السكان مشكلة شغلت أذهان المفكرين في العالم ، ولا سيما المتخصصين منهم لدراسة تلك الناحية وإبراز ما فيها من مخاطر .

زيادة الخدمات تبعا لزيادة السكان :

إن النمو السكاني في المجتمع الديمقراطي يستلزم زيادة في الخدمات ، من إنشاء المستشفيات ، ودور التعليم ، ووسائل المواصلات وإيجاد فرص العمل ، فإذا لم يف النمو الاقتصادي بهذه الأغراض ، كان المجتمع كثرة هزيلة ، جاهلة عليلة ، غثاء كغثاء السيل ، فلا رقي ولا تقدم ، ولا رخاء ، ولا قوة ، ولا عزة ، ولا رفاهية .

من هنا كان لزاما علينا أن نفكر في مواجهة هذا التيار الذي يعوق مسيرة الأمة ، في قافلة الحياة المنطلقة إلى أهدافها النبيلة ، وغاياتها الكريمة ، وأن نبحث عن الحلول الذاتية التي تحمي أمتنا ، ونلتمس ذلك في ديننا الحنيف .

بعض ما ورد في الآثار عن العزل :

1- في مجلس عمر رضي الله عنه تذاكروا العزل فقال رجل : إنهم يزعمون أنه الموءودة الصغرى ، فقال على رضي الله عنه : لا تكون موءودة حتى تمر عليها الأطوار السبعة ، حتى تكون سلالة من طين ، ثم تكون نطفة ، ثم علقة ، قم مضغة ، ثم عظاما ، ثم تكون لحما ، ثم تكون خلقا آخر ، فقال عمر : صدقت أطال الله بقاءك .

2- وكان ابن عباس وسعد بن أبي وقاص ، وأبو أيوب رضي الله عنهم يعزلون ، وكان ابن عباس رضي الله عنهما كثيرا ما يقول : تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة السرية وإن كانت أمة تحت حر كان عليه أن يستأمرها .

وذكر الغزالي – في الإحياء – أن من البواعث على منع الحمل :

1- استبقاء جمال المرأة ونضرتها .

2- الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد .

(2) رأي الإمام أبي حنيفة :

يرى الإمام أبو حنيفة (t) أن منع الحمل مباح بشرط أن تأذن فيه الزوجة لاشتراكها في حق الولد . قال صاحب الهداية : [ ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها لأن تحصيل الولد من حقها ] .

وأجمال الفقهاء على جواز العزل من غير كراهة إذا دعت إليه حاجة مهمة في نظر الشرع.

(3) رأي الإمام القرطبي (t) : 

قال الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحاكم القرآن) : إن النطفة ليست بشيء يقينا ، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة فبل أن تستقر في الرحم فهي كما لو كانت في صلب الرجل .

(4) وفي كتاب بدائع الصنائع للكاساني :

يكره للزوج أن يعزل عن امرأته الحرة بغير رضاها ، لأن في الوطء عن إنزال سببا لحصول الولد ، ولها في الولد حق ، وبالعزل يفوت الولد ، فكان سببا لفوات حقها ، وإن كان العزل برضاها لا يكره لأنها رضيت بفوات حقها .

(5) روى عن الإمام البجرمي (t) وهو شافعي المذهب أنه قال :

يحرم استعمال ما يقطع الحمل من أصله ، أما ما يبطئ بالحمل مدة ولا يقطعه من أصله فلا يحرم ، بل إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضا وإلا كره . 

(6) تساؤلات حول موضوع تنظيم الأسرة

وليس في التنظيم تعد على إرادة الله ، ولا منافاة للتوكل عليه سبحانه وتعالى .

لأن الإسلام قد أمر بالأخذ بالأسباب ، والتنظيم ما هو إلا أخذ بالأسباب لتحقيق الصالح من الأمر حسب ظروف الأسرة ، وذلك لا ينافي التوكل على الله ، وليس تعديا على  إرادته سبحانه لأنه إذا كان الولد من قدر الله تعالى ، فإن تنظيم إنجابه من قدر الله أيضا ولا يستطيع كائن من كان أن يخرج عن قدر الله سبحانه وتعالى .

الحقيقة أن الاستدلال بهذه النصوص على منع التنظيم استدلال غير صحيح ، لأن كون الله تعالى متكفل برزق جميع خلقه : أمر لا مجال للمناقشة فيه ، إذ أن ذلك هو الواقع الحق في الحياة .

ولو كان من المعقول أن تترك الأمور تسير من غير نظام وعمل وأخذ بالأسباب لعقد الناس عن الكسب ، وكفوا أيديهم عن تناول طعامهم انتظارا للرزق ، ولامتنع الناس عن الطاعة وقالوا ذلك قدر الله وضلوا بذلك ضلالا بعيدا والإسلام الذي يقدر أن الرزق بيد الله وأن خزائنه لا تنفد ، يجوب على المسلم أن يحسن إلى نفسه وأن يعمل لمستقبله ومستقبل من يعول .

إنه الولد السليم النافع المهذب ، المصقول بالعلم والمعرفة ، المعد إعدادا صحيحا للنهوض بالحياة ، ودفعها إلى التقدم . 

أما حيث لا يكون الولد كذلك ، فإنه لا يكون النعمة المرجاة جل شأنه : ) ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (

فالولد في الحالة فتنة ، وليس نعمة ، لأن الولد الجاهل العليل أو المنحرف لا يرجى من ورائه خير ، ولا تجني الأسرة من ثماره غير المر.

وعلى ذلك فالكثرة التي لا تثمر الخير ولا تعود على الأسرة والأمة بالنفع تكون عبئا على الحياة وشرا على المجتمع .

تكون كثرة النسل كثرة للقوى البشرية في الأمة وعاملا من عوامل نهضتها حينما تكون هذه الكثرة متناسبة مع موارد الدولة ، ويكون للدولة فائض يتسع لمصالحها ، وحينما تتوفر الوسائل لتربية هذه الكثرة ورعايتها صحيا واجتماعيا ونفسيا وحينما تتوفر لها أسباب العلم ومناهل المعرفة.

أما أن تكون هذه الكثرة والدولة عاجزة عن الوفاء بمتطلباتها ، فإنها بالضرورة ستمتص داخل الدولة في نفقات طعامها وشرابها ولا يبقى هناك فائض للإنفاق على رعايتها وإعدادها ولا تتمكن الدولة من النمو والتقدم ، ولا تستطيع القيام بأعبائها في مجالات الخدمات والإنتاج فلا تعليم ولا تصنيع ، ولا تقدم .

ونظرة للواقع نجد أن أمتنا ما تزال في الدور الذي لا يسمح لها بذلك ، فضلا عن أنها تعاني من زيادة السكان ، ومواردها لم تف بعد بحاجاتها ، كما أنها في حاجة ماسة لتأمين حدودها ، وتدعيم قوتها لتحرير أرضها وتحقيق وحدتها ، وذلك لا يتم إلا بإعداد أبنائها إعدادا قويا يتناسب مع ما عليهم من أعباء إزاء حماية وطنهم وإحياء حضارتهم.

ليست كثرة الأولاد سببا في قوة العلاقة الزوجية ، بل ربما كانت سببا في قلق الرجال وحيرته وكثرة متاعبه إذا قلت موارده ولم تكن وافية بنفقات أسرته ، والذي يحفظ المرأة من الفراق هو تحليها بالأخلاق الحميدة والعشرة الحسنة والعقل المتزن وحسن تدبيرها لشئون منزلها ورعاية أبنائها .

إنها بذلك تستطيع أن تنال عطف زوجها ورضاه وحبه وتقديره ، وهذا هو الضمان الأكيد لاستدامة الحياة الزوجية والإبقاء عليها .

شريعة الإسلام لا تأبى على الناس في أي زمان أو مكان أن يتلمسوا أسباب سعادتهم وأن ينقبوا عما فيه خيرهم ومصلحتهم ، كما تهدف إلى حل مشاكل الأمة بما يدفع عنها العنت ولا يوقعها في الحرج .

نعمة الذرية ككل نعم الله لا يظفر الإنسان بخيرها ولا يأمن شرها إلا إذا أدى شكرها فراعى حقها وقام بواجبه نحوها ، فإن هضمها حقها ولم يقم بواجبه نحوها انقلبت الذرية شقوة وتحولت إلى خطر يهدد الأمة والأسرة .

ترخيص الإسلام في التنظيم ليس فيه جناية على حياة ولا اعتداء على موجود حاصل ، ولا يهني أكثر من أن تكون هناك فترات متباعدة بين مرات الحمل أو حين من الزمن نزولا على المقتضيات والظروف التي يعيش فيها الفرد والأمة .

الضعف الاقتصادي الناتج عن كثرة التبعات بازدياد أفردا الأسرة الذي تنبه له حجة الإسلام الإمام الغزالي وأشار إليه بقوله : [ والخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء وهذا أيضا منهي عنه ، فإن الحرج معينة على الدين ] .

التنظيم أمر نسبي وهو اختياري وليس بإجباري ، وكل يلجأ إليه حسب طاقته وعند وجود مقتضية ، وعدد الأولاد يترك ظروفه للأسرة ، كما أن الأسرة التي تسمح ظروفها بالعودة إلى الحمل لا يحال بينها وبين ذلك .

يكون تنظيم الأسرة في أي قطر من الأقطار خاضعا لظروفه الخاصة به ، فلو شكا قطر من التضخم السكاني صار في حاجة إلى التنظيم ، وإذا كان في قطر آخر قلة نسل صار في حاجة إلى الإكثار من النسل وهكذا .

التنظيم لا يعني الإجهاض :

وذلك لأن التنظيم إنما يكون قبل تكوين الجنين ، والجنين لا يوجد قبل التلقيح أي التقاء نطفة الرجل بالبويضة من المرأة ، فمنه هذا الالتقاء بأية وسيلة غير ضارة لا يعد اعتداء على الجنين بأية صورة .

إذا ثبت عن طريق موثوق به أن بقاء الجنين ، ولو بعد تحقق حياته ، يؤدي لا محالة إلى موت الأم ، فإن الشريعة بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخف الضررين وهو إسقاط الجنين ما دام بقاؤه يؤدي بيقين إلى موتها ولا منفذ لإنقاذها سوى إسقاطه .

المبحث الأول 

حتمية التنظيم 

تنظيم الأسرة في الشرع : يعني التجاء الزوجين عن تراض إلى استعمال وسيلة مأمونة ، من وسائل منع الحمل لتنظيم خصوبتها .

صور تنظيم الأسرة : 

لتنظيم الأسرة صور مختلفة ، منها : 

1- قطع النسل كليا : وهذا النوع لا يحوز فعله شرعا ، لا من قبل الرجل ولا من قبل المرأة لأنه يتعارض مع سنة الله تعالى الكونية القائمة على التناسل ، وعمارة الكون ونماء الحياة ، ولا يجوز عمل ذلك إلا في حالات الاضطرار . كأن تكون المرأة معرضة للهلاك في فترة من فترات الحمل.

2- تحديد النسل : وذلك بأن يحدد عدد من الأولاد لكل أسرة عن طريق الإلزام والإكراه ، وهذا أيضا لا يجوز فعله شرعا لأن فيه مصادرة للحقوق فلكل فرد الحق في أن ينجب من الأولاد ما يتناسب مع قدرته وبحسب رغبته وإرادته .

3- تنظيم النسل : وذلك يجعل فترات زمنية بين المولدين ، وهذا جائز فعله شرعا إذا ما أراد الزوجان وحسب رغبتهما بشرط أن تكون عقيدتهما ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

ثانيا : صحة الزوجة :

فالإسلام دين الرحمة ، فكما أنه يجيز منع الحمل مؤقتا من أجل أن يأخذ الرضيع حقه من الرضاعة والعناية به ، ومن أجل أن تستعيد الأم عافيتها ، فإنه يجيز منع الحمل مؤقتا أو مطلقا للزوجة التي تتضرر بالحمل بل يوجد عليها منع الحمل إن خافت على نفسها الضرر ويجيز لها إسقاطه حتى ولو بعد تكوينه إذا خافت على نفسها الهلكة .

ثالثا : وقاية المولود من الأمراض :

فإذا كان بالزوجين أو بأحدهما داء عضال ويخشى من أن يتعداهما إلى نسلهما وذريتها جاز لهما أن يمنعا النسل .

رابعا: منع الحمل من أجل القدرة على التربية :

إذا نظرنا إلى قضية الرعاية والتربية والقيام بشأن الذرية على الوجه المطلوب شرعا ، سنجدها في زماننا هذا تتطلب جهدا كبيرا من الأبوين .

ضرورتان وهميتان :

(1) منع الحمل خوفا من الفقر :

من الخطأ الفاحش أم يمنع مسلم الحمل خوفا من فقر حاصل بالفعل أو خوفا من أن يحصل في المستقبل .

(2) منع الحمل خوفا من أين يكون أنثى :

إذ البعض ما تزال تسيطر عليه بعض الأعراف الجاهلية الفاسدة من أن الأنثى شؤم على الأسرة أو أنها لا تحقق العزوة فلربما منع الحمل من أجل ذلك ، ولا شك أن هذا إثم وخطأ .

المبحث الثاني

أحكام تنظيم الأسرة

أولا :وسائل تنظيم الأسرة

(1) الوسائل الطبيعية :

أولا : الوسائل المستعملة من قبل المرأة :

هناك وسيلتان طبيعيتان تستعملها المرأة :

الأولى : الامتناع الدوري (فترة الأمان) وتكون عبر هذه الطرق :

أ – العد الشهري .           ب- مقياس درجة حرارة الجسم .

ج- ملاحظة المادة المخاطية المفرزة من عنق الرحم .

ويمكن سؤال المتخصصين في الوحدات والمراكز الصحية .

الثانية : إتمام الرضاعة الطبيعية :

وهي إحدى الوسائل المتبعة في تنظيم الأسرة وقد أشار إليها رب العالمين في كتابه العزيز قال تعالى : ) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ( (البقرة:233) 

ثانيا : الوسائل الطبيعية المستعملة من قبل الرجل :

هناك وسيلة طبيعية واحدة تستعمل لمنع الحمل من قبل الرجل وهي العزل ، وسيأتي الحديث المفصل عنها بعد قليل .

(2) الوسائل الصناعية :

أولا : الوسائل الصناعية المستعملة من قبل المرأة :

1- حبوب منع الحمل .

2- الحقن .

3- اللولب . 

4- الحواجز الموضعية : الهدف منها تغطية عنق الرحم حتى لا يصل الحيوان المنوي إلى البويضة .

5- قتل الحيوانات المنوية : بوضع مراهم مهبلية ، قبل الجماع لمنع حدوث الحمل .

6- التدخل الجراحي (التعقيم) : وسيأتي الحديث عنه مفصلا . 

ثانيا : الوسائل الصناعية المستعملة من قبل الرجل وسيلتان فقط :

1- الحواجز الموضعية (الواقي الذكري) .

2- التدخل الجراحي (التعقيم) .

ثانيا : حكم استعمال الوسائل 

1- حكم الوسائل الطبيعية :

لا خلاف في مشروعية هاتين الطريقتين مع مراعاة صحة الاعتقاد : ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

الخاصة بالرجل : 

العزل : القول الأول : إن العزل جائز بلا قيد ولا شرط .

القول الثاني : جواز العزل بشرط رضا الزوجة .

أنواع التعقيم : ينقسم التعقيم إلى ثلاثة أقسام : 

1- التعقيم المؤقت : وهو الذي يمكن إرجاعه برغبة الزوجية واحتيارهما ، وهذا النوع يرى العلماء أنه يقاس على وسائل منع الحمل المؤقتة من حيث الإباحة .

2- التعقيم الدائم لضرورة صحية : كوجود أمراض وراثية للذرية لا يمكن علاجها أو تعريض المرأة المريضة للموت إذا حملت أو خيف عليها الضرر الشديد ، وفي كل ذلك يرى العلماء إباحة التعقيم .

3- التعقيم الدائم من غير ضرورة : وهو الذي لا توجد فيه ضرورة من الضرورات الصحية الملزمة ، وهذا النوع يرى أغلبية فقهاء الإٍسلام تحريمه ، ويرى بعضهم إباحته .

ثانيا : من حيث الدواعي ، وأشهرها ما يلي :

1- الدواعي الطبية .

أ- المتعلقة بالأم .

ب- المتعلقة بالجنين .

ج- المتعلقة بالرضيع .

2- الدواعي الإنسانية والقضائية .

3- الدواعي الأسرية : كأن يحدث الحمل خطأ بعد فترة قصيرة من حمل سابق أو لكثرة الأولاد وضيق السكن ، ولا يجوز إسقاطه بعد التخلق أما قبله فعلى التفصيل السابق في المذاهب.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة