خطر الإرهاب  على أمن البشرية

خطر الإرهاب على أمن البشرية

0 المراجعات

خطر الإرهاب  على أمن البشرية 

إن الإرهاب خطر داهم ليس على مصر – وحدها ، ولا على أمتنا العربية وحدها ، ولا على منطقتنا ومحيطنا الجغرافي وحدهما ، إنما هو خطر على أمن وسلام البشرية جمعاء .

ولا بد من اصطفاف مؤسسي ، ووطني ، ودولي ، وإنساني ، لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي لا يقف شره عند حد أو حدود ، بل هو نار تحرق حتى موقديها ، وسينفجر يوما ما في وجه كل من يصنعه ، أو يموله ، أو يأوي عناصره ، أو يوفر لهم الدعم المالي أو العسكري أو اللوجستي ، أو حتى الغطاء الفكري والأيدلوجي ، لأن الإرهابيين لا دين لهم ولا خلق ولا قيم ، ولا عهد لهم ولا ذمة ولا وفاء ، فقد انسلخوا من كل القيم الدينية والأخلاقية والوطنية والإنسانية والآدمية وصاروا مسخا آخر لا علاقة له بالأديان ولا بالإنسانية .

وقد جعلنا في وزارة الأوقاف المصرية من مواجهة الإرهاب ، وكشف أباطيل وضلالات أصحابه ، وتفنيد حججهم ، والعمل على نشر قيم التسامح ، وتأصيل فقه العيش المشترك ، وترسيخ أسس المواطنة المتكافئة ، وتعميق روح الولاء والانتماء الوطني ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، هدفا رئيسا وإستراتيجية ثابتة وواضحة .

وفي هذا الإطار يسرنا أن نقدم للإنسانية جمعاء هذا الكتاب الذي يفند بعض أباطيل وضلالات الجماعات الإرهابية والمتطرفة ، مع ما يقدمه من تصحيح للمفاهيم الخاطئة ، وبيان مشروعية الدولة الوطنية ، وحتمية الاصطفاف الوطني والدولي لمواجهة الفكر المتطرف والقضاء على الإرهاب.

المبحث الأول

الرد على ضلالة (حصر مفهوم الجهاد في القتال فقط) وللرد على هذه الضلالة نقول :

يظن كثير من الناس أن الجهاد إنما شرع بعد هجرة النبي (r) إلى المدينة ، وسبب هذا الظن الخاطئ أنهم حصروا الجهاد في معناه القتالي ، ولا شك أن مقاتلة المشركين شرعت بعد الاستقرار في المدينة ، لكن الذي يغيب عن أذهان الكثيرين أن ما نزل من القرآن الكريم في العهد المكي تحدث عن الجهاد كما تحدث عنه ما نزل من القرآن الكريم في العهد المدني ، ففي سورة النحل المكية نقرأ قول الله سبحانه وتعالى : ) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ( (النحل : 110) 

وفي سورة الفرقان المكية أيضا ، نقرأ قوله (U) آمرا نبيه (r) : ) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ( (الفرقان : 52) ولا يخفى أن الضمير في قوله (به) يعود إلى القرآن الكريم ، وأن الأمر صريح للنبي (r) بالجهاد ، لكن أي جهاد قصد في هذه الآية المكية ؟ لا يمكن بحال من الأحوال أن تقصد هذه الآية القتال ؛ لأن القتال لم يشرع إلا في المدينة ، إذا فالمراد بالجهاد هنا هو الجهاد الدعوي للكفار حال كونه (r) في مكة قبل أن يشرع القتال .

فالجهاد بهذا المعنى الذي استقر في مكة من دعوة الرسول (r) وأصحابه للمشركين إلى الحق ، وثباتهم عليه ، وصبرهم على الأذى في سبيل التبصير بكتاب الله – تعالى – والتعريف به ، هو المقصود الحقيقي ، والمصدر الأساسي لما قد تفرع عنه بعد ذلك من أنواع الجهاد الأخرى.

لما هاجر النبي (r) إلى المدينة المنورة نشأت ظروف جديدة لم تكن موجودة في مكة تتلخص في أمرين :

الأول : نشأة أول مجتمع متماسك ، ضمن نظام دولة مكتملة الشروط والأركان ، من الشعب (المسلمين وغيرهم) ، والدستور (وثيقة المدينة) ، والحاكم الرسول (r) .

الثاني : نشأة أول دولة للمسلمين ، وهي الأرض التي استقر عليها نواة دولتهم بمكوناتها المتكاملة ، وما اقتضته من :

- تحصين الحدود وحراستها تحسبا لأي عدوان .

- التصدي بالقتال لكل من يتربص بمقومات هذه الدولة ، أو جاء معتديا عليها بصورة من الصور.

فجمع النصوص بعضها إلى بعض وفهمها مجتمعة في ضوء المقاصد العامة للتشريع يؤكد أن الجهاد في الإسلام إنما هو جهاد دفاعي وشرع لحماية الدولة وثغورها ، والدفاع عنها ، ورد كيد المعتدين عليها ، لا لحمل الناس على الإسلام كرها ؛ لأن الله (U) يقول في كتابه العزيز : ) لا إكراه في الدين ((البقرة : 256) ويقول لنبينا (r) : ) فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ( (النحل : 82) ويقول سبحانه : )إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين( (القصص : 56) 

المبحث الثاني 

الرد على ضلالة (وصف المجتمعات الحالية بالجاهلية) 

وللرد على هذه الضلالة تقول : 

ذكر لفظ الجاهلية في القرآن الكريم أربع مرات :

الأولى : في سورة آل عمران مقرونة بكلمة الظن أو وصفا لهذا الظن ، قال تعالى : ) يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ( (آل عمران : 154) .

الثانية : في سورة المائدة مقرونة بكلمة الحكم أو وصفا لهذا الحكم ، قال تعالى : ) أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ( . (المائدة : 50) 

الثالثة : في سورة الأحزاب مقرونة بالتبرج أو وصفا له ، قال الله تعالى ك ) ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( ( الأحزاب : 33) وزادت هذه الآية الكريمة قيدا آخر هو وصف الجاهلية بأنها الأولى .

الرابعة : في سورة الفتح مقترنة بلفظ الحمية أو وصفا لهذه الحمية ، قال الله تعالى : ) إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ( (الفتح : 26) 

وتعرض الإمام البخاري (رحمه الله) في صحيحه للفظ الجاهلية فقال : (المعاصي من أمر الجاهلية) .

وهنا سؤالان:

الأول : هل يصح إطلاق لفظ الجاهلية دون تقييد ؟

الثاني : هل يصح وصف المجتمعات الحالية بهذه الكلمة (الجاهلية) ؟ 

وفي الجواب عن الأول نقول : لا يصح بحال من الأحوال ؛ لأن الكلمة إذا أطلقت دون تقييد فإنها تشمل العقيدة والأخلاق والعبادات والمجتمع كله ؛ إذ اللفظ العام ينصرف إلى كل أفراده ، واللفظ المطلق يشمل كل أجزائه ما لم تأت قرينة أخرى ، ومن هنا يصير المجتمع كله عند وصفه بالجاهلية جاهلي العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات والأحكام والسلوك ، وهذا خطأ فادح ؛ إذ إن جاهلية العقيدة لا تعني غير الكفر ، والباقي قد يكون خليطا بين الكفر والمعاصي ، ومن المعلوم بداهة أن الإنسان إذا اعتقد أن حكم الجاهلية أحسن من حكم الله ومن تشريعات التي أنزلت على سيدنا محمد (r) فإنه يكفر بذلك ، أما إذا اعتقد أن حكم الله هو الأفضل والأحسن لكن ظروفا تقوم مقام الضرورة اضطرته إلى العدول عنه إلى حكم آخر، فإنه لا يكفر بذلك ، والضرورة كما تعتري الأفراد تعتري الدول ، مع الأخذ في الاعتبار أن الضرورة تقدر بقدرها .

وفي الجواب عن الثاني نقول : الجاهلية فترة من الفترات الزمنية ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الفترة – أعني فترة ما قبل الإسلام – بالجاهلية ، وهي الفترة التي سبقت الإسلام بنحو ما بين خمسين ومائة إلى مائتي عام .

ولا يجوز مطلقا أن يربط بين الحكم على سلوك فرد ما وبين الحكم على المجتمع كله بلفظ الجاهلية ، وأول قاعدة من قواعد الحكم على المجتمع بأنه مجتمع إسلامي : قبوله الإسلام دينا بالنص الرسمي أو بالقول اللساني .

وعليه فلا يجوز تكفير المجتمع بكفر قلة إن وقع ، ولا وصفه بالانحلال العام ؛ لانحلال قلة منه إن حدث ، ولا رمه بالجاهلية لفعل شخص ما فعلا من أفعال الجاهلية ، وإذا نظرنا في التاريخ منذ عصر الرسالة إلى الآن لن نجد مجتمعا خاليا من تقصير بعض أفراده تجاه الشرع الشريف.

وإصلاح المجتمع لن يكون برمي العاصين بالجاهلية أو الكفر أو قتالهم ، فإن ذلك يؤدي إلى مفسدة أعظم وأكبر ، والله تعالى يقول لنبيه (r) )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) ( (النحل) وأهل العلم متفقون على ضرورة ترك النهي عن المنكر إذا كان هذا النهي سيؤدي إلى منكر أكبر منه .

المبحث الثالث 

الرد على ضلالة (التكفير بالمعاصي)

وللرد على هذه الضلالة نقول :

الإيمان هو : التصديق بالقلب ، وبذلك يكون الكفر الحقيقي المخرج من الملة هو عدم التصديق ، ومن ثم قرر العلماء – رحمهم الله – تلك القاعدة الذهبية التي نص عليها الإمام أبو جعفر الطحاوي – رحمة الله - : [ ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه ] .

ومعنى هذا : أن الإنسان يدخل الإسلام بنطقه بالشاهدتين – لا إله إلا الله محمد رسول الله فلا يخرج من دين الإسلام إلا بإنكاره لهما ، أو إنكاره أحد أركان الإسلام الضرورية ، أو إتيانه ما يتيقن أنه كفر بواح كسب الله (تعالى) أو سب رسوله (r) إصرارا ، أو عمدا ، أو قصدا ، أو استهزاء أو كتمزيق المصحف علنا وقصدا واستهزاء به واستخفافا .

ومن ثم فإن المسلم إذا ارتكب معصية من المعاصي ، كشرب الخمر ، أو الزنا أو السرقة أو غير ذلك من المعاصي لا يجوز تكفيره ، وما ورد من نصوص تصف مرتكب المعاصي بالكفر ، فليس المراد منه الكفر المخرج من الملة ، إذ قد يطلق لفظ الكفر ويراد به (كفر النعمة) أو المعصية.

فهذا أبو ذر (t) وهو من هو في صدقه وجهاده وصحبته يصفه النبي (r) أن فيه شيئا من الجاهلية وصفاتها ، ومع هذا لم يخرج عن دائرة الإيمان .

وقد استدل الإمام البخاري – رحمه الله – يقول النبي (r) : [ إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار ] على أن المعاصي لا يكفر صاحبها ؛ لأن النبي (r) سماهما مسلمين مع توعدهما بالنار ، ومن هنا يستفاد أن المعاصي التي تقع من المسلمين لا يحكم على أصحابها بالكفر مهما بلغت هذه المعاصي .

المبحث الرابع 

الرد على ضلالة (تكفير الحكام ، والخروج عليهم )

وللرد على هذه الضلالة نقول : 

إننا لا نعلم دليلا يستند إليه هؤلاء الذين يخرجون على حكامهم سوى ما يزعمون من أن حكامهم كافرون خارجون عن الملة .. ! ونظرا إلى أن الحاكم إذا كفر وخرج عن دين الإسلام الذي هو دين الغالبية العظمى من شعبه أو رعيته وجب عزله عن سدة الحكم بالقوة إن لم يمكن بالتراضي.

ومن ثم فإنهم يرون أنهم يؤدون بخروجهم عليه واجبا أنيط بأعناق الأمة بأسرها . تلك هي ضلالتهم التي يرددونها ويلقنونها لأتباعهم .

إلا أنه في هذا العصر ظهرت جماعات تكفيرية تفجيرية لا فقه لهم ، يعيش في رءوس عناصرهم الإجرامية الإرهابية فكر تكفير الحاكم والمجتمع المسلم ، واستحلال الدماء والأموال والأعراض ، وإشاعة الفساد في كيان المجتمع كله .

ومن هنا فإن هذه الكلمات تتضمن إجابة عن سؤالين اثنين يتعلقان بمسألة الخروج على الحاكم المسلم : 

أولهما : من هو الحاكم المسلم ؟

ثانيهما : ما المستندات التي تستند إليها هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية في فكرها المنحرف ، وما الغرض منها ، وكيف نرد عليها ؟ 

أما الجواب عن السؤال الأول : 

فالحاكم المسلم هو الذي لم يتلبس بكفر صريح أو يدعو إليه ، وللحاكم حق الطاعة في غير معصية ، والنصح من أهل العلم والاختصاص .

أما الحجج الشرعية التي تدل على الطاعة وعدم الخروج على الحاكم فهي تلك النصوص النبوية التي تنهي الناس عن الخروج على حاكمهم ، ومن ذلك : ما رواه البخاري بسنده عن النبي (r) أنه قال : [ على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ] .(رواه البخاري) 

على أن أحدا لم يقل بأن للحاكم أن يفعل ما يشاء وفق هواه ، إنما يجب إعمال مؤسسات الدولة وجهاتها الرقابية كل بما أنيط به قانونيا ودستوريا لضبط شئون الدولة ، وعلى الجملة فإن أدوات الأمس غير أدوات اليوم ، ولا شك أنه في وجود نظام تعددي حقيقي سيكون هناك ألف ضابط وضابط دستوري وقانوني لمنع ظلم الحاكم وتجاوزه شريطة إعمال هذه الأدوات إعمالا صحيحا.

وأما الحجة العقلية : فهي درء الفتنة ، وتوفير الاستقرار للمجتمع الذي يتمكن من مواصلة نموه في ظل ذلك الاستقرار ، ودليل هذه الحجة من كلام النبي (r) : [ وأن لا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرا بواحا ، عندكم من الله فيه برهان ] . وهكذا فوت رسول الله (r) على هذه الجماعات المارقة ومن ورائها الإرهاب .

أما الجواب عن السؤال الثاني : وهو عن حجج هذه الجماعات الخارجة ، فمستندهم الأساسي كفر الحكام ، وإذا كفر الحاكم وخرج عن الإسلام وجب عزله وإزاحته عن سدة الحكم بالقوة إن لم يمكن بالتراضي ..

لأمرين اثنين :

الأول : التكفير الجماعي حيث يقوم عند هؤلاء دون تبين موجبات الكفر عند كل فرد على حده ، ودون معرفة كون ما يحكم به موافقا للمقاصد الشرعية أو غير موافق لها ، فأحكام هذه الجماعات المتطرفة تطلق بلا علم ولا بينة ولا تحقق ، فقد يكفرون حتى يفعل ما هو خلاف الأولى ، أو الأخذ بالرأي المرجوح حتى لو كان لمصلحة معتبرة لا يدركونها هم ، ولا يدركون أن هذه المصلحة قد تجعل المرجوح راجحا والراجح مرجوحا نظرا لتغير الزمان أو المكان أو الحال.

الثاني : أنهم يعتبرون مجرد الحكم بخلاف شرع الله كفرا  ، وقد سبق بيان متى يعد ذلك كفرا ومتى لا يعد في الحديث عن الرد على ضلالة رمي المجتمعات الإسلامية المعاصرة بالجاهلية ، حيث أكدنا فيما سبق أن الإنسان إذا اعتقد أن حكم الله تعالى هو الأفضل والأحسن لكن ظروفا تقوم مقام الضرورة اضطرته إلى العدول عنه إلى حكم آخر ، فإنه لا يكفر بذلك ، والضرورة كما تعتري الأفراد تعتري الدول ، مع الأخذ في الاعتبار أن الضرورة تقدر بقدرها .

وأما احتجاجهم بحديث : [ أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ] فإن هذا الحديث يدل على النصيحة للحاكم الظالم ، لا على تكفيره ، ولا الخروج عليه ، بدليل : أن كلمة (عند) تدل على اجتماع الناصح مع الحاكم في مكان واحد ، ولا تدل على الخروج عليه ، وبدليل أن كلمة (حق) هي كلام ، والكلام من قبيل الألفاظ لا من قبيل السيوف والمدافع والتفجيرات ، وكلمة (الجهاد) تطلق على الجهاد القولي الدعوي على ما سبق بيانه وتقريره ، وهو المراد هنا بدلالة السياق .

وأما استدلالهم بالحديث : [ من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ] .

فاستعمال القوة في تغييرا لمنكر مقيدة بشروطها منها : لا بد أن يكون المنكر متفقا على إنكاره ، وليس من الأمور الخلافية ، وأن يكون ظاهرا بحيث يعلمه الناس ، وأن يكون واقعا بالفعل ساعة الإنكار ، ولا يكون قد وقع وفرغ منه .

وعلى هذا فلا يجوز تغيير المنكر للأفراد بالقوة ، وإلا صارت فوضى تضر بالبلاد والعباد ، إذ لا يجوز تغيير منكر بإيقاع منكر أكبر منه أو مثله فالضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه.

المبحث الخامس 

الفهم الخاطئ للحاكمية 

فالحاكمية تعني : الالتزام بما نزل من شرع الله ، وهذا لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية وفقا لتغيير الزمان والمكان ، ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفا لشرع الله ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفراد والمجتمعات .

وتطلق الحاكمية بالمعنى التشريعي ومعناها : أن الله سبحانه هو المشرع لخلقه أي : هو الذي يأمرهم وينهاهم ، ويحل لهم ويحرم عليهم من خلال تكاليفه الشرعية .

فالحاكمية لا تعني أن الله (U) هو الذي يولي الخلفاء والأمراء يحكمون باسمه ، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب ، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة ، فهي التي تختار حكامها وهي التي تحاسبهم وتعاقبهم ، فليس معنى الحاكمية الدعوة إلى دولة ثيوقراطية.

وننبه إلى أن القوانين التفصيلية المعاصرة لا تتنافى في جملتها مع الشريعة في مقاصدها الكلية ؛ لأنها قامت على جلب المنفعة ودفع المضرة ورعاية العرف .

وقضية تكفير الحكام استنادا إلى قوله تعالى : ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( (المائدة : 44) قضية مغلوطة ، فإن كل من حكم بغير شرع الله (عز وجل) في داره التي هو قيم على أهله فيها ، أو في مجتمعه الذي هو حاكم فيه ، أو في مؤسسته التي هو مدير لها ، فهو كافر مرتد يستحق القتل في مذهب هذا الفكر المنحرف .

ولا جدوى من احتمال أنهم إنما حكموا بغير شرع الله تساهلا منهم أو كسلا أو بسبب ركونهم إلى شهوة متغلبة أو مصلحة دنيوية قاهرة أو بسبب إكراه من الظروف العالمية المحيطة بهم مع يقينهم بأنهم مقصرون في جنوحهم عن الحكم بما أنزل الله .

ومظهر الغلو في هذا يتجلى في تجاهل الفرق بين المعصية السلوكية التي تجر صاحبها إلى الإثم ، والمعصية العقدية التي تزج صاحبها في الكفر ، ومن أصول أهل السنة أن المعاصي تفسق ولا تكفر .

كما يتجلى الغلو أيضا في التوجه بالحكم الجماعي على المتلبسين بهذه المعصية دون تفصيل ولا تفريق ، ودون تقدير للحالات الخاصة والأوضاع الفردية .

كما يتجلى ذلك في مخالفة جريئة لهدي سيدنا رسول الله (r) وقد بينا في صدر المبحث أن الالتزام بشرع الله (عز وجل) لا يمنع احتكام البشر إلى قوانين يضعونها في إطار مبادئ التشريع العامة وقواعده الكلية ، وفقا لتغير الزمان والمكان ، ولا يكون الاحتكام لتلك التشريعات الوضعية مخالفا لشرع الله ما دام أنه يحقق المصالح العامة للدول والشعوب والأفراد والمجتمعات .

المبحث السادس 

الرد على ضلالة (القول بحتمية فرض الجزية على غير المسلمين)

وبيان ذلك :

أن الجزية التي فرضتها الدولة الإسلامية على الذين دخلوا في دولتها ولم يدخلوا في دينها لم تكن اختراعا إسلاميا ، وإنما كانت ضريبة معروفة فيما سبق الإسلام من قوانين ، تؤخذ مقابل الجندية وحماية الدولة والدفاع عن رعيتها ، فكانت بدلا من الجندية ، ولم تكن بدلا من الإيمان بالإسلام ، ويشهد لذلك أنها لم تفرض إلا على القادرين على أداء الجندية ، المالكين لما يدفعونه ضريبة لهذه الجندية ، ولو كانت بدلا من الإيمان بالإسلام لو جبت على كل المخالفين في الدين جميعا ولا أي استثناء ، لكن لم يكن أمرها كذلك ، فهي لم تفرض على الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء ولا العجزة ولا المرضى من أهل الكتاب ، كما أنها لم تفرض على الرهبان ورجال الدين ، وكل الفقهاء المسلمين – باستثناء فقهاء المالكية – قالوا : إنها بدل عن النصر والجهاد .

وأسقط عمر بن الخطاب (t) الجزية عن نصارى بني تغلب لما رأى من نفارهم وانفهم منها ، فلم يأمن شقاقهم واللحاق بالروم ، فيكونوا ظهيرا لهم على أهل الإسلام ، وعلم أنه لا ضرر على المسلمين من إسقاط ذلك الاسم عنهم ، مع استباق ما يجب عليهم من الجزية ، فأسقطها عنهم ، واستوفاها منهم باسم الصدقة حين ضاعفها عليهم .

وأما الذي سماه بيان الله تعالى صغارا ، إنما رتبة على الحرابة ، لا على مجرد الكفر ، أو الانتساب إلى أي كتاب سماوي ، فإذا انتهت الحرابة فلا صغار ، إذ من المعلوم لدي علماء الشريعة الإسلامية أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما .

وقد شدد فقهاء الشريعة النكير على من يسيء إلى أهل الكتاب في أي وجه من أوجه المعاملة ، بل أكدوا على ضرورة حسن معاملتهم والإحسان إليهم .

المبحث السابع 

الرد على ضلالة (استباحة هذه الجماعات لحرمة الدم بكل أشكاله) 

فهم يقومون بحرق البشر أحياء وذبح آخرين أمام كاميرات التصوير ويفتخرون بذلك ، ولا توجد رسالة سماوية على وجه الأرض تقول بذلك ، ولم يرد عن أحد من الأنبياء (عليهم السلام) أنه فعل ذلك أو أجازه ، لا في السلم ولا الحرب ، حتى يتجرأ هؤلاء الأفاكون المجرمون ويفترون على سيدنا رسول الله (r) أنه أمر بذلك أو فعله أو أشار به أو أومأ إليه ، أو أن هذا مما وجدوه في سنته المطهرة ، افتراء عليه وعلى سنته (r) وهو أبرأ الخلق من ذلك .

وفي التأكيد على حرمة الدماء يقول الحق سبحانه وتعالى : ) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) ( (المائدة) 

ويقول تعالى : ) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ( (الإسراء : 33) 

ويقول سبحانه : ) ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93) ( (النساء) 

ويقول سبحانه : )وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94) ( (النساء) 

وقد عد النبي (r) سفك الدماء بغير حق من السبع الموبقات التي تفسد الحياة وتهلك المجتمع حيث قال (r) : [ اجتنبوا السبع الموبقات ! قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ] ويقول نبينا (r) : [ من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه ] ويقول (r) : [ لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ] .

ومن الدواهي العظيمة أيضا استباحتهم دم غير المسلم وماله وعرضه ونسبتهم ذلك زورا وبهتانا إلى السنة النبوية متجاهلين تماما وعمدا قول الحق سبحانه : ) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)( (الممتحنة) 

المبحث الثامن

الرد على ضلالة (استباحة تدمير الآلات والمركبات الخاصة بقوات الجيش والشرطة)

وللرد على هذه الضلالة نقول : 

هذه المعدات من المال العام الذي أوجب الشرع صيانته على كل فرد في الأمة ، ومنع من الاعتداء عليه بأي وسيلة كانت ، إضافة إلى أن هذه المعدات وسائل للدفاع عن أمن وسلامة الوطن والمواطنين وحمايتهم داخليا وحدوديا ، وخارجيا إن لزم الأمر ، فلا يجوز إتلافها أو النيل منها. 

فالحق سبحانه أمرنا بإعداد القوة بكل جوانبها بما فيها القوة الأمنية وإظهارها أمام أعداء الأمة لبث الخوف والرهبة في قلوبهم أمرنا بإعداد القوة بكل جوانبها بما فيها القوة الأمنية وإظهارها أمام أعداء الأمة لبث الخوف والرهبة في قلوبهم حتى لا يتجرأ أحد منهم على الاعتداء على أمن بلادنا ، وفي ذلك حفظ للأرواح والأعراض والأموال والأوطان من التعرض لويلات الاعتداءات الغاشمة والاحتلال ، قال الله تعالى : )وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)( (الأنفال) 

وفي هذه الآية ملحظان : 

الأول : أن إعداد هذه القوة لإرهاب العدو الذي يعتدي على بلادنا وأعراضنا ومكتسباتنا ، ولا يجوز إطلاق القول بالعمل على إرهاب غير المعتدين علينا أو أعدائنا الظاهرين المتربصين بنا.

الثاني : أن هذه القوة المعدة كما أمرت الآية الكريمة لا غرابة فيها إذ هي ما يعرف الآن في القوى العالمية بالسلم المسلح أو الردع الدفاعي .

وإذا كان أهل العلم والفقه من العلماء العاملين المخلصين على أن من مات دون ماله فهو شهيد ، فإن من مات دون سلاحه فهو شهيد ، ومن مات دون وطنه فهو شهيد .

وأصحاب هذه الضلالة يريدون بضلالتهم هذه تفكيك الجيش المصري خاصة والجيوش العربية عامة لصالح الأعداء ، وهذه خيانة عظمى للدين وللوطن ، فالجيش والشرطة حصن البلاد في الداخل والخارج ، فالدعوة إلى هدمهما دعوة إلى تفكيك الوطن والقضاء عليه ، وهو ما لا يقره دين ولا وطنية ولا إنسانية ولا عقل سليم .

المبحث التاسع 

الرد على ضلالة (تشجيع عناصرهم الضالة على حمل السلام وترويع الآمنين) 

وللرد على هذه الضلالة نقول :

من المعلوم الذي يكاد يصل إلى حد البداهة في شريعة الإسلام أن ترويع الإنسان الآمن حرام حرمة شديدة ، قال الإمام المناوي في فيض القدير : [ ترويع المسلم حرام شديد التحريم ] 

وقال رسول الله (r) : [ من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخلاه لأبيه وأمه ] قال الإمام النووي في هذا الحديث تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه وقوله (r): [ وإن كان أخاه لأبيه وأمه ] مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد ، سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم ، وسواء أكان هذا هزلا أم جدا ، لأن ترويع المسلم حرام بكل حال وقال (r) : [ لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ] وقال (r) : [ لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه ، وذلك لشدة ما حرم الله عز وجل مال المسلم على المسلم ] .

وقد وجهت الشريعة إلى ضرورة مواجهة هذه الفئات الضالة وردعها عن ترويع الآمنين وتدمير البلاد ، فكانت المواجهة المسلحة معهم من الأهمية بمكان ، فلا يمكن لبلد أن تسمح لهذه الجماعات ومن وراءهم أن يعيثوا في الأرض فسادا ، وقد بين الحق سبحانه وتعالى جزاء من يعيثون في الأرض فسادا ، وشرع لردعهم ما يطلق عليه الفقهاء حد الحرابة ، فقال سبحانه : )إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) ( (المائدة) 

المبحث العاشر 

الرد على ضلالة 

إشاعة الفوضى وهدم الدولة تحت غطاء التظاهر السلمي واستباحة التعدي على المنشآت والممتلكات العامة والخاصة وللرد على هذه الضلالة نقول :

فالناظر في التاريخ يجد أن بعض الجماعات ضلت عن طريق الحق ، وكانت البداية في هؤلاء الذين خرجوا على سيدنا عثمان بن عفان (t) باسم الدين وإقامة الحق ، خرجوا محتجين لكنهم سرعان ما حملوا أسلحتهم في وجه الخليفة ، وفي وجوه الصحابة الكرام (رضوان الله تعالى عليهم) فكانت النتيجة استشهاد الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان (t) ثم فتح باب الفتنة وظهرت طائفة الخوارج الذين خرجوا على سيدنا على بن أبي طالب (t) وانتهى الأمر بقتلهم إياه (t) أيضا ، وكان بقتله ما كان من الفتن ودخول الأمة الإسلامية آنذاك حروب وانشقاقات تاريخية لم تعرفها من قبل .

وهذا ما تهدف إليه هذه الجماعات الإرهابية الآن من نشر الفوضى التي تؤدي إلى الاستهانة بالحرمات ، والاجتراء على القتل والتدمير ، إما طمعا في السلطة وإما خيانة لأوطانهم وعمالة لأعدائها .

ولذلك حرم العلماء بيع السلام وتداوله في أوقات الفتنة ؛ لما فيه من خطورة وجود السلاح وانتشاره بين الناس بما يغري إلى استخدامه والتعرض للناس بالباطل ، والإعانة على الإثم والعدوان ، فعن عمران بن حصين أن رسول الله (r) نهى عن بيع السلاح في الفتنة .

إذن فإن من يدعو الناس للخروج والقتل والتدمير إنما هو مخالف لمنهج سيدنا رسول الله (r) وإن ما تدعو إليه هذه الجماعات إنما هو الضلال والإضلال وليس الهداية والإصلاح .

ومما ينبغي أن يعلم أن الله سبحانه حفظ لعباده بمختلف طوائفهم وجنسياتهم ، وأعراضهم ، وأموالهم وممتلكاتهم ، ومن يقول : إنه يجوز شرعا التعرض للممتلكات العامة أو الخاصة أو التعدي عليها أو استباحتها في الإسلام فقد افترى على الله تعالى ، وعلى رسوله (r) لأن ذلك يخالف قول الحق سبحانه : ) ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( كما يشتمل على مخالفة صريحة لفعل سيدنا رسول الله (r) فقد رد الأموال والودائع التي ائتمنه عليها كفار قريش على الرغم من كفرهم به وتكذيبهم له .

المبحث الحادي عشر 

الرد على ضلالة (الدعوة إلى قطع الطرق وتعطيل المواصلات)

وللرد على هذه الضلالة نقول :

تجاهلت هذه الجماعات ما ورد من سنة شريفة ونهى نبوي صريح في أمر الجلوس على الطرقات فضلا عن قطعها وإيذاء الأبرياء فيها ، عن أبي سعيد الخدري (t) أن رسول الله (r) قال [إياكم والجلوس على الطرقات ] فقالوا : ما لنا بد ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها ، قال : [ فإذا أبيتم إلا المجالس ، فأعطوا الطريق حقها ] قالوا : وما حق الطريق ؟ قال  : [ غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ] .

فقد وضع سيدنا رسول الله (r) ضوابط للتعامل مع الطريق في حال ما إذا اضطر الإنسان أن يجلس فيه ، وهذا في مجال المباح من تبادل الأعمال والمصالح والمنافع والخير ، وجعل هذه الضوابط من حقوق الطريق وليس لأحد من الناس .

ومما ورد من حقوقه : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فمن أين جاء هؤلاء بجواز قطع الطرق والاعتداء عليها وبالتبعية الاعتداء على المستخدمين لها ؟ 

وقد نهى الشرع عن تعطيل المواصلات ؛ لما فيها من إضرار بمصالح عامة الناس ؛ ولعدم قصور استخدامها على فئة بعينها ، كما أن في تعطيلها إضرارا وأذية بالخلق ، ومخالفة لأمر النبي (r) حيث قال : [ كف الأذى ، والنهي عن المنكر ] والتي هي من حقوق الطريق .

وفي هذا الائتلاف تعد على ممتلكات الدولة العامة ومنافعها ، وفي ذلك إضرار بالدولة والمجتمع ومصالح البلاد والعباد وهو ما يؤكد على أن هذه الخطوات إنما هي خطة ممنهجة وموضوعة بمكر شديد من أجل إشاعة الفوضى في البلاد وتأجيج حالة الحقد والغضب عند الناس ، حتى يثوروا على حكامهم ، فتكون الفوضى التي يسعى أعداؤنا إلى تحقيقها رجاء تمزيق دولنا وتفتيتها ، وإضعافها وتحويلها إلى كيانات هزيلة لا تنفع صديقا ولا تضر عدوا .

المبحث الثاني عشر 

الرد على ضلالة (الدعوة إلى الإضراب عن الطعام للضغط على الحكومات قصد الوصول إلى الفوضى وهدم الدولة) 

وللرد على هذه الضلالة نقول :

استدل أصحاب هذه الضلالة افتراء ومغالطة بقوله تعالى على لسان مريم (عليها السلام) : ) إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ( (مريم : 26) حيث صوروا إمساكها عن الكلام بأنه إضراب ، ونسى هؤلاء الأغبياء أنه معجزة لها أمام قومها . ثم ما العلاقة بين امتناع السيدة مريم عن الكلام الذي هو معجزة لها ، ولا يضر بحياتها وبين الإضراب عن الطعام الذي يؤدي بحياة الإنسان إلى الهلاك ؟

إن من مبادئ الشريعة الإسلامية ، بل من مبادئ الرسالات السماوية كلها : المحافظة على نفس الإنسان ، والله – تعالى – يقول : ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( (البقرة : 195) 

ويقول سبحانه : ) وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)( (النساء) 

والمحافظة على حياة الإنسان لها مقومات من أهمها على الإطلاق : الطعام والشراب . ومن هنا فإذا امتنع الإنسان عن الطعام والشراب عامدا مضربا ، ثم وصل الأمر إلى هلاكه وموته فإن يعد في نظر علماء الشريعة منتحرا .

وقد أجمع الفقهاء على ضرورة حماية الأوطان والحفاظ عليها ، ورد كيد المعتدين ، فقد جعلوا الدفاع عنها وحمايتها وحماية ثغورها فرض كفاية إذا قام به جماعة من القوم سقط الإثم عن الباقين ، وإذا لم يقم به أحد منهم أثم الجميع ، على أن الدفاع عن الأوطان يصبح فرض عين على كل ابن من أبنائها إذا هاجمها العدو أو تعرضت للخطر ، سواء أكان هذا العدوان غزوا واستعمارا أم إرهابا وتفجيرا وترويعا للآمنين .

المبحث الثالث عشر 

الرد على ضلالة : 

الدعوة إلى توجيه الزكاة إلى دعم أعمالهم الإجرامية التي يصفونها بهتانا وزورا بالجهاد

وللرد على هذه الضلالة نقول :

حدد الله تعالى في قرآنه الكريم المصارف الثمانية للزكاة ، فقال سبحانه : )إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) ( (التوبة) 

ونؤكد هنا أن ما تقوم به هذه الجماعات ليس جهادا في سبيل الله إنما هو حرب عدوانية على الإسلام والمسلمين ، وعلى البلاد والعباد.

ثم إن هذه الزكاة لها مصارفها الشرعية ويأتي في مقدمتها قضاء حوائج الفقراء والمساكين وما يحقق أمن المجتمع وسلامه ، فتحريف النصوص وإخراجها عما شرعت له طامة كبرى ، غير أن هذا المال الذي يجمع تحت مسمى الزكاة أو الصدقات للإنفاق على اليتامى ، والأرامل والفقراء والمساكين ، وبناء المساجد ، والمدارس ، والمستشفيات ، ثم يذهب لدعم عناصرهم الإرهابية لهو أكل للسحت وخيانة للأمانة ، وتضييع للحقوق على أصحابها المستحقين .

وأسوأ من هذا من يفسرون من هذه الجماعات وغيرها قوله تعالى : ) والعاملين عليها ( وفق أهوائهم ، فيستحلون بعض المال لأنفسهم ، علما بأن أهل العلم على أن سهم العاملين عليها لا ينطبق إلا على من نصبه ولي الأمر وأقامه رسميا على جمع الزكاة ، وحدد له راتبا محددا أو جعلا معينا أو مبلغا مقطوعا نظير قيامه بذلك أو تفرغه له ، لا أن يقتطعه لنفسه أو يحدد لها ما يحلو لها ظلما وزورا .

المبحث الرابع عشر

الرد على ضلالة : (دعوة هذه الجماعات إلى العصيان المدني قصد إسقاط الدولة) 

وللرد على هذه الضلالة نقول :

أورد أصحاب هذه الضلالة كذبا وافتراءا على رسول الله (r) بعض الأحاديث الموضوعة أملا منهم أن تحقق لهم آمالهم الفاسدة ، كقولهم : [ يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ، ووزراء فسقة ، وقضاة خونة ، وفقهاء كذبة ، فمن أدرك ذلك منكم ذلك الزمن ، فلا يكونن لهم جابيا ولا عريفا ، ولا شرطيا ] وهو حديث مكذوب على رسول الله (r) كما قال المحققون .

فإن منهج ديننا الحنيف قائم على الحث على العمل وعلى إتقانه ، وتعظيم الأجر لكل من يعمل ، حيث يكفي نفسه وأهله ، ويعمل على كفاية وطنه ونهضته ، إذ إن الأمم التي لا تملك أقواتها وأسلحتها لا تملك أمر نفسها ، ولا مكانة لها في دنيا الناس.

أما دعواهم أن الأصل عدم التعاون مع الحكام بحجة أنهم ظلمة ، وبناء على هذا يجب عدم الجاوب معهم والعمل على ما يقوض حكمهم ، ويستدلون على هذا الزعم الباطل بحديث : [ يهلك أمتي هذا الحي من قريش ] قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : [ لو أن الناس اعتزلوهم ] فقد رد على ذلك عبد الله بن أحمد بن حنبل وعزا ذلك إلى والده بقوله : وقال أبي في مرضه الذي مات فيه : اضرب على هذا الحديث فإنه خلاف الأحاديث عن النبي (r) يعني قوله [ اسمعوا وأطيعوا واصبروا ] على أن قوله (r) : [ يهلك أمتي ] قال فيه الحافظ في الفتح المراد بالأمة هنا : أهل ذلك العصر ومن قاربهم ، لا جميع الأمة إلى يوم القيامة .

طلبهم الملك والقتال لأجله ، فتفسد أحوال الناس ، ويكثر الهرج والقتل بتوالي الفتن . وهذا ما تنضح به كلمات هذه الجماعات التي تدعو إلى التحريض على إثارة الفتنة والقتل والحرق والتدمير واستباحة كل ما حرم الله تعالى بحجة مصلحة المواطنين ، فأين هي المصلحة في هدم أعمدة الدولة وقوامها ، وتعطيل مسيرتها وشل حركة حياتها ؟ 

بل ورد عنه (r) خلاف ذلك ، فقد قال (r) : [ ستكون أثرة وأمور تنكرونها ] قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : [ تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم ] .

فهذا الحديث يقوض مبدأ العصيان المدني من أساسه ويهدمه للمتشدقين به ؛ لأن سيدنا محمد (r) علمنا أنه حتى في فترات الشدة ووجود الظلم والجور ، يجب على كل متبع له أن يؤدي الحق الذي عليه تجاه كل من له حق عليه ؛ لقوله (r) : [ تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم ] فقد قرر (r) قيام الحقوق وعدم سقوطها ، وأمر بأدائها مهما كانت الظروف والمبررات ، فمن أين جاءت هذه الجماعات بمثل هذه الافتراءات من إباحة الشرع الشريف لأمر غاية في الخطورة وهو العصيان المدني ؟ لكن إلى الله تعالى نلتجئ من هؤلاء الظلمة الذين يدعون لخراب البلاد ، وإهلاك العباد وإباحة الأرض للمفسدين المخربين القتلة ، ويحرفون في سبيل ذلك الكلم عن مواضعه ضلالا وإضلالا .

المبحث الخامس عشر

الرد على ضلالة : [ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية في زعزعة الأمن ، وتشويه صورة الدولة ورموزها الوطنية ] 

إن محاولة هذه الجماعات إيهام المغرر بهم أنهم بمهاجمتهم للدولة ومؤسساتها بالقول أو بالفعل إنما يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسعون للإصلاح ، وما ذلك بحقيقي ، إنما هو عين الضلال ، فكل من يتصدر وسائل الإعلام من المؤيدين لهذه الجماعات المتطرفة مثلهم مثل هذه الجماعات في الإثم والضلال وأكثر ؛ لكونهم يسعون بكلماتهم وافترائهم المستمر ليل نهار في وجوه المواطنين وآذانهم بكل الوسائل إلى تدمير الدولة بأيدي أهلها ، وذلك بشحن نفوس المواطنين بالتركيز على السلبيات وتفخيمها وتضخيمها والعمل على طمس الإنجازات وتشويهها وتحقيرها والتهوين من شأنها ، ونشر الكذب والشائعات ، وممارسة الاغتيال المعنوي من خلال استهداف الرموز والشخصيات الوطنية وبث الشائعات التي لا تنقطع حولها والافتراء عليها ، وتشويه صورتها وتحريف كلامها أو تصريحاتها ، والتقول والكذب عليها ، والتهوين من إنجازاتها لإحباطها.

كل هذه الكلمات المحرضة على التخريب والتدمير إنما ينطبق عليها قول الحق سبحانه وتعالى : ) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) ( (النور) 

وتهدف هذه الجماعات من خلال حملاتها الإعلامية المشبوهة الممنهجة إلى تقسيم المجتمع إلى فئتين : فئة مجرمة قاتلة تسعى وراء رجال الأمن [ الجيش والشرطة ] لتخور وتضعف قوى الأجهزة الأمنية فيفتح الطريق أمام أعدائها للتدخل في شئون البلاد ، ووراء علماء الحق حتى لا يكشفوا ضلال هذه الفئات وإفكها . والفئة الأخرى من المجتمع تبقى ضعيفة هزيلة أو كسيرة ذليلة لا قوة لها ولا درع ، وذلك كله قصد إنهاك وتقويض دعائم نظام الحكم والقفز عليه وتنصيب من يرونه أداة تساعدهم في استكمال منظومة أهدافهم ومخططاتهم ، فمن يساعد هؤلاء القتلة ويحب أن تشيع الفواحش والفوضى في الأمة الإسلامية فلينتظر عقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة.

المبحث السادس عشر 

الرد على ضلالة ( استعداء القوى الخارجية والمنظمات الدولة على أوطانهم ) 

وللرد على هذه الضلالة نقول : 

تشبهت هذه الجماعات في هذه الضلالة بأصحاب مسجد الضرار الذي ذكره الله تعالى في القرآن حين قال : ) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) ( (التوبة) 

ففي هذا الموقف رد على من يفتي من هذه الجماعات بوجوب تحرك المواطنين الذين يعيشون خارج البلاد بأن يسعوا بكل جهدهم لإسقاط الحكم بالدولة ، أو يستعدوا القوى الخارجية أو المنظمات الدولية على أوطانهم وبنى جلدتهم ؛ لكون هذا هو الذي سعى به المنافق السابق ذكره في مسجد الضرار من أنه استقوى بمن هم خارج بلاد الإسلام من أعدائهم واستعداهم وغيرهم من الحاقدين على المسلمين ، وذلك للنيل من المسلمين واحتلال أراضيهم ، فما تفعله هذه الجماعات إنما هو ترويج لمثل ما قام به هذا المنافق ، وأقل ما يوصف به هؤلاء هو أنهم عملاء وخونة لدينهم ووطنهم ، فلا الدين يرضى هذا ولا الوطنية الشريفة تقره ، ولا حتى الأعراف الإنسانية السوية ، ولا الشهامة ولا المروءة ، لكن هذه الجماعات وعناصرها المجرمة تربوا على التنكر للأوطان ، لأنهم لا يؤمنون بها أصلا ويرونها مجرد حفنة من التراب ، كما أن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، أي وسيلة كانت ، بغض النظر عن الشرف أو القيم أو الأخلاق أو الوطنية .

المبحث السابع عشر

التشكيك في مشروعية الدولة الوطنية 

تعمل الجماعات المتطرفة دائما على التشكيك في مشروعية الدولة الوطنية والتهوين من أمرها وأمر الانتماء الوطني .

وتعني الدولة الوطنية : احترام عقد المواطنة بين الشخص والدولة ، وتعني الالتزام الكامل بالحقوق والواجبات المتكافئة بين أبناء الوطن جميعا دون أي تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الجنس أو اللغة ، غير أن تلك الجماعات الضالة المارقة المتطرفة المتاجرة بالدين لا تؤمن بوطن ولا بدولة وطنية ، فأكثر تلك الجماعات إما أنها لا تؤمن بالدولة الوطنية أصلا من الأساس ، أو أن ولاءها التنظيمي الأيديولوجي فوق كل الولاءات الأخرى وطنية وغير وطنية ، فالفضاء التنظيمي لدي هذه الجماعات أرحب وأوسع بكثير من الدولة الوطنية والفضاء الوطني .

ونستطيع أن نؤكد وباطمئنان على أمور ، أهمها :

الأول : أن الإسلام لم يضع قالبا جامدا لنظام الحكم لا يمكن الخروج عنه ، إنما وضع أسسا ومعايير متى تحققت كان الحكم رشيدا يقره الإسلام ، وفي مقدمتها مدى تحقيق الحكم للعدل والمساواة وسعيه لتحقيق مصالح البلاد والعباد ، ولا إشكال بعد ذلك في الأسماء أو المسميات ؛ لأن العبرة بالمعاني والمضامين لا بالأسماء ولا بالمسميات .

الثاني : أنه حيث تكون المصلحة ، ويكون البناء والتعمير ، فثمة شرع الله وصحيح الإسلام ، وحيث يكون الهدم والتخريب والدمار فثمة عمل الشيطان وجماعات الفتنة والدمار والخراب.

الثالث : أن العمل على تقوية شوكة الدولة الوطنية مطلب شرعي ووطني ، وأن كل من يعمل على تقويض بنيان الدولة أو تعطيل مسيرتها ، أو تدمير بناها التحتية ، أو ترويع الآمنين بها ، إنما هو مجرم في حق دينه ووطنه معا .

الرابع : أننا في حاجة ملحة إلى إعادة قراءة تراثنا الفكري قراءة دقيقة واعية تفرق بين الثابت والمتغير ، بين ما ناسب عصره ، وزمانه ومكانه من اجتهادات الفقهاء وما يتطلبه عصرنا ومستجداته من قراءة جديدة للنصوص يقوم بها أهل العلم والاختصاص لحل إشكاليات الحاضر وبخاصة فيما يتصل بأحكام المواطنة إلى جانب تأصيل فقه العيش الإنساني المشترك ، وبيان أن أمن الأوطان والمواطنين لا يتجزأ وأنه لا يتحمل التجزئة أو التصنيف ، وقد ذكر الإمام ابن حزم (رحمه الله) أن من كان بيننا من أهل الذمة وجاء من يقصدونهم بسوء وجب علينا أن نخرج لحمايتهم .

المبحث الثامن عشر

الرد على ضلالة 

استباحة هذه الجماعات لدماء العلماء والنيل منهم بتشويه صورتهم في نفوس مجتمعاتهم وأمام المتابعين للشأن الإسلامي على مستوى العالم .

وللرد على هذه الضلالة نقول :

من العلامات التي تدل على ضلال هذه الجماعات أنهم يسعون سعيا حثيثا للنيل من علماء الأمة وبخاصة علماء الشرع الشريف ؛ وذلك لأنهم هم الخطر الحقيقي عليهم ؛ لأنهم يهدمون كا ما تبنيه هذه الجماعات .

على أننا نؤكد أن حرمة دم العالم وحرمة النيل منه تأتي من عظم دوره في المجتمع حيث إنه بعلمه قائم على ثغر من ثغور الدين والوطن ، من حيث تبصير الناس بصحيح الدين وتعريفهم بحقيقة أحكام الشرع الحنيف ومواطن تطبيقها ، وعدم تركهم فريسة سهلة للجماعات المتطرفة وأفكارهم المنحرفة والظلامية ، بما تحمله من تكفير وتفجير وأباطيل ومغالطات ، كما أن العالم مدافع عن ثوابت الأمة ودعائمها وهي : كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله الكريم (r) فما كان لعالم تقي مخلص لله تعالى ولرسوله (r) أن يفتري على الشرع الشريف وينسب إليه ما ليس منه ، وهذه علامة فارقة تميز علماء الحق من علماء الزيغ والباطل .

أما من يدعو الناس إلى التكفير والتفجير والعمليات الانتحارية واستهداف الآمنين ، وتخريب العمران ، فإنما هو مخرب ومفسد في الأرض حتى ولو كان لديه بعض العلم ؛ لأن علمه لم يوصله إلى تقوى الله تعالى ولا على الخشية منه ، فيتنكر لما علمه ويستخدمه في غير ما أحل الله تعالى ، ويذهب بعلمه لخدمة أصحاب المصالح ، ويتبع في ذلك هواه ليحصل متاع الدنيا ، ومن ذلك قول الحق سبحانه وتعالى : ) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ( (الأعراف) 

وفي تعرض هذه الجماعات الضالة المضللة للعلماء بتشويه صورهم تأثير سلبي على صورة هذا الدين ؛ لأن العلم له في النفس البشرية وقع بالتقدير والاهتمام ، وهذا هو حال العلماء في مختلف المجالات في مختلف بلدان العالم ، وغالبا لا يرغب الإنسان في أن ينتمي لدين ليس لأهل العلم فيه قدر ولا توفير ولا احترام ، فتشويه صورة العلماء بالباطل إنما هو إضعاف لصورة الدين في نفوس العامة ، حتى إذا نفر الناس من العلماء المخلصين بسبب تشويه هذه الجماعات لهم ، لم يجدوا أمامهم سوى أدعياء العلم من جهلاء ومأجوري هذه الجماعات ، فيقعوا في شراكهم وغيهم.

المبحث التاسع عشر

العمل على أدلجة العلماء والمثقفين بأيدلوجياتهم المتطرفة 

تعمل الجماعات المتطرفة على أدلجة العلماء ، وطلاب العلم والشباب ، والمثقفين من المنتمين إليها ، مما يجعلهم مكبلين بأغلالها ، وللرد على هؤلاء ، وتوضيح خطورة هذا الأمر نؤكد أنه لا شك أننا في عالم شديد التداخلات والتعقيدات ، حتى صارت الفروق بين الأشياء شديدة الالتباس إلا لمن أنار الله طريقه بالعلم والوعي والفطنة والإخلاص .

إن أكثر العلماء الذين وظفوا أنفسهم لصالح جماعات أو أيدلوجيات جماعات وطوائف بعينها وانساقوا خلف توجهاتها خسروا حياديتهم ومصداقيتهم وأنفسهم وربما دينهم في آن واحد.

أما العالم أو الواعظ أو الإمام أو الخطيب أو المفكر أو المثقف المؤدلج المنتمي فكريا أو تنظيميا لأي جماعة أو تيار فهو إما غير قابل للحوار أصلا ، أو غير قابل إلا للحوار الجدلي العقيم على طريقته هو التي لا يمكن أن تؤدي إلا إلى طريق واحد هو ما يريد بك الوصول إليه وحملك عليه وإرغامك على فكرته ولو بالباطل ، وبكل ما يخالف العقل والمنطق .

المبحث العشرون

وجوب حماية المجتمع من التطرف والإرهاب 

والسؤال : هل نحن في حاجة إلى تفكيك الفكر المتطرف ، أم إلى تفكيك الجماعات المتطرفة ؟ والجواب الذي لا خلاف عليه هو أننا في حاجة إلى تفكيك الفكر المتطرف والجماعات المتطرفة معا ، غير أن تفكيك الفكر المتطرف يأتي في المقدمة ، ذلك أنك قد تفكك جماعة إرهابية أو متطرفة فتخرج عليك جماعة أخرى أعتى وأشد ، غير أننا عندما ننجح في تفكيك الفكر المتطرف وكشف زيفة وزيغه وفساده وإفساده وأباطيله ، فإننا نكون أتينا على المشكلة من جذورها .

وفي سبيل ذلك لابد أن نكشف وان نعري هذه الجماعات المتطرفة ، وأن نبين عمالتها وخيانتها لدينها وأمتها ، وأن نبرز شهادات من استطاعوا الإفلات من جحيم هذه الجماعات الإرهابية الضالة ، وأن ما يعدون به الشباب كذبا وزورا من الحياة الرغدة هو حض كذب لا وجود له على أرض الواقع ، فمن يلتحق بهم مصيرهم التفخيخ والتفجير ، وإن فكر مجرد تفكير في الهروب من جحيم هذه الجماعات كان جزاؤه الذبح أو الحرق أو الموت سحلا .

وكذلك دعوتهم الضالة إلى الجهاد ، مع أنا ما يقومون به هو بغي وعدوان لا علاقة له بالجهاد ، وليس من الجهاد في شيء.

ومن ثمة يجب أن نبين أن الجهاد في سبيل الله (U) أوسع من أن يكون قتالا ، فهناك جهاد النفس بحملها على الطاعة وكفها عن المعصية والتزامها مكارم الأخلاق من الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وسائر الأخلاق الكريمة .

أما الجهاد الذي هو بمعنى القتال فإنما شرع للدفاع عن الوطن ، عن الدول أن تستباح ، وليس لآحاد الناس أو لحزب أو لجماعة أو لفصيل أو لقبيلة أن يعلن هذا الجهاد ، إنما هو حق لولي الأمر وفق ما يقرره دستور كل دولة في إعلان حالة الحرب والسلم ، سواء أعطاه الدستور لرئيس الدولة ، أم لمجلس أمنها القومي ، أم للرئيس بعد أخذ رأي برلمانها ، المهم أن قضية إعلان حالة الحرب ليست ملكا للأفراد والجماعات ، وإلا أصبح الأمر فوضى لا دولة ، وعدنا إلى حياة الجاهلية .

المبحث الحادي والعشرون

كيف تحمي أبناءك من الإرهاب ؟

لا شك أن هذا السؤال قد يحمل على معنيين ، أحدهما : كيف تحمي أبناءك من أن يصيبهم خطر الإرهاب ؟ والآخر : كيف تحمي أبناءك من أن يكونوا إرهابيين أو أن يكون أحدهم إرهابيا ؟

والإجابة عن السؤال الأول هي الأسهل ، وإن كانت تتطلب التكاتف والتعاون والتنسيق  في مواجهة الإرهاب والإرهابيين مواجهة صريحة وواضحة وحاسمة ، لا تردد فيها ، ولا تلون ، ولا مخادعة ، ولا حسابات سوى مراعاة مصلحة الدين والوطن ، على أن تكون المواجهة شاملة : فكرية ، وثقافية ، وعلمية ، وتربوية ، وأسرية ، وأمنية ، مع قطع جميع الطرق المؤدية إلى الإرهاب من التعنت والتشدد والغلو .

النظر في أحوال أصحابه وأصدقائه ومرافقيه ، ومن يترددون عليه أو يتردد هو عليهم ، فإن كانوا محسوبين على أي من جماعات الإسلام السياسي ، أو من يعرفون بالانحراف عن طريق الجادة ، أو أعمال البلطجة .

وإن وجدت شيئا من الثراء أو السعة غير الطبيعية أو تغير في طريقة الإنفاق الزائد الذي لا يعد طبيعيا ، فعليك أن تنقب وأن تبحث عن مصدر هذه الأموال .

وإن كان ابنك يتغيب عن البيت تغيبا غير معهود من قبل .

كما يجب عليك أن تقترب من أبنائك ، وأن تناقشهم في الأمور العامة على أن يكون نقاشك هادئا وهادفا واستكشافيا ، وأن تعطيه الفرصة الكاملة ليعبر عن رأيه دون قهر ، أو كبت ، أو حجر على رأيه ، وأن تتحمل منه تحمل الصديق لصديقه ، أو الخادم لمخدومه حتى تصل من خلال الحوار العاقل معه إلى ما تريد ، حرصا عليه ، وحبا له ، وأداء لواجبك تجاهه.

كما يجب عليك أن تكشف لهم عن حقيقة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي لا تؤمن بوطن ولا دولة وطنية ، وأنها لا تخدم سوى أعداء الدين والوطن ، وأنهم عملاء لمن يمولونهم ، خونة لدينهم وأوطانهم ، يستخدمهم أعداؤنا لإضعاف أمتنا وتمزيقها وتفتيت كيانها من جهة ، وتشويه الوجه الحضاري النقي السمح لديننا الحنيف من جهة أخرى .

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة