موسوعة الدروس الأخلاقية

موسوعة الدروس الأخلاقية

0 المراجعات

موسوعة الدروس الأخلاقية 

الرحمة

الإسلام دين الرحمة بكل صورها ، ودين الوسطية والاعتدال دين الأمن والأمان ، دين السلم والسلام ونبينا (r) أرسله الله تعالى رحمة للعالمين ، فقال (عز وجل) : ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( (الأنبياء : 107)  والرحمة كلمة جامعة لمكارم الأخلاق.

والرحمة من أهم ما تتميز به شريعة الإٍسلام ، فلقد انفردت صفة الرحمة وحدها في القرآن الكريم بالصدارة .

وقد جعل الإسلام الرحمة لجميع الفئات والطوائف في المجتمع الضعيف قبل القوي ، والصغير قبل الكبير ، والمريض قبل الصحيح ، حتى الحيوان ، قال الله تعالى ) رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) ( (غافر) 

الرحمة في حياة النبي (r) : لقد كانت غاية النبي (r) هي رحمة الإنسان وهدايته والسعي بكل سبيل إلى نجاته من المهالك في الدنيا والآخرين .

بل لقد بلغت الرحمة بدرجة متناهية في حق الرسول (r) حتى ذكر الله (عز وجل) أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ! قال تعالى : ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( .

ومما تميزت به رحمة النبي (r) الشمولية ، فالخادم له نصيب من رحمته (r) فعن أني (t) قال : [ خدمت النبي (r) عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت ] 

والطفل كان له نصيب من رحمته (r) ، فعن أبي هريرة (t) قال : قبل رسول الله (r) الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا ، فنظر إليه رسول الله (r) ثم قال : ( من لا يرحم لا يرحم ) .

وكذلك الأسير الذي جاء محاربا ومعاندا كان له نصيب من رحمته (r) والضعيف أيضا له نصيب من رحمته (r) ، ومن رحمة الإسلام أنه أمر أتباعه بأن لا يظلموا غير المسلمين أيضا فعن هشام عن أبيه قال : مر هشام بن حكم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس فقال : ما شأنهم ؟ قالوا : حبسوا في الجزية ، فقال هشام : أشهد لسمعت رسول الله (r) يقول : [ إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ] (رواه مسلم)

ولم تقف رحمته (r) عند حدود البشر ، بل امتدت لتشمل الحيوان أيضا ، فكان له نصيب من رحمته (صلى الله عليه وسلم) ، حيث أوصى بالرفق به والإحسان إليه في هذه اللحظة التي يفارق فيها الحياة – عند الذبح – فعن شداد بن أوس (t) أن النبي (r) قال : [ إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتهم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ] 

ولأن الرحمة خلق عظيم ، ووصف كريم ، فقد أوتيها السعداء ، وحرمها الأشقياء ، وهي من الصفات التي جبلت عليها المخلوقات ، ومختلطة بكيان الموجودات الحية .

ولقد وصف الله تعالى المؤمنين بالتراحم فيما بينهم ، فقال تعالى : ) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ( (الفتح : 29) 

مظاهر الرحمة في الإسلام : 

لقد الأمر بالرحمة إلى الخلق جميعا ، حتى شمل الحيوان فهو كائن حي ينال ما يناله الإنسان فقال (r) : [ من فجع هذه يولدها ردوا ولدها إليها ] 

ولقد تعددت مظاهر الرحمة في التشريع الإسلامي إلى مظاهر كثيرة ومن ذلك :

أن الإسلام أباح الصلاة للمريض على أي وجه يتحقق له من خلاله رفع الحرج .

ومنها : حرمة الاعتداء على أموال الناس .

ومنها : أن الإسلامي لم يؤاخذ العبد ساعة الإكراه حتى ولو تلفظ بالكفر .

ومنها : رفع الحرج عن المعاقين والمرضى ، قال تعالى : ) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ( (الفتح : 17)

التسامح

والتسامح قيمة أخلاقية يحبها الله ورسوله ، وعلامة يتميز بها المؤمن من غيره ، بها تتحقق سعادة الإنسان وأمنه واستقراره .

ولقد دعت إليه جميع الرسالات الإلهية ؛ لما له من دور فاعل في تنمية روح الألفة والمودة ، ونبذ الصراعات ، وتنقية الصدور من الأحقاد والبعض والكراهية ، فبالتسامح تتحقق الألفة لا الفرقة ، وبه تتحقق ثقافة الاختلاف لا ثقافة الضجيج ، وبالتسامح تنمو ثقافة التدبير لا التبرير ، وبه تزكو قيم الحب والاحترام لا قيم الكراهية والاحتدام ، وبالتسامح تنتشر قيم الرحمة لا القسوة ، وتسمو النفس إلى مرتبة أخلاقية رائعة تتحقق تلك المعاني مع غيرها ، فما أطيبه من خلق كريم !! إذا التزمت به النفوس انعكس ذلك على المجتمع ، فأصبحنا أمام مجتمع نقي صاف مترابط ، تسوده قيم الوحدة بكل معانيها .

وقد رسخ الإسلام لهذه القيمة في قلوب أتباعه ، فتبين أن الأنبياء أخوة ، لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة ، ومن حيث الإيمان بهم .

ومن صور التسامح في الإسلام : ( التعايش مع أصحاب الأديان الأخرى وإكرامهم والبر بهم ).

فيه بل تدفعهم إلى النفور منه ، أو التفريط في بعض تعاليمه .

وإذا انتقلنا إلى التطبيق العملي للتسامح في حياة رسول الله (r) مع أصحاب الأديان الأخرى سنجد أروع الأمثلة التي ضربها النبي (r) في تسامحه مع غيره .

لم تكن هذه الأخلاق العظيمة في الإسلام شعارا فضفاضا ، ولا قيما خالية من مضامينها الإنسانية ، بل كانت حركة نابضة بالحياة جسدها الرسول (r) في قدوته لنا بصورة مضيئة ، فقد آذته قريش في معركة أحد ، وجمعت جهدها لقتله ووأد دعوته ، وخرج من المعركة جريحا وقد كسرت رباعيته وشج وجهه الكريم ، فقيل له : يا رسول الله ادع على المشركين ، فقال : [ إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ] ( رواه مسلم) 

إن أعظم السماحة وأعلى درجاتها ، أن يتسامح المرء مع من أساء إليه ، أو جحد فضله ونسى معروفة .

بهذه النظرة الإنسانية وما فيها من محبة وتسامح ساد الإسلام وارتفعت رايته ؛ لأنه جاء بما يتوافق مع فطرة الإنسان وبما جبلت عليه العقول السليمة من حب الخير للناس أجمعين ، وإذا فليس في ثقافة الإسلام ولا تعاليمه ما يدعو إلى العنف والكراهية .

الصدق 

وقد اشتهر به النبي (r) قبل البعثة .

الصدق في القرآن الكريم 

قال الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ( (التوبة : 119) 

وقال تعالى  : ) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) ( (الأحزاب)

وتارة يؤكد الله (سبحانه) أن الصدق من سمات المؤمنين العالمين ، فيفرده بالذكر مع غيره من سمات المؤمنين أهل المغفرة .

وتارة يذكر الله (تعالى) البشارة للصادقين ببيان ما أعد لهم .

والصدق ينفع أهله يوم القيامة ، فيكون سببا في الفوز بالجنة .

ووصف الله تعالى به أنبياءه عليهم السلام .

الصدق في السنة النبوية الشريفة :

لقد رغب المعصوم (r) في الصدق بمرغبات عديدة تعمل على تربية النفوس وتقويمها ، وإصلاح أمرها في الدنيا والآخرة ، منها : 

أولا : الصدق يدخل الجنة ، فقد بين النبي (r) أن الصدق من أهم الأعمال التي تدخل صاحبها الجنة .

ثانيا : الصدق سبب استجابة الدعاء والنجاة من المهالك وتفريج الكروب : فمن صدقت نيته مع ربه تكفل الله بحفظه ، ودفع عنه شرور الحياة ومتاعبها .

ثالثا : الصدق يورث الطمأنينة والسكون .

رابعا : الصدق هو أصل البر ، والبر كلمة جامعة لكل الصفات الحميدة التي جاءت في القرآن الكريم .

خامسا : الصدق يجلب البركة والمنفعة في الحياة كلها .

سادسا : الصدق يجلب التثبيت لصاحبه في الدنيا بالمنافع وحسن القول والعمل والحجة القاطعة والأمن من الفتن ، وفي الآخرة بأسباب النجاة والفوز بالجنة ، كما أن صاحب الصدق لا تضره الفتن .

ولقد حث الإسلام على التزام الصدق في جميع مجالات الحياة : الدينية والدنيوية ، ووعد من التزم به بالثواب في الدنيا والآخرة ، فالفوز بما وعد الله تعالى به مشروط بالصدق مع الله (عز وجل).

أنواع الصدق 

أولا : الصدق في الأقوال : ويكون بحفظ اللسان عما حرم الله تعالى قوله ؛ من الكذب والنطق بالزور ، وشهادته ، وعن كل ما يخالف الحقيقة .

ثانيا : الصدق في الأفعال : بامتثال الأمر والنهي ، والحلال والحرام ظاهرا وباطنا فلا يغش ولا يخدع.

ثالثا : الصدق في الأحوال : بإخلاص القلب والجوارح وصدق النية في القول والفعل لله (عز وجل).

وأعلى طبقات الصدق ما كان مع الله سبحانه وتعالى ، ثم ما كان مع الرسل والأنبياء (عليهم السلام) ثم ما كان من النفس ، ثم ما كان مع سائر الناس في كل الأحوال وجميع المعاملات.

الأمانة 

مكانتها : إن الأمانة من أعظم أخلاق الرسول والأنبياء ، فهم أمناء الله (عز وجل) على وحيه .

ولقد تمثل خلق الأمانة في أعلى صوره وأكمل معانيه في شخص سيدنا محمد (r) حتى إن أعداءه وخصومه كانوا يلقبونه بالصادق الأمين ، وحين هاجر (r) أمر عليا بن أبي طالب (t) أن ينام في فراشه وأن ينتظر ليره الأمانات المودعة عنده إلى أهلها ، وهم قوم كفار ناصبوه العداء ، وأخرجوه وآذوه وآذوا أصحابه وأخذوا كل ما يملكون .

كذلك التحلي بالأمانة علامة فارقة بين الإيمان والنفاق ، فعن أبي هريرة (t) أن النبي (r) قال : [ آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان ] 

كما أن التحلي بالأمانة من صفات السيادة والرياسة ، والإنسان الأمين سيد بين الناس.

وجدير بالذكر أن المحافظة على الأمانة من أعظم خصال الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ، في طريق موصل إلى الجنة .

للأمانة صور متعددة في الكتاب والسنة منها :

(1) أمانة عامة تشمل جميع ما افترضه الله تعالى علينا من طاعات وعبادات ، ويدخل فيها أيضا الانتهاء عما حرم الله عز وجل ، وهذا هو المراد بقوله تعالى : )إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ( (الأحزاب) فالمراد بالأمانة هنا : أداء التكاليف الشرعية بأوامرها ونواهيها ، فنأتمر بالأوامر ، وننتهي عن النواهي .

(2) أمانة خاصة وتشمل على صور كثيرة متنوعة منها : إسناد الأمور إلى أهلها ، بمعنى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، بدون وساطة أو محسوبية أو رشوة وخصوصا في الأماكن الهامة .

المحافظة على الجوارح والأعضاء من الوقع في معصية الله (عز وجل) قال الله تعالى : ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ( (الإسراء) 

المحافظة على البصر ، وغضه عن الحرام قال الله تعالى : ) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) ( (غافر)  

حفظ الأسرار الزوجية فلا يحدث الزوج ولا الزوجة بما يكون بينهما عند المعاشرة الزوجية .

الأمانة في المشورة بصدق وإخلاص لمن طلبها ، فإذا أشير عليه بغير الرأي الصحيح فذلك خيانة للأمانة .

حفظ الأموال والودائع وردها إلى أصحابها عند طلبها ، وهذا هو المعنى المفهوم للأمانة عند كثير من الناس قال الله تعالى : ) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) ( (النساء) فالآية وإن كان نزولها في واقعة خاصة إلا أن العبرة بعموم اللفظ ولا بخصوص السبب .

وقد بين النبي (r) : أن خائن الأمانة سيعذب بسببها فيا لنار ، وسوف تكون على خزيا وندامة يوم القيامة فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال : قال رسول الله (r) : [ إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فقيل هذه غدرة فلان بن فلان ] (أخرجه مسلم) 

الإخلاص 

لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة الدنيا لعبادته وطاعته وعمارة الكون فقال عز وجل : ) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) ( (الذاريات) 

وقد بين لنا النبي (r) أن قبول الأعمال متعلق بصدق النية والإخلاص فيها .

قال رسول الله (r) : [ أن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] (رواه مسلم) 

أما عن حقيقة الإخلاص : فقد اختلف أقوال العلماء في بيانها ، فقال العز بن عبد السلام (رحمه الله) : الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده ، لا يريد بها تعظيما من الناس ، ولا توقيرا ، ولا جلب نفع ديني ، ولا دفع ضرر دنيوي (مقاصد المكلفين) 

وأما عن منزلة الإخلاص : فللإخلاص منزلة رفيعة ومكانة عالية ، فهو سر خفي من أسرار الحق سبحانه وتعالى يهبه لمن يحب من عباده ، وعليه مدار القبول ، فلا يطلع عليه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا يعجب له صاحبه فيبطله ، والعمل بغير إخلاص لا قيمة له ولا وزن له ، فصاحبه كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه ، ومن شاهد في إخلاصه الإخلاص ، فإن إخلاصه يحتاج إلى إخلاص ، وهذا سر عظيم .

فإذا راءى الإنسان بعمله ولم يقصد به وجه الله (عز وجل) فسد عمله ، وساء مصيره ، بل كان أول الهالكين يوم القيامة .

ومن أجل هذا كانت نظرة السلف الصالح إلى الإخلاص نظرة ثاقبة ، فكانوا يبنون كل أعمالهم على الإخلاص ، وكانوا حريصين كل الحرص على المداومة عليه ، وكيفية الوصول إليه ، فهذا الفضيل بن عياض يقول : [ ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما ] .

ومن علامات المخلص : أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل ، فيشهد ستة مشاهد : 

المشهد الأول : الإخلاص ، وهو أن يكون الحامل والداعي إلى الطاعة ابتغاء وجه ربه الأعلى.

المشهد الثاني : مشهد الصدق والنصح ، وهو أن يفرغ قلبه لله في الطاعة ويستفرغ جهده في إقباله فيها على الله ، وجمع قلبه عليها وإيقاعها على أحسن الوجوه وأكملها ظاهرا وباطنا .

المشهد الثالث : مشهد المتابعة والاقتداء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) 

المشهد الرابع : مشهد الإحسان وهو مشهد المراقبة ، وهو أن يعبد الله كأنه يراه .

المشهد الخامس : مشهد المنة وهو أن يشهد أن المنة لله – سبحانه – في أي طاعة يفعلها.

المشهد السادس : مشهد التقصير ، وأن العبد لو اجتهد في القيام بالأمر غاية الاجتهاد وبذل سعة فهو مقصر ، وحق الله سبحانه عليه أعظم ، والذي ينبغي له أن يقابل به من الطاعة والعبودية والخدمة فوق ذلك بكثير وأن عظمته وجلاله سبحانه يقتضي من العبودية ما يليق بها .

ولو نظرنا إلى سلفنا الصالح (رضي الله عنهم) لوجدنا كيف كانوا يطبقون الإخلاص حتى رسخ في قلوبهم .

ثمرات الإخلاص 

1- مغفرة الذنوب والفوز برضوان الله (عز وجل) .

2- النصر بإذن الله على الأعداء .

3- الحفظ من الشيطان ونزغاته .

4- تفريج الكربات والهموم والغموم التي يتعرض لها المخلص .

5- النيل لشفاعة النبي (r) . 

6- فعل الخير دون انتظار مقابل أو جزاء دنيوي .

7- ظهور سيم الصلاح على المخلص .

8- استجابة الدعاء .

9- النجاة من المهالك ، وصرف الأذى والفحشاء .

العدل 

العدل اسم من أسماء الله الحسنى ، وصفة من صفاته ، كما أنه قيمة إنسانية وحضارية دعا إليها الإسلام ، وجعلها مقصدا من مقاصد شريعته .

وقد عرف الإسلام بعدله بين الشرائع والأديان وانتشر به بين البلدان ؛ فهو غاية كل مجتمع ، وفريضة واجبة على المسلم نحو غيره ، فهو من أهم الأسس التي يقوم عليها التعايش السلمي بين أفراد المجتمع ، فالإسلام قد حفظ حقوق الآخرين وصانها ، ونصوص الكتاب والسنة شاهدة على هذا ، فقد جاءت آيات القرآن الكريم تأمر بالعمل وتحث عليه وتدعو إلى التمسك به .

وهذا ما أكده القرآن الكريم بقوله تعالى : ) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ( (الحديد : 25) 

وقال تعالى مخاطبا نبيه داود (عليه السلام) : ) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) ( (ص) 

وكذلك حث النبي (r) على العدل وعدم الظلم وخاصة مع غير المسلمين في أحاديث كثيرة ، منها منا أخرجه أبو داود في سننه ، عند عدة من أصحاب النبي (r) عن رسول الله (r) قال : [ ألا من ظلم معاهدا ، أو انتقصه ، أو كلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس ، فأنا حجيجه يوم القيامة ] 

ولقد سار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج النبوي في العدل مع غير المسلمين ، فهذا عمر بن الخطاب (t) يقتص للقبطي من مظلمته من عمرو بن العاص والي مصر وابنه ، وقال مقولته التي أضحت مثلا : يا عمرو ، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟

أولا : مضاعفة الأجر والثواب .

ثانيا : الاستظلال بظل الرحمن .

ثالثا : النجاة من المهالك .

رابعا : استجابة الدعاء .

خامسا : القرب من الله ومحبته .

سادسا : البعد عن النار والفوز بالجنة .

سابعا : الأمن من عذاب الله تعالى والأمن من الشقاء في الدارين .

مجالات العدل في القرآن والسنة 

أولا : عدل الإنسان مع الله تعالى : ويكون بعبادته وحده لا شرك له ، فالعبادة حق من حقوق الله عز وجل .

ثانيا : عدل الإنسان مع نفسه : ويكون بعدم الغلو في ممارسة العبادات والمعاملات وسائر شرائع الإسلام ، أو تجاوز الأمر والنهي إلى غيره ، أو عدم فعل أم يعرض الإنسان به نفسه لعذاب الله.

ثالثا : عدل الإنسان مع غيره وله مظاهر متنوعة تشمل جميع مناحي الحياة منها :

1- العدل والمساواة في الأسرة : وهو مطلب شرعي وضرورة لاستقرارها وأمنها وسعادتها ، فبدونه يفقد أفراد الأسرة لذة الحياة ونعيمها ، كما يفقدون المعنى الحقيقي للسكون والمودة والرحمة وله صورتان : 

الصورة الأولى : إذا كان الرجل متزوجا بأكثر من واحدة وجب العمل والمساواة بينهن وإلا حرم عليه التعدد .

الصورة الثانية : العدل والمساواة بين الأبناء وعدم التفرقة بينهم في المعاملة المادية (كالنفقة والعطايا) والمعنوية (كالقبلة ، والبشاشة ، والحب) فإن التفرقة بين الأبناء تجلب الشقاق وتزرع الحقد والغل والحسد والكراهية بينهم . 

2- العدل مع الخصوم ، وهذا مظهر من مظاهر عظمة الإسلام به تتضح المفاهيم الخاطئة التي يروج لها أعداء الإسلام لتشويهه والنيل منه ، فقد أمر الله تعالى به فقال سبحانه : ) وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ( (المائدة : 8) 

3- العدل والمساواة بين المتخاصمين وهو سمة من سمات الإسلام ودعوة صريحة للقيام به ، قال الله تعالى : ) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) ( (الحجرات) فالله سبحانه وتعالى أمر أن يكون الصلح قائما على العدل والمساواة.

4- العدل والمساواة في المعاملات المادية حتى يستوفي الناس حقهم في البيع والشراء ولا ينقص منها شيئا دون تميز لأحد ، قال الله تعالى : ) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)( (الرحمن) 

5- العدل في أداء الشهادة : وهو دعوة الإسلام ووصيته لأتباعه حتى وإن كانت الشهادة في صالح غيرهم أو ذات أثر يعود بالضرر عليهم ، قال تعالى : ) وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ( (الأنعام) 

6- العدل والمساواة مع أهل الكتاب : وهو دليل قبول الآخر واحترامه والتعايش السلمي معه ، فقد أمر الله تعالى به دون تفرقة بين مسلم وغيره ، قال الله تعالى : )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8)( (الممتحنة)  فالأمر بالبر والقسط يشمل جميع الملل ، وقدم الله تعالى البر على القسط ؛ لأن القسط صورة من صور البر .

وفي ذلك برهان ساطع على أن الإسلام يفرق بين الوصف بالكفر ومعاملة الكافر ، فيؤكد أن الكافر له حقوق على المسلم ، منها : أن يعامل بعدل وإنصاف دون تفريق في المعاملات ، وذلك بيانا لمحاسن الإسلام وترغيبا فيه ، وغير ذلك من مجالات العدل وصورة في القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فهي أكثر من أن تحصي .

التواضع

والتواضع معناه : انكسار القلب لله عند الأمر امتثالا ، وعند النهي اجتنابا ، وخفض جناح الذل والرحمة للخلق ، حتى لا يرى له على أحد فضلا ، فكلما علت نفس الإنسان ذكر عظمة الله تعالى فتواضع وانكسر .

والتواضع أمر محمود ومرغب فيه إذا قصد به صاحبه وجه الله تعالى ، ومن كان كذلك رفع الله قدره في القلوب ، وطيب ذكره في الدنيا ، ورفع درجته في الآخرة .

ولقد أمر الله تعالى نبينا (r) بالتواضع واللين وخفض الجناح للمؤمنين ، قال تعالى : ) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) ( (الشعراء) 

ألوان التواضع 

والتواضع يكون مع الله ، بأن يتقبل الإنسان أمور الدين ويخضه له سبحانه وتعالى خضوعا تاما وكاملا ، ولا يجادل ولا يعترض على أوامر الله برأيه أو هواه ، ويكون مع رسوله (r) بأن يتمسك بسنته وهديه ، فيقتدي به في أدب وطاعة ، ودون مخالفة لأوامره ونواهيه ، ويكون مع الخلق ، بألا يتكبر عليهم ، وأن يعرف حقوقهم ويؤديها إليهم مهما كانت درجتهم ومنزلتهم بالنسبة له ، وأن ينصاع للحق ويرضى به مهما كان مصدره .

ومن ثمرات التواضع : أنه سبب الرفعة والعلو بين الناس في الدنيا والثواب والأجر في الآخرة.

ومن ثمراته تهذيب النفس ، فيجعلها تقبل الحق من قائله ، سئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال : [ يخضع للحق ، وينقاد له ، ويقبله ممن قاله ، ولو سمعه من صبي قبله ، ولو سمعه من أجهل الناس قبله ] وهو سبيل إبقاء النعم .

ومن ثمراته أنه يضمن لصاحبه الجنة 

وقد يلتبس التواضع بالذل والمهانة ، ولكن بينهما بون شاسع ، فالدافع للتواضع هو الامتثال لأمر الله ورسوله (r) والدافع للذلة حظوظ النفس وشهواتها .

الحياء

مكانته

والحياء من الأخلاق التي تتمتع في الشريعة الإسلامية بمكانة عالية ومنزلة رفيعة ، فهو أحد الأخلاق المحببة عند الحق (تبارك وتعالى)

والحياء جوهر الدين الإٍسلامي فقد ذكر الحياء عند عمر بن عبد العزيز (t) فقالوا : الحياء من الدين فقال : [ بل هو الدين كله ] (حلية الأولياء ، وشعب الإيمان ) 

والحياء من أعظم أخلاق النبوة فآدم (عليه السلام) حينما أكل من الشجرة التي نهى عن الأكل منها ومعه زوجه حواء سقط عنهما لباسهما فبدت لهما سوآتهما ، فأسرعا يأخذان من ورق الجنة ليسترا تلك السوءة حياء من الله (عز وجل) .

ونبينا (r) كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفه الصحابة (رضي الله عنهم) في وجهه .

كما أن الحياء من أعظم أخلاق الإٍسلام وأجلها قدرا ، وأكثرها نفعا و لا يأتي دائما إلا بكل خير فعن أنس (t) قال : قال رسول الله (r) : [ إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء ] 

كما أن إيمان المؤمن مرتبط بالحياء ، فإذا وجد الحياء وجد الإيمان ، وإذا قل الحياء قل الإيمان ، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال : [ إن الحياء والإيمان قرنا جميعا ، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ] (رواه البخاري في الأدب المفرد) 

صور الحياء للحياء عدة صور منها :

1- الحياء من الله : وهو أعظمها ومعناه : إجلال الله (عز وجل) ومراقبته والخوف منه ؛ بأن يحفظ الإنسان أعضاءه ، وجوارحه عن المعاصي فلا يراه الله حيث نهاه ، ولا يفتقده حيث أمره ، كما يدخل في معناه الزهد في الحياة الدنيا ، والإقبال على الآخرة ، قال الله تعالى : ) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)( (العلق) وقال تعالى مخاطبا النبي (r) : ) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)( (الشعراء) 

2- الحياء من رسول الله (r) وذلك بالتزام هديه وإتباع سنته وتوقيره وطاعته قال الله تعالى : )وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ( (الحشر) 

3- الحياء من الملائكة : بأن توقرن أنهم معك ومطلعون عليك ، ويراقبونك ويحصون أعمالك ، ولا يفارقونك إلى عند دخول الخلاء ، أو إتيان الأهل ؛ فلا تتلبس بشيء تعاب به ، أو تذم عندهم ، فإنهم يتأذون مما يتأذى به بنو آدم ، قال الله تعالى : ) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) ( (الانفطار) 

4- الحياء من الناس : فتكف عن إيذائهم بالقول واليد ، في حضورهم كالهمز واللمز ، وفي غيابهم ، وعدم التقصير في حق من حقوق العباد الواجبة عليك لهم فعن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله (r) قال : [ ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ] 

5- الحياء من النفس : فيمتنع الإنسان من إيرادها موادر الهلكة ، ويسلك بها سبل الهدى ، فيلزمها العفة ، ولا يرضى لها النقص ، ولا يقنع بالدون من العمل والعبادة ، فعن أسامة بن شريك (t) قال : قال رسول الله (r) : [ ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت ] .

فوائد التحلي بالحياء :

* فيه ترك للذنوب خجلا من الله (عز وجل) وإقبال على الطاعة والعبادة .

* الحياء والإيمان قرينان ، والحياء يزين الإيمان ويكمله .

* التحلي به أساس للتحلي بمكارم الأخلاق ولا يأتي إلا بخير .

* صاحبه محبوب عند الله تعالى ، مألوف عند الناس .

التوكل على الله 

من قيم الإسلام العالية ، وأخلاقه السامية خلق التوكل على الله (عز وجل) وقد اختلف العلماء في بيان معنى التوكل على الله ، فقال ابن عباس (رضي الله عنه : التوكل هو الثقة بالله ، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله ، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك ، وقال الحسن : إن من توكل العبد أن يكون الله هو ثقته ، وقال الإمام أحمد : هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق ، وقال شقيق بن ابراهيم البلخي : التوكل طمأنينة القلب بموعود الله (عز وجل) .

أهمية التوكل :

التوكل على الله مقام من أعلى مقامات اليقين بالله (عز وجل) وهو من أشرف أحوال المقربين ، وخلق عظيم من أخلاق المسلمين ، وهو مفتاح كل خير ، فهو من أعمال القلوب ، الذي يكون به الإنسان متوكلا على الله ، بأن يكون صادق الاعتماد على ربه (عز وجل) .

التوكل والأخذ بالأسباب :

من الحقائق المؤكدة أن التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب التي ترتبط بمسبباتها ، بل إن مباشرة الأسباب من تمام التوكل ؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببا ، فهذه السيدة هاجر تتوكل على الله وتأخذ بالأسباب حينما أجهدها العطش مع ابنها سيدنا إسماعيل (عليه السلام) بمكة ، فسارعت تسعى بين الصفا والمروة بحثا عن الماء عملا بالأخذ بالأسباب .

وها هي الصديقة مريم بنت عمران (عليها السلام) أمرها ربها تبارك وتعالى وهي في أشد حالات الضعف والوهن وكانت في حالة المخاض ، أن تهز النخلة لتسقط عليها رطبا جنيا ، قال الله تعالى : ) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) ( (مريم) ومن المعلوم أنه لو هز النخلة عشرة رجال من جذعها لما تساقطت ثمرة واحدة ولكنها سنة الأخذ بالأسباب.

ألم تر أن الله أوحى لمريم                  وهزي إليك الجذع تساقط الرطب

ولو شاء أن تجنيه من غير هزها           جنته ولكن كل شيء له سبب 

أما الذي لا يعمل ولا يأخذ بالأسباب ، ولا يتقي الأخطار بدعوة أنه متوكل ، فهذا لم يفهم المعنى الحقيقي والصحيح للتوكل ، وإنما يسمى متواكلا ، وقد نهانا الإٍسلام عن التواكل.

فالإسلام دين لا يعرف التواكل ، بل يحاربه وينبذه ، ولا يعرف التواني والكسل والخمول ، وإنما هو دين التوكل على الله والأخذ بالأسباب .

ولا ينقص التوكل مباشرة الأسباب ؛ كإغلاق باب البيت عند الخروج ولا بأن يعقل البعير .

مجالات التوكل على الله عز وجل :

1- عند الخروج من المنزل .

2- عند نزول المصائب .

3- عند العزم على فعل شيء ، فالمسلم الحق عليه أن يلجأ إلى الله تعالى في كل أحواله فلا أشقى من عبد مشغول عن الله ، منصرف عنه ، لا يتوكل عليه .

4- عند إعراض الناس عنك .

5- عند جنوح الأعداء للسلم .

6- عند مواجهة الأعداء .

7- عند نزول الفاقة .

8- عند الخوف من وقوع مكروه .

9- عند إرادة النوم .

فوائد وثمرات التوكل :

1- دليل على صدق الإيمان وقوته .

2- الفوز بمحبة الله تعالى .

3- الفوز بنعيم الله ودخول الجنة .

4- الحفظ من الشيطان ونزغاته .

5- الكفاية والحماية والرعاية .

6- يجلب الرزق .

7- يورث الشجاعة .

إن التوكل على الله (عز وجل) عند المسلم يمثل عنده الأمل الذي يدفعه إلى العمل ، فيوفر التوكل للمسلم هدوء القلب وطمأنينة في النفس .

الحلم 

من الأخلاق الإسلامية العالية التي تثمر الألفة والمودة والمحبة والترابط بين أفراد المجتمع خلق الحلم ، ومادة (ح ل م ) تدل على عدة أمور : منها : ترك العجلة والأناة والعقل ، بخلاف السفه والطيش (لسان العرب) 

والحلم في الاصطلاح هو ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وقيل : هو الطمأنينة عند سورة الغضب .

مكانته :

1- الحلم اسم من أسماء الله تعالى الحسنى فهو سبحانه الحليم الذي يعفو عن كثير من سيئات عباده ولا يؤاخذهم عليها ، ويمهلهم بتأخير العقوبة للتوبة .

2- والحلم من أخلاق الأنبياء والمرسلين .

3- والحلم من الأخلاق التي تجلب للعبد محبة الله .

صور مشرقة للحلم :

1- يوسف (عليه السلام) وعظيم حلمه : ألقاه إخوته في غيبات الجب ، وباعدوا بينه وبين وجه أبيه ، وبعد كل ذلك وحينما وقفوا بين يديه وهو وزير على خزائن مصر ذكرهم بما فعلوه به وبأخيه.

لا تأنيب عليكم ، ولا مؤاخذة ، ولا عتب لكم عندي ، ومن عظيم حلمه أنه دعا الله (عز وجل) لهم بالمغفرة ، فقال : ) يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ( .

2- النبي (r) وحلمه مع عائشة (رضي الله عنه ) : 

في قلب أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) فقامت بضرب يد خادم أم سلمة (رضي الله عنها) فسقط الإناء على الأرض وانكسر . كل ذلك أمام الصحابة . فلم يغضب النبي (r) ولم ينهر عائشة ، بل عالج الموقف بحلم وحكمة ، فنظر للصحابة (رضي الله عنهم) وقال (غارم أمكم) وجمع الطعام في الإناء المكسور ، ومنع الخادم من العودة لأم سلمة بدون إناء حتى لا يعكر صفو العلاقة بينهما .

3- حلمه (r) مع الحبر اليهودي .

4- من حلم الصحابة (رضي الله عنهم) عن النعمان بن مقرن المزني ، قال : قال رسول الله (r) : وسب رجل رجلا عنده قال : فجعل الرجل المسبوب يقول عليك السلام قال : قال رسول الله (r) : [ أما إن ملكا بينكما يذب عنك كلما يشتمك هذا قال له : بل أنت وأنت أحق به وإذا قال له : عليك السلام ، قال : لا بل لك أنت ، أنت أحق به ] ( رواه أحمد )

من الأسباب المعينة على الحلم:

1- تذكر عظيم حلم الله على عباده قال الله تعالى : ) وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)( ( البقرة ) 

2- تذكر ما أعده الله (عز وجل) للحلماء والعافين عن الناس من الثواب العظيم قال الله تعالى : ) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)( (آل عمران) 

3- التحلم فقد قيل : إنما الحلم بالتحلم ، أي : بالصبر ، وتدريب النفس على التحمل ، وترك إرادة الانتقام .

4- الترفع عن مقابلة السيئة بالسيئة .

5- الرحمة بالجهال وهذه الرحمة من رقة القلب .

من فوائد الحلم 

1- الحلم فيد سؤدد ، وتقدم على الناس .

2- الحلم سبب للمودة والمحبة والألفة والترابط بين الأفراد والجماعات ويذهب الحقد والحسد والبغضاء والشحناء بينهم .

3- الحلم فيه اقتداء ، واهتداء بأخلاق الأنبياء والمرسلين .

4- التحلي بالحلم ، خير دليل على سماحة الإسلام ، والحليم خير داعية إليه ، وبفضل التحلي به يدخل الناس في دين الله .

5- الحلم دليل على كمال العقل ، وسعة الصدر ، وامتلاك النفس .

6- التحلي بالحلم يكسب المرء أخلاقا عظيمة كضبط النفس والتحكم فيها والعفو والرفق.

7- الحلم يرفع المرء إلى أعلى الدرجات في الدنيا والآخرة : في الدنيا بالسعادة ، ووقوف الناس إلى جواره وتقديمهم له ، وفي الآخرة بالثواب العظيم والنعيم المقيم .

الشكر

وفضيلة الشكر من أسمى الفضائل وأعظمها قدرا لأنها تقرب العبد من مولاه ، وتجعله موضع حبه ورضاه ، حيث أخبر الحق سبحانه في كتابه أن رضاه في شكره وأن سخطه في كفران نعمته.

والشكل : دليل على صفاء النفس ، وطهارة القلب ، وسلامة الصدر ، وكمال العقل وهو – في حد ذاته – نعمة من الله تستحق الشكل عليها ؛ فنشكر الله – تعالى – أن ألهمناه شكره ، ومن هنا يتوالى الشكر ولا ينقطع .

وحقيقة الشكر : مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية ، فيثني على المنعم بلسانه ويبذل الجهد في طاعته ، ويتجنب معاصيه في السر والعلن فالمؤمن الحق هو الذي يقر بأن ما به من نعم وفضل مرده إلى الله وحده ، قال الله تعالى : ) وما بكم من نعمة فمن الله ( (النحل : 53) فهو في كل طرفة عين ، ونبضة قلب ، يشكر الله تعالى على نعمه المتجددة بتجدد الليل والنهار ، قال تعالى : ) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) ( (الفرقان) 

ومن تمام شكر الله تعالى : أن يستعمل الإنسان نعم الله عز وجل فيما خلقت له ، وأن يضعها في المواضع التي ترضيه .

فضل الشكر : ويكفي في بيان فضل الشكر وعظيم منزلته أن الله تعالى وصف به نفسه فقال : )إن الله غفور شكور ( (الشورى : 23) وقال : ) والله شكور حليم( (التغابن : 17) وقال تعالى : ) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتكم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما ( .

وكذلك وصف الله تعالى به أنبيائه ورسله ، فكان الشكر خلقا لازما لأنبياء الله (عليهم السلام) وفي هذا حث للأمة أن تقتدي بهم ، فأول أنبياء الله نوح (عليه السلام) وصفه ربه بقوله : ) ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ( (الإٍسراء : 3) 

على أن شكر الله – تعالى – لا يكون باللسان فحسب ، بل شكره باللسان والقلب والجوارح ، والعمل فشكر اللسان : يكون بذكر نعم الله – تعالى – وفضائله ، وكثرة حمده عليها ، قال تعالى : ) وأما بنعمة ربك فحدث ( (الضحى : 11) والوفاء بحقها بقول الحق سبحانه : ) اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( (سبأ : 1) 

ثمرات الشكر 

للشكر ثمرات كثرة وعظيمة منها :

1- أن الشكر يعود بالخير على الشاكر نفسه ، قال سبحانه وتعالى : ) وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) ( (لقمان) 

2- حفظ النعم من الزوال : فعن الحسن (t) قال : [ أن الله ليمتع بالنعمة ما شاء ، فإذا لم يشكر قلبها عليها عذابا ] .

3- الزيادة في النعم يقول الله تعالى : ) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)(  (إبراهيم) 

مجالات الشكر : الشكر ليس قصرا على شكر العبد لربه ، فإذا كان أول من يشكر هو الله سبحانه ؛ لأنه صاحب الفضل والمنة والنعمة ، ولا منعم في الحقيقة سواه ، فإن شكر الوالدين يأتي بعد شكر الله عز وجل ، لما قدماه لأبنائهم من كل خير في الحياة ، لذا قرن الله – تعالى – شكرهما بشكره وطاعتهما بطاعته في أكثر من موطن في كتابه الكريم ، يقول تعالى : )وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) ( (لقمان) 

ومن كمال الشكر : الشكر لكل من أسدى إلينا معروفا ، فهو من باب شكر الله تعالى ، فعن أبي هريرة (t* قال : قال رسول الله (r) : [ لا يشكر الله من لا يشكر الناس ] .

الصبر 

من الأخلاق الكريمة التي حث عليها الإسلام وأمر بها خلق الصبر ، فهو من دلائل حسن الإسلام وعمق الإيمان ، والصبر نقيض الجزع ، فأصله : حبس النفس عن الجزع ، وهو اصطلاحا : حبس النفس عن محارم الله تعالى فلا تنتهك ، وحبسها على فرائضه فلا تضيع حتى يؤديها على وجهها على قدر الوسع ، وحبسها عن التسخط والشكاية لما يكرهه من أقداره ، وقيل هو : حبس اللسان عن الشكوى ، والجوارح عن المعاصي والذنوب ، بمعنى أن يتلقى العبد البلاء بصدر رحب دون شكوى أو سخط .

أهمية الصبر : الصبر خلف فاضل كريم ، ففيه شد للعزائم ، وشحذ للهمم ورفع للمعنويات ، وطرد لليأس والإحباط ودافع للعمل والإنتاج ، فهو من الأخلاقيات الإيجابية على عكس ما يظن الناس به.

وحال الإنسان في قضاء الله وقدره بين أمرين : إما سراء وإما ضراء والناس في هذه الحال ينقسمون إلى قسمين : مؤمن وغير مؤمن ، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له ، إن إصابته ضراء صبر على قدر الله ، وانتظر الفرج من الله ، واحتسب الأجر على الله فكان خيرا له ، فعن صهيب بن سنان (t) : قال : قال رسول الله (r) : [ عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن إصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له ] (رواه مسلم)

والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد وقد قرن الصبر بكثير من الطاعات وقيم الإسلام.

أنواع الصبر :

1- الصبر على طاعة الله : ويكون قبل الطاعة بتصحيح النية ، والإخلاص فيها ، والبعد عن النفاق والرياء .

2- الصبر عن المعاصي والمحرمات : فملذات الدنيا وشهواتها تحتاج إلى مجاهدة نفس وصبر ، فلا يطلق لها العنان .

3- الصبر على المصائب : لا يوجد في الدنيا أحد سلم من الابتلاء بأنواعه المذكورة في الآية الكريمة : ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) ( (البقرة) فالكل معرض لهذا الأمر ، ولكن المؤمن يتلقى هذا الابتلاء برضى وطمأنينة نفس ؛ لأنه يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصبه.

الصبر خلق الأنبياء : لقد ذكر القرآن الكريم أحوال بعض الأنبياء كان الصبر جل شأنهم منهم :

(1) يوسف (عليه السلام) : فقد كان الصبر هو حال سيدنا يوسف (عليه السلام) في محنه كلها ، محنته مع أخوته ، ومحنته في الجب ، ومحنته مع امرأة العزيز ، ومحنته في السجن ، ومحنته وهو يتولى عرش مصر وقت البلاء ، إلى غير ذلك من المحن والصعاب ، وكان لسان حاله : )إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) ( (يوسف) 

(2) نبي الله أيوب (عليه السلام) : هو مضرب المثل في الصبر ، فإذا ذكر الصبر ذكر سيدنا أيوب (عليه السلام) فقد ابتلاه الله في بدنه وأهله وولده وماله ، فقابل الابتلاء بالصبر والرضا ، فخلد الله ذكره في القرآن .

(3) صبر النبي (r) : فإن مواقف الصبر في حياته (r) أكثر من أن تعد أو تحصى ؛ لما لاقاه من محن ومتاعب لم يتعرض لها بشر قبله ولا بعده .

ثمرات الصبر 

1- من أهم أسباب الفلاح : قال الله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) ( (آل عمران) .

2- يؤدي إلى الفوز بالجنة يوم القيامة : قال الله تعالى : ) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) ( (المؤمنون)

3- مضاعفة الأجر والثواب : قال الله تعالى : ) أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ( (القصص:54) وقال : ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ( (الزمر) 

4- الفوز بمعية الله : قال الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) ( (البقرة)

5- صلوات الله ورحمته على الصابرين : قال الله تعالى : ) وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ( (البقرة) 

6- تحقيق النصر على الأعداء : قال الله تعالى : ) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) ( (آل عمران) وعن ابن عباس (t) قال : قال لي رسول الله (r) : [ واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا ، واعلم أن القلم قد جرى بما هو كائن ] رواه الطبراني في الكبير

7- الصبر وقاية من كيد الأعداء ومكرهم : قال تعالى : ) وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ( (آل عمران : 120) 

8- الملائكة تسلم على الصابرين في الجنة : قال الله تعالى : ) وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) ( (الرعد) 

العفو والصفح 

الفرق بين العفو والصفح : والعفو والصفح متقاربان في المعنى إلا أن الصفح أبلغ من العفو ، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، وصفحت عنه : أوليته صفحة جميلة (نضرة النعيم) ، فالعفو ترك عقوبة المذنب ، والصفح ترك لومه بعد ترك عقوبته ، ويدل عليه قوله تعالى : ) فاعفوا واصفحوا( ترقيا فيا الأمر بمكارم الأخلاق من الحسن إلى الأحسن .

وخلق العفو من أخلاق الأنبياء والمرسلين ، فالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) لقوا من أقوامهم ما لا قوه ومع هذا ما لم ينتقموا لأنفسهم ، بل صبروا على الأذى في سبيل نشر دعوتهم ، وبذلوا وسعهم في بيان الحق لمن أرسلوا إليهم وقابلوا إساءات أقوامهم بالصبر ودعاء الله تعالى لهم.

وحظ العبد من العفو هو أن يعفو عن من ظلمه ، ويحسن إليه ، متخلقا بأخلاق القرآن الكريم ، مقتديا بهدي سيد المرسلين (r) حتى يشمله الله تعالى بعفوه وكرمه ، فلا شك أن لكل واحد منا زلات وسقطات ، وعليه مظالم وحقوق للناس ، ويتمنى أن يتجاوز الناس عنه في مظالمهم ويسامحوه ؛ حتى لا يطالبوه بها يوم القيامة ، وهو أحوج ما يكون إلى حسناته .

نماذج من العفو 

1- نبي الله يوسف (عليه السلام) ، فكانت مقولته لإخوانه بعد أن أمكنه الله منهم مثلا رائعا في السماحة والعفو والصفح ، فهو عفو لا لوم فيه ولا تعيير ، وهو صفح في حال المقدرة على العقاب ، وهو تنازل عن أي حق دون أي حقد أو كراهية ، وأضيف إليه الدعاء بالمغفرة على الذنب والستر والرحمة في عالم الآخرة بين يدي أرحم الراحمين .

2- ولقد ضرب النبي (r) المثل الكامل في العفو والصفح عمن خالطه وعامله (r) من رجل أو خادم أو امرأة أو عامل أو غيره .

بل إن عفو النبي (r) اتسع ليصل إلى غير المسلمين من المشركين والكافرين من أهل مكة الذين تفننوا في إيصال العنت والأذى للنبي (r) ومن تبعه من السابقين الأولين ،فلما عرض له ملك الجبال ، وأخبر أنه مأمور من الله بطاعته ، فلو أراد رسول الله (r) أن ينتقم منهم ويدعو عليهم لانتقم الله منهم عن بكرة أبيهم ، لكن أشفق عليهم ، ودعى لهم .

ولما عاد النبي (r) إلى مكة بعد ثماني سنوات فاتحا بعد أن أخرج منها ، فقد عاد إليها على رأس جيش بلغ أكثر من عشرة آلاف من المسلمين ، ودخل رسول الله (r) مكة دخول الشاكرين لله (عز وجل) دخلها وهو راكب على ناقته تواضعا لله وشكرا ، وكادت جبهته (r) أن تمس عنق ناقته وسيطر الرعب على أهل مكة خوفا من أن ينتقم منهم (r) نتيجة أفعالهم معه ومع أصحابه (رضي الله عنهم جميعا) فقال لهم النبي (r) : [ يا معشر قريش ما ترون أني صانع بكم ؟ ] قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ،قال : [ اذهبوا فأنتم الطلقاء ] (سنن البيهقي) فلم يقتل (r) أحدا ، ولم يصادر أرضا بل كان (r) رحمة للعالمين كما وصفه الله تعالى .

3- عمر (رضي الله عنه) في امتثال تام لأمر الله تعالى وسنة رسوله (r) في العفو ، يصفح عن الجاهل وفظاظة الأحمق .

خلق العفو 

خلق العفة التي تعني ضبط السلوك الإنساني فبها يصون المسلم نفسه من الأهواء والانحرافات والشذوذ ويتقوى بها على التمسك بالأفعال والآداب المحمودة .

والاستعفاف : طلب العفة وتكلف حصولها ، وهذا معنى قول الله تعالى : )وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ( (النور: 33) أي : ليضبط نفسه بمثل الصوم فإنه وجاء ، وكذلك في الحديث : [ ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ] (رواه البخاري)

مكانتها :

وللعفة منزلة عظيمة ، فهي تحفظ المسلم من كل خلق سيء وتدفع به نحو الفضيلة والرقي ، والبعد عن الرذائل والأهواء والأدواء ، بها تتوطد الصلات وتسمو العلاقات ، وبها تحفظ الأموال والأعراض ، ولقد كان رسول الله (r) في دعائه يسأل الله تعالى العفاف .

فالعفة خلق إيماني رفيع وهي صبر وجهاد واحتساب وقوة وتحمل وإرادة ، وصون للأسرة المسلمة من الأهواء والانحرافات والشذوذ ودعوة إلى البعد عن سفاسف الأمور، وخدش المروءة والحياء.

والعفة تشمل عفة القلب والجوارح والكسب وغيره ، امتثالا لأمر الله ورسوله ، فيكون عفيف القلب واليد واللسان والسمع والبصر والفرج .

ووجه ربنا (سبحانه وتعالى) أن خلق العفاف واجب على الغني ، وهو خير للفقير من تركه ومن التعرض لغيره في طلب الأقوات.

ومن صور العفة : عفة الفرج ، وهو مما تزكو بن النفس ، وتسلم به المجتمعات ، ويحفظ به الأمن وتصان به الأعراض .

ومن صور العفة : عفة البطن ، ويقصد بها تحري الحلال في كل ما يدخل البطن من طعام أو شراب أو غير ذلك .

وكذلك من صور العفة : عفة اللسان ، فاللسان من أجل النعم العظيمة التي أنعم الله بها على الإنسان ، به المنطق والبيان ، وبه تتضح الحجة والبرهان .

فعلى كل عاقل أن يكف لسانه عن الكذب لسوء عاقبته ، فهو جماع كل شر وأصل كل ذم ، كما يكف لسانه عن السخرية والاستهزاء .

فوائد العفة وفضائلها :

1- أنها تحفظ صاحبها من الهلاك ، فعندما كان ثلاثة يسيرون في طريق واضطروا إلى الدخول في كهف فوقعت صخرة فسدت بابه ، واستنجد كل منهم بما قدم من عمل صالح .

2- يسعد صاحبها يوم القيامة في نعيم الجنة بفضل الله (عز وجل) فعن عياض بن حمار (t) قال : سمعت رسول الله (r) يقول : [ أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال ] .

3- والمتعفف أهل لعون الله (عز وجل) لأنه قد قطع بصره وأمله عما في أيدي الناس من خير ، وتعلق بالله في نجاح سعيه وطلبه ، فكان الله (عز وجل) عند حسن ظنه ، وكان في عونه وتوفيقه ، وكان سعيه في سبيل الله (عز وجل) وطاعته ، فلو مات مات في طاعة .

نماذج للعفة :

1- ومن موقف العفة ما جاء عن نبي الله يوسف (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) فقد ابتلى بأعظم فتنة امرأة ذات منصب وجمال ، تراوده عن نفسه فتعفف عن الحرام وحفظ دينه واعترف بجميل سيده عليه .

2- ولقد ضرب النبي (r) المثل الكامل في العفة بمفهومها العام فلا يأكل إلا بعد التحري التام أنه مما لا ضرر فيه شرعا .

3- وفي قصة أم المؤمنين أم سلمة مع عثمان بن طلحة (رضي الله عنهما) مثلا عاليا في العفة والمروءة التي قل أن يجود بمثلها الزمان .

الرفق

مكانته 

الرفق خلق محبب عند الله (عز وجل) في كل أمور الحياة ، فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت : قال رسول الله (r) : [ يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ] متفق عليه واللفظ لمسلم – وفي رواية : [ إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف ] رواه ابن ماجه.

والتحلي بالرفق من علامات توفيق الله (عز وجل) للعبد وهدايته للخير.

الرفق في حياة الرسول الأنبياء (عليهم السلام) 

1- امتن الله (سبحانه وتعالى) على المصطفى (r) فحلاه بالرفق وزينه به ، وبين أن هذا رحمة منه (سبحانه وتعالى) بنبيه (r) وأمته ، فقال سبحانه : ) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)  ( (آل عمران ) 

2- وقد أمر الله (تبارك وتعالى) جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) بالرفق واللين في الدعوة إليه ، فقد أمر (سبحانه وتعالى) موسى وهارون (عليهما السلام) أن يتحليا بالرفق عند مخاطبتهم لفرعون .

3- وكذلك ضرب الخليل إبراهيم (عليه السلام) مع أبيه نموذجا رائعا في الرفق واللين في دعوته إلى الله .

4- وكذلك أمر الحق (تبارك وتعالى) نبينا (r) بالرفق واللين مع قومه ؛ وذلك بدعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، وفتح أبواب التوبة والأمل ، وعدم تيئسهم من رحمة الله ، وعدم التشديد عليهم.

مجالات الرفق 

1- الرفق بالنفس في العبادة والطاعة : فلا يتشدد المرء في دين الله ، ولا يكلف نفسه أكثر مما تطيق ؛ حتى لا تكل ولا تمل من العبادة .

2- الرفق بالأطفال : وذلك بعدم القسوة عليهم ، وعدم الإغلاظ لعم ، فعن جابر بن سمرة (t) قال : [ صليت مع رسول الله (r) صلاة الأولى ، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه ، فاستقبله ولدان ، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا ] قال : [ وأما أنا فسمح خدي ] قال : [ فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنها أخرجها من جونة عطار ] (رواه مسلم) .

3- الرفق بالنساء : وذلك بمراعاة ضعفهن ، ومعاونتهن في شئون البيت ، وأمور الحياة كما صح من فعل النبي (r) فعن أنس (r) أن النبي (r) أتى على أزواجه وسواق يسوق بهم يقال له : أنشجة ، فقال : [ ويحك يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير ] (متفق عليه) قال العلماء : سمى النساء القوارير لضعف عزائمهن تشبيها بقارورة الزجاج : لضعفها وإسراع الانكسار إليها .

4- الرفق بالخدم : وذلك بعدم تكليفهم مالا يطيقون من الأعمال ، ومراعاة إنسانيتهم ، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (r) أنه قال : [ للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق ] (رواه مسلم)

5- الرفق بمن لا يعلم عند الأمر والنهي : فعن أنس (t) قال : قال بينما نحن في المسجد مع رسول الله (r) إذ جاء إعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله (r) مه مه ، قال : قال رسول الله (r) لا تزرموه دعوه ، فتركوه حتى بال ، قم إن رسول الله (r) دعاه فقال له : [إن هذه المساجد لا تصح لشيء من هذا البول ، ولا القذر ، إنما هي لذكر الله (عز وجل) والصلاة وقراءة القرآن ] قال : فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه (روام مسلم) 

6- الرفق بالفقراء ، وذوي الحاجات : وذلك بالقيام على حوائجهم وتلبية رغباتهم .

7- الرفق بالرعية : وذلك بقضاء حوائجهم ، وتأدية مصالحهم وما ينفعهم في أمورهم الحياتية ، فعن أم المؤمنين عائشة (t) قالت : سمعت رسول الله (r) يقول في بيتي هذا : [ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ] .

8- الرفق بالناس عموما : وذلك بلين الجانب لهم ، وعدم الغلظة والتعامل بالسماحة معهم .

9- الرفق بالحيوان : وذلك بإطعامه ، ودفع أنواع الأذى عنه الحر والبرد ، وعدم إجهاده وتكليفه من العمل ما لا يطيق .

فوائد الرفق 

1- يزين كل شيء كما أخبر النبي (r).

2- فيه دلالة على إرادة الله بالعبد خيرا كما تقدم .

3- فيه دلالة على الرحمة ، وحسن الخلق ، فهو ينمي أخلاقا كثيرة .

4- يثمر الود ، والمحبة ، والألفة ، والترابط ، والتعاون بين المؤمنين .

5- يذهب قسوة القلب ،فعن أبي هريرة (t) أن رجلا شكا إلى رسول الله (r) قسوة قلبه ، فقال له : [ إن أردت أن يلين قلبك ، فأطعم الطعام وامسح رأي اليتيم ] (رواه أحمد) وإطعام المسكين ومسح رأس اليتيم من الرفق .

6- خلو المجتمع من العنف والأحقاد والغل.

7- طريق موصل إلى الجنة ، يقول (r) : [ وأهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال ] (رواه مسلم)

الوفاء بالعهد 

الوفاء بالعهد خلق كريم من أخلاق الإسلام ، يدل على قوة الإيمان وعمقه ، وطهارة النفس وسموها ، بل تدعم الثقة بين أفراد الأسرة والمجتمع ، وهو دليل على المعاملة الحسنة وانضباط السلوك الإنساني ، وهو خصلة من خصال المؤمنين الصالحين ، ومنقبة من مناقب الدعاة المخلصين ، والوفاء بالعهد من شعب الإيمان ، فمن أبرم عقدا وجب عليه أن يحترمه ، ومن أعطى عهدا وجب عليه أن يلتزم به .

أهميته :

1- الوفاء بالعهد من أهم الفضائل التي عنى بها القرآن الكريم  وحث عليها ؛ لذا وصف به رب العزة سبحانه وتعالى نفسه ، فقال : ) ومن أوفى بعهده من الله ( (التوبة : 111)

2- كما جعله الله سبحانه وتعالى من سمات أهل الصلاح والتقوى ، قال تعالى : )وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) ( (البقرة) 

3- كذلك جعله الحق سبحانه وتعالى من صفات أولى الألباب وهم أهل البصائر المنيرة بكتاب الله وسنة رسوله (r) فقال تعالى : ) إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) ( (الرعد)

4- تخلق به كل الأنبياء والرسل (عليهم السلام) قال الله تعالى في شأن إبراهيم الخليل (عليه السلام) : ) وإبراهيم الذي وفى ( (النجم : 37) 

5- وهو من أخص خصائص رسول الله (r) قبل البعثة وبعدها .

صور الوفاء بالعهد

أولا : وفاء العبد بعهده مع الله (عز وجل) : وهو أعلى الأنواع قدرا وأولاها فخرا ، قال الله تعالى : ) وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) ( (البقرة)

ومن صور الوفاء بالعهد مع الله (عز وجل) : حسن التوكل والاعتماد عليه دون غيره ، مع الأخذ بالأسباب ، والإخلاص في الطاعة ، والمحافظة على الأعمال الصالحة والمداومة عليها.

ثانيا : الوفاء بالعهد مع الرسول (r) : ويتحقق هذا النوع بحبنا الصادق لرسول الله (r) وتوقيره وتعظيمه ونصرتنا لشريعته ومحافظتنا على سننه ، والسير على نهجه ، وتصديقه في كل ما صح عنه (r) .

ثالثا : الوفاء بالعهد مع النفس : فسعادة المرء مرهونة بوفائه مع نفسه ، لأنه لو كان وفيا مع نفسه ، لالتزم بالوفاء مع الله ورسوله والناس أجمعين .

رابعا : الوفاء بالعهد مع الناس : وهذا النوع هو ثمرة الأنواع الثلاثة السابقة ، فالوفاء مع الله ومع رسوله (r) ومع النفس مقدمات وأسس لابد منها لتحقق النتيجة وهي الوفاء بالعهد مع الناس .

والوفاء بالعهد مع الناس له عدة مجالات يجب الحفاظ عليها :

منها : الالتزام بعهود الزوجية : لقد أولى الإسلام عقد الزوجية من الرعاية والعناية الشيء الكثير ، حتى سماه ربنا في القرآن الكريم بالميثاق الغليظ .

ومن الصور المشرقة في تاريخ الإٍسلام لوفاء الزوجية مع زوجها ، ما روته كتب السيرة عن السيدة أم حكيم بنت الحارث بن هشام زوج عكرمة بن أبي جهل (t) فقد أسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن خوفا من رسول الله (r) ولكن أبي وفاء هذه الزوجة الصالحة أن تترك زوجها فذهبت إلى رسول الله (r) طالبة لزوجها الشفاعة فقبل النبي (t) شفاعتها وأعطاها العهد بالأمان لزوجها . 

ومن صور الوفاء بالعهد : ما يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس بيعا وشراء : فيجب الوفاء بما تم شرطه لقول النبي الكريم (t) : [ المسلمون عند شروطهم ] (رواه البخاري) 

ومما يتعلق بهذا الأمر ضرورة الوفاء بالعهد كيلا ووزنا : وعدم الغدر ببخسه أو تطفيفة قال الله تعالى : ) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ( (الأنعام) 

أضرار تلك الوفاء بالعهود :

إن نقض العهود وعدم الوفاء بها علامة من علامات النفاق التي بينها لنا النبي (r) وحذر منها أشد التحذير ، فعن عبد الله بن عمرو (t) عن النبي (r) قال : [ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان ، وإذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ] (متفق عليه) 

إن الوفاء بالعهود والعقود المعتبرة شرعا . البعيدة عن الظلم والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل واستباحة الأموال والدماء والأعراض . من أهم سبل تحقيق الأمن في المجتمع ، ويعود أثرها وثمراتها على الفرد والمجتمع ، فأما الفرد فيعود عليه الوفاء بالوعد ، بمحبة الله (عز وجل) ورضوانه .

ومن آثار الوفاء بالعهود على المجتمع نشر قيم المودة والرحمة والأمان والاستقرار ، فيسوده الأمن والحب ، وتزول الأحقاد والأضغان ، فما أحوج الإنسانية كلها إلى التخلق بخلق الوفاء بالعهد ليتحقق الخير للناس أجمعين .

الجود والكرم 

مكانتهما :

1- الجود والكرم من صفات الحق (سبحانه وتعالى) وجوده وكرمه سبحانه وتعالى دون حدا أو قيد .

2- الجود والكرم من أعظم أخلاق الأنبياء والمرسلين .

3- الجود والكرم أصل لجميع المحاسن ، قال أحد الحكماء : [ أصل المحاسن كلها الكرم ، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام ، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام ، وجميع خصال الخير من فروعه ] (المستطرف في كل فنن مستظرف) ، وقال بعض العلماء : الكرم : إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس في الأمور الجليلة القدر ، الكثيرة النفع ، وقيل هو التبرع بالمعروف قبل السؤال . (نضرة النعيم) 

الأسباب الدافعة والمعينة على الجود والكرم 

1- الإيمان القوي بالله (عز وجل) : والثقة في عطائه ، وأنه هو الرازق والمعطي ، وأن خزائنه ملأى لا تنفد أبدا .

2- الإحساس بالآخرين والشعور بهم ، فالنفس الطيبة الجوادة بالخير تحس بالآخرين ، وتشعر بآلامهم ، وهذا ما كان يتميز به النبي (r) حتى قبل البعثة .

3- النوازل والكوارث التي تنزل بالمجتمع وأفراده ، فعن أبي موسى الأشعري (t) قال : قال النبي (r) : ( إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو ، أو قل طعام عيالهم بالمدينة ، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ، قم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم ) متفق عليه

4- ما يقوم به الدعاة والمصلحون ، من الترغيب في الجود والكرم ببيان فوائدهما والتحذير من عدم التحلي بهما . 

من صور الجود والكرم :

1- الجود والكرم بالمال ، والطعام وبكل ما يملكه المرء ، ويتمثل ذلك في البذل والعطاء من مال الله الذي أنعم به علينا واستخلفنا عليه وأمرنا بالإنفاق منه بسماحة نفس وطيب خاطر وسهولة ويسر ، لقضاء حوائج الناس ، ومن إطعام جائع ، وكساء عار ، وإعانة محتاج ، وغير ذلك ، مما يحقق لهم الكفاية وقضاء الحوائج ابتغاء مرضاة الله (عز وجل) يقول سبحانه وتعالى : )وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) ( (الإنسان) 

2- الجود والكرم بالعلم والمعرفة .

3- الجود والكرم بالصحة والعافية ، وذلك بالسعي في قضاء حوائج الآخرين ، والإصلاح بين الناس ، وإماطة الأذى عن الطريق ، وإعانة من يحتاج إلى معاوية .. الخ 

4- الجود بالنفس وبذلها لله تعالى ومعناه بذل الجهد في تقديم الخير للآخرين ، والعمل على قضاء مصالحهم وحوائجهم ، وعلى معونتهم ومساعدتهم ، سواء بالكلمة الطيبة أو بتقديم النفس من أجل تحقيق غاية سامية عظيمة كالإصلاح بين الناس ونشر الخير والدفاع عن الدين والوطن ، فهو صفة الكرماء وشيمة النبلاء ، وهو أرقى درجات الإيثار وأنفس أنواع الجود والكرم.

ومن صور الكرم والجود بالنفس : ما يبذله الجندي المرابط على الحدود يدافع عن وطنه وأرضه وأهله وعرضه ، فهو يؤدي واجبا يثاب عليه بالخير الكثير ، يقول (r) : [ رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ] (رواه البخاري) 

من فوائد الجود والكرم :

1- نوع من أنواع الصدقة عن النفس ، والصحة والعافية .

2- يحفظ المال من التلف والضياع ، فعن أبي هريرة (t) قال : قال رسول الله (r) : [ ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا ] (متفق عليه)

3- ينمي المال ويزيده ويبارك فيه .

4- دليل على الزهد في الدنيا .

5- فيه اتصاف بالأخلاق الكريمة ، كالتعاون والإحساس بالآخرين ، والمشاركة المجتمعية وحل المشكلات (التكافل الاجتماعي) والتطهير من الأنانية ، والشح ، وحب التملك .. الخ

6- حارس للأعراض ، بمعنى أن يمنع الناس من سب الكريم ، والخوض في عرضه ، لأن الكريم لا أعداء ، ولا حساد له ، لقربه من الناس ، فعن أبي بكر الصديق (t) قال : [ الجود حارس الأعراض ] ( ربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري) 

7- فيه دلالة على الإيمان القوي بالله تعالى ، وحسن الظن به (سبحانه وتعالى) .

حسن الخلق 

من الفضائل التي دعا إليها الإسلام ورغب فيها وحث على التخلق بها : التحلي بحسن الخلق ، كالصبر والحلم والرفق ، والصدق والأمانة ، والرحمة ، والوفاء ، والكرم ، والحياء ، والتواضع ، والشجاعة ، والعدل والإحسان ، وقضاء الحوائج ، وغض البصر ، وكف الأذى ، وطلاقة الوجه وطيب الكلام ، وحسن الظن ، وتوفير الكبير ، والإصلاح بين الناس ، والإيثار ، ومراعاة مشاعر الآخرين ، وغيرها من مكارم الأخلاق .

وقد وردت بذلك نصوص الكتاب والسنة .

لقد كان رسول الله (r) ترجمة حقيقة واقعية ومجسدة لتلك الأخلاق ، ومن هنا وجدنا كتب السير والشمائل تهتم بتخصيص مباحث في دراسة خلق النبي (r) نظريا وعمليا ، وهذا يوضح مدى المكانة العلية للأخلاق في الإسلام .

ولقد ربي النبي (r) أصحابه على مكارم الأخلاق وحسنها ، وأمرهم أن يتزينوا بها ويتمسكوا بأحسنها .

فالأخلاق الفاضلة هي التي تعصم المجتمعات من الانحلال ، وتصونها من الفوضى والضياع ، فسلامة الأمة وقوة بنيانها ، وسمو مكانتها وعزة أبنائها ، بتمسكها بالأخلاق الفاضلة ، كما أن شيوع الانحلال والرذيلة نتيجة لنبذ الأخلاق والأفعال الحميدة .

فبالأخلاق تحيا الأمم وتبقى آثارها خالدة ، وبزوالها وانهيارها تنهار الأمم وتسقط ، فكم من حضارات انهارت لا بسبب اقتصادها أو قوتها العسكرية – فحسب – وإنما بتردي أخلاقها يقول الشاعر : 

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت         ***         فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا 

فالعبادة لابد وأن تترك أثرا إيجابيا يعود على الفرد والمجتمع ، فإذا لم تؤثر هذه العبادة في خلق الإنسان وتهذيب سلوكه فلا قيمة لها ولا ثمرة لها في الآخرة ، لأن سوء الخلق يأكل تلك العبادات وتلك الحسنات كما تأكل النار الحطب .

التقوى 

تقوى الله تعالى هي طريق الفلاح وعنوانه ، ووصية الله تعالى للأولين والآخرين ، ودعوة كل نبي إلى قومه ، وصفة من صفات المؤمنين ، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها طاعة لله تعالى ، وبناء لمجتمع قوى متماسك ، بها تستقيم الحياة وتنصلح العلاقات بين أفراد المجتمع ، وتقوى الروابط بين الناس .

حقيقة التقوى

وحقيقة التقوى : أن يعلم الإنسان أن الأمور كلها بيد الله تعالى ، فيعمل بطاقة الله ، ويستحضر عظمته تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه والتورع عن الشبهات ، وعدم الإصرار على المعصية ، فيجعل الإنسان بينه وبين ما حرم الإسلام حاجبا وحاجزا ، وبين عذاب الله تعالى سترا ووقاية ، فهي كلمة جامعة حقيقتها الإيمان بالله ورسوله (r) والعمل بشريعته .

التقوى في القرآن الكريم 

وردت التقوى في القرآن الكريم بمعان مختلفة ، منها : الطاعة ، والعبادة ، والخوف ، والمراقبة ، والإيمان .

كما ورد ذكر التقوى في القرآن الكريم بصور متنوعة ، فتارة تأتي بصيغة وصية الله تعالى بها وتارة يأمر الله تعالى نبيه (r) والمؤمنين أن يتحلوا بها في أقوالهم وأفعالهم ، وتارة يمدح الله أهلها ، ويذكر صفاتهم ، ويبين ما أعده لهم من منزلة عظيمة . فهي وصية الله للأولين والآخرين.

الترغيب في التقوى :

أولا : الفوز بمحبة الله تعالى ومعيته للمتقين .

ثانيا : المتقون هم أهل الكرامة والرفعة والمكانة العالية في الدنيا والآخرة .

ثالثا : التقوى تورث صاحبها الجنة .

رابعا : التقوى تيسر الرزق الحلال وتفرج الكروب وتذهب متاعب الحياة وأزماتها.

خامسا : التقوى تيسر تحصيل العلم النافع .

سادسا : التقوى تجلب الرحمات والبركات من الأرض والسماوات .

سابعا : التقوى سبب في حفظ الذرية بعد الموت.

ثامنا : بالتقوى تتحقق النجاة في الدنيا والآخرة .

تاسعا : بالتقوى يكفر الله تعالى السيئات ، ويرفع الدرجات .

عاشرا : التقوى خير زاد يحقق سعادة الإنسان .

أثر التقوى في سلوك المتقين :

لتقوى الله تعالى أثر كبير في نفوس المتقين وقلوبهم ، فهي تنير القلب والبصيرة وتصون الإنسان وتحجبه عن معصية الله تعالى ، وتجعله مراقبا لله (عز وجل) في السر والعلن . 

كما أنها تحقق المهابة أمام الأعداء .

فتقوى الله تعالى هي القيادة الحقيقية للمجتمع الإسلامي ، بها يتحقق رغد العيش وتمام الصحة والعافية ، قال الله تعالى ) لئن شكرتم لأزيدنكم ( (إبراهيم : 7) وشكر الله تعالى دليل على تقواه.

الإيثار 

الإيثار خلق عظيم من أخلاف الإسلام ، وصفة كريمة يتميز بها المسلم عن غيره من الناس ، وهو من أسمى صور الرقي الأخلاقي ، والكمال الإنساني ، فمن خلاله يستطيع المؤمن أن ينتصر على نفسه ، ويتغلب على هواه طاعة لله تعالى ، وهو مرتبة عالية من مراتب البذل والسخاء ، ومنزلة عظيمة من منازل العطاء .

الفرق بين الإيثار والسخاء والجود :

ذكر ابن القيم (رحمه الله) فروقا بين كل من السخاء والجود والإيثار مع أنها كلها أفعال بذل وعطاء ، فقال رحمه الله : [ وهذا المنزل : هو منزل الجود والسخاء والإحسان ، وسمى بمنزل الإيثار لأنه أعلى مراتبه فإن المراتب ثلاثة : 

إحداها : أن لا ينقصه البذل ولا يصعب عليه فهو منزلة السخاء .

الثانية : أن يعطي الأكثر ويبقي له شيئا أو يبقي مثل ما أعطى فهو الجود.

الثالثة : أن يؤثر غيره بالشيء مع حاجته إليه وهي مرتبة الإيثار (مدارج السالكين) .

وقد مدح الله سبحانه وتعالى الصحابة الأولين من الأنصار على ما بذلوه من عطاء وسخاء ، في صورة يعجز عن وصفها اللسان ، ويضعف عن التعبير عنها البيان ، تجاه إخوانهم المهاجرين (رضي الله عنهم جميعا) حين قدموا المدينة مهاجرين إلى الله ورسوله ، حتى قال تعالى في شأنهم : ) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ( (الحشر) فقد بين سبحانه في هذه الآية أن الذي حمل الأنصار على التضحية التي وصلت إلى حد البذل والإيثار ، إنما هو الإيمان النابع من سلامة الصدر والذي أثمر المحبة والمودة وما تلاه من بذل وإيثار .

وإذا كان الأنصار قد ضربوا أمثلة في البذل والإيثار ، فقد ضرب المهاجرون أمثلة في العفة وعزة النفس .

ولقد ضرب الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) أروع الأمثلة في تحقيق هذا الخلق العظيم وبذل الخير للغير رغم الحاجة إليه ، فصار هذا الخلق سجية لهم .

فقمة الإيثار أن يحب الإنسان لأخيه أكثر مما يحب لنفسه ، وأن يفضل منافع الغير ويقدمها على منافعه رغبة في إرضاء الله (عز وجل) وطمعا في ثوابه .

نماذج من الإيثار :

عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أيضا : أنى اشتهى يوما سمكة ، وكان قد نقه من مرض فالتمست بالمدينة ، فلم توجد حتى وجدت بعد مدة ، واشتريت بدرهم ونصف ، فشويت وجيء بها على رغيف ، فقام سائل بالباب ، فقال ابن عمر للغلام : [ لفها برغيفها ، ودافعها إليه ، فأبى الغلام فرده وأمره بدفعها إليه ، ثم جاء بها فوضعها بين يديه ، وقال : كل هنيئا يا أبا عبد الرحمن ، فقد أعطيته درهما وأخذتها ، فقال : لفها وادفعها إليه ، ولا تأخذ منه الدرهم ] (رواه ابن عساكر)

وعن حبيب بن أبي ثابت (t) أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل ، وعياش بن أبي ربيعة ارتأوا يوم اليرموك ، فدعا الحارث بماء ليشربه ، فنظر إليه عكرمة ، فقال الحارث : ادفعوه إلى عكرمة ، فنظر إلى عياش بن أبي ربيعة ، فقال عكرمة : ادفعوه إلى عياش ، فما وصل إلى عياش ولا إلى أحد منهم حتى ماتوا وما ذاقوه . (رواه الحاكم في المستدرك) 

ثمرات الإيثار :

وللإيثار ثمرات عظيمة تعود بالخير والنفع على الفرد والمجتمع ، منها : أنه يجلب لصاحبه محبة الناس ، ويذهب عنه حقدهم وحسدهم ، ويزيده رفعة ومنزلة في الدنيا والآخرة ، فإن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها وتعظيم من يؤثرها ، مع ما يجلبه الإيثار من البركة في المال والولد ، فضلا عما يجده صاحبه من الثواب الكبير والأجر العظيم والخير العميم في الآخرة .

ومنها : أنه يسهم في تحسين العلاقات والروابط الإنسانية ويحافظ على تماسك الأفراد والمجتمعات ، فيتحقق التواد والتراحم والتآلف وغيرها من المعاني النبيلة التي تسهم في تقدم الشعوب وتحضرها.

أمور تعين العبد على الإيثار :

1- تقوى الله سبحانه وتعالى وحسن الظن به .

2- التقرب إلى الله سبحانه وتعالى دائما بكل أنواع القرب والطاعات .

3- كثرة الدعاء بالتوفيق لطاعته ، وحسن عبادته وأن يحببه الله في الإيمان وفي الصفات الحميدة ليتحلى بها ، وأن يبغضه في المعاصي والذنوب والصفات الدنيئة ليتجنبها .

4- محاولة البعد عن المجتمع المعروف بالشح والأثرة ، والتحول إلى مجتمع معروف بالجود والسخاء والإيثار وغيرها من جميل الصفات ، فإن مثل ذلك يحمل على الاقتداء والتأسي ، أو على الأقل المحاكاة والتشبيه .

5- محاولة التخلص من داء الاستعلاء والتكبر في الأرض بغير الحق ، وغرس خلق المحبة والود والتعاطف بين المسلم وأخيه المسلم ، وذلك تطبيقا فعليا لهدي النبي (r) .

6- تطهير القلب من الأحقاد والضغائن .

7- معرفة نماذج لبعض من عرفوا بالإيثار وقراءة سيرهم وكيف كان إيثارهم وها نحن نسوق بعض مواقف للسلف الصالح (رضي الله عنهم) التي ربما نستشرف لها لنسير على دربهم ونقتدي بهم .

البر

البر من الأخلاق التي تورث الطمأنينة في القلوب ، والألفة والمحبة بين الناس ، إنه خلق يمثل منهج حياة إنسانية كريمة فاضلة ، فالإنسان البار هو الذى ارتقى بمداركه العقلانية ، ومشاعره الوجدانية والتوجيهات الربانية إلى مستوى التكريم الإلهي الذي أراده الله (عز وجل) للإنسان بقوله : ) ولقد كرمنا بني آدم ( (الإسراء : 70)

والبر (بكسر الباء) : اسم جامع للخير كله فيشمل الإيمان والتقوى والطاعة ومكارم الأخلاق ، فهو لفظ جامع لكل ما يطلب من المسلم ، من كلام لين ، وخلق حسن يجمع القلوب والعقول ويؤلف بينها ، فهو يشمل جميع أفعال الخير وأقواله التي تطمئن النفوس والقلوب ، وتطمئن إليها النفوس والقلوب ، ومعاملة الخلق بمحاسن الأخلاق والإحسان إليهم وصلتهم بما أمر الله (تعالى) به ورسوله (r) وإدخال السرور عليهم وتفريج كروبهم .

أنواع البر : للبر نوعان 

النوع الأول : بر الإنسان مع ربه ويكون بالإيمان بالله واليوم الآخر ولائكته وكتبه ورسله ، وامتثال أمره ونهيه ، وتعظيم شعائره والاحتكام إلى شرعه .

النوع الثاني : بر الإنسان مع جيرانه وأهله وجميع الخلق ، وهو نوعان : مادي ، ومعنوي ؛ ويكون بطيب الكلام ، والتعاون والتودد بجميل القول والفعل ، وبذل المال فيما شرع الله تعالى وأمر ؛ تحقيقا لمجتمع متكافل يعرف بحب الخير والإصلاح بين الناس ، وحسن معاملتهم والإحسان إليهم وهذا دليل على حسن الخلق ورقة الطبع.

وقد ورد لفظ البر في القرآن الكريم في مواضع عديدة ، تدور حول معاني الخير والعمل الصالح المتمثل في إقامة العدل والتخلق بحسن الخلق وتؤكد على علاقته بالإيمان .

ومن خلال ما ورد من الآيات القرآنية والأحاديث البوية يتضح أن البر جاء على عدة معان :

1- تارة يطلق لفظ البر ويراد به التقوى التي تشير إلى طاعة الله (تعالى) ومراقبته في السر والعلن ، وفعل الخيرات وترك المنكرات .

وحذر الإسلام من التناجي بما فيه إثم ومعصية لله والرسول ، وأمر بالتناجي بالبر والتقوى ، وجمع الله (عز وجل) بينهما في قوله تعالى : ) وتناجوا بالبر والتقوى ( تطهيرا للنفوس ، وتصحيحا للمفاهيم الخاطئة ، وتحقيقا للتكافل والترابط والمحبة ، فالتزم التقوى فيه رضا الله ، والتزام البر فيه رضا الناس ، والسعيد هو من جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس .

2- وتارة يجيء لفظ البر مقترنا بلفظ الإيمان مشيرا إلى معناه ، وأركانه .

3- كما جاء البر مقترنا بأركان الإسلام ، وسائر الأعمال التي تقرب العبد من ربه (عز وجل).

4- وتارة يجيء لفظ البر بمعنى طاعة الوالدين ورعاية حقوقهما قبل الوفاة وبعد الوفاة .

5- وتارة يجيء لفظ البر مقترنا بالقسط (العدل) ، وحسن المعاملة للمسلم وغير المسلم.

6- كما جاء لفظ البر في القرآن الكريم مقترنا بلفظ الإصلاح بين الناس وتصديق الإيمان.

7- وجاء لفظ البر في القرآن الكريم يشير إلى أنه صفة من صفات ملائكة الرحمن .

8- وتارة يجيء لفظ البر في القرآن بمعنى الجنة .

ولقد رغب القرآن الكريم في البر بمرغبات عديدة ، منها :

ما أعده الله تعالى من منزلة عالية للأبرار الذين صدقوا الله ورسوله بأداء الفرائض واجتناب المنهيات ، قال الله تعالى : )لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) ( (آل عمران) 

ثمرات البر : للبر ثمرات عظيمة متنوعة منها :

أولا : أن البر يحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ، كما أنه السبيل للفوز بالجنة والنجاة من النار ، فعن عبد الله (t) عن النبي (r) قال : [ إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ] (متفق عليه)

ثانيا : إن البر سبب في طول العمر وبركته ، فعن توبان قال : قال رسول الله (r) : [ إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ] (رواه أحمد)

ثالثا : أن البر يحقق محبة الناس وترابطهم ، واطمئنان أنفسهم ، فعن وابصة الأسدي قال : أتيت رسول الله (r) فقال : [ البر ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك ي النفس ، وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك ] (رواه أحمد)

رابعا : أن البر دليل على حسن الخلق به تهذب الأخلاق ، ويتعاون الأهل والجيران وتوصل الأرحام ، وتصان الحقوق وتؤدي الواجبات ، كما أنه يحقق التقدم والاستقرار والأمن والأمان.

المراقبة 

والمراقبة حالة للقلب يثمرها العلم الجازم بأن الله أحاط علمه بكل معلوم لا يعزب عنه شيء ، وتثمر تلك الحالة أعمالا في القلب من إحسان ومراقبة ، وفي الجوارح من إتقان وتجويد ، فالله مطلع على الضمائر ، عالم بالسرائر ، وعلمه سبحانه وتعالى تام محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها ، رقيب على أعمال العباد ، قائم على كل نفس بما كسبت ، وأن سر القلب في حقه سبحانه وتعالى مكشوف ، فليستح المسلم من الله حق الحياء ، وليراقبه مراقبة من يعلم أنه يراه ، وليستحضر معيته (سبحانه وتعالى) في السر والعلن ، يقول تعالى : ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) ( (المجادلة) 

المراقبة في القرآن الكريم 

لقد ورد الحديث عن مقام المراقبة في القرآن الكريم في آيات كثيرة ومواضع متعددة وأساليب متنوعة منها : 

* إخباره سبحانه وتعالى عن عموم مشاهدته ، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم وسكناتهم ، وفي هذا دعوة لمراقبته سبحانه على الدوام .

* إخباره سبحانه وتعالى بعلمه خائنة الأعين ، أي : مسارقتها النظر إلى ما حرم الله (عز وجل) وما تخفي القلوب .

* كذلك أخبر ربنا سبحانه وتعالى أنه مع خلقه لا يحجبه مكان ، ولا يخفي عليه شأن ، مطلع عليهم ومجازيهم بأعمالهم .

* واخبر (عز وجل) أنه يرصد أعمال العباد لا يفوته منها شيء حتى يجازيهم بها .

والمراقبة والإحسان قريبان في المعنى ففي كل منهما استحضار لعظمة الله (عز وجل) وهو ما عبر عنه النبي (r) في حديث جبريل (عليه السلام) حين قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : [أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .. ] (رواه مسلم) 

نماذج في المراقبة 

لقد ضرب القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نماذج عظيمة تخلق أصحابها بخلق المراقبة لله رب العالمين ، ومن ذلك :

قصة نبي الله يوسف (عليه السلام) فيها من المراقبة ما فيها ، يقول الله تعالى : ) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) ( (يوسف) فهي امرأة ذات منصب وجمال ، وهي السيدة المطاعة ، ويوسف (عليه السلام) الغلام المأمور الضعيف ، ورغم ذلك حقق مقام المراقبة لله تعالى خير تحقيق فبعد أن راودته امرأة العزيز عن نفسه وتهيأت وتجملت له ، وأحكمت غلق الأبواب ، قال لها بلسان الخائف من ربه ، المستحضر عظمته تعالى أمام عينيه : ) مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (

مكانة المراقبة :

لمراقبة الله (عز وجل) مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة ، لا يعرفها إلا العالم بالله (عز وجل) وبعظيم صفاته ، أما أهل الغفلة عن الله فهم في دنيا الناس أموات ، فلا يستشعرون نظر الله إليهم ولا علمه سبحانه وتعالى بهم .

والمراقبة الواجبة : هي المراقبة العامة التي تبدأ من قبل العمل بأن يراقب العبد قلبه وقصده ونيته ، هل هي لله أم لغيره سبحانه وتعالى ؟ فإن كان العمل خالصا لله تعالى أمضاه ، وإلا تركه ، وهذا هو الإخلاص .

ومما يعين على المراقبة : أن يجتهد العبد في التعرف على أسماء الله تعالى وصفاته ليتصور عظمته سبحانه وسعة علمه وسمعه وبصره وإحاطته بأحوال الخلق ؛ فيتولد عنده معنى الحياء والخوف والتعظيم والتوقير لله .

فلو أننا راقبنا الله (عز وجل) حق المراقبة لتغيرت سلوكيات وتصرفات المجتمع إلى الأفضل.

حفظ اللسان 

فالقدرة على الكلام والتعبير عما يريده الإنسان نعمة ، لا يقدر فضلها ولا يعرف مكانتها إلا من حرمها ، ومن ثم فعلى الإنسان أن يحمد ربه ، ويقدر هذه النعمة التي أسبغها الله عليه ، وأن يعطيها حقها قال الله تعالى : )وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)( (إبراهيم) 

خطورة اللسان 

ولقد بين الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم خطورة اللسان على الإنسان ، حيث جاء الأمر الإلهي بحفظ اللسان ، فقال الله تعالى : ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ( (ق) 

ولقد فطن الصالحون لخطورة اللسان وعظم الكلمة فضربوا أروع الأمثلة في حفظهم لألسنتهم ، وخوفهم من آفات اللسان ، فقد روي سيدنا عمر بن الخطاب (t) أنه اطلع على أبي بكر (t) وهو يمد لسانه فقال : ما تصنع يا خليفة رسول الله ؟ قال : إن هذا الذي أوردني الموارد ، إن رسول الله (r) قال : [ ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرب اللسان على حدته ] (رواه البيهقي)

أهمية حفظ اللسان 

إن حفظ اللسان من أحب الأعمال إلى الله (عز وجل) كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو جحيفة مرفوعا : [ أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان ] (رواه البيهقي في الشعب) 

لأن اللسان يستر عقل الإنسان ، كما يستر الثوب الجسد فكثيرا ما تسببت فلتات اللسان في هلاك الإنسان ، وكما قيل : كم كست فلتات الألسنة الحداد من ورائها ملابس الحداد .

آفات اللسان التي يجب الحذر منها :

1- الكذب : وهو مخالفة الخبر للواقع ، فهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ، وهو من الخصال الذميمة التي حذر منها الإسلام أشد تحذير حتى عدها النبي (r) خصلة من خصال النفاق .

2- الغيبة : وهي ذكر المسلم أخاه بسوء في غيبته .

3- النميمة : وهي نقلا الكلام بين الناس بقصد الإفساد بينهم ، الأمر الذي يؤدي إلى تقطيع الأواصر والعلاقة بين الناس .

4- السب والقذف لأعراض الشرفاء ، وهو أمر يهدد بنيان المجتمع ويؤدي لانتشار الفوضى بين أبناء الوطن الواحد .

5- نشر الأخبار الكاذبة والشائعات الباطلة ، وهذا عمل لا يجيده إلا كل منافق لا يحب دينه ولا وطنه ولا بني جنسه .

6- قول الزور وشهادته .

7- السخرية والاستهزاء : فقد يكون المستهزأ به أكرم عند الله تعالى من المستهزئ ، فيكون قد ظلم نفسه بتحقير من وقره الله (تعالى) وكرمه .

عن النبي (r) قال : [ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ] (متفق عليه) ويتحقق ذلك من خلال أمرين :

الأول : البعد عن كل ما ورد النهي عنه في القرآن والسنة، من الغيبة والنميمة ، والسخرية ، والكذب والبهتان ، والسب والبذاءة ، وشهادة الزور ، وغير ذلك مما يتعلق بأذى اللسان .

الثاني : الصمت وعدم الكلام إلا بما فيه الخير والنفع ، ولو أننا تأملنا آفات اللسان لعلمنا أن الإنسان منا إذا أطلق لسانه لم يسلم .

فاللسان يجب أن يتخلى ويتحلى ، يتخلى عن الكلام البذيء وكل ما نهانا عنه الشرع الحنيف ، مما يرتكبه اللسان من جرم ، ويتحقق ذلك عن طريق الصمت .

فكل من حفظ لسانه وصان نفسه عن الحرام فهو في طريق النجاة والفلاح ، وهذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق (r) فعن سهل بن سعد (t) قال ك قال رسول الله (r) : [ من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ] (متفق عليه) فحري بالمسلم أن يضبط لسانه ، ويسأل نفسه قبل أن يتحدث عن جدوى الحديث وفائدته ، فإن كان خيرا تكلم ، وإلا سكت ، والسكوت في هذه الحالة عبادة يؤجر عليها.

الكلمة الطيبة

فالكلمة عنوان الإنسان ، ووسيلة اتصاله بالعالم الآخر ، فهي إما أن تبلغ بالإنسان أرقى الدرجات ، أو تهوي به في أسفل الدرجات ، فعن أبي هريرة (t) عن النبي (r) قال : [ إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يبقى لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى بها بالا يهوي بها في جهنم ] (رواه البخاري)

كما أن الكلمة الطيبة تؤلف القلوب ، وتصلح النفوس ، وتذهب الأحزان ، وتزيل الغضب ، وتشعر بالرضا والسعادة لا سيما إذا رافقتها ابتسامة صادقة .

ولقد أعطانا القرآن الكريم نماذج كثيرة لأثر الكلمة الطيبة على نفوس الأبناء ، ومن ذلك قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل (عليهما السلام) وكذلك يعقوب (عليه السلام) مع أولاده ولقمان الحكيم مع ابنه . فبها تكون مودة الأبناء بالآباء ، قال الله تعالى : )فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) ( (الإسراء)

وللكلمة أيضا أثرها الطيب في حسن العلاقة بين المسلم وغيره .

وبها تكون دعوة المخالفين والتحدث معهم بالحسنى .

على أن الكلمة الطيبة للفقراء تكون إحسانا أفضل من عطاء يتبعه من وأذى .

على أن الكلمة الخبيثة تسبب الفرقة والتنافر بين أبناء المجتمع الواحد مما يهدد وحدة النسيج الاجتماعي ، فيؤدي إلى تشرذم المجتمع وتشتته ، وهذا هو السبب في ظهور كثير من الآفات التي بسببها تقطعت الأرحام ، وساء الجوار ، ففسدت العلاقات الاجتماعية بين الجميع ، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر ، الغيبة والنميمة ، وشهادة الزور ، والجدال بالباطل ، والكذب والقذف  ، والسباب واللعان بأساليب عديدة فيها خروج عن أقل قواعد الأدب ، مع أن المسلم ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء .

فما أجمل الكلمة الطيبة التي تجعل الحياة مملوءة بالرحمة والمودة والمحبة بين الناس !! ما أطيب الكلمة الطيبة التي تجمع ولا تفرق وتكون سبيلا للألفة لا الفرقة !! فليكن كل منا صاحب كلمة طيبة ؛ لأنها تعبر عن حقيقة قلب صاحبها ، فقد قال يحيى بن معاذ : القلوب كالقدور تغلي بما فيها ، وألسنتها مغارفها ، فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه يغترف لك مما في قلبه ، حلو .. حامض .. عذب .. أجاج .. وغير ذلك ويبين لك طعم قلبه اغترف لسانه . (حلية الأولياء) 

سلامة الصدر 

ومن أهم المبادئ التي أراد النبي (r) أن يغرسها في قلوب أصحابه وأمته من بعده أن قلوب العباد هي موضع نظر الحق سبحانه وتعالى وعنايته ومن ثم فيجب الاهتمام بها ، إذ أن سلامة الصدور تعد الطهارة الباطنية والروحية في الإسلام ، فعن أبي هريرة (t) قال : قال رسول الله (r) : [ إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ] .

ويقصد بسلامة الصدر : نقاء القلب ، وخلوه من كل ضغينة أو حقد أو غل أو حسن على احد من المسلمين ، ومن ثم فهي دليل على صفاء القلب ، وحسن السريرة ، وطيب النفس ، وبها يمتلأ القلب إيمانا ويقينا وتقوى ومحبة ورحمة .

وقد حظيت طهارة القلب وسلامة الصدر في الإسلام بعناية كبيرة ، فسلامة الصدر وطهارته ركيزة أساسية في إيمان العبد ، يترتب عليها أمور كثيرة تتعلق بحال المجتمع المسلم من تعاون ومحبة وود واحترام ؛ لأن الصدر السليم هو الذي لا يحمل غشا ولا غلا ولا حقدا ولا حسدا ولا ضغينة ولا كراهية ولا بغضاء لأحد من المسلمين ، فما أحوجنا إلى صدور سليمة ، وأفئدة مطمئنة ؛ لأن القلوب هي منبع المشاعر والعواطف ، وموطن الأخلاق ، فإذا صلحت صلحت كل الأعمال والأخلاق ، وإذا فسدت فسدت كل الأعمال والأخلاق .

كما كان نبينا (r) حريصا على المسارعة في مساعدة أصحابه للوصول بهم إلى أفضل حال من سلامة الصدر وحسن الظن ، وهذا يؤكد أهمية القدوة وأثرها على الأتباع والصحب بل والناس أجمعين ، وهذه القدوة تكون في الأخلاق عامة ، وفي سلامة الصدر خاصة ، لأن هذا الخلق يحتاج إلى مجاهدة عظيمة ، ومخالفة لهواجس النفس ووساوس الشيطان .

لقد استحقت سلامة الصدر أن تأخذ هذا الاهتمام وتنال هذه العناية في الإسلام ، لأنها من صفات أهل الجنة الذين طهرت قلوبهم وصفت سرائرهم وسلمت صدورهم ، حيث قال الله تعالى في شأنهم : ) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) ( (الحجر) 

إن سلامة الصدر وطهارة القلب سمة من سمات الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فهم أطهر الناس قلوبا ، وأحسنهم سريرة ، وأسلمهم صدورا ، فها هو سيدنا إبراهيم (عليه السلام) كان ذا قلب سليم قال تعالى في شأنه : ) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) ( (الصافات) وكذا سائر الأنبياء (عليهم السلام)

وبلغ كمال هذا الخلق مع سيد الخلق نبينا (r) فقد من الله عليه بانشراح الصدر ، وسلامة القلب ، وطهارة السريرة ، قال تعالى : ) أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ( (الشرح)

من الأمور التي تعين المسلم على سلامة الصدر

1-اليقين بالله تعالى والرضا بقضائه ، والتعلق به ، والتعرف عليه سبحانه فإن من عرف الله أحبه ، فعن أبي هريرة (t) قال : قال رسول الله (r) : [ انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ] (رواه مسلم)

2- الاستجابة لأوامر الله تعالى والمسارعة في طاعته ، قال الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) ( (الأنفال) 

3- التضرع إلى الله سبحانه وتعالى وكثرة الدعاء مع الإخلاص فيه .

4- كثرة قراءة القرآن الكريم مع تدبر معانيه وفهم مقاصده بقدر الإمكان ، قال الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) ( (يونس) فكلما أقبل العبد على كتاب الله ، تلاوة وحفظا ، وتدبرا وفهما ، سلم صدره ، وطهر قلبه.

5- إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي العقبة العضال التي يترتب عليها تفاقم الصراعات ، ونشوب العداوات التي توغر الصدور ، وتملأ القلوب حقدا وكراهية وبغضاء ، وحال المؤمن ينبغي أن يكون بخلاف ذلك تماما ، قال الله تعالى : ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ( (الحجرات : 10) 

6- الإحسان إلى الفقراء والمساكين واليتامى .

7- حسن الظن بالناس ، وحمل كلامهم ومواقفهم على أحسن المحامل وأفضلها ، لأن سوء الظن بالناس يغرس الحقد والكراهية في النفوس .

8- التماس الأعذار للناس ، وإقالة عثراتهم ، والتغاضي عن زلاتهم ، لأن كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون .

9- محبة الخير للمسلمين ، وكراهية الشر لهم ، وهذا من كمال الإيمان الذي يحقق سلامة الصدر.

10- البعد عن التباغض والتحاسد والتنافس من أجل الدنيا .

هذه الفوائد والآثار ما يلي :

1- أن سلامة الصدر سبب لقبول الأعمال .

2- أنه سبب للفوز برضا الله تعالى ودخول الجنة .

3- سلامة الصدر تجلي النصر على العدو .

4- سلامة الصدر دليل على كمال الدين وحسن الخلق .

5- سلامة الصدر تورث المحبة في قلوب العباد ، فيتحقق بها السعادة والتعاون بين المسلمين ، كما يتحقق بها الراحة في الدنيا والعيشة الآمنة القانعة الراضية ، والدرجات العلا في الآخرة .

غض البصر 

نعمة البصر من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان ، ومن جليل إحسانه سبحانه وتعالى ، بها يهتدي المرء في سبيله وطريقه ، وبها يعيش الإنسان حياته بصورة ميسرة مستقلة ، تساعده على السعي في الأرض وعمارتها والقيام بالخلافة فيها ، وتساعده على القيام بواجب العبودية لله (عز وجل) 

ونعمة البصر نعمة جليلة لا يكافئها عمل الليل والنهار وإن بلغ خمسمائة عام .

 وأصل الغض : الخفض والكفر والكسر ، والإغضاء : إدناء الجفون ، ومعنى غض البصر : أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه ، ولا ينظر إلا لما أبيح له النظر إليه ، فإن اتفق أو وقع البصر على محرم من غير قصد صرفه سريعا ، والبصر هو أوسع الأبواب الموصلة إلى القلب ، وأقصر طرق الحواس إليه ومن أجل ذلك كثر السقوط من جهة إطلاق البصر ، وجريمة الفتنة المترتبة على إطلاقه ، ووجب التحذير منه ، وتأكد وجوب غضه عن جميع المحرمات ، وعن كل ما يخشى منه الفتنة والضلال .

وقد راعى الإسلام في الإنسان الخطأ غير المقصود ، فلم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم ، لذا أمر من نظر إلى امرأة أجنبيه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى .

على أن النظر في محل الشهوة يوقع الإنسان في المحظور ، فهو من باب خطوات الشيطان الذي يأخذ بالأيسر ثم الأكبر حتى يصل بالمسلم إلى الكبائر ثم الكفر البواح ، فلينتبه المسلم لعاقبة نظره ، وليعلم أن النظر يثير الشهوات الكامنة التي لو وجد لها سبيلا وتمكن من إنقاذها لكان النظر سبب الفواحش فلينتبه العبد لخطوات الشيطان .

ولما كانت النظرة بريد الزنا جاء وصفها بأنها سهم من سهام إبليس يصاب به المرء فيقع في مصيدته ، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله (r) : قال الله (عز وجل) : [ إن النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه ] (رواه الحاكم في المستدرك) 

والنظر المحرم المنهي عنه يتناول النظر إلى الأموال واللباس وغير ذلك من متاع الدنيا بشره وحسد ، قال الله تعالى : ) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) ( (الحجر)

أمور تعين على غض البصر

1- الزواج فعن عبد الله بن مسعود (t) عن رسول الله (r) قال : [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ] (رواه مسلم)

2- استحضار مراقبة الله تعالى للإنسان ، فليكن لسان حاله : الله ناظر إلى الله مطلع على ، قال الله تعالى : ) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) ( (غافر)

3- الخوف من السؤال أمام لله عز وجل ؟ قال الله تعالى : ) إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) ( (الإسراء)

4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك .

5- اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها من فتنة النظر كالجلوس في الطرقات أو الأسواق.

6- صحبة الأخيار ، فإن المرء على دين خليله .

كظم الغيظ

كظم الغيظ من أهم الأخلاق التي يجب أن يبدأ الإنسان في تعلمها منذ الصغر ؛ لما لها من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع .

ومن هنا فإن المقصود من كظم الغيظ : هو عدم إظهار أثره على الجوارح بقول أو فعل ، أي : كفها عما يعبر عن هذا الغيظ بسب أو ضرب أو نحوهما للتشفي والانتقام .

وكظم الغيظ هو طريق يوصل إلى دخول الجنة بغير حساب ، فإن من تميز بكظم الغيظ يكون في عداد الصابرين ، لما تتحمله نفسه من مشقة الألم الذي تعرض له ، قال الله تعالى : ) وما يلقاها إلا الذين صبروا ( (فصلت : 35) كظموا الغيظ .

فضل كظم الغيظ :

لقد جاءت الأحاديث النبوية تبين فضل كاظم الغيظ ؛ ليؤكد الشرع أن هذه الصفة تكون سببا في تصفية بواعث الحقد والبغض والكراهية ، وتؤسس لقبول الآخر ، وتمهد للعفو عنه ، فينعكس ذلك على سائر أفراد المجتمع بالرحمة والمحبة والمودة .

ومن هنا قال الطيبي : [ وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء ، ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله : ) والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ( (آل عمران : 134) ومن نهى نفسه عن هواها فإن الجنة مأواه والحور العين جزاه (تحفة الأحوذي ، عون المعبود) 

ومن فوائد كظم الغيظ : أن صاحبه قد شهر الشيطان وغلبه .

قال ابن عبد البر : [ من كظم غيظه ورد غضبه ، أخزى شيطانه ، وسلمت مروءته ودينه ] 

نماذج للكاظمين الغيظ :

1-عن أنس بن مالك (t) قال : [ كنت أمشي مع النبي (r) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي (r) قد أترت به حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال : مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء (رواه البخاري) فهذا رسول الله (r) يدفع السيئة بالحسنة ، وبتحمل هذا التصرف الذي يؤذي النفس ، بل ويعطيه النبي (r) عطاء ليتألف قلبه به .

ثمرات كظم الغيظ :

1- كظم الغيظ دليل على قوة النفس وقهر شهوة الغضب .

2- دليل على تقوى الله وإيثار وعده بالجنة .

3- كاظم الغيظ يأمنه الناس فيألفونه ويقتربون منه ولا يتحاشونه .

4- كظم الغيظ يشيع بين الناس جو الصفاء والوداد والحب والإخاء .

5- كظم الغيظ دليل على الصبر والعفو .

6- فيه عظم الثواب يوم العرض على رب الأرباب .

7- الجزاء من جنس العمل ، من ضيق على نفسه حين الغضب وسع الله في ثوابه .

8- من كظم غيظا ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة .

9- كظم الغيظ عاقبته استقرار الإيمان في النفس (نضرة النعيم).

المحبة 

من الأخلاق الإسلامية العالية التي تعزز السلم والأمن المجتمعي وتحفظ الروابط والعلاقات بين أفراد المجتمع بل البلدان والأمم ، خلق المحبة .

وعرفها علماء الاصطلاح بتعريفات متعددة وكلها متقاربة : فقال الراغب : المحبة ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرا . وقال الكفوي : المحبة إفراط الرضا . وقال النووي : المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، وقال الهروي : المحبة تعلق القلب بين الهمة والأنس . في البذل والمنع على الأفراد .

مكانتها ومنزلتها :

1- المحبة خلق يقذفه الله في قلب العبد ، قال قتادة : ذكل لنا أن كعبا كان يقول : إنما تأتي المحبة من السماء قال : إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا قذف حبه في قلوب الملائكة وقذفته الملائكة في قلوب الناس ، وإذا أيغض عبدا فمثل ذلك ، لا يملكه بعضهم لبعض.

2- في المحبة قطع للنزاعات والخلافات ، واستقرار للسلم والأمن  الاجتماعي ، وتعامل بالفضل وغنية عن تطبيق العدل ، فالعدل خليفة المحبة ولا يحتاج لتطبيقه إلا عند النزاعات والخلافات.

3- المحبة تلحق المرء بمن أحب ، وخصوصا إذا كان أحبابه من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين .

أنواع المحبة : للمحبة أنواع ثلاثة هي :

محبة الله تعالى : والمراد بها من ناحية العبد : أن يهب العبد إرادته ، وعزمه ، وأفعاله ، ونفسه وماله ، ووقته لله عز وجل ،و يجعل كل ذلك حبا في مرضاته .

ومن الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى : 

1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه ، فالقرآن هو كلام الله تعالى ، والإقبال على قراءته وترديده دليل على المحبة ، وجالب لها ، فمن أحب شيئا أكثر من الكلام معه .

2- متابعة النبي (r) والاستجابة لأوامره .

3- الرحمة والشفقة والتواضع لأهل الإيمان .

4- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة .

5- دوام ذكر الله تعالى باللسان والقلب ، فنصيب العبد من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر ، فمن أحب شيئا أكثر من ذكره .

6- إيثار طاعته سبحانه وأوامره عند غلبات الهوى ، والتغلب على نزغات الشيطان والنفس البشرية.

7- معرفة أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته ، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.

8- التفكر في نعمه البطانة والظاهرة ، فإنها توقف الإنسان على مشاهدة بر الله وإحسان ، وهذا داع إلى محبته (عز وجل) فالقلوب مفطورة على محبة من أحسن إليها .

9- الخلوة وقت السحر ، هذا الوقت الذي ينادي فيه على عباده هل من تائب ؟ هل من مستغفر .. لمناجاته وتلاوة كلامه ، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ، فمن أقوى علامات المحبة الخلوة بالمحبوب .

10- تذكر ما ورد في الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له واجتماعهم يوم المزيد فإن ذلك يجلب المحبة لله تعالى .

محبة الرسول (r) : فإن محبة رسول الله (r) من لوازم الإيمان .

وعلاماتها : 

1- تعزيزه وتوقيره (r) وهذا يتمثل اليوم في توقير أوامره وسنته (r) .

2- كثرة الصلاة والسلام عليه (r) وهذا يدخل تحت كثرة ذكره (r).

3- الذب والدفاع عنه (r) وعن سنته وشرعه ونصرهما بكل ما أمكن.

4- التحاكم إلى شريعته وشرعه ، والرضا به .

5- محبة صحابته (r) .

محبة الخلق : فحب الخير لهم من كمال الإيمان .

من فوائد المحبة :

1- المحب لإخوانه بصدق وإخلاص لوجه الله ، لا لغرض آخر يحظى بمحبة الله عز وجل . 

2- تظهر آثار المحبة عند الشدائد والكربات .

3- المحبة في الله سبب للاستظلال بظل عرش الرحمن يوم القيامة .

4- المحبة من كمال الإيمان ، وحسن الإسلام ، وطريق لدخول الجنة كما تقدم وكفى بذلك فائدة.

التفاؤل 

والتفاؤل والفأل الحسن : هو كل كلمة صالحة ، حين يسمعها الإنسان يسر لها ، وينشرح صدره ، ويطمئن قلبه ، وتسكن نفسه ، ويمتلأ أملا باستقبال الخير ، وتتحرك نوازع نفسه إلى كل ما هو خير ، فتعلوا الجوانب المعنوية والوجدانية فيه . فالتفاؤل يساعد في إصلاح الجانب النفسي لدي الإنسان ، ويرفع من معنوياته ويضفي على نفسه الإحساس والشعور بالرضا .

والتفاؤل : الأمل ، وهو نظرة مستبشرة نحو الغد وتوقع الأفضل دائما وضد التفاؤل : التشاؤم ، وهو اليأس والفشل ، فالمتفائل قرينه النجاح ، أما المتشائم فقرينه الفشل والعجز.

إن التفاؤل هو السراج الذي يضيء حياة الناس وقت الظلام ، ومخرجهم وقت اشتداد الأزمات.

التفاؤل في حياة الأنبياء (عليهم السلام) : 

الأنبياء هم أكثر الناس تفاؤلا لأنهم أكثر الناس معرفة بالله (عز وجل) ولقد سجل القرآن الكريم جانبا من تفاؤلهم ، وحسن ظنهم بالله سبحانه ، منها :

1- تفاؤل الخليل إبراهيم (عليه السلام) ، فقد بلغ من العمر ما بلغ ، ورغم أنه حرم من نعمة الولد إلا أنه لم ييأس .

2- وكذلك يعقوب (عليه السلام) يفقد ولده يوسف (عليه السلام) ومن بعده يفقد أخاه ، فلم يتملك اليأس منه.

التفاؤل في حياة النبي (r) : 

وإذا نظرنا إلى حياة النبي (r) وجدنا أنها كانت مليئة بالتفاؤل ، لأن التفاؤل من الصفات النبيلة والأخلاق العظيمة التي تمثلت في سيد الخلق (r) .

ولقد كان النبي (r) يحب الفأل الحسن ، ويكره التشاؤم والطيرة ، ففي مسند الإمام أحمد وغيره عن أبي هريرة قال : كان رسول الله (r) يحب الفأل الحسن ، ويكره الطيرة .

ومن المواقف التي تجلت فيها قيمة التفاؤل في حياته (صلى الله عليه وسلم) :

* أثناء الدعوة في مكة .

* يوم الأحزاب ، فلقد اجتمعت كلمة الشرك على القضاء على الإسلام وأهله ، والمسلمون محاصرون في المدينة .

ومن ثم فإن الإسلام يرفض التشاؤم ، لأنه سمة المنهزمين ، ويدعو إلى التفاؤل الحسن لأنه حال المنتصرين .

ثمرات التفاؤل :

أن للتفاؤل ثمرات في حياة الإنسان مهما كانت الظروف والأحوال ، فبه تتجدد الحياة ، ويزيد الإنتاج والعطاء ، وبه يتغلب المرء على المعوقات والصعاب ، فهو النظرة الإيجابية التي تنطلق من الإيمان بالقضاء والقدر ، ومن آثار التفاؤل :

1- أنه يربي في الإنسان حسن الظن بالله تعالى ، وهذا بلا شك يدعو إلى الإقبال على الله تعالى بالعبادة وبالطلب والرجاء .

2- أنه يبعث في النفس السرور والراحة والطمأنينة ، فلا يخاف المؤمن على رزقه ويدفعها إلى أن تؤمل في الله تعالى بتحقيق رجائها وقبول دعائها .

3- وفي التفاؤل اقتداء بسيدنا رسول الله (r) حيث إن رسول الله (r) كان يعجبه الفأل الحسن ، ويتفاءل في سائر أحواله .

4- إن التفاؤل يؤدي إلى إنجاز العمل وكثرة الإنتاج .

إن الناس اليوم بحاجة ماسة إلى من يبث في نفوسهم الأمل والتفاؤل وييسر لهم طريق الخير.

الاستغفار وأسراره 

مكانته 

لقد دعانا الله (عز وجل) إلى الاستغفار وأمرنا بالمسابقة والمسارعة إليه قال الله تعالى : )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) ( (آل عمران)

فقد قرنه ( سبحانه وتعالى) بالصلاة والزكاة وقراءة القرآن والسعي على المعاش .

وقرنه (سبحانه وتعالى) بمناسك الحج وشعائره .

وقرنه (سبحانه وتعالى) بالصبر والتسبيح بالحمد .

وقد علمنا النبي (r) أن نستغفر الله (عز وجل) بعد الانتهاء من العبادة والطاعة .

إن الاستغفار من أعظم أخلاق الأنبياء والمرسلين ، فقد كانت ألسنتهم رطبة به دائما ؛ فآدم وحواء (عليهما السلام) يقول الله تعالى على لسانهما ) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) ( ( الأعراف) 

من مواطن الاستغفار 

الاستغفار هو دأب الصالحين وهو مستحب في كل حال ، ويكون أشد استحبابا في المواطن الآتية:

1- عند النوم.                                          2- بعد الوضوء . 

3- وبعد الصلاة فرضا كانت أو نفلا .                   4- في حلق الذكر 

5- عند ركوب الدابة أو أي وسيلة انتقال حديثة .         6- عند النوازل .

7- عند الانتهاء من مجالس الأصدقاء .                 

8- ولمن يلتزم أوامر هذا الدين ويساعد في أعمال الخير .

9- عند اقتراف الذنوب والمعاصي.                      10- عند المحتضرين .

11- وعند الصلاة على الجنازة .                        12- عند زيارة القبور 

من فوائد الاستغفار :

1- يكفر فلتات اللسان وحدته : فعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال : يا رسول الله ، إني ذرب اللسان .أي : حاد اللسان ، وإن عامة ذلك على أهلي ، فقال : [ أين أينت من الاستغفار ؟ إني لأستغفر في اليوم أو في والليلة مائة مرة ] (رواه النسائي)

2- يكفر غفلات القلب عن ذكر الله : فعن الأغر المزني (t) أن رسول الله (r) قال : [ إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ] (رواه مسلم)

3- سبب في صنوف النعم ، ومن أسباب المدد والقوة : فقد قال تعالى على لسان نوح (u) ناصحا ومرشدا لقومه : )فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ( (نوح) وقال تعالى على لسان هود (u) وهو ينصح لقومه أيضا ، ويرشدهم : ) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) ( (هود) 

4- من أسباب الرحمة ، ورفع البلاء : فقد قال الله تعالى على لسان صالح (u) : ) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) ( (النمل) ويقول تعالى مخاطبا النبي (r) : ) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) ( (الأنفال) 

5- نوع من أنواع الصدقة المعنوية : فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله (r) قال : [ إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل ، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس ، وأمر بمعروف أو نهى عن منكر ، عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامي ، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار ] (رواه مسلم) ومن ثم فلا غنى للمسلم عن الاستغفار في كل أحواله .

الإصلاح 

مكانته 

وللإصلاح في الشريعة الإسلامية منزلة عالية ، ومكانة سامية ، والمتأمل في آيات الإصلاح في القرآن الكريم يجد أن كلمة الإصلاح وردت بمشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من مائة مرة ، والإكثار من ذكر الشيء يدل على العناية به ، ويدل كذلك على شرفه وعلو مكانته ، ودليل على أن الإسلام يهدف إلى تحقيق قيمة الإصلاح بين الناس في عقيدتهم ، وسلوكهم ، وعباداتهم ومعاملاتهم .

لذا كان الإصلاح دعوة جميع الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فكانت دعوتهم إصلاح الكون من الفساد والمعاصي من سائر الأمراض الاجتماعية التي تفشت في المجتمعات .

ولقد بط القرآن الكريم بين الإيمان بالله (عز وجل) والإصلاح وربط بين التوبة والإصلاح .

إن الإصلاح هو الحصن الحصين لبقاء المجتمعات ، والحفاظ عليها فلو تركت المجتمعات بدون إصلاح ، وبدون أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وبدون أخذ على يد الجناة والعصاة والمذنبين لفسدت وهلكت وعاجلها الله بعقابه .

أنواع الإصلاح

1- إصلاح النفس الإنسانية لك وللغير : والأولى إصلاحها يكون بعبادة الله سبحانه وتعالى ، والثانية بالدعوة إليه سبحانه وإلى صراطه المستقيم ، قال الله تعالى : ) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) ( (الأعلى) .

2- إصلاح ذات البين : وهذا نوع خاص من النوع السابق ، وذات بمعنى : صاحبة ، و(البين) من ألفاظ الأضداد التي تحتمل المعنى وعكسه ، وهي تفسر بتفسيرين الأول : بمعنى الفراق والفرقة ، وعلى هذا يكون معنى إصلاح ذات البين : إزالة أسباب الفرقة والتقاطع بين المؤمنين ، إما برد الحقوق إلى أصحابها ، أو بالتسامح والعفو ، أو بالتراضي على وجه من الوجوه ، أو بالتزاور والتلاقي ، أو بالهبة والهدية .. الخ ، وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحل عقد الفرقة.

والثاني : بمعنى الوصل ، والتحابب ، والتعارف ، والتآلف بين المسلمين وإصلاحها على هذا المعنى يكون برأب ما تصدع منها ، وإزالة الفساد الذي دب إليها بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا .

منها الإصلاح بين المتقاتلين ، ومنها إصلاح الزوج أو الإصلاح بين الزوجين ، ومنها الإصلاح بين الورثة عند الاختلاف في قسمة الميراث ، ومنها الإصلاح بين الناس عموما ، في كافة القضايا والخلافات .

3- إصلاح أمور وأحوال الفئات الضعيفة .

من فوائد الإصلاح :

1-الإصلاح فيه رضا الله ، ورضا رسوله (r) قال تعالى : ) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) ( (النساء) 

2- الاشتغال بالإصلاح أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات والطاعات ؛ فهو باب عظيم من أبواب الحسنات ، ويشهد له آية النساء السابقة ، وما جاء عن أبي الدرداء (t) قال : قال رسول الله (r) : [ ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ، قالوا بلى : قال : [ صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ] (رواه الترمزي) الحالقة : تحلق الدين .

3- الإصلاح نوع من أنواع الصدقة على النفس ، ونوع من أنواع الشكر لله على آلائه ونعمائه ، فعن أبي هريرة (t) قال : قال رسول الله (r) : [ كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ] .

4- الإصلاح من أسباب مغفرة الذنوب وستر العيوب ، قال الله تعالى : ) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) ( (الأنعام) 

5- الإصلاح من أسباب الرحمة في الدنيا والآخرة ، وكفى بذلك فائدة قال الله تعالى : ) إنما المؤمنون إخوة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) ( (الحجرات)

الاستقامة 

الاستقامة على شرع الله تعالى منزلة عظيمة من منازل الدين ، وركيزة هامة من ركائز الإيمان بالله (U) يجب على كل مسلم السعي لتحصيلها والثبات عليها ، وحقيقتها : مرور العبد في طريق العبودية بإرشاد الشرع والعقل .

ولأثر الاستقامة في إصلاح الفرد والمجتمع حث النبي (r) الأمة عليها .

والاستقامة ينبغي أن تكون خالصة لله (U) من حيث الالتزام بها لأنها قانون إلهي 

ثمرات الاستقامة 

نزول السكينة على أهل الاستقامة .

1- البشرى بالجنة ، قال الله تعالى : ) وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (

2- سعة الرزق في الدنيا ، قال الله تعالى : ) وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ( (الجن : 16) والمراد بذلك سعة الرزق ، قال سيدنا عمر بن الخطاب (t) : [ أينما كان الماء كان المال ] .

3- انشراح الصدر والحياة الطيبة : قال الله تعالى : )مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ( (النحل) 

مقومات تعين على الاستقامة ، منها :

1- فعل الطاعات والاجتهاد فيها ومجاهدة النفس عليها.

2- الإخلاص في العلم والعمل .

3- الدعاء .

4- الإكثار من قراءة القرآن الكريم .

5- مجالسة الصالحين .

معوقات في طريق الاستقامة : 

كما أن للاستقامة مقومات تعين العبد عليها فإن لها معوقات تقف في طريق العبد لتمنعه من الاستقامة منها :

1- الاستهانة بالمعصية : فإن العبد متى استهان بالمعاصي واستباحها كان ذلك سببا في مرض قلبه وبعده عن ربه .

2- الانشغال بالدنيا عن الآخرة : فالإنسان لو انشغل بالدنيا عن الآخرة أبعدته عن الطريق المستقيم حتى تهلكه .

3- مجالسة العصاة والمفسدين .

4- التسويف : ومعناه التأخير في تنفيذ المطلوب بدون مبرر شرعي ، وهذا من الأماني ، كيف يؤجل التوبة لغد وهو لا يملك الغد ؟

5- الاغترار بالأعمال الصالحة ، فكم من طاعة أهلكت صاحبها إذا اغتر بها وفرح .

6- دخول الهوى في القلب : ولابد أن يعلم أن الهوى إذا دخل في الشيء فسده ، وتكون نتيجته وخيمة .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 

وقدر عرفها علماء الاصطلاح بتعريفات متقاربة ولا تخرج عن المعنى اللغوي كثيرا ، فقيل ، الأمر بالمعروف : هو الإرشاد إلى المراشد المنجية ، والنهي عن المنكر : الزجر عما لا يلائم في الشريعة .

وحاصل هذه التعريفات يدل على عظم وأهمية هذا الخلق الجليل الذي تسود به قيم المودة والرحمة في المجتمع.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

1-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صورة من صور الإصلاح ، حتى إن كثيرا من العلماء عد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من الأركان التي يقوم ويبني عليها الدين الإسلامي .

2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم مهام الأنبياء والمرسلين ، وكلف الله تعالى به جميع الأمم .

3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات النبي (r) وقد نص عليه الحق تبارك وتعالى في الكتب السماوية السابقة عند الحديث عن صفات النبي (r) .

4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات المؤمنين وقدمه الحق تبارك وتعالى على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .

5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أسباب خيرية الأمة .

6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان المجتمعات ، فلو ترك كل إنسان يفعل وما يريد لهلكت المجتمعات وفسدت ، واضمحل أمر الدين ، وفضلت الضلالة ، وشاعت الجهالة واشترى الفساد .

7- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه أمان للأمة من العذاب .

8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أسباب النصر والتمكين في الأرض والقضاء على الأعداء .

9- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه نجاة من الهلاك ، والعذاب والعقاب .

10- في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تهيئة للبيئة المناسبة لنمو الآداب والفضائل ، واختفاء المنكرات والرذائل ، وتربية الضمير العفيف والوجدان اليقظ ، وتكوين الرأي العام المسلم الحر الذي يحرس آداب الأمة وفضائلها وأخلاقها وحقوقها ويجعل لها شخصية وسلطانا هو أقوى من القوة وأنفذ من القانون .

آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

أولا : بعض آداب الآمر الناهي :

1- أن يخلص في أمره ونهيه لوجه الله ، فلا يكون أمره ونهيه للرياء والسمعة أو الفخر والمباهاة.

2- أن يكون عالما بما يأمر به وينهى عنه ففاقد الشيء لا يعطيه .

3- أن يكون قادرا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يكلف به العاجز.

4- أن لا يتجسس ، ولا يتحسس المنكر حتى ينهي عنه .

ثانيا : بعض ما يشترط في الشيء المنهي عنه :

1- أن يكون مجمعا على إنكاره لا خلاف فيه ، فلا ينكر في المسائل الخلافية.

2- أن يكون المنكر ظاهرا لا يحتاج في إنكاره إلى تجس ولا تحسس.

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 

المرتبة الأولى : التعرف بدون تجسس ولا تحسس ، ولا تسمع .. الخ كما تقدم ، وإنما يكون التعرف بالإخبار.

المرتبة الثانية : التعريف : فبعض الناس قد يقع في المنكر بجهله وإذا عرف ما فعله منكرا تركه ، فهؤلاء يجب تعريفهم المنكرات باللطف من غير عنف .

المرتبة الثالثة : النهي : بالنصح والوعظ والتخويف بالله (U) وذلك فيمن يقدم على المنكر وهو عالم بكونه منكرا ، أو فيمن يصر عليه بعد أن عرف كونه منكرا ، كالذي يواظب على الزنا ، وشرب الخمر أو ظلم الناس ، أو على اغتياب المسلمين .. الخ فينبغي أن يوعظ ويخوف بالله تعالى ، وتلقى على مسامعه آيات وأحاديث الوعيد التي تحذر من هذا المنكر ، وتحكى له سيرة السلف ، وعبادة المتقين ، وكل ذلك بشفقة ولطف من غير عنف وغضب ، بل ينظر إليه نظر المترحم عليه ويرى إقدامه على المعصية مصيبة على نفسه ، إذ المسلمون كنفس واحدة .

المرتبة الرابعة والأخيرة : التغيير باليد : وهذا موكل لأولي الأمر من الحكام والأمراء ومن يقوم مقامهم بالطريقة التي يرونها صالحة في ذلك ، كإزالة المنكرات بتكسيرها وتخريبها ، أو بحبس أو تعزير ، أو حتى بضرب أهل المنكر كما كان يفعل عمر بن الخطاب (t) بدرته (عصا خفيفة) .

تحري الحلال 

وليعلم العبد أن أفضل ما أكله ما كان من سعيه وكده وتعبه هو ، فلا ينتظر عطية ولا هبة ولا يتطفل على أحد ، فعن المقدام بن معد يكرب (t) عن النبي (r) قال : [ ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود (u) كان يأكل من عمل يده ] (رواه البخاري) 

ولقد جاء الأمر في القرآن الكريم بتحري المال الحلال ، فلا يصح أن يأكل المسلم حراما ، أو أن يطعم أحدا ممن يسعى عليهم ذلك ، قال تعالى : )يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) ( (المؤمنون) 

ولقد بين النبي (r) أن الحلال في مجمله ظاهر واضح ، وبينه وبين الحرام أمور يعلمها أهل العلم ، ثم بين أن طلب الحلال وترك الحرام واجب محتم ، وأن تناول الحرام له عواقب سوء منها : فساد القلب وقسوته ، فعن النعمان بن بشير (t) قال : سمعت رسول الله (r) يقول : [ إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، إلا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ] (متفق عليه) 

ومن ثم حرمت الشريعة الإسلامية كل صور المعاملات المحرمة التي من شأنها أن توغر الصدور ، وتفسد العلاقة بين المسلمين ، وتكون سببا في عرقلة التنمية الاقتصادية .

وكذلك أعلن الرسول (r) حربه على الربا والمرابين ، وبين خطره على المجتمع ,

وكذلك حرمت الشريعة الإسلامية (الغش في التعامل بين المسلمين) فقد أكد القرآن الكريم حرمة هذه الآفة الخطيرة ، وتوعد عليها بالويل والخسران ، لمن يتلاعب بالوزن والكيل .

فوائد الكسب الحلال : ولكسب الحلال والسعي عليه فوائد جمة جاءت بها السنة المطهرة ، منها :

1-أن السعي على الحلال سبب من أسباب قبول الدعاء واستجابة الرجاء ، وقبول العمل الصالح ، فالله (U) لا يقبل دعاء من دعاه ورجاء من رجاه : إلا إذا كان طيب المأكل والملبس والمشرب.

2- السعي في طلب الحلال هو سعي في سبيل الله ، فالعبد يؤجر عليه لو مات في سعيه لكان موته في طاعة .

3- السعي في طلب الحلال من أسباب المغفرة للذنوب ، فهو امتثال لأمر الله بالعفة وكفاية النفس والأهل .

4- السعي على الحلال سبب في الإنبات الطيب للذرية والأهل .

ومن ثم فيجب على المسلم أن يتحرى الحلال في كسبه ونفقته وما يدخله على نفسه وأهله ، وليحتسب سعيه في سبيل الله ، وليعلم أن أهله أمانة ، يسأل عنها يوم القيامة.

التعاون على البر والتقوى

والتعاون من العون : وهو المظاهرة والمساعدة على الشيء (لسان العرب) ومعناه في الشرع لا يختلف عن معناه اللغوي ، ومن ثم يمكن تعريف صفة التعاون بأنها : أن يظاهر المسلم أخاه ويعينه في فعل الخيرات ، وعلى طاعة الله (U) وتجنب معصيته (نضرة النعيم).

التعاون ضرورة اجتماعية ، ودينية :

ولما كان الإنسان كائنا اجتماعيا بطبعه ، فطره الله (U) على التعايش والتعاون مع الآخرين.

وكما أن التعاون ضرورة اجتماعية فهو أيضا ضرورة دينية ، فالنهوض بالدعوة الإسلامية لا يتأتى من فرد بمفرده .

ومن تأمل مقاصد الشرع في العبادات ، والمعاملات ، والآداب ، والأخلاق ، والأوامر والنواهي ، تبين أن له مقصدا كبيرا وغاية عظمى وهي جمع الكلمة وغرس المحبة وزرع الألفة ونشر المودة بين أفراد الأمة ، والحث على التناصر والتعاون ، والبعد عن أسباب العداوة والبغضاء .

التعاون في القرآن الكريم :

1-لقد أمرنا القرآن الكريم بالتعاون على البر والتقوى صراحة ، من أجل التراحم ، والتعاطف ، والتحاب ، والتآلف والتواد وحث على ذلك .

2- ونبي الله موسى (u) يطلب من الله (U) أن يرسل معه أخاه هارون وزيرا ليعاونه ويساعده في أمور الدعوة .

3- ونبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل (عليهما السلام) يتعاونان في بناء الكعبة .

4- وذو القرنين يتعاون مع أمة من الأمم في بناء سد عظيم .

النبي (r) والتطبيق العملي للتعاون على البر والتقوى :

1-النبي (r) يعاون صحابته (رضي الله عنهم) في يناء المسجد النبوي بالمدينة ترغيبا في العمل فيه ؛ حتى يقول قائلهم : لئن قعدنا والنبي يعمل .. لذلك منا العمل المضلل (سيرة ابن هشام)

2- النبي (r) يعاون الصحابة (رضي الله عنهم) في حفر الخندق بالمدينة قبيل غزوة الخندق.

من صور التعاون على البر والتقوى في السنة النبوية :

1-معاونة الخدم : فيما كلفوا به من أعمال .

2- معاونة الزوجة : في أمور البيت وشئون المعيشة .

3-معاونة الزوج : على أمور الحياة وشئون المعيشة.

4- معاونة المظلومين ، والمعتدي عليهم في رد حقوقهم إليهم .

5- معاونة الظالم : بالأخذ على يديه ، ورده عن ظلمه .

6- معاونة الغارمين : بأداء الديون والحقوق عنهم .

7- معاونة الفقراء ، وذوي الفاقة : بإعطائهم ما يسد جوعتهم .

فكل من أعان مؤمنا على عمل بر فللمعين عليه أجر مثل العامل ، فكذلك من فطر صائما ، أو قواه على صومه ، وكذلك من أعان حاجا ، أو معتمرا بما يتقوى به على حجة أو عمرته حتى يأتي ذلك على تمامه فله مثل أجره ، وكذلك سائر أعمال البر ، وإذا كان ذلك بحكم المعونة على أعمال البر فمثله المعونة على معاصي الله وما يكرهه الله ، للمعين عليها من الوزر والإثم مثل ما لعاملها . (عمدة القاري) .

فوائد التعاون على البر والتقوى : للتعاون على البر والتقوى فوائد عديدة تعود بالنفع على الفرد والمجتمع ، ومن ذلك :

1-التعاون على البر والتقوى من مثقلات الموازين يوم القيامة.

2- التعاون على البر والتقوى طريق إلى معاونة الله (U) .

3- التعاون على البر والتقوى يساعد على إنجاز الأعمال في أقصر وقت وأقل جهد ، والوصول إلى الغرض بسرعة وإتقان .

4- التعاون على البر والتقوى فيه جمع بين رضا الله (U) ورض الناس .

5- التعاون على البر والتقوى ينزع الحقد ، والغل ،والحسد بين المؤمنين ويزرع الألفة والمحبة ، والترابط بين الصف المسلم ، فيصبح كالبنيان يشد بعضه بعضا ، كما صح عن النبي (r).

6- في التعاون على البر والتقوى إنجاز للأمور العظيمة ، والمشاريع الضخمة كما في بناء الكعبة ، وسد ذي القرنين .

7- التعاون على البر والتقوى طريق لدفع الظلم والعدوان لما يحدثه من وحدة وألفة بين المتعاونين. 

الرضا 

فالرضا أساس من أسس الإسلام وكمال الإيمان ، فلا يكتمل إسلام العبد ولا يتذوق طعم الإيمان حتى يرضى بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد (r) نبيا ورسولا ، فعن العباس بن عبد المطلب (t) أنه سمع رسول الله (r) يقول : [ ذاق طعمن الإيمان من رضى بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ] (رواه مسلم) وبنظرة عميقة في كلام سيدنا رسول الله (r) ندرك أن الرضا بالله تعالى متضمن للرضا بمحبته وحده ، وخوفه ورجائه والإنابة إليه ، وذلك يتضمن عبادته والإخلاص له .

كما أن نعمة الرضا تقرب العبد من ربه ، وتبعده عن سخطه سبحانه وتعالى ، قال لقمان الحكيم موصيا ابنه ، [ أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه ، أن تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت ] (مدارج السالكين لابن القيم)

وجدير بالذكر أن الحق سبحانه وتعالى لا يختار لعبده إلا الأفضل والأصلح له ، فالأرزاق بيد الله ، ومقاديرها عند الله ، وأن الفقر قد يكون أفضل للإنسان من الغنى. فمن العباد من لا يصلح إلا الفقر ، ولو أغناه الله تعالى لفسد حاله ، ومنهم من لا يصلحه إلا الصحة ولو مرض لفسد حاله ، ومنهم من لا يصلحه إلا المرض ولو أعطاه الله الصحة والقوة لفسدت حياته ، ومن ثم فيجب أن يقنع الإنسان ويرضى بما قدره الله تعالى له ، سواء أعطاه أم منعه ، فكل ما يصيبه خير له ، لأنه بقدر الله تعالى وحكمه .

والرضا عن الله عز وجل نوعان :

الأول : الرضا بفعل المأمور به واجتناب ما ورد النهي عنه.

والنوع الثاني : الرضا بالقضاء ، فالإنسان بين حالين ، حال السلب وحال العطاء ، فعند العطاء عليه الشكر ، وعند السلب والمنع عليه الرضا والصبر .

وأما الرضا بنبيه (r) رسولا : فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ، ولا يحاكم إلا إليه ، ولا يحكم عليه غيره ، ولا يرضى بحكم غيره البتة (بصائر ذوي التمييز) ومن ثم فإن أجل المقامات وأعلاها الرضا بقضاء الله تعالى وقدره .

على أن الأخذ بالأسباب لا ينافي الرضى ، بل إنه من تمامه ، فالله (U) اقتضت حكته وقدرته أنه جل جلاله ، أراد بنا أشياء ، وأراد منا أشياء ، فما أراده بنا أخفاه عنا ، وما أراده منا أظهره وأمرنا بالقيام به والمحافظة عليه ، فعلينا أن نرضى بما أرداه لنا ونعمل فيما أراده منا .

ولقد ضرب لنا الرسول (r) المثل الأعلى في الرضا عن الله عز وجل ، وحياته (r) تعبر عن كمال الرضا وتمامه وتحقيقه في أكمل صورة وأبهى مشهد.

وهذا ما ينبغي أن نتحقق به ، فكل ما نتعرض له ، علينا استقباله بنفس راضية ، وأن الله (U) لا يريد بنا إلى كل ما هو خير ، ففي الرضا اطمئنان القلوب وسكينتها ، ويقين صادق بأن ما عند الله هو الخير.

صفحات مشرقة في حياة أهل الرضا :

يحكى لنا القرآن ما كان من أم موسى (u) من رضا ويقين واستسلام لقضاء الله (U) وذلك في قوله تعالى : )وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ( (القصص) 

الرضا عند الشدائد والمصائب :

هذا وقد علمنا الله (U) كيفية استقبال ما ينزل بنا من شدائد أو مصائب ، فلا شك أن المصيبة هي الأمر الذي ينال الإنسان منه المشقة والألم ، والمؤمن يستقبل المصيبة واثقا أنها على قدر إيلامها يكون الثواب عليها.

كيف نحقق الرضا واليقين ؟

تحقيق الرضا يكون باستقبال قدر الله (U) فينا على كل حال نعمة كانت أم نقمة على السواء بلا جزع ولا سخط ، فقد سئلت رابعة العدوية (رحمها الله تعالى) : متى يكون العبد راضيا عن الله تعالى ؟ فقالت : [ إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة ] (قوت القلوب) 

وأما عن ثمرات الرضا فكثيرة منها : رض الخالق سبحانه وتعالى ، فإذا رضى العبد عن ربه فيما أمره وفيما قسمه وقدره له رضي عنه ربه (U) ، ومنها : محبة الله سبحانه وتعالى للراضين بقضائه ، كذلك من ثمرات الرضا الراحة النفسية والروحية للإنسان ، وتجنب الأزمات النفسية من القلب والتوتر ، فالرضا يثمر طمأنينة في القلب وينزل عليه السكينة ، فيثق القلب بموعود الله (U) ولسان حاله : ) هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) ( (الأحزاب) وفوق كل ذلك الفوز بالجنة .

إفضاء السلام 

والسلام اسم من أسماء الله تعالى التي نتعبده بها على معنى : أنه المالك المسلم العباد من المهالك ، فعن ثوبان (t) قال : كان رسول الله (r) إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال : [ اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام ] (متفق عليه) ومعنى ومنك السلام أي : ويرجى منك السلامة .

على أن الإسلام يحث على كل ما من شأنه أن يجمع شتات الناس وينشر الحب والود بينهم فتتوحد صفوفهم وتقوى شوكتهم ، فعن البراء بن عازب (t) قال : أمرنا رسول الله (r) بسبع : [بعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، ونصر الضعيف ، وعون المظلوم ، وإفشاء السلام ، وإبرار المقسم ] (متفق عليه) 

وقد جاءت نصوص أخرى كثيرة تحث على إفشاء السلام ، لأنها التحية التي اصطفاها الله لنا في الدنيا .

والسلام تحية الملائكة للمؤمنين في الجنة .

ويكفي أن نعلم أن السلام هو تحية أهل الجنة اختارها الله تعالى لهم .

على أن مفهوم إفشاء السلام أعم من مجرد إلقاء التحية ، فهو معنى شامل لكل معاني قيم السلامة والأمن والطمأنينة على النفس ، والمال ، والأرض ، والعرض ، لذلك كانت له مظاهر متعددة حرص الإسلام على إقامتها ، وشدد على ضرورة المحافظة عليها ، منها : إفشاء السلام قولا.

إفشاء السلام فعلا : وهذا لا يتأتى إلى برعاية الحقوق والواجبات وكف الأذى عن الناس كافة بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم وأديانهم وعدم التعرض لهم بأي لون من ألوان الاعتداء ، يقول (r) : [ المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ] (مسند الإمام أحمد)

إفشاء السلام في العالمين : فقد وجه الإسلام الدعوة لجميع الخلق للتعارف والتآلف فيما بينهم ، نشرا للسلام العالمي ، قال تعالى : ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ( (الحجرات) 

وفضائل إفشاء السلام متعددة منها :

1-أنه سبب للمحبة : فعن أبي هريرة (t) قال : قال رسول الله (r) : [ لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ] (رواه مسلم) والسلام كفيل بذلك .

2- أنه سبب لدخول الجنة ، فعن عبد الله بن سلام (t) قال : [ سمعت رسول الله (r) يقول : [ يا أيها الناس ، أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجن بسلام ] (رواه الترمذي) 

3- أنه سبب لحصول البركة ، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال : قال لي رسول الله (r) : [ يا بني ، إذا دخلت على أهلك ، فسلم ، يكن بركة عليك ، وعلى أهل بيتك ] (رواه الترمذي)

4- إفشاء السلام سبب العلو ورفعة الدرجات ، فعن أبي الدرداء (t) قال : قال رسول الله (r) : [ أفشو السلام كي تعلوا ] (رواه الطبراني)

وللسلام آداب عديدة منها:

1-أن يكون التسليم بصوت معتدل مسموع يسمعه المستيقظ ولا ينزعج منه النائم .

2- أن يسلم على أهل البيت إذا دخل عليهم .

3- السلام في بداية المجلس وعند نهايته أو مفارقته .

4- عدم الاكتفاء بالإشارة بالرأس أو اليد ، لأنه مخالف للسنة ، إلا إذا كان المسلم عليه بعيدا فإنه يسلم بلسانه مع الإشارة بيده ، ولا يكتفي بالإشارة .

5- أن يعيد إلقاء السلام إذا فارق أخاه ولو لوقت يسير .

6- ومن عظمة الإسلام أنه لم يقصر السلام على الأحياء فحسب ، بل جعل للأموات منه نصيبا ، فشرع السلام على أهل المقابر عند زيارتهم أو المرور بهم .

إن إفشاء السلام بين المسلمين لا يقتصر على من نعرفهم فقط وإنما يشمل من نعرفهم ومن لا نعرفهم .

الاستئذان 

من الآداب الإسلامية والاجتماعية التي حث عليها الإسلام أدب الاستئذان ، فهو أدب رفيع ونزاهة في الأخلاق ، وعفة في السلوك تمنح الناس حقهم في الخصوصية وعدم مفاجأة غيرهم لهم على الحال لا يرغبون أن يطلع عليهم فيه أحد ، ويحافظ على صيانة حرمات البيوت وعدم هتك أستارها.

والاستئذان : طلب الإذن في الدخول أو التصرف في محل لا يملكه المستأذن ، وهو نوعان : منه ما هو من خارج البيت ، والآخر من داخله .

فالقسم الأول : الاستئذان من الخارج ممن يريد أن يدخل حتى يتهيأ أهل البيت لاستقبال الضيف، قال الله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) ( (النور) 

ومن عظمة الأدب والذوق في الإسلام أن الاستئذان يكون ثلاثة وإلا رجع ، فيبدأ المسلم بالاستئذان فإم لم يرد عليه أحد أعاد الاستئذان مرة ثانية ، فإن أذن له دخل وإن قيل له : ارجع رجع ، فإن لم يرد عليه أحد أعاد الاستئذان مرة ثالثة ، فإن أذن له دخل وإن قيل له : ارجع رجع فإن لم يرد عليه أحد رجع كذلك وترك صاحبه ولم يقتحم عليه الباب سواء أعلم أنه بالداخل أم ليس بالداخل.

آداب الاستئذان :

1-الإخبار بالاسم : فالمسلم إذا استأذن في الدخول فرد عليه صاحب المكان طالبا معرفة من يريد الدخول ، فالسنة في ذلك أن يخبر باسمه العلم المعروف . 

2- غض البصر قبل الإذن ، لما قد يكون الناس عليه في بيوتهم وخلواتهم من الغفلة وعدم الاستعداد لدخول أحد عليهم ، فيلزم منه الاطلاع على العورات وانتهاك خصوصية الناس بالتجسس فيفضي للعداوة والبغضاء .

3- عدم الوقوف في مواجهة الباب لما قد يترتب عليه من وقوع نظره على عورات أصحاب الدار ، فليقف عن يمين الباب أو عن يساره .

أما القسم الثاني للاستئذان : وهو الاستئذان لمن هم داخل البيت في الدخول على بعضهم بعضا فيتجلى في قوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) ( (النور) 

المسارعة إلى الخيرات

والمسارعة مأخوذة من السرعة التي هي ضد البطء ، والخيرات هي كل الخصال التي تنفع الفرد والمجتمع في الدين والدنيا والآخرة ، وقد عبر الإمام البيهي في شعب الإيمان عن المسارعة إلى الخيرات : بالمبادرة إلى الطاعات والسبق إليها والاستعجال في أدائها وعدم الإبطاء فيها أو تأخيرها.

دعوة القرآن إلى المسارعة إلى الخيرات :

لا شك أن الإسلام هو دين الخير والصلاح والسعادة والرخاء ، دين يأمر بكل ما فيه صلاح الفرد والمجتمع وتحقيق سعادتهم ، فأقر مبدأ المنافسة والمسارعة في الخير ، وشجع على استغلال إمكانات الإنسان ، ووجه إلى ما يستحق بذل الجهد فيه ، وجعل في مقدمة ما يسعى إليه الإنسان وينافس فيه ما يسعده في دنياه وآخرته ، يقول سبحانه : ) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) ( القصص ، فالهدف من السعي هو الدار الآخرة مع التمتع بالحياة في الدنيا.

المسارعة بالخيرات في السنة النبوية المطهرة :

وكما رغبنا القرآن الكريم وحثنا على المسارعة في الخيرات ، رغبنا النبي الكريم (r) فعن أبي هريرة (t) أن رسول الله (r) قال : [ بادروا بالأعمال سبعا هل تنظرون إلا فقرا منسبا ، أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا ، أو هرما مفندا أو موتا مجهزا ، أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) (رواه الترمذي) 

مكانة المسارعة إلى الخيرات :

1- المسارعة إلى الخيرات خلق الأنبياء والمرسلين فقد ذكر الحق (تبارك وتعالى) عددا منهم في سورة الأنبياء ، قم قال مادحا لهم ومثنيا عليهم : ) إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) ( (الأنبياء) 

2- والمسارعة إلى الخيرات من علامات الصلاح والصدق في الإيمان والخشية لله والخوف من عقابه .

نماذج من مسارعته (r) والصحابة (رضي الله عنهم) إلى الخيرات :

لقد كان (r) مثلا أعلى في المسارعة إلى الخيرات ، فعن عقبة بن الحارث (t) قال : صليت وراء النبي (r) بالمدينة العصر ، فسلم ، ثم قام مسرعا ، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ، ففزع الناس من سرعته ، فخرج عليهم فرأى أنهم عجبوا من سرعته ، فقال : [ ذكرت شيئا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته ] (رواه البخاري) لقد خشى النبي (r) أن تحبسه هذه الأمانة يوم القيامة ، فبادر إلى توزيعها والتصدق بها على الفقراء والمحتاجين .

ومواقف الصديق (t) في المسارعة إلى الخير أعظم من أن تحصى أو تعد ، وذاك من علو همته (t) فعن أبي هريرة (t) قال : قال رسول الله (r) : [ من أصبح منكم اليوم صائما ؟ ] قال أبو بكر (t) : أنا قال : [ فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ ] قال أبو بكر (t) أنا ، قال : [ فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ ] قال أبو بكر (t) : أنا ، قال : [ فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟] قال أبو بكر (t) أنا :فقال رسول الله (r) : [ ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ] (رواه مسلم) فتنوعت مسارعته (t) بالخيرات ليجمع بين حقوق الله وحقوق العباد ، وهذا من فقهه (t)

والإنسان العاقل هو الذي يسارع ويبادر قبل العوائق والعوارض ، فنافس ما دمت في فسحة ونفس ، فالصحة يفجؤها السقم ، والقوة يعتريها الوهن ، والشباب يعقبه الهرم ، فعلى الإنسان أن يسارع ويبادر إلى فعل الخير ولا يؤجله فإنه لا يدري ماذا سيحدث غدا .

فوائد المسارعة إلى الخيرات :

1-المسارعة إلى الخيرات فيها تشبيه بالأنبياء والصحابة الصالحين ، ومن تشبه بقوم حشر معهم.

2- المسارعة إلى الخيرات فيها اغتنام للعمل وأوقاته ومراحله وفتراته .

3- المسارعة إلى الخيرات فيها مأمن من الفتن وخصوصا في الدين .

4- المسارعة إلى الخيرات فيها مغفرة الذنوب ، وستر العيوب ، وتكفير السيئات .

5- المسارعة إلى الخيرات فيها رضا الله (U) ومحبة الناس ، ومغضبة للشيطان .

6- المسارعة إلى الخيرات فيها تمسك وترابط المجتمع .

7- طريق موصل للجنة وكفى به فائدة .

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة