كرامة الإنسان (إحدى مقومات البناء الحضاري الإسلامي)

كرامة الإنسان (إحدى مقومات البناء الحضاري الإسلامي)

0 المراجعات

كرامة الإنسان (إحدى مقومات البناء الحضاري الإسلامي) 

مقدمة

كرامة الإنسان إحدى دعائم البناء الحضاري للإسلام 

حسب الإسلام أنه بين جميع الديانات السماوية والفلسفات البشرية هو وحده الدين الذي رفع مكانة الإنسان فوق مكانة الملائكة المقربين حتى أسجدهم له .

على أن تكريم الإسلام للإنسان لا يبقى هذا التكريم كمجرد ميزة شخصية ولكنه تميز تقابله مسئولية عظمى على الإنسان الذي عرض نفسه لحمل الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان .

هذه الأمانة – أمانة الاختبار – تعني المسئولية الكبرى التي يناط بالإنسان التصدي لها ، وعليه في مقابلها أن ينهض بجميع واجباته تجاه نفسه وتجاه أسرته وتجاه وطنه وعقيدته وأمته .

وهي مسئوليات جسام لا يستطيع النهوض بحملها إلا الإنسان الذي يستشعر اعتزازه بدينه وأمته ، ويؤدي دوره المنوط به وفق عهد الاستخلاف.

من هنا – وفي ظل هذا التكريم – يكون الإنسان مسئولا عن إصلاح الأرض والسير فيها بما يحقق الخير والعدل والسلام ، ويكون فيها ظهيرا لكل ما هو خير مناهضا ومجاهدا لكل ما يؤدي إلى الإفساد فيها.

ويأمل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية أن تكون هذه الدراسة هادية إلى المعاني الكبار التي شاءتها إرادة الله من تكريم الإنسان ووضعه في مكان الخلافة في أرض الله .

) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) ( (الإسراء) 

فكل ما في الكون مخلوق له ومسخر بإذنه ليكون في خدمة الإنسان وحل مشاكله ، ففي عالم الحيوان نجد أن الحيوان بسائر أنواعه وأصنافه خلق لأجل الإنسان ولمنفعته ، ولم يخلق من أجل ذاته بدليل قوله تعالى : ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( ، والمعنى خلق لكم من أجل منفعتكم جميع ما في الأرض من نبات وحيوان وغير ذلك .

وخلاصة القول : أن الكون كله مسخر بإذن الله لخدمة الإنسان ومساعدته وتكريمه وأن الإنسان خلق لعبادة الله وتسبيحه وتنزيهه وإذا أعمل الإنسان منهج الله في حياته وسلوكه قام تناسق وتناغم بين الكون والإنسان . فتنتفي مشاكل الإنسان وتتحقق متطلباته ، فالمشكلة تكون في إعمال منهج الله وتحويل شعار الإسلام هو الحل إلى تطبيق عملي وواقع ملموس .

الفصل الأول 

الإنسان والإنسانية وحماية الكليات الخمس (الدين والعرض والنفس والمال والعقل) 

لقد كرم الله الإنسان كإنسان من غير اعتبار آخر من دين أو لغة أو قومية ، فالناس جميعا إخوة متساوون كأسنان المشط ، أولاد أب واحد وأم واحدة ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ( (النساء: 1) 

) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ( (الحجرات : 13)

فلا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأبيض على أسود ولا لتقدمي على رجعي ، فالكرامة للجميع ) ولقد كرمنا بني آدم ( وإنما بتفاضل الناس ويكون بعضهم أكثر كرامة عند الله من البعض بما يقدم للناس من خير أو يدفع عنهم من شر ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( .

ومن أجل تكريم الإنسان وقف رسول الله (r) لجنازة يهودي عندما مرت أمامه وعندما قال له أحد الصحابة : إنها جنازة يهودي يا رسول الله : قال [ أو ليس نفسا ، خلقها الله ] ومن أجل ذلك أيضا أخبر الصادق المصدوق (r) :[ لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ] .

فقد احترم الإسلام كرامة الإنسان ، وجعلها الحجة والبرهان والاقتناع سبيل الإيمان ، وترك للإنسان حرية الاختيار ) وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( وأعلن دستوره الخالد )لا إكره في الدين قد تبين الرشد من الغي ( وحدد مهمة الرسول بالبلاغ والتذكير ) إن عليك إلا البلاغ ( .

مقومات الإنسانية في الإسلام :

تتمثل مقومات الإنسانية في الإسلام في ثلاث فضائل ، الحب والرحمة والعدل ، تلك الفضائل التي تعتبر مرد الخير والسلام ، والأمل في حياة الناس كافة (المسلم وغير المسلم) ذلك أن الإنسان ككائن حي له صفات عامة تربط بينه وبين غيره من الكائنات الحية التي تشاركه البقاء على الأرض وتقاسمه ثمراتها .

وتعتبر هذه الفضائل التي أشرنا إليها وهي الحب ، والرحمة ، والعدل ، الحد الفاصل المميز بين المجتمعات البدائية التي لم تجاوز في سلسلة النشوء الاجتماعي ، طور البداوة والتوحش ، وبين المجتمعات المتقدمة التي قطعت في تجاريب الحضارة ، ومعاناة المدينة شوطا حقيقيا .

وكذلك دعا الإسلام إلى التخلق بالرحمة دعوة لم تكن معروفة من قبله رحمة عامة شملت الإنسان ، ولم تدع شيئا مما يمكن أن يحس بأثر الرحمة إلا تناولته .

وأما العدل فإن كلام الله وكلام رسوله ليفيض فيضا بتقرير حقيقته ، وتأكيد طلبه ، وبيان أنواعه ، العدل الأخلاقي الذي ينهض حكما بين المرء ونفسه في معاملة الناس .

العدل الاجتماعي الذي يستهدف إقامة مجتمع تعاوني سليم لا مكان فيه لمظاهر الأثرة والاستغلال والسخرة ، والكبرياء ، والجبرية ، تقوم في رحابه جميع الضمانات المنطقية المشروعة لكل يعيش الناس عيشة راضية بالتوسعة عليهم في مجال سعيهم ، وتنمية شخصياتهم ، واستثمار مواهبهم على الوجه الأكمل .

هكذا يرسم الإسلام المثل العليا للإنسانية العليا ويتجاذب معها سعادة البشر وتقدم الحياة وفي هذا الضوء الساطع يتجلى أن الإسلام والإنسانية صديقان متلازمان ، وعنصران متحدان فأينما بحثت عن الإسلام وجدت الإنسانية وأينما بحثت عن الإنسانية وجدت الإسلام .

وتتصاعد إنسانية الإسلام إلى المناداة بالأمة الواحدة والعالم الواحد ، حيث تعمل البشرية جمعاء في تعاون مثمر ، وهناءة مستتبة .

وأما من حرب اندلع في العالم لهيبها منذ أقدم العصور فدمرت المدنية ، وزوت زهرة الحضارة إلا كانت بسبب من هذه الحدود والعصبيات الظالمة ، ويتلخص ذلك في ثلاثة أشياء : العنصرية والاستعمار والإكراه على العقيدة الدينية أو المذهب الاجتماعي .

حماية الإسلام للكليات الخمس (الدين والعرض والنفس والمال والعقل) 

في هذه النقطة نجول جولة سريعة في بعض أنحاء هذا العالم لنرى الإنسان بلا إسلام كيف حدث له ؟ وماذا قيل عنه ؟ وما الفرق بين وجود الإٍسلام في أي مكان ؟ وعدم وجوده ، وسوف نجد بكل تأكيد أنه عندما يغيب الإسلام عن مسرح الحياة لا يبقى شيء في الأرض في محله ، ولا يبقى شيء ثابتا ، تختل المقاييس ، وتزول المعايير ، ويصبح حرام الأمس حلالا ، وحلال الأمس حراما ، وما يقر اليوم يلغى غدا ، وما يثبت غدا يلغى بعد غد ، وتنطلق أهواء البشر لتعبر عن نفسها بنظريات متضاربة متناقضة ، لا يعرف الإنسان بها ومعها لنفسه مدخلا أو مخرجا ، فيحاور ويدور ولا يكف عن الدوران ومهما تصور أنه عارف ماذا يعمل فإنه في الحقيقة لا يدري لماذا يعمل ، ولماذا يريد ، كل جيل يريد أن يعبر عن ذاته بشكل مختلف عن الجيل الذي قبله ، وكل فرد في جيل يريد أن يعبر عن ذاته بشكل مختلف عن الآخر ، وليس هناك أصل يرجع الناس إليه ، أو يعترفون به ، فلا تقوم على أحد حجة ، ولا يخضع إنسان لرأي ، ومهما أراد أحد أو سلطان أن يرد الناس إلى نظام فإنهم يستعصون عليه ، أليس الإنسان حرا ؟

ويومئذ يصبح البشر نوعا من الحيوانات السائمة تماما .

(1) الدين 

فتح المسلمون الأندلس وكانوا فيها ملايين ، ثم غابوا عنها ، فماذا بقي من هذه الملايين ؟ إنك الآن لا تجد مسلما واحدا هناك ، وفتحنا مصر وكان فيها نصارى ، وبلاد الشام وكان فيها نصارى ولا يزالون حتى الآن موجودين ، لا يحفظ لنا التاريخ حادثة إكراه واحدة من أجل تغيير العقيدة ، فضلا عن القتل من أجل هذا التغيير .

فهذه هي الشهادات والأقوال التي تثبت عدالة وسماحة ورحمة الإسلام يقول البطريرك (عيشوباية) عام 656 ه : [ إن العرب الذين مكنهم الزمن من السيطرة على العالم يعاملوننا بعدالة كما تعرفون ] ويقول مكاريوس بطريرك أنطاكية : [ أدام الله بقاء دولة الترك خالدة إلى الأبد فهم يأخذون ما فروضه من جزية ولا شأن لهم بالأديان سواء أكان رعاياهم مسيحيين أو ناصريين يهودا أو سامرة ] ويقول أرنولد : [ حتى إيطاليا كان فيها قوم يتطلعون بشوق عظيم إلى التركي لعلهم يحظون كما حظى رعاياهم من قبل بالحرية والتسامح الذين يئسوا من التمتع بها في ظل أي حكومة مسيحية ] .

ويقول أرنولد : [ وحدث أن هرب اليهود الأسبانيون المضطهدون في جموع هائلة فلم يلجأوا إلا إلى تركيا في نهاية القرن الخامس عشر ] 

وفي عصرنا هذا الذي يقال فيه إن الحرية الدينية مصونة للجميع نجد العكس تماما ، إن الحرية الدينية مغتالة جهرا أو ضمنا لدرجة أن أبناء الدين أنفسهم غير مؤمنين على حفظ دينهم فضلا عن أن يؤتمنوا على حفظ دين غيرهم ، وفي الماضي القريب وفيما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي والبلاد الاشتراكية عامة فرضت تعاليم الماركسية الإلحادية وحرمت الدعوة إلى الأديان ، ونظرة واحدة على الإحصائيات تعطينا صورة عما كانت تتمتع به هذه البلاد من حرية دينية .

فالحقيقة الكاملة أنه لن يحفظ على الإنسان دينه إلا إذا كان الإسلام حاضرا .

(2) ولن يحفظ على الإنسان حقله :

إلا إذا كان الإسلام قائما ، وأي تجربة للحكم في العالم لا يرافقها ما يصلح ويحافظ على العقل لا تكون من الإسلام .

ما وصلت إليه الإنسانية ليست لصالح العقل ما يلي :

1- إن الكثير من أنظمة الحكم اليوم في العالم تدعى العلمانية ، ولكنك تجد العلم في جانب والواقع في جانب ، فالعلم يقول إن الخمر مضرة ، والواقع يقول أنها مباحة في أنظمة كل دول العالم تقريبا ، والعلم يقول إن الدخان مضر ، والواقع يقول إن دول العالم كلها تشجع عليه.

2- وفي عصر العقلانية تجد الأكاذيب تنشرها الجرائد والمجلات ، والإذاعات بدون حساب ، والإشاعات الملفقة بلا رقيب ، وتحريف الحقائق لتبرير الجرائم بدون وازع ، بحيث أصبحت السياسة وتوابعها مركبات من الكذب والخداع ، ويستخدم لهذا كله حقائق علم النفس وروح الاجتماع ، فأي عقل يبقى للإنسان إذا كان ما يغذي به هذا العقل مجموعة من الأخطاء والأضاليل .

3- وفي حالتين يساء إلى العقل : حالة ما إذا كان العقل يفرض عليه نوع من الفكر لا يسمح له بنقده ، أو البحث فيه ، أو التأمل والمناقشة ، وحالة ما إذا أطلق اللسان أن يقول بدون تعقل ، بل لمحض الهوى والشهوانية والشطط ، وكلتا الصورتين تجدهما أمامك حيث لا إسلام .

(3) حفظ النفس :

إن حق الحياة مقدس للإنسان إلا في حالات قوله تعالى : ) أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ( (المائدة : 32) 

فليس شيئا سهلا أن يقتل الإنسان الكريم ) ولقد كرمنا بني آدم ( ولكن حيث يغيب الإسلام عن العالم يصبح قتل النفس كشربة ماء بمبرر وبغير مبرر .

(4) حفظ المال :

إن المال عديل الروح كما يقولون ، ويقول الله عن الإنسان : ) وإنه لحب الخير لشديد ( ، )وتحبون المال حبا جما ( . لذلك كان شيئا أساسيا أن يحفظ على الإنسان ماله ، وضروريا كما أن الحياة ضرورية ولكن حين يغيب الإسلام يضيع كل شيء .

(5) حفظ النسل : 

وحفظ النسل عليه يتوقف بقاء جنس الإنسان ، ومن ثم كان ضرورة من الضروريات الخمس للإنسان ، والتي يحافظ عليها الإسلام لكل من بالدولة مسلمين وغيرهم .

وسيبقى الإسلام هو الدين عند الله ما دامت السماوات والأرض لأنه دين الله خالق الخلق ورب الكون وهو الوحيد الذي يعلم وسوسة النفس ونوازع الفكر سبحانه وتعالى ، والمتتبع للتاريخ الإسلامي يجد المسلمين وقد فتح الله لهم وعليهم أمصارا كثيرة وانتشرت الحضارة الإسلامية وعامل المسلمون غيرهم معاملة كريمة تجلت فيها سماحة الإسلام وعمت عدالة كل الناس ولم يؤثر عن أي حاكم أو وال من ولاة الإسلام أن هدم كنيسة أو أزال معبدا بل العكس هو الصحيح فقد قدموا الحماية لغير المسلمين متى توفرت شروطها .

الفصل الثاني حقوق الإنسان في الإسلام والإعلان العالمي 

أولا : حقوق الإنسان وموقف الشريعة الإسلامية :

قضية تكريم الإنسان في الإسلام أصبحت قضية بديهية والدليل عليها قائم عقلا ونقلا فهو أفضل المخلوقات وأشرفها وأعلاها منزلة وأكرمها عند الله تعالى ولذلك سخر الله له كل ما في الكون من جمادات ومعادن ونبات وحيوان لكل ينتفع بها وتعمر الأرض بواسطتها وهذه حقيقة واضحة جلية وأمر لا ينبغي أن يعرض فيه بين أهل العقول شك ولا تنازع ولا مرية ولا تدافع لمشاهدة الجميع إياه واتفاق العقلاء عليه كما يقول الماوردي وكما سبق في النقطة الأولى .

فالإسلام يحفظ على الفرد كرامته ، ولهذا دعاه إلى صيانة النفس والعرض والمال والعقل والدين ، فحرم الاعتداء على هذه الحقوق .

كما يحفظ الإسلام للجماعة كرامتها ، ولهذا صان استقلالها ، وأبعد عنها الاستغلال في طاقتها البشرية أو في مواردها الاقتصادية وصان لها شخصيتها فلا يعتدى عليها بأي وجه من الوجوه.

ومن الجدير بالذكر أنه لا يمكن أن يتم بناء أو تنمية أو تقدم من خلال إنسان معتدي على كرامته ، وحقوقه وإنسانيته .

ويقول أبو حامد الغزالي :  إن جلب المنفعة ودفع المضار مقاصد الخلق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم ، لكننا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة ، وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم ، فكل ما يضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة ، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة ، وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات فهي أقوى المراتب في المصالح .

ومن هنا يتضح سمو الشريعة الإسلامية في نظرتها إلى الإنسان واحترامها له ، ومحافظتها على حقوقه ، سواء كان الإنسان فردا أو جماعة .

ثانيا : حق الإنسان على الإنسان والدولة في السلم والحرب :

( أ ) حق الإنسان على الإنسان في السلم :

حق الحياة :

إن حق الإنسان في الحياة مقدس في الإسلام ولا يسلب من أي إنسان – مهما يكن هذا الإنسان – إلا بالإجراءات التي تقررها الشريعة الإسلامية وقواعدها المنظمة لهذه الأمور ، بل إن الإسلام عندما قرر القصاص في حالة القتل العمد ، فإنه جعل لولي المقتول أن يعفو عن حقه في هذا القصاص ، تقديسا لحق الإنسان في الحياة .

حق الحرية :

حق الإنسان في الحرية حق مقدس ، بل إنه لا يقل قداسة عن حقه في الحياة ، فالحرية في شريعة الإسلام صفة طبيعية لكل إنسان ، فهو يولد بها وتظل تلازمه إلى أن يموت عليها ، فما من مولود إلا ويولد على الفطرة التي خلقه الله عليها . والحرية في حقيقة الأمر هي معنى الإنسانية والإنسانية هي الحرية ومن ثم فإن من يفتقد الحرية فإن هذا يعني أنه افتقد الإنسانية .

حق المساواة : 

الناس جميعا يرجعون إلى أصل واحد ، ومن ثم فلابد أن يكونوا متساوين في القيمة الإنسانية ، فالجميع يرجع إلى آدم .

والإسلام يحرم التفريق بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين ، وأي تفرقة من هذا القبيل تكون منافية وهادمة لمبدأ المساواة الذي أقره الإسلام الحنيف .

حق العدالة :

فالعدل في الإسلام مبدأ خلقي مطلق ، يطلق على كل الناس ، وفي جميع الظروف والأحوال والأزمان والبيئات . وليس العدل – كما هو في المجتمعات العنصرية والطبقية – ميزة يحتكر التمتع بها أفراد الجنس الأبيض أو طبقات الأغنياء وأمثالهم ، ومن حق كل أن يتحاكم إلى الشريعة وأن يدفع عن نفسه ما يلحقه من ظلم .

حق الحماية من التعسف والتعذيب :

إن حماية الإنسان من التعسف والتعذيب حق مقدس في الإسلام ولا يقل في قداسته عن أي حق آخر من حقوق الإنسان ، فقد أوجب الإسلام على ولي الأمر أن يتعهد المحبوسين في حبسهم في مأكلهم وملبسهم احتراما لإنسانيتهم ، نعم ، لقد كفل الإسلام كل إنسان حقه في حمايته من تعسف السلطات معه بأي وجه من الوجوه ، فلا يجوز أن يطالب إنسان ما بتقديم تفسير لعمل من أعماله ، أو وضع من أوضاعه ، ولا توجيه اتهام له إلا بناء على قرائن قوية وأدلة واضحة تدل على تورطه فيما يوجه إليه من تهم .

حق حماية العرض والسمعة :

لقد حرم الإسلام أن تنتهك سمعة الإنسان وعرضه فالرسول (r) يقول : [ إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ] كما حرم الإسلام – أيضا – تتبع عورات الإنسان ومحاولة النيل من شخصيته المعنوية .

حق اللجوء :

وهذا الحق كفله الإسلام لكل مظلوم أو مضطهد ، سواء كان مسلما أو غير مسلم ، أبيض أو أسود ، شرقيا أو غربيا ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ( فللمظلوم أو المضطهد أن يلجأ إلى حيث يأمن في نطاق دار الإسلام .

حقوق الأقلية :

لقد وضع الإسلام مبدأ عاما يحكم الأوضاع الدينية للأقليات هذا المبدأ العام هو ) لا إكراه في الدين ( أما الأوضاع المدنية والأحوال الشخصية لهذه الأقليات فالشريعة الإسلامية تحكمها إن هم تحاكموا إلى المسلمين  : ) فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ( (المائدة : 42) 

فإن لم يتحاكموا إلى المسلمين فإن عليهم أن يتحاكموا إلا شرائعهم ما دامت تنتمي عندهم لأصل سماوي : )وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ( (المائدة : 43) ، ) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ( (المائدة : 47) 

حق المشاركة في الحياة العامة : 

قرر الإسلام حقا لكل إنسان في أن يعلم ما يجري في حياة أمته من أمور تتعلق بمصلحة المجتمع فعلى كل إنسان أن يشارك في هذه الأمور بحسب ما أوتي من مواهب وقدرات ومهارات وذلك تطبيقا لمبدأ الشورى .

والحق أن الشورى قاعدة من قواعد الإسلام المهمة ، ودعامة من دعائم نظامه السياسي الأساسية.

حق الاعتقاد والتفكير والتعبير :

من حق كل إنسان – في الإسلام – أن يعتقد ، وأن يفكر وأن يعبر عن اعتقاده وفكره ، وذلك دون تدخل أو مصادرة من أي جهة كانت طالما كان هذا الاعتقاد والتفكير والتعبير يلتزم الحدود والمبادئ العامة التي يقرها الشرع الإسلامي . فلا يجوز – بأي وجه من الوجوه – نشر بالباطل ، ولا إذاعة ما فيه ترويج للفحش أو تثبيط للدولة الإسلامية .

إن الإسلام يريد من الإنسان أن يفكر كيف يصعد ، لا كيف ينحدر وينزل . كيف يتعلم ويزيد من علمه ، لا كيف ينحدر وينزل . كيف يتعلم ويزيد من علمه ، لا كيف يعرض عن العلم والمعرفة ، كيف يحسن لا كيف يسيء . كيف يبني ، لا كيف يهدم .. يبني لنفسه ولامته ، ولا يهدم نفسه وأمته .

حق الدعوة والتبليغ :

من حق كل إنسان أن يشارك في حياة المجتمع الذي يعيش فيه سواء كان ذلك دينيا ، أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا ، أو غير ذلك ، وأن ينشئ من الوسائل ما يكفل له هذا الحق وممارسته ممارسة فعلية .

الحقوق الاقتصادية والعمالية :

إن الثروات الطبيعية بجميع أنواعها ، بل الطبيعة كلها ، والكون كله ملك لله سبحانه : ) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن ( وقد منح الله الإنسان حق الانتفاع بهذه الثروات فسخر الطبيعة له ) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ( وقد حرم الله على الإنسان أن يفسد ما سخر له أو يخربه ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( وليس لإنسان أن يحرم إنسانا آخر من الانتفاع بما في الطبيعة من مصادر رزق أو يعتدي على حقه في هذا بأي حال ) وما كان عطاء ربك محظورا (

ومن هنا فلكل إنسان أن يحصل رزقه من وجوهه المشروعة .

حق الإنسان في أن ينال كفايته :

من حق كل إنسان أن يحصل على كفايته من مقومات الحياة وضرورياتها ، من مطعم ومشرب وملبس ومسكن ، وما يلزم لصحة جسمه من رعاية وما يلزم لصحة روحه وعقله من علم ومعرفة وثقافة في نطاق ما تسمح به موارد الدولة . يضاف إلى ذلك أن كل ما يستطيع الفرد أن يستقل بتوفيره لنفسه فعلى الأمة توفيره .

حق بناء الأسرة : 

من حق كل إنسان أن يتزوج ، فالزواج هو الطريق الشرعي لبناء الأسرة وإنجاب الذرية وإعفاف النفس . كما أن لكل من الزوجين قبل الآخر حق احترامه ، وتقدير مشاعره وظروفه في إطار من المودة والرحمة .

حق الإنسان في حماية خصوصياته : 

إن سرائر البشر لا يطلع عليها إلا الله وحده [ أفلا شققت عن قلبه ] وخصوصيات الناس حمى لا يحل التسور عليه ) ولا تجسسوا ( . [ يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه : لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم ، فإن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ] (رواه أبو داود والترمذي ] 

حق حرية الارتحال والإقامة :

من حق كل إنسان أن ينتقل من مكان إقامته ويرجع إليه ، كما أن له أن يرحل ويهاجر من موطنه ثم يعود إليه من غير تضييق عليه أو تعويق له .

(ب) حقوق الإنسان على أخيه الإنسان في الحروب :

لقد عرف الإسلام الحرب شرا واقعا بين الناس فأحاطها بأدب عام من تحديد غرضها ، وحصرها في دفع العدوان وحماية حرية العقيدة وإنهائها بالعهود المصونة العادلة وأحاطها .

إنذار العدو بالحرب :

فمتى وقع بين المسلمين وغيرهم ما يستوجب الحرب ، وجب على المسلمين أن ينذروا عدوهم بنيتهم ويعلنوه بالحرب ، ويمهلوه للرد والتفاهم إن أراد . فالإٍسلام لا يعرف الغدر والخيانة .

حماية حقوق المستأمن :

والإسلام بعد أن ينذر العدو بالحرب ، وبعد أن تنقطع الحجة لا يلجأ إلى مثل ما تلجأ إليه الدول في العصر الحديث من مفاجأة المستأمنين المنتسبين للعدو في ديارهم من رعايا الدولة أو الجماعة التي أعلنت الحرب ، فللمستأمن – في الإسلام – حقوق لا يمكن العدوان عليها .

لقد بلغ من حرص المسلمين على احترام حق المقيم في ديارهم والنازل بها عن رضا منهم قبل الحرب أو حتى أثناء الحرب .

وقد بلغ من إنصافهم هذا الأجنبي المقيم في ديارهم ، والذي يقاتلون أهله ودولته ، أن أباحوا له التمتع بكامل حريته .

مسالمة المستأمنين (غير المحاربين) : 

فمن القواعد الأساسية التي بنى عليها أدب الحرب في الإسلام ذلك المبدأ السلمي ، وهو الامتناع عن محاربة غير المحاربين وقصدهم بالأذى ، فهو لا يجيز قتل الشيخ أو الصبي أو المرأة أو العجزة ، أو العامة من الصناع والتجار والزراع الذي لا يقاتلون أو العباد والرهبان والأجراء ، أو بعبارة أهم تلك الطبقات التي يطلق عليها اسم (المدنيين) .

عدم القسوة عند التمكن من العدو : 

ليس المقصود من الحرب في الإسلام التنكيل والتخريب ، بل أن تكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الله لا تكون إلا حقا وعدلا وإنصافا شاملا للناس جميعا .

ولهذا جعل من آداب الحرب مبدأ الرفق والرحمة ، فلا يجوز التمثيل بالمقتولين ولا الإجهاز على الجرحى ولا تتبع الفار من الحرب ولا قتل الحيوان ولا تخريب العمار ، ولا إفساد الزروع والأشجار ولا تلويث المياه ولا هدم البيوت ، ذلك لأن الحرب كعملية جراحية لا يجب أن تتجاوز موضع المرض بمكان .

الإحسان إلى الأسرى :

من أدب الحرب في الإسلام الإحسان إلى الأسير حتى إنه جعل من المستحقين للبر ، متساويا في ذلك مع أيتام المسلمين وفقرائهم ، قال تعالى : ) ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ((الإنسان : 8، 9) 

مجاملة رسل العدو :

إن من آداب الحرب في الإسلام أن يجامل رسل العدو بما يليق ، وأن يعاملوا بطريقة كريمة تتمشى ومبادئ الإسلام السمحة .

يقول الدكتور مراد هوفمان : إن هيكل الحقوق الإنسانية لن يتصدع طالما فهم معنى الحقوق الأساسية كما يفهمه الإسلام ، أي أن الحقوق ليست من وضع الإنسان وإنما يجدها الإنسان فيتعرف عليها ، وليس هو موجدها . إن المعول في قيام حقوق الإنسان أو سقوطها إنما يتعلق أولا وأخيرا بالإيمان بالله : فإذا أنكر امرؤ وجود الله ، فإنه  بهذا يضع كافة الحقوق تلقائيا تحت تصرف الإنسان أو رحمته ، حتى لو استطاع بذلك خداع نفسه حينا من الدهر ، بإشارته إلى الحقوق الطبيعية المزعومة .

فالإسلام لا يضع من شأن المرأة أو يحتقرها في قاسه لها بالرجل ، لأن المعاملة في القانون الإسلامي تقوم على أن الجزاء من جنس العمل ، فالحسنة بالحسنة ، والسيئة بالسيئة ، وهنا مربط الفرس ولب المشكلة ، فالنظرية الغربية تنكر الفروق البيولوجية القانونية المهمة بين الجنسين أصلا ، وبشكل رئيسي لأن الإسلام دين الله والله أعلم بالفروق بين الرجل والمرأة فجاءت الحقوق في الإٍسلام متطابقة مع القدرات النوعية لدي الجنسين .

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة