مفهوم الاقتصاد في الإسلام

مفهوم الاقتصاد في الإسلام

0 المراجعات

الإسلام والاقتصاد 

تقديم 

لقد خلق الله الأرض للإنسان ليعيش عليها في يسر ييسر له ذكر خالقه ، وفي تسخير السماوات والأرض للإنسان نعمة من الله لهذا الإنسان ، ولذلك كان كل تسخير لما خلق الله يقصد به غير طاعة الله بمثابة كفر بالنعمة ، وخروج بالأمور عن مقتضياتها التي خلقت من أجلها.

إن منهج البحث في الإسلام ، أيا كانت مجالات هذا البحث ، لابد أن يرتكز على هذا الأساس ترابط عضوي بين الدنيا والدين ، والحياة الآخرة ، فالحياة وسيلة إلى غاية ، وذا صلحت الوسيلة صحت الغاية ، وتحقق الهدف المراد من الحياة ، وفي هذا يقول الله تعالى : ) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ( (القصص : 77) 

وفي تقديم الآخرة على الدنيا ، والموازنة بين الآخرة ككل والنصيب من الدنيا دلالة على عظم الوزن النسبي للآخرة ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) ( (الشورى) 

ولا يعني هذا المنهج عدم جواز الأخذ عن غير المسلمين ، ذلك أن الإسلام أطلق سلطان العقل من كل ما يقيده ، وخلصه من كل تقليد للآباء والأجداد ، ورده إلى مملكته يقضي بحكمه وحكمته ، مع الخضوع في ذلك لله وحده والوقوف عند شريعته .

ولا يمكن والحال كذلك اتهام أي حركات تجديد في تلك الحدود بتهمة استيراد الأفكار والنظريات ، فتلك تهمة قديمة حديثة ، سبق أن وجهت إلى رسول الله (r) وقال قال الله تعالى في ذلك : ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) ( (البقرة)  وهنا يرد عليهم القرآن بأن الفيصل هو صلاحية الفكر وصدقه ونفعه لا معرفة آبائهم وأجدادهم ، فيقول : ) أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (

ومن ناحية أخرى ، مع أن الإسلام دين ودولة ، عقيدة وشريعة إلا أنه يحض على الاستفادة من الأفكار الأخرى التي لا تتعارض مع أصوله المقررة أو قواعده العامة ، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

مفهوم الاقتصاد في الإسلام :

وتتضح هذه النتيجة على صورة أكبر إذا ألمحنا إلى مفهوم الاقتصاد في الفكر المعاصر وفي الإسلام .

إن المراد بالاقتصاد في الفكر المعاصر هو ذلك العلم الذي يحكم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشأ بين أفراد المجتمع من خلال إنتاج السلع وتوزيعها وتقديم الخدمات ، إشباعا لحاجات الإنسان .

وعلى هذا يكون إشباع حاجات الإنسان المادية هو هدف الاقتصاد بمفهومه المعاصر.

ورغم إن الإسلام قد اشتمل على معالجة شئون الحياة ومنها المسائل الاقتصادية بالمفهوم الذي تقدمت الإشارة إليه ، فإنه قد عنى بها كوسيلة للحياة الكريمة التي ترعى القيم ، وتنمي خصائص الإنسان العليا ، وتزكي ثواب الله في الآخرة ، بمعنى أن اهتماماه دنيوي وأخروي ، ولهذا يقول الله تعالى : ) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ( (القصص : 77) 

ومفاد ذلك أن الدين الإسلامي دين شامل وكامل ، دين دنيا وأخرى ، ولا يجوز عقلا أن يخلو هذا الدين من المسائل الاقتصادية مع شموله ، وكماله ، وكفاه أن الله سبحانه وتعالى قرر ذلك في قوله جل شأنه : ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( (المائدة : 3 ) 

طبيعة النشاط الاقتصادي والمشكلة الاقتصادية

(1) الطابع التعبدي للنشاط الاقتصادي الإسلامي :

يعتبر الطابع التعبدي للنشاط الاقتصادي في الإسلام تطبيقا لمبدأ عام ، وهو أن عمل المسلم اقتصاديا كان أو غير ذلك ، يمكن أن يصير عبادة يثاب عليها المسلم إذا قصد بعمله وجه الله وابتغى مرضاته ، وفي هذا يقول سيدنا رسول الله (r) فيما رواه سعد بن أبي وقاص : [ وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في امرأتك .. ] في حديث طويل متفق عليه .

أما إذا كان الهدف من النشاط الاقتصادي تعبديا ، تتحرر معه النية ، ويخلص فيه القصد لله تعالى ، فإن التفاهم لتحقيق خير المجتمع والفرد سيتحقق لا محالة .

(2) الرقابة الذاتية على النشاط الاقتصادي :

إذا كان النشاط الاقتصادي الوضعي تحكمه شأن النشاط الإنساني كله قوانين وضعية ، فإن النشاط الإنساني الإسلامي ، ومن بينه النشاط الاقتصادي ، تحكمه القوانين الشرعية ، بالإضافة إلى رقابة الضمير القائمة على الإيمان بالله والحساب في الآخرة .

ويكفي أن يشعر الإنسان المسلم بمعنى قوله تعالى : ) وهو معكم أينما كنتم .. ( وقوله : ) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( وقوله : ) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ( حتى تتحقق رقابة ضميره على نفسه .

المشكلة الاقتصادية في الإسلام :

يعني الاقتصاد الوضعي بدراسة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التي تحكم إنتاج السلع المادية وتوزيعها وتقديم الخدمات التي تشبع حاجات الإنسان . ونظرا لأن حاجات الإنسان متعددة ومتنوعة ، أي غير محدودة ، وتختلف باختلاف الزمان والمكان ، في الوقت الذي تتحقق معه ندرة نسبية للموارد الاقتصادية ، فإن المشكلة الاقتصادية تكون قائمة ، وإن كانت تختلف حدتها من مجتمع إلى آخر ، حسب درجة نموه وتطوره اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا ، ويبحث علم الاقتصاد في التوفيق بين الموارد المحدودة ، والحاجات الإنسانية (غير المحدودة) .

ويختلف منهج النظم المختلفة في التصدي لتلك المشكلة :

فهناك النظام الرأسمالي الذي يأخذ بمبدأ الحرية الاقتصادية رغم ما طرأ على هذا المبدأ من تغيير كبير – كما يأخذ أساسا بمبدأ الملكية الفردية ويطبق نظام السوق أو الأثمان .

وهناك أيضا النظام الاشتراكي الذي يرتكز على الملكية الاجتماعية وبالتالي على تدخل الدولة إلى حد كبير ، والأخذ بالتخطيط الشامل ، والاهتمام بإشباع الحاجات الاجتماعية .

إن لكل إنسان طاقة معينة لا يستطيع تجاوزها من حيث القدرة على الاستمتاع والقدرة على المعاناة بمعنى أن لكل فرد حدا أقصى لما يمكن أن يجنيه في الحياة من متعة ، وحدا أقصى لما يمكن أن يتحمله من ألم .

إن الإنسان كائن محدود القدرة والطاقة ، بطبعه ، والخالق وحده هو المطلق ، ومن ثم كان استمتاع الإنسان من خلال الأعضاء والجوارح محدودا كذلك ، وكان عليه أن يموت في النهاية.

إن حياة الإنسان المحدودة اقتضى أن يكون الوقت المتاح له محدودا ، وهو عنصر لازم لاستهلاك أي سلعة أو خدمة .. ومؤدي ذلك أن ثمة حدودا تحد الحاجات الإنسانية ، ويكون تعبير ( الحاجات الإنسانية غير المحدودة ) إذن في غير محله .

أما الإسلام فإنه يتصدى لحل المشكلة الاقتصادية آخذا في اعتباره أمرين أساسيين هما : الإنسان نفسه من ناحية ، والنظرة الشاملة للموارد من ناحية أخرى .

(1) الإنسان في الإسلام :

يعتبر الإسلام الإنسان خليفة الله في الأرض ، يقيم عليها العمران على أساس أن الغاية من خلقه هي عبادة الله .

ومعنى ذلك أن تقوية الرابطة بين الإنسان وربه تعتبر مفتاح هذه المشكلة .

(2) النظرة الشاملة للموارد :

الإسلام حينما يشير إلى الموارد يفعل ذلك في مواجهة البشرية وفي هذا المعنى تكون الموارد الاقتصادية كافية لإشباع حاجة الإنسان ككل ، وذلك على أساس :

أ- أن الموارد ليست معدة للاستهلاك المباشر في جملتها ، بل لابد من تضافر عناصر الإنتاج من طبيعة وعمل ورأسمال لتحقيق ذلك .

ب- إن المجهود الأناني هو حجر الزاوية في هذا الباب ، فبدون ذلك المجهود لن يستطيع الإنسان توفير احتياجات ، ومن ثم فقيمة الإنسان تتحدد عملا بمقدار ما يبذل من جهد ، على أساس أن من فطرة الإنسان بذل هذا الجهد .

والواقع أن الإسلام لا يواجه المشكلة الاقتصادية من زاويتي الإنسان وإمكانيات الإنتاج فقط ، وإنما يواجه تلك المشكلة من ناحية توزيع الناتج كذلك ، بحيث تلتقي حقوق الفرد مع حقوق المجتمع ، ويتحقق التوازن بينهما .

وفي هذا يبدو الفرق واضحا كذلك بين الاقتصاد في الإسلام والاقتصاد الوضعي على أساس أن الاقتصاد في الإسلام ، على عكس ما أثير حول الاقتصاد الوضعي ينشغل بدراسة ما هو كائن وما يجب أن يكون وفقا للتعاليم والقيم الدينية في ممارسة الإنسان لنشاطه . فالاقتصاد في الإسلام لا يستطيع أن يقف موقف الحياد من الحاجات المتعددة فالأنشطة المتصلة بإنتاج وبيع المشروبات الكحولية مثلا قد تكون أنشطة مفيدة في الاقتصاد الوضعي ولكنها لا يمكن أن تكون كذلك في ظل الآلام بتعاليمه وقيمه التي تحرم مثل هذا النشاط مهما كان مربحا ذلك أن الرفاهية الإنسانية لا تقاس في الإسلام بمقياس نقدي وإنما بالمواءمة بين كسب النقود من مصدر حلال وإنفاقها وفقا لتعاليم الإسلام بما يحقق مجتمع الرحمة والعدل الذي ينشده الدين الإسلامي .

(2) مكانة العمل في الإسلام :

والعمل هو العنصر الفعال في طرق الكسب التي أباحها الإسلام ، وهو الدعامة الأساسية للإنتاج وعلى قدر عمل المسلم واتساع دائرة نشاطه يكون نفعه وجزاؤه . قال تعالى : )مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ( (النحل) 

أن الأنبياء وهم أفضل خلق الله ، قد مارسوا العمل في حياتهم ، فقد احترف آدم الزراعة ، ونوح التجارة ، وداود الحدادة ، وإدريس الحياكة ، وسليمان عمل الخوص ، وزكريا النجارة ، وعيسى الصباغة ، ومحمد رعي الغنم والتجارة .. وكان في ذلك أكبر إدانة للفكر اليوناني القديم وغيره من الأفكار التي تحتقر العمل اليدوي ، وتتفرغ للتأملات الفلسفية وغيرها من الأعمال غير المنتجة .

ويتفاوت مقدار الوجوب في هذه الأعمال حسب درجة أهميتها لتحقيق خير المجتمع ، الأمر الذي يتعين معه على الدولة الإسلامية أن تعمل على إظهار ذوي الكفاية ، وأن تكفل لهم الراحة والاستقرار .

مجالات تدخل الدولة في العمل :

وهنا تبرز مسألة المجالات التي يتدخل فيها ولي الأمر أو السلطة في ميدان العمل وذلك فيما يلي:

( أ ) تسهيل أسباب الحياة الطبيعية للعاملين ، حتى أن الإسلام يعمل على تزويد العاملين الذين لا يستطيعون مئونة الزواج ، ويسكنهم في مساكن تليق بهم إذا لم يكن لهم مسكن .

(ب) رأينا أن مسئولية الدالة كما تتصرف إلى القيام بالأعمال الضرورية ، فإنها تتصرف كذلك إلى مكافحة الأعمال السيئة ، وعلى هذا فإن على الدولة في الإسلام أن تمنع القيام بالأعمال المحرمة طبقا للشريعة ، كتعاطي الخمر ، وممارسة الرذيلة والفحشاء ، وشهادة الزور .. الخ.

(ج) المراقبة الشاملة لجميع الأعمال وهو ما يسمى بالحسبة ، ويطلق عليها في العصر الحديث الشرطة المدنية ، أو البوليس المسئول عن الأسواق والآداب العامة ، وهي بمعنى آخر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحقق ضررا بالمجتمع أو الفرد أو كان معصية نهى الله عنها.

(د) وإذا كان الأصل هو أن يختار المسلم الأعمال المباحة والأعمال التي تناسبه ، فإن دليل ذلك هو أن بنت شعيب وصفت سيدنا موسى بصفتين تعود إحداهما إلى كيفية أدائه العمل.

(ه) ومؤدي ذلك كله أن الدولة حق الإشراف والرقابة باستمرار ، فلها مثلا أن تجبر على بعض الأعمال الضرورية التي لا تتم مصلحة الناس إلا بها ، وذلك على حد قول ابن تيمية ، وسواء كانت هذه الأعمال يدوية أو فكرية .

ومن كل ذلك نتبين :

1- أن الأصل في علاقات العمل ، الحرية .

2- إن الدولة لها حق الإشراف والمراقبة باستمرار .

3- أنه في كل حالة يحدث معها ظلم لفئة معينة بسبب ضعف موقفها فإن الدولة عليها أن تتدخل لإقرار العدل ، دون نظر إلى ما إذا كان صاحب هذا الموقف هو العامل أو رب العمل.

4- يأخذ العمل في المفهوم الإسلامي بعدا اجتماعيا ، وتقاس الأعمال في أهميتها وضرورة مراقبتها والتدخل في شأنها بمقياس حاجة والمجتمع لها ونفعها له .

أولا : حقوق العمال في الإسلام :

العامل غير المسلم :

وهنا يثور التساؤل عمل إذا كان من الجائز شرعا أن يتم استئجار غير المسلمين من العمال ؟

الأصل أن الإسلام يدعو إلى استئجار الرجل الصالح الأمين :  ) إن خير من استأجرت القوي الأمين ( كما يدعو إلى التراحم والتعاون بين المؤمنين ويقتضي ذلك أن تكون الأولوية للعامل المسلم الأمين .

أما إذا دعت الضرورة إلى استئجار غير المسلمين وذلك إذا لم يوجد العامل المسلم ، أو وجد ولكنه غير مؤهل كعامل غير المسلم فهنا يجيز الفقهاء استئجاره .

وقد عامل النبي (r) يهود خيبر حيث دفع إليهم نخلها وزرعها ليعملوا بها .

مناسبة الأجر للعمل :

نظرا لأن لكل إنسان قدراته ومواهبه ، فإن حق العامل في الأجر المناسب لهذه القدرات وتلك المواهب مكفول من جانب الدولة في الإسلام . وفي هذا يقول الله تعالى : ) ولا تبخسوا الناس أشيائهم ( أي لا تنقصوا أموالهم كما ذهب إلى ذلك ابن كثير في تفسيره .

حقوق أخرى للعمال :

جعل الله التكليف في دائرة الوسع والطاقة فقال الله تعالى : ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( والتكليف هو الإلزام بما فيه كلفة ، والوسع ما تسعه قدرة الإنسان من غير حرج ولا عسر . ويروي أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي ذكر رضي الله عنه أن رسول الله (r) قال : [ إخوانكم خولكم ، جعلهم الله فتنة تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه ، ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه ] والخول هو الحشم والأتباع والمفرد خائل وقد يكون الخول واحدا .

وعلى أي حال فإنه يتعين وفقا لحديث رسول الله (r) السالفة الإشارة إليه :

1- ألا يقل أجر الأجير الذي يقيم مع صاحب العمل عن كفايته من الطعام والثياب ، أما المسكن فهو يساكن صاحب العمل في بيته .

2- ألا يقل مستوى الطعام والثياب من ناحية الجودة عن المستوى الذي يعيش فيه صاحب العمل.

3- ومع أن الحديث الشريف يقرر الحد الأدنى في ذلك ، فإن ما فوق ذلك متروك للظروف والاعتبارات المختلفة ، ومن هنا فإن الإسلام يفتح الطريق أمام الإجراء لجلب الثراء وتحصيل المال لقاء ما يقومون من عمل وفي هذا فإن موسى عليه السلام ، وهو القوي الأمين ، لم يؤجر نفسه بكسوته وطعامه فقط ، بل كان هناك زواجه من ابنة رب المنزل .

4- مراعاة التيسير في العمل على العامل ، وعدم إرهاقه بما فوق الطاقة ، فليس الإنسان آلة تدار بغير حساب ، ومن ثم اشترط الإسلام تعاون صاحب العمل مع عماله في أداء الأعمال المرهقة ، ومعها يشعر رب العمل بما يلقاه العامل من مشقة وجهد ، فيتقي الله ويوفر له من الوقت ما يريحه ويرفه به عن نفسه .

ثانيا : واجبات العمال :

رأينا أن كل حق يقابله واجب ، وفي مقابل الحقوق التي قررها الإسلام للعمال ، فقد أوجب عليهم واجبات معينة منها :

(1) الأمانة : 

فلم يقتصر الأمر في الإسلام على أداء الأمانة ، وإنما يقرر الرسول (r) فيما يرويه الترمزي عن أبي هريرة أن : [ من غشنا فليس منا ] .

(2) الإتقان : 

والإتقان يعني في اللغة الأحكام للأشياء ، وقد وردت مادة الإتقان في قوله تعالى : ) صنع الله الذي أتقن كل شيء أنه خبير بما تفعلون ( ولهذا فإن الإتقان أي الإجادة والأحكام مطلوب في كل شيء يباشره الإنسان ولا يقتصر على مواطن معينة فقط .

(3) الوفاء بالعقود :

من حق رب العمل أن يفي العامل له بشروط عقد العمل الذي ارتبط به معه واتفق على محتوياته ، وفي هذا يقول الله تعالى : ) يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود .. ( .

(4) الحساب والجزاء : 

من الواجبات التي فرضها الإسلام واجب مساءلة العامل ، فإذا لم يكلف واعظ الإيمان في قلب العامل المسلم ، فإن سلطان القانون يقرر مسئولية كل إنسان عما أسند إليه من عمل ، بحيث يحاسب إن أهمل أو قصر أو أساء استعمال سلطته .

(5) الخوف من الله :

الإسلام يدعو إلى مراقبة الله والخوف منه في كل شأن من شئون الحياة ، فالعمل الصالح والقول الطيب يرفعه الله إليه .

ثالثا : حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام :

كان من الممكن أن نقتصر على ما أسلفنا الإشارة إليه بالنسبة لحقوق وواجبات العمال على اعتبار أن ذلك يتضمن حقوق وواجبات المرأة خاصة .

المساواة بين الرجل والمرأة :

سوى الإسلام بين المرأة والرجل فيما توجب فطرتهما التسوية فيه ، فسوى بينهما في العبادة ، قال تعالى : ) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ(  (آل عمران : 195) 

ويفيد هذا النص كذلك أن المرأة في الإسلام مثل الرجل ، لابد في الأصل تكون عاملة كالرجل العامل ، وإن كانت طبيعة العمل قد تختلف باختلاف مكنات وظروف كل منهما .

ويكفي أن يقرر الله قوله تعالى : ) لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) ( (النساء) 

وفي ذلك يسوى الإسلام بين الرجل والمرأة في التمليك والتصرف كما سوى بينهما في العبادة.

مسئولية المرأة :

ومن ناحية أخرى ، عزز الإسلام مبدأ المسئولية المرأة إلى جانب الرجل ، فقد قال رسول الله (r) فيما رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمزي عن ابن عمر رضي الله عنهم [ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته : فالإمام راع ، وهو مسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ، وهي مسئولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته ، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] 

ومؤدي ذلك أن الإسلام وزع المسئولية بين كل مسئول تبعا للولاية الثابتة للجميع على اختلاف أعمالهم في المجتمع ، وعلى أساس أن كلا منهم مسخر للآخر من غير تمييز بينهم ، فولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ثابتة للجميع ، ومن ثم لم تقتصر هذه الولاية على فريق دون الآخر ، ولا لجنس دون جنس آخر .

بعض الفوارق بين الرجل والمرأة : 

إذا كان الإسلام قد سوى بين الرجل والمرأة فيما توجب فطرتهما التي خلقها الله عليها التسوية فيه ، فإنه أوجد بعض الفروق بينهما فيما لا يتفق مع فطرتهما ، وذلك كالإرث والقوامة والشهادة والولاية ونشير إلى كل منها باختصار فيما يلي :

(1) الإرث : جعل الله نصيب الرجل ضعف نصيب المرأة غالبا فقال تعالى : ) يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ( ومع إن المسألة لا تعدو أن تكون أمرا من الله واجب النفاذ من جانب المؤمنين فإنه من المعلوم أن الإسلام ورث المرأة بعد أنا كانت لا ترث وإنما تورث كما رفع عن كاهلها كثيرا من الأعباء المالية .

(2) القوامة : كما جعل الله القوامة للرجل على المرأة على أساس أن الأسرة لابد لها من قائد ، حيث قرر على الرجل مسئولية الهيمنة ، فقال تعالى : ) وللرجال عليهن درجة ( .

وهذه الدرجة ليست درجة السلطان أو القهر ، وإنما هي درجة الرياضة البيتية الناشئة عن عهد الزوجية وضرورة الاجتماع .

(3) الشهادة : شدد الشارع الإسلامي على الشاهد تأدية الشهادة ، ونهاه عن كتمانها ، ونص القرآن على أن المرأة كالرجل في شهادات اللعان ، أما شهادة الزنا فلابد فيه من أربعة رجال ومع ذلك قرر الفقهاء بقبول شهادة المرأة وحدها في القضايا التي لم تجر العادة باطلاع الرجل على مواضعها كالولادة والبكارة وعيوب النساء في المواضع الباطنة .

أما في الحقوق الأخرى كالبيع والنكاح والوصية والإجارة .. الخ فإن شهادة المرأة مقبولة .

الأمومة وعمل المرأة خارج المنزل :

إن الوظيفة الأولى للمرأة هي الأمومة ، فالمرأة أم الرجال ، وعلى قدر اهتمامها بتلك الوظيفة ، ينهض الرجال وتنهض الأمم .

ومع ذلك ولأن العمل شرف ، فإن الإسلام يبيح عمل المرأة خارج المنزل إن دعت الحاجة إليه ، ولم يكن في ذلك إهمال لبيتها وأولادها ، أو خروج عن الحياء أو الآداب الإسلامية .

التنمية البشرية في الإسلام :

تشمل القوى البشرية في الفكر الوضعي الواعي جميع الأفراد القادرين على المساهمة في النشاط الاقتصادي ، وهذا المفهوم يجعل القوى البشرية أوسع من القوى العاملة التي تضم الداخلين فقط في قوة العمل سواء كانوا عاملين أو عاطلين .

التنمية الإدارية :

وإذا كان التعليم الإلزامي يضيف المعارف الأساسية لأفراد القوى العاملة ، فإن التعليم العام والفني والجامعي يلعب دورا أساسيا في عملية التنمية الادخارية ، وفي هذا فإنه من الضروري أن يتم تخطيط التعليم في ضوء سوق العمل والتغيرات التكنولوجية التي كثيرا مالا تستطيع المدارس الصناعية ملاحقتها .

أما بالنسبة للتدريب المهني فإنه من المتعين أن يتم ربطه بالتعليم عموما ، على اعتبار أن التحصيل الدراسي في المستويات المختلفة هو أساس التدريب كما أن التدريب المهني يعتبر أحد حلول مشكلة المتسربين من التعليم العام .

وفضلا عن ذلك فإن التعليم والتدريب يصبان في سوق العمل لسد الاحتياجات المختلفة من القوى العاملة .

إن تنمية الموارد البشرية تعني تحرير الإنسان مما يعوقه اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا بما يمكنه من العمل والمشاركة الفعالة على المستوى الوطني والعالمي .

أسباب التخلف في العالم الإسلامي المعاصر :

لا ترجع أسباب التخلف إلى عوامل خارجية فقط بل إلى عوامل داخلية كذلك . ومن العوامل الخارجية تمزيق بلاد المسلمين إلى دويلات ودول واقتسام بعضها بين الكتلتين الشرقية والغربية ، والتخطيط لإخراجها من دائرة الإسلام إلى الدائرة العلمانية وذلك تحت ستار دعاوي التقدم والتطور ومسايرة العصر ، الأمر الذي أدى إلى تقمصها أنماطا مختلفة من الحكم والفكر والسياسة والاقتصاد والتعليم والإدارة والاجتماع .

ومن الأسباب المادية لتخلف المسلمين المعاصرين ما يلي :

(1) تمزق المسلمين اليوم إلى أكثر من ستين دولة ، واحتلال أجزاء عديدة من تلك الدول ، الأمر الذي أدى إلى تشتيت المقومات المادية والروحية والطاقات البشرية للمسلمين .

(2) تفشي الأمية بين المسلمين في هذا العصر إلى درجة بلغت معها نسبتها بين من هم أكثر من 15 سنة حوالي 75 % ومجتمعات هذه حالتها بالنسبة لأبسط متطلبات المعرفة الإنسانية لا يمكن أن تحرز أي تقدم حقيقي .

(3) إهمال الدراسات العلمية بصفة عامة في كثير من دول العالم الإسلامي المعاصر ، وتأخر قيام مؤسساتها العلمية الحديثة ، وقيامها على أسس مستوردة لا تتبع من عقيدتها أو تراثها ، ولا من حاجة مجتمعاتها الأمر الذي أصبحت معه هذه المؤسسات غريبة في أدائها عن هذه المجتمعات.

(4) انعدام التخطيط والتنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات العلمية والتقنية في العالم الإسلامي المعاصر ، مما أدى إلى تفتت الجهود وتكرارها في خطوط قصيرة متوازية ، فضلا عن عدم وجود الحواجز المادية والمعنوية الكافية للمشتغلين بالبحث العلمي والتقني ، الأمر الذي أدى إلى هجرة كثير من العلميين لمراكزهم واتجاههم إلى الانشغال بالنشاطات المادية والإدارية .

(5) عدم توفر وسائل البحث العلمي من الأجهزة والمعدات والمواد والقوى الفنية المساعدة والخدمات المكتبية والتوثيقية المتطورة في كثير من دول العالم الإسلامي بما يؤدي إلى هجرة الكفاءات العلمية إلى الخارج وبالتالي استنزاف أهم طاقات المسلمين .

(6) شغل المراكز القيادية في كثير من المؤسسات العلمية في دول العالم الإسلامي من جانب من هم أقل تأهيلا لحمل المسئولية وذلك انطلاقا من العصبيات العرقية أو الإقليمية أو التكتلات الحزبية.

(7) التبعية للدول الأخرى من جانب معظم دول العالم الإسلامي المعاصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، وهو ما يؤدي إلى استنزاف طاقة وأموال المسلمين واستغلالهم وفرض السيطرة عليهم .

أما الأسباب المعنوية لتخلف المسلمين المعاصرين فيمكن أن نشير منها إلى ما يلي :

1- غياب التطبيق الصحيح للإسلام كعقيدة وكمنهج للحياة ، ومن هنا فق العالم الإسلامي ما كان يتمتع به من سبق في كل المجالات ، وكذلك غياب الفهم الصحيح لرسالة الآنيان عند من يملكون إصدار القرارات خاصة إذا كانوا من إفرازات عمليات التغريب التي تعرضت لها الأمة الإسلامية طوال هذا القرن .

2- غياب الشعور الحقيقي بمعنى الأخوة الإسلامية ووجباتها وفي غيابه برزت مختلف النعرات الإقليمية والعرقية والسياسية المذهبية التي ساعدت على تفتيت الأمة الإسلامية وتشتيت طاقاتها .

3- الشعور الداخلي عند كثير من المسلمين المعاصرين بالانهزام والتخلف والضعف أمام التكتلات الكبرى والعجز عن مسايرة تقدمها إلا من خلالها وعن طريق استجداء العلم والفنون منها.

الملكية الفردية وملكية الدولة

الملكية الفردية : 

تعتبر مسألة الملكية ، وما يترتب عليها ، من المعالم البارزة التي تميز نظاما اقتصاديا عن نظام اقتصادي آخر . 

فبالنسبة للنظام الرأسمال فإن من أهم خصائصه :

حرية التملك ، وحرية الاختيار في مجال الإنتاج والتشغيل والاستهلاك .

وفي إطار هذه الحريات يعمل نظام الثمن الذي يدعى أنصاره أنه يحل العديد من القرارات المعقدة في أسواق السلع والخدمات الاستهلاكية والإنتاجية على السواء .

ولعل المحرك الأساسي لنمو الرأسمالية هو دافع الربح في مجال الإنتاج وزيادة الإشباع في مجال الاستهلاك ، وزيادة الأجر والدخل في ميدان التوزيع .

وبالرغم من أن الملكية الفردية لا تزال هي السمة البارزة في هذا الاقتصاد فإنها هي التي قادت فيما مضى إلى عدم التشغيل الشامل للموارد ، ومن ثم إلى البطالة ،وأغفلت بعد ذلك قوة الدعاية والإعلان الإقناعي وليس التثقيفي ، ومن ثم فقد المالك الحرية الحقيقية للاختيار ، الأمر الذي اهتزت معه هذه الملكية وأصبح جهاز الأثمان يؤدي في الحقيقة دورا شكليا من خلال وحدات احتكارية تسيطر الآن على النظام الرأسمالي ، ولا تترك مجالا طبيعيا للمنافسة التي ترتبط أساسا بنظام السوق أو الأثمان .

هذا وقد منع الإسلام الأفراد من تملك بعض الأموال لتعلقها بحق الجماعة ، ومنها المساجد حيث قال الله تعالى : ) وأن المساجد لله ... ( ومفاد ذلك إن بيوت الله لعموم المسلمين ، ومن ذلك أيضا الطرق العامة والأنهار والقناطر والأسواق .. الخ فهذه الأموال مملوكة إذن ملكية الاجتماعية أو مشتركة بين المسلمين ، ويتولى إدارتها نائب عن هؤلاء المسلمين ليضمن استمرار انتفاع الناس بها ودفع المنازعات التي قد تثور حولها.

الملكية الخاصة في الإسلام :

رأينا أن الإسلام أقر الملكية الخاصة ، ومع ذلك ، فإن هذه الملكية ليست ملكية أصلية ، يتصرف فيها المالك على هواه ، ويمكن القول أنها ملكية ظاهرية للإنسان ، لأنها خاضعة لشروط المالك الأصلي وهو الله (U) .

وفي إقرار الملكية الخاصة الظاهرية يقول الله تعالى : ) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) ( (الأنفال) ، ويقول تعالى : ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) ( (البقرة) 

وقوله (r) : [ كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ] مختصر صحيح مسلم.

ويؤكد ذلك قوله تعالى : ) .. وآتوهم من مال الله الذي آتاكم .. ( 

وجدير بالذكر أن هذا الاستخلاف ليس استخلافا دائما ، بل هو استخلاف محدود بحدود آجال بني الإنسان  ومن ثم فهو منحة ربانية موقوتة تقوم حيث شرعها الله ، ومن هنا فإن الملكية الظاهرية التي للإنسان تختلف عن الملكية الأصلية التي لله .

ومن الطبيعي أن تتفاوت جهود الأفراد فتتفاوت تبعا لذلك دخولهم وبالتالي ملكياتهم ، ولا يعني ذلك أن الإسلام يسمح بتركيز الثروة على النحو الذي سنشير إليه تفصيلا عند الحديث عن الثروة والمعاملات الربوية في الإسلام إن شاء الله . وهنا يثور سؤال مؤداه ما إذا كانت الملكية الفردية في الإسلام وظيفة اجتماعية أم أنها حق فردي له وظيفة اجتماعية ؟

الواقع أن الحق في الشريعة الإسلامية ليس منحة من المجتمع ، كما أنه ليس حقا أصليا لصاحبه كما رأينا ، وإنما هو منحة إلهية وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان . ومن هنا فليس للمجتمع أن يتعرض للفرد في حقوقه ما دام يلتزم بشروط المانح وأوامره .

فالملكية في الشريعة الإسلامية إذن حق فردي مقيد ، وهو كائن باستخلاف ومنح وتوظيف من الله سبحانه وتعالى ليقوم المالك من خلالها بأداء وظائف شخصية واجتماعية حددتها الشريعة الغراء.

ملكية الدولة في الإسلام :

والأصل في الملكية أنها لخير الأفراد والمجتمعات معا ، ينتفعون بها على نحو ما رسم الله ومن ثم فإنه إذا آلت المطامع بالملكية الفردية إلى الضرر لزم أن تتدخل الدولة لإقرار كل أمر في مكانه من شرع الله .

(1) فللدولة أن تبطل الملكية الفردية إذ أصر صاحبها على الضرر . ومثال ذلك أنه كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار ، وكان سمرة بن جندب يدخل على الرجل ومعه أهله فيؤذيه فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول الله (r) فقال رسول الله لسمرة بن جندب : بع هذا نخلة .

(2) ويمكن للملكية الفردية أن تبقى كما هي مع تمكين الجار من الانتفاع بها انتفاعا لا يضر بالمالك حتى ولو عارض في ذلك . فقد روى مالك في الموطأ أن الضحاك بن خليفة أراد أن يمر بنهر له في أرض محمد بن مسلمة ، فألى محمد فقال له الضحاك : لما تمنعني وهو لك منفعة ، تشرب به أولا وأخرا ولا يضرك ؟ فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب الذي دعا محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله ، فقال محمد : لا ، فقال عمر : لم تمنع أخاك ما ينفعه ، وهو لك نافع ، تسقى به أولا وأخرا ، وهو لا يضرك ؟ فقال محمد : لا والله ، فقال عمر : والله ليمرن به ولو على بطنك فأمره أن يمر به ففعل الضحاك .

3- وقد تنقل الدولة الملكية الفردية إليها ، وهذا هو التأميم ، ونرى أن نبين بعض معالمه في الإسلام .

التأميم :

يقصد بالتأميم تحويل الملكية الفردية إلى ملكية عامة للدولة ، فإذا وضعت هذه الدولة يدها على مشروع معين كان مملوكا ملكية فردية ، تحقيقا لأهداف عامة ، كان ذلك تأميما .

والتأميم بهذا المعنى الاصطلاحي لا يعرفه الإسلام وإن كان هناك حالات في الإسلام يمكن أن يستند إليها إقرار التأميم عند الحاجة بشروط وقيود معينة ؟ كما يلي :

أولا : أرض الحمى :

ويقصد بالحمى حماية المرفق العام من أن يملكه الأفراد أو يتداوله ذوو المآرب ، فيقوم ولي الأمر بتخصيص جزء من الأرض ليتنفع بها المسلمون عامة ، وبذلك تصبح هذه الأرض مملوكة ملكية عامة ، ولا يجوز أن تصغ محلا للملكية الخاصة . وقد سبق أن انتشر هذا الأمر في الجاهلية ، فقد كان العزيز في القوم يعجبه جانب من الأرض ذو كلأ ، فيعلن أنه قد حمى ذلك الجانب من الأرض ، فيصبح له وحده ، ولا يجرؤ أحد أن يرعى فيه إبله ، ولما جاء الإسلام هذب هذا الأمر ووضعه في موضعه الصحيح .

التنمية الاقتصادية وتوزيع الدخل

مقدمة :

ومن هنا ينظر الإسلام إلى الإنتاج النافع كواجب لا يكمل الواجب الديني إلا به . وعلى هذا الأساس يتعين أن تتركز الموارد الاقتصادية في إنتاج السلع والخدمات النافعة التي تشبع الحاجات السوية للإنسان والتي تتشكل وفقا للأذواق والميول التي تكونها المفاهيم والقيم الإسلامية وذلك في دائرة الحلال والحرام .

ويترتب على هذا المفهوم أن الموارد الاقتصادية تستطيع أن تعطي ، في أي وقت وتحت أي مستوى فني للإنتاج ، مقدرة أكبر للإشباع ، ذلك أن تطلعات الإنسان للاستهلاك المتنامي تظل منضبطة في إطار الحلال والحرام ، وهو ما يسد منافذ الشهوات وأنواع السلوك الضارة التي تستنزف جانبا من الموارد .

ومن هنا لابد أن تكون العملية الإنتاجية في الإسلام متكاملة ذاتيا من حيث الشكل والمضمون بمعنى : 

1- أن يقع الشيء المنتج في دائرة الحلال .

2- أن يكون إطار تنظيم عملية الإنتاج منسجما مع دائرة الحلال .

3- أن تكون وسيلة توظيف عناصر الإنتاج ، كالتمويل والأجور ، منسجمة كذلك مع دائرة الحلال.

مفهوم وأهداف التنمية الاقتصادية في الإسلام :

التنمية الاقتصادية في الفكر الاقتصادي المعاصر عملية ديناميكية متتابعة تستهدف القضاء على التخلف الاقتصادي والاجتماعي سواء من خلال تغيير الهيكل الاقتصادي أو أسلوب الإنتاج ، أو من خلال تبني استراتيجية للتطوير الاقتصادي تحقق هذا الهدف .

وعلى أي حال فإنه يمكن القول أن التنمية الاقتصادية في الإسلام تعتبر جزءا لا يتجزأ من مضمون خلافة الله للإنسان على الأرض السالفة الإشارة إليها ، حيث يتطلب ذلك تحقيق التقدم للأفراد والمجتمع في إطار العرفان بالشكر لله عز وجل.

وترتيبا على ذلك ، تعتبر التنمية الاقتصادية في الفكر الإسلامي فرضا على الفرد والدولة والمجتمع ، وفي هذا يقول الله تعالى : ) هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها ، وكلوا من رزقه وإليه النشور ( .

ويقول كذلك : ) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ، وابتغوا من فضل الله ... ( .

حد الكفاية في الإسلام :

وقد عبر رسول الله (r) عن حد الكفاية بقوله أنه توفير القوام من العيش ، أي ما به تستقيم حياة الفرد ويصلح أمره ، ويكون ذلك بإشباع احتياجاته التي تجعله يعيش في مستوى المعيشة السائد.

ومؤدى ذلك أن التنمية الاقتصادية في الإسلام تستهدف أولا توفير حد الكفاية لأفراد المجتمع الإسلامي ، وأن كان يمكن أن يتحقق التفاوت الاقتصادي بعد هذا الحد .

ومن ناحية أخرى ، فإن مفهوم التنمية الاقتصادية في الإسلام ينسحب إلى التوزيع العادل لثمار عملية التنمية هذه بحيث ينال كل فرد جزاء عمله بعد توفير حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي.

توزيع الدخل في الإسلام :

يرتبط التوزيع بالقيمة ، والقيمة قد تكون قيمة استعمال أو قيمة مبادلة ، وقيمة الاستعمال هي صلاحية السلعة لإشباع الحاجة أما قيمة المبادلة فهي صلاحية السلعة لأن تكون محلا للمبادلة بالسلع الأخرى ، فهي علاقة أي نسبة بين قيمتين .

ويمكن أن نفرق بين نوعين من التوزيع :

(1) توزيع وظيفي : وهو يعني بحصول أصحاب عناصر الإنتاج ، من أرض (طبيعة) وعمل ورأسمال على دخول نقدية مقابل ما يقومون به من وظائف اقتصادية في العملية الإنتاجية ، وفي هذا تعلب أثمان هذه العناصر دورها سواء في صورة ريع للأرض أو أجر للعامل ، أو ريع أو فائدة لرأس المال .

(2) توزيع شخصي : وهو الذي ينشغل بدراسة أنصبة الأفراد من الدخل القومي ، ويبين كيفية تحديد مستويات دخول الأفراد والعوامل التي تؤدي إلى تفاوت توزيع الدخول.

أما بالنسبة للفكر الاقتصادي الإسلامي ، فقد رأينا أن العملية الإنتاجية لا تستهدف إنتاجا ماديا فقط ، بل إنها تعتبر مرحلة لهدف أسمى ، وهو العبودية لله تعالى ، وعلى هذا الأساس فإن تحديد القيمة والتوزيع العادل لا يتحقق من خلال جهد بشري خالص إلا إذا كان مرتكزا على توجيهات وأوامر الله سبحانه وتعالى .

أولا : التوزيع الوظيفي : 

(1) الريع (الإيجار) 

يمثل الريح جزئا من الفائض الاقتصادي يختص به المالي لمورد اقتصادي معين ، ومن هنا فإن هذا الريح يجسد العلاقة بين طبقة المالكين غير المستثمرين من جهة وبين طبقة المستثمرين والعاملين والمجتمع من جهة أخرى .

ولعل مصلحة المجتمع الإسلامي هي التي تحدد أسلوب استغلال الأرض وجميع عناصر الإنتاج ، وخصوصا أن معاملة رسول الله (r) لأهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو ثمر إنما هو أخذ بأحد أساليب استغلال الأرض وإن كان ذلك لا يعني رفض أسلوب الإيجار .

(2) الأجر : 

الأجر هو ثمن القدرة على العمل ، أي الثمن الذي يدفع في مقابل شراء قدرة العمل ، وقد يحاسب الأجير على أساس وحدة زمنية كساعة أو يوم أو شهر ، أو على أساس القطعة ، كما قد يضاف إلى أجره الذي يحدد مقدما نسبة من الربح .

أما في الفكر الاقتصادي الإسلامي فقد ذكرنا أن الفرد مطالب بالعمل ، وأن المجتمع ملتزم بتوفير فرصة العمل لكل من يقدر عليه ، ولهذا لا يستهدف العامل بعمله صالحه فقط ، وإنما يؤدي واجبه بالنسبة للمجتمع كذلك .

ومع أن نظام السوق والأثمان في الإسلام سيكون محل إشارة مستقلة في الفصل السادس من هذه الدراسة ، إلا أننا نستطيع في هذا الخصوص أن نشير بالنسبة لتكون ثمن العمل في السوق الإسلامي ، إلى أن ثمة اتجاهين في ذلك :

الاتجاه الأول : وهو يرى أن الإسلام يجيز الأخذ بالقانون الاقتصادي بالنسبة للعرض والطلب ، كمعيار سليم في تقديم ثمن السلعة في السوق ، بشرط أن يسري هذا القانون سريانا تلقائيا . 

والاتجاه الثاني : وهو أن العلاقات بين العمال وأرباب الأعمال لا يجوز أن تترك بعيدا عن هيمنة القانون الصارمة . 

(3) الربح :

يمثل الربح في الفكر الاقتصادي المعاصر الفرق بين نفقات إنتاج السلعة وثمن بيع هذه السلعة ، وتضم نفقات الإنتاج أجور العمال وفائدة رأس المال وأقساط هلاك الأصول وغير ذلك من النفقات التي تساهم في العملية الإنتاجية .

ومع ذلك فإن هذه المخاطر ليست مطلقة كما يبدو في الفكر الاقتصادي الغربي ، وإنما هي مخاطرة محسوبة :

( أ ) فالضمانات التي يقدمها الإسلام لعناصر العمل تقتضي أن يكون العامل غير مسئول عن تلف المال إلا أن يتعدى ، وما تلف من المال يحسب من الربح أولا ، فإذا استغرق التلف الربح كله فإنه يخصم من رأس المال بعد ذلك ، ولا يتحمل العامل شيئا .

(ب) ويشير ذلك إلى أن كلا من صاحب رأس المال والعامة قد خسر ما ضارب به ، ولعل الإسلام حين ضمن للعامل ألا تزيد الخسارة عليه في شيء خارج عمله يقدم حافزا قويا له ليقبل باستمرار ، على مثل هذا النشاط لتنمية الاقتصاد القومي .

(ج) أما إذا تعدى العامل ، فإنه يصير ضامنا للمال أن تلف ، كما إذا اشترى ما منعه منه صاحب رأس المال ، فإن ما اشتراه لا يدخل في حساب المضاربة ، ذلك أن المضارب أمين على رأس المال ن فهو في يده كالوديعة ثم هو من جهة تصرفه وكيل عن صاحب رأس المال ، وفي هذا وذاك ضمان لصاحب رأس المال لأن المضارب إذا خاطر في غير ما اتفق عليه مع صاحب رأس المال ، فإن كل هذه التصرفات لا تلزم الأخير .

4- الفائدة :

يتميز رأس المال كعنصر من عناصر الإنتاج عن عنصر الأرض والعمل ، في أن الإنسان عليه أن يتحكم في تكوينه ، وذلك بعكس سعر الفائدة الذي تحدده قوى السوق ، وسعر الفائدة هو الثمن الذي يدفعه مقترض رأس المال للحصول على خدمات مائة وحدة نقدية منه لمدة سنة ، أي هو النسبة المئوية لمقدار الفائدة منسوبا إلى المبلغ الأصلي لرأس المال .

ثانيا : التوزيع الشخصي :

ويعني ذلك أن القادرين من هؤلاء العباد إنما يعملون في أموالهم وأموال العاجزين منهم عن العمل ، ولهذا فإن من حق العاجز أن يحصل على جزء مما أنتجه القادر لأنه مشترك معه فيما يعمل فيه.

وإذا كان توفير حد الكفاية لكل فرد في المجتمع الإسلامي مطلبا ضروريا فإنه لا مناص منه إلا إذا قصرت موارد المجتمع عن تحقيق هذه الغاية وتعتبر الدولة مسئولة عن هذا سواء تحملت هي عبء التمويل من ماليتها أو اشتركت مع أفراد المجتمع في ذلك ، ويعني هذا أن الدولة مسئولة عن توفير مستوى المعيشة المناسب للعاجزين من أفراد المجتمع ، وفي ذلك يقرر رسول الله (r) فيما رواه مسلم أن : [ من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعليّ ] 

وإذا كان للملكية الفردية حرمة كبرى في الفكر الإسلامي كما رأينا ، فإنها مشروطة بضمان حد الكفاف لكل مواطن ، بحيث إذا وجد في المجتمع الإسلامي جائع أو عار ، فإن هذا الحق لا يحترم ولا تجوز حمايته ، وفي هذا يقول رسول الله (r) فيما رواه أبو داود [ إذا بات مؤمن جائعا فلا مال لأحد ] .

ويؤكد حق المسلم في رد جوعته وعريه قوله تعالى لآدم : ) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( .

الثروة والمعاملات الربوية في الإسلام

والإنسان بحكم حبه لذاته أي أنانيته قد يرتكز في هذا الحب على قيم الحق ومبادئه ، فيختار الغايات التي تحيي هذه القيم والمبادئ ، وقد يخلو ضميره من زاد هذه القيم ، فلا يجد بديلا إلا الثروة بالمفهوم السالفة الإشارة إليه ، كعرض أدنى يقبل على جمعها بكل طريق ، دون أن يسد ذلك له جوعا ، وفي هذا يقول الله تعالى : ) إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد ( .

أي أن الإنسان مع حبه للمال يبخل به عن وجوه الخير ، فتنقطع صلته بالله ويكفر بنعمته مع أن الله هو المالك الأصلي لهذا المال ولا يمنع هذا أن ينفقه الإنسان في وجوه السفه والحماقة والهوى.

ولأن الإنسان متنازع بين أنانيته التي ترتكز على قيم الحق والمبادئ وتلك التي تخلو منها فإن الأمر والحال كذلك ، لا يترك لهوى الأفراد ، وإنما لابد من تدخل الدولة على أساس أن الإسلام عقيدة وشريعة ، أي دين دنيا وأخرى ، وبما تتضمنه الأولى من اقتصاد وسياسة .. الخ ولهذا لا يجوز أن يتخلف أي وجه من هذه الوجوه عن دوره في بناء المجتمع الإسلامي ، فإذا تدخلت الدولة لرد الأفراد إلى الحد الوسط في المعيشة فإن ذلك غير مطلوب لذاته ، بل لأنه منهج ضروري لتنمية القيم العليا للإنسان .

الفائدة والربا والإسلام :

ويتحدد سعر الفائدة في نظر الاقتصاديين التقليديين كأي ثمن آخر ، أي بتلاقي طلب وعرض الادخار والاستثمار ، ومع ذلك اهتم بعضهم بتحليل عرض الادخار . وهوا ما يطلق عليه الامتناع ، واهتم البعض الآخر بتحليل طلب الادخار وهو ما يطلق عليه إنتاجية رأس المال.

وقد أكد القرآن والسنة ، وهما المصدران الأساسيان للشريعة الإسلامية على تحريم الفائدة (الربا) ومع ذلك فإن البعض ممن أعماهم سحر الحضارة الغربية ، يرون أنت الإسلام حرم الربا ولم يحرم الفائدة .

والحق يقال أن ما يسمى بالقروض الإنتاجية والقروض غير الإنتاجية هو اختلاف في الدرجة وليس في النوع ، ولهذا فإن تسمية الربا بالفائدة لا يغير من طبيعته حيث أن الفائدة ليست إلا إضافة إلى رأس المال المقترض ، وهي عبارة عن ربا سواء في طبيعته أو في حكم الشريعة الإسلامية .

المعاملات بين المجتمع الإسلامي والمجتمع العالمي :

تلك هي شريعة الإسلام في تحريم الربا ، في الوقت الذي استقر معه التعامل بالربا في المجتمعات غير الإسلامية كعملية تجارية لا يشعر معها المتعاملون بأي حرج ديني أو إنساني وسواء كانوا من اليهود أو النصارى . 

وعلى هذا ، فإن المجتمع الإسلامي ، إما أن يعتزل العالم كله ، ويقطع صلاته الاقتصادية به لتجنب التعامل بالربا ، وهو تعامل لا بد منه ، وفي تلك العزلة أضرار بالغة تحيق بالمجتمع الإسلامي .

البنوك والربا :

إن البنوك في حد ذاتها أصبحت ضرورة اقتصادية من خلال الوظائف التي تقوم بها ، فالنقود أصبحت في الاقتصاد المعاصر قضية مصرفية ، على أساس أن البنوك أصبحت تخلق النقود بكافة أنواعها ، وفي ذلك تيسير للتبادل والإنتاج ، وتعزيز لقدرة وكفاءة رأس المال ..

ولا يعني ذلك أن جميع المعاملات التي تتم بالبنوك هي معاملات ربوية ، بل إن بعضها لا يملك تحريمه من الناحية الشرعية إذا ثبت أن تلك البنوك تتقاضى مجرد أجر وليس ربا في مقابل القيام بتلك المعاملات .

نظام السوق أو الأثمان 

يمكن تحديد مفهوم السوق بأنه المجال الذي تعمل فيه القوى المحددة للأثمان ، حيت يتم نقل الملكية الذي يصطحب عادة بالانتقال المادي للسلعة .

ومع ذلك تعتبر السوق قائمة إذا كانت هناك وسيلة للاتصال بين مجموعة من البائعين والمشترين لتبادل سلعة معينة بثمن معين وفي زمن معين ، حتى ولو تم ذلك عن طريق البرق أو المراسلة.

أسس نظام السوق في الإسلام :

الأصل أنه ليس هناك خلاف في أنه يجب ضبط وتنظيم الاتجاهات غير الاجتماعية للتغيرات في الأثمان التي تكون في غير صالح المجتمع ومع ذلك فإن الدافع لهذا التنظيم يأتي من داخل المجتمع الذي تشبع بالقيم الإسلامية ، ولذلك يكون تأثيرها دائما وحاسما ، بينما في الدول التي تسمى بالرأسمالية أو بالاشتراكية ، فإن هذه التنظيمات تفرض فرضا على المجتمع الذي قد يقبلها أو يرفضها .

ولهذا فإن تثبيت الأثمان سيكون مسألة تتحقق في إطار هذا العدل على أساس مبدأ التعاون والمنافسة الشريفة بدلا من التنفس الاحتكاري كما هو الحال في ظل الرأسمالية .

ولا نعني بالمنافسة الشريفة المنافسة الكاملة بمفهومها في ظل الاقتصاد الرأسمالي ، وإنما نعني بها المنافسة البعيدة عن استغلال فروق الأسعار والتهريب والاكتناز وذلك لكي نخلق ظروفا مواتية من التعاون بين المنتجين والمستهلكين على المدى الطويل ، فإن الأمر يحتاج إلى غرس روح القيم الإسلامية وفهم السلوك العملي لا مجال التجارة والصناعة والخدمات عموما .

تنظيم السوق :

رأينا أن الاقتصاد الرأسمالي انتهى في تطوره إلى سيطرة الشركات الاحتكارية العملاقة ، ولهذا أصبحت المنافسة الحرة كسوق لا تعبر عن رغبات المستهلكين .

أما في الإسلام فإن لسوق المنافسة ، بمفهومها الذي يختلف عنه في الاقتصاد الرأسمالي قواعدها وللحكومة أن تتدخل لضمان سيادتها وعدم الانحراف عنها ، وذلك في إطار من الضوابط منها :

( أ ) الإعلان عن السلعة : ويتم ذلك دون مبالغة وعلى أساس من الصدق ، حتى لا يضل المشتري فيفضل سلعة على أخرى دون وجه حق ، أو لحثه على شراء ملا يحتاج إليه ، وفي هذا يقول الله تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) ( (النحل) 

(ب) معاينة السلعة : بحيث يتم التعرف بسهولة على حقيقتها وذلك حتى يكون التعامل على أساس سليم ومطابقا للحقيقة ، وفي هذا يقول سيدنا رسول الله (r) فيما رواه ابن ماجة : [ من باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت الله ولم تزل الملائكة تلعنه ] .

(ج) إلغاء التدخل غير المشروع والسمسرة في التبادل التي تستهدف الاستغلال : فلا يعرض أحد بيع سلعة على من اشترى سلعة تشابهها بهدف فسخ البيع الأول ، فقد قال رسول الله (r) [ لا يبع بعضكم على بيع بعض ] وقال : [ لا يسلم المسلم على سوم أخيه ] رواه مسلم أي لا يطلب شراء سلعة تقارب الانعقاد على شرائها ، والهدف من ذلك هو توفير جو الاستقرار لعقد الصفقات والثبات في المعاملات .

(د) تحقيق المستويات المناسبة في الأثمان : فالأصل أن سوق المنافسة هي السوق التي يتعين أن تسود في الإسلام ولذلك فإن الارتفاع التلقائي في الأثمان لا يجيز تدخلا من جانب الدولة.

الثمن الاحتكاري :

من البديهي أن نقرر أن الثمن في سوق الاحتكار يكون أعلى منه في ظل سوق المنافسة ، وأن الإنتاج الذي ينتجه المحتكرون يكون أقل من الإنتاج في ظل حالات سوق المنافسة .

ومن هنا فإن الدولة الإسلامية لها الحق في أن تنظم وتراقب الأثمان والأرباح الاحتكارية ، وذلك إذا انفرد بائع أو مشتر أو قلة منهم ببيع السلعة دون أن يكون لها بديل قريب في السوق.

ويتسع معنى الاحتكار في الإسلام ليشمل كل نشاد يؤدي إلى الإضرار بالناس وحجب السلع عنهم ورفع ثمنها عليهم .

وفي هذا يقول رسول الله (r) فيما رواه الشيخان : [ من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة ] 

النقود في الإسلام والفكر الإسلامي 

المبحث الأول :

النقود في الاقتصاد الرأسمالي :

لا يمكن في هذا النطاق المحدود أن نشير إلى النقود ككل في الاقتصاد الرأسمالي ، فذلك مجاله الكتب المتخصصة ، وإنما سنكتفي بالإشارة ، وباختصار يقتضيه المقام ، إلى تطور نشأة النقود وبيان وظائفها ، وتغير قيمتها وإثره على التضخم في الاقتصاد الرأسمالي المعاصر تمهيدا لاستجلاء دور النقود في الفكر الإسلامي ، وبيان ما استحدث في هذا الخصوص على هذا الفكر.

أولا : تطور نشأة النقود :

نشأة النقود وتطورت مع تطور اقتصاد المبادلة أن اقتصاد السوق ، ومن ثم فهي لم توجد دائما في كل المجتمعات وإنما وجدت مع وجود المبادلة ومن خلال تطورها ، فالنقود بدأت كسلعة تقبل التداول كقيمة استعمال ، أي لإشباع حاجة معينة ، ثم تطورت لتصبح أداة الأفراد في الحصول على السلع الأخرى التي تشبع حاجاتهم وذلك عند التبادل ، وانتهت في اقتصاد المبادلة إلى أن تكون قيمتها وليدة قبول أفراد المجتمع لها ، ومع تطور النقود ، تبعا لتطور إنتاج المبادلة ، يبرز دور البنوك أو المؤسسات النقدية والمالية ، خاصة أن النقود أصبحت في الاقتصاد الرأسمالي قضية مصرفية ذلك أن البنوك تخلق النقود بكافة أنواعها .

المقايضة : 

وقد بدأت المجتمعات مبادلاتها المبكرة في صورة المقايضة أي مبادلة سلعة بسلعة أخرى أو خدمة بخدمة أخرى أو سلعة بخدمة ، وذلك دون استخدام النقود ، كمبادلة قمح بماشية مثلا ، أو استئجار خدمات بعض الأفراد في عملية زراعية مقابل حصولهم على قدر من المحصول العيني.

المبحث الثاني : 

النقود في الإسلام والفكر الإسلامي 

يقول الله تعلى في قصة أهل الكهف : ) فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) ( (الكهف) والمقصود بالورق بسكون الراء وكسرها الفضة .

وقال جل شأنه : ) وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)( ( التوبة ) 

وفضلا عن ذلك فقد جاء ذكر الذهب في القرآن الكريم في مواضع أخرى كثيرة في صورة أساور يتحلى بها من رضي الله عنهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، لقاء ما قدموا من خير ، ومن ذلك قوله تعالى : ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( .

ومن ناحية أخرى ، فقد ذكر الذهب والفضة في بعض أحاديث رسول الله (r) في الأصناف الربوية : [ الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد والفضل ربا ، فإن اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ] .

وفي هذا يقرر بعض الكتاب أن الله سبحانه وتعالى أقام الذهب والفضة أيمانا بأصل الخلقة ، أي أنه خلقها وجعلها أثمانا للأشياء ، فلا يملك الإنسان أن يبطل ثمنية ما أقام الله ثمنا ، ولا أن يلغى حاكما نصبه الله قاضيا بيننا .

ونستنتج من كل ذلك أن التعامل في الدولة الإسلامية كان يتم بالذهب والفضة ، أي بما يسمى بالنقدين : الدراهم والدنانير ، حيث كانت الدراهم تضرب من الفضة ، والدنانير من الذهب.

ولا يعني ذلك أنه لم تكن هناك عملة غير الذهب والفضة ، بل إن الناس احتاجوا إلى [ إحداث أثمان دون الدراهم في القيمة تيسيرا للتعامل ، فضربوا القيراط والدانق من النحاس ، واصطلحوا على ثمنيتها ، وجعلوا الدانق يساوي سدس الدرهم ، والقيراط يساوي نصف دانق ، وأطلقوا عليها لفظ الفلوس ، وإذا كانت مقبولة في التعامل سميت فلوسا رائجة وإلا فهي كاسدة .

الزكاة وعلاج الفقر في الإسلام 

والواقع أن الإسلام قد زود الثروة في المجتمع الإسلامي بأسس تحقيق العدالة ، حرصا على التكافل الاجتماعي ، وذلك لكي تبقى الحياة الاقتصادية والاجتماعية قادرة على الاحتفاظ بقوة دفعها ، ومن هنا أعطى الإسلام للدولة وسائل عديدة لتحقيق توزيع أعدل للدخل والثروة ، وتنقسم هذه الوسائل إلى :

( أ ) وسائل ضمنية ، أي يتضمنها النظام الإسلامي ، ومن أبرز هذه الوسائل : الزكاة ، نظام الميراث ، الأنفاق بأنواعه الكفارات ، والأوقاف .

(ب) وسائل تخضع للقرار السياسي وقدر حسب حاجة المجتمع وتشمل : فرض الضرائب وتطبيق نظام الضمان الاجتماعي وتحديد الملكية الزراعية والعقارية وغيرها.

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى أن الإسلام جاء بمنهج كامل للحياة ، فهو يتهم بالجانب المادي كما يهتم بالجانب الروحي ، بل إن العقيدة الصالحة ، كما رأينا من قبل ، لا تنمو وتزدهر إلا مع حياة اقتصادية طيبة ، ومن هنا فإن الغنى المادي دافع للسمو الروحي ، حيث يقترن الحافز العبادي بالحافظ الاقتصادي ، وفي هذا يقول الله تعالى : )وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)( (القصص) 

كما يقول رسول الله (r) : [ من أحيا أرضا ميتة ، فله منها أجر ] .

أي أجر أعمال الطاعة بخلاف الأجر الاقتصادي الذي هو ثمرة إحياء هذه الأرض.

مقتضيات المنهج الإسلامي :

ومن مقتضيات المنهج الإسلامي للحياة أنه يقوم على العدل والمحبة والتعاون . والعدل ركن من أركان المجتمع الأساسية ، وهو ذو تأثير كبير على الأركان الأخرى .

والعدل في جميع مجالات الحياة فهو امتداد للعدل الكوني ، مما يتعين معه أن يكون الإنسان عادلا في سلوكه ، منسجما مع الكون ، وإلا كان غريبا وشاذا .

وفي هذا يقول الله تعالى : ) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)  ( (الرحمن) 

مشكلة الفقر في الإسلام :

عرض الإسلام لمشكلة الفقر قبل أن تتطور هذه المشكلة لتصبح الشغل الشاغل للدولة المتخلفة عموما ، ومن هنا اعتبر الإسلام المال زينة الحياة الدنيا ، فقال الله تعالى : ) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)  ( (الكهف) 

هذا وينظر الإسلام للفقر على أنه خطر على العقيدة ، وخطر على الأخلاق ، وخطر على سلامة التفكير ، وخطر على الأسرة وعلى المجتمع .

وفضلا عن ذلك فإنه يعتبر بلاء يستعاذ بالله من شره ، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي (r) كان يتعوذ : [ اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ، ومن عذاب النار ، وأعوذ بك من فتنة الغنى ، وأعوذ بك من فتنة القبر ] رواه البخاري .

هدف الإسلام من محاربة الفقر :

يستهدف الإسلام من محاربة الفقر ، تحرير الإنسان من براثنه ، بحيث يتهيأ له مستوى من المعيشة يليق بكرامة الإنسان وهو الذي كرمه الله .

وإذا ضمن الإنسان الحياة الطيبة ، وشعر بنعمة الله ، أقبل على عبادة الله في خشوع وإحسان ، ومن ثم لا ينشغل بطلب الرغيف ، ولا يبتعد عن معرفة الله وحسن الصلة به .

ومن هنا فرض الله الزكاة ، وجعلها ركنا من أركان الإسلام ، تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء ، وبهذا يستطيع الفقير أن يشارك في الحياة ويقوم بواجبه في طاعة الله ، كعضو حي في المجتمع وليس كما مهملا . 

أن شعور الفقير بذلك يعتبر في حد ذاته ثورة كبيرة وموردا بشريا يساهم في تقدم مجتمعه ، وأمته الإسلامية .

مفهوم الفقر في الإسلام :

(1) الفقر النسبي : 

للفقر مفهوم نسبي ، فالشيء الأقل يعد فقيرا بالنسبة للأكثر ، وفي هذا يعكس الفقر التفاوت في الدخول ، والتفاوت في حد ذاته يعترف الإسلام به كسنة كونية ، إذ يرجع لاختلاف قدرات الأفراد ، ومقدار ما يبذلونه من جهد وعمل صالح .

وفي هذا يقول الله تعالى : ) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) ((الزخرف) 

ويقول كذلك : )وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) ( (الأنعام) 

وعلى ذلك فإن لفظ سخريا لا يعني العمل المسخر الذي لا أجر له ، لأن الإسلام لا يعترف بالسخرة ، وإنما يعترف بالتعاون على أساس أن الجميع يحتاج بعضهم إلى بعض .

(2) الفقر المطلق : 

وكما أن للفقر مفهوما نسبيا ، فإن له مفهوم مطلقا ، بمعنى عدم تمكن الفرد من إشباع حاجاته ، ويعني الفقر في هذا الشأن عدم إمكان الفرد تحقيق حد الكفاية .

أبعاد مفهوم حدث الكفات والكفاية :

لا تقتصر حاجات الإنسان في الإسلام على الطعام والشراب واللباس والمسكن ، وهي التي تمثل الحاجات الأساسية أو حد الكفاف ، بل تتعداها إلى ما تستقيم به حياته ، ويصلح به أمره ، ويجعله يعيش في مستوى المعيشة السائد ، أي حد الكفاية ، فلكل فرد في المجتمع الإسلامي حاجات ضرورية تختلف باختلاف الزمان والمكان ، فإذا لم تسعفه ظروف الخاصة مثل المرض أو الشيخوخة أو التعطل عن العمل .. عن تحقيق المستوى المعيشي المناسب ، فإن بيت مال المسلمين أي خزانة الدولة تتكفل بذلك أيا كانت جنسية أو ديانة هذا الفرد .

وفي ذلك يقول الله تعالى : ) إنما الصدقات للفقراء والمساكين .. ( دون تحديد لديانة أو جنسية هؤلاء الفقراء أو المساكين .

ويقول رسول الله (r) فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم : [ من ترك دينا أو ضيعا (أي أولاد ضائعين لا مال لهم ) فإلى وعلي ] أي أن من ترك ذرية ضعيفة فليأتني بصفتي الدولة ، فأنا المسئول عنه والكفيل به .

ومن محصلة ذلك يتضح لنا أن توفير حد الكفاية مطلب ضروري وتعتبر الدولة مسئولة عن ذلك سواء انفردت هي بعبء التمويل ، أو اشتركت مع القادرين من أبناء المجتمع في ذلك.

ولقد لخص عمر بن الخطاب ذلك بقوله : [ ما من أحد إلا وله في هذا المال حق ، الرجل وحاجته ، والرجل وبلاؤه (أي عمله) .. ثم قوله : [ إني حريص على ألا أدع حاجة إلى سددتها ما اتسع بعضنا لبعض فإذا عجزنا آسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف ] .

كيف ينشأ الفقر ؟ 

ينظر الإسلام للموارد الاقتصادية نظرة شاملة في مواجهة البشر ككل ، وفي هذا تكون الموارد كافية لإشباع حاجة الإنسان . والدليل على ذلك قوله تعالى : ) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ( (إبراهيم) 

وعلى هذا الأساس فإن أي قصور في استغلال الموارد يعتبر سببا رئيسيا في خلق مشكلة الفقر ، كما أن سوء توزيع الدخل وعدم الإنفاق في سبيل الله يعتبر سببا ثانيا في خلق تلك المشكلة .

وقد عالج الإسلام هذا الموقف من ناحيتين :

الأولى : من ناحية الإنتاج فدعا إلى التنمية الاقتصادية واعتبر تعمير الأرض من أفضل ضروب العبادة ، بل إن الإنتاج النافع واجب لا يكمل الواجب الديني إلا به ، بشرط أن يكون هذا الناتج منسجما مع دائرة الحلال ، وهو ما يسد منافذ الشهوات والسلوكيات الضارة التي تستنفد جانبا من الموارد . وتعتبر التنمية الاقتصادية في هذا فرضا على الفرد والدولة ، ولهذا يأمرنا الله تعالى بالمشي في مناكب الأرض والانتشار فيها ، أي ممارسة كافة العمليات الإنتاجية والحرفية ، كما في قوله تعالى : )هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) ( (الملك) 

والثانية : من ناحية التوزيع ، وهنا يكفل الإسلام عن طريق الزكاة حد الكفاية أو حد الغنى لكل فرد ، بمعنى أنه إذا عجز فرد عن أي يوفر لنفسه المستوى المناسب للمعيشة لسبب خارج عن إرادته ، فإن نفقته تكون واجبة في بيت مال المسلمين أتوحد في خزانة الدولة ، وقد سبق أن أشرنا إلى ذلك .

ضوابط عدالة التوزيع في الإسلام :

إذا عكس التفاوت فجوة متسعة بين الأقل دخلا ، والأكثر دخلا ، فإن الإسلام لا يعترف بهذا النمط من توزيع الدخل ، ولهذا يسلك منهجا يحقق العدالة في هذا التوزيع .

أولا : بالنسبة لحد الكفاف :

وهنا تتجسد عدالة التوزيع في الإسلام في المساواة المطلقة بين الأفراد ، ويعني ذلك أنه إذا كانت إمكانيات المجتمع تعطي فقط الحاجات الأساسية للأفراد فلا يجوز أن يتفاوت فرد عن فرد في الاستفادة من هذه الإمكانيات .

وفي هذا يقول الله تعالى ) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) (

وعلى هذا الأساس إذا كانت موارد المجتمع تعجز عن توفير حد الكفاية لكل فرد ، بمعنى أن يكون هناك من لا يجد الاستهلاك الضروري ، وهناك من يزيد استهلاكه عن الحاجات الأساسية فإن الإسلام لا يقر ذلك في كل الوجوه , وفي هذا يقول رسول الله (r) [ ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع ] .

ثانيا : بالنسبة لحد الكفاية :

إذا توافر حد الكفاية لكل فرد ، ثم وجدت إمكانية فوق ذلك بحيث تتجاوز الدخول هذا الحد . فإن عدالة التوزيع تقتضي أن يكون هناك تفاوت بين الأفراد .

وفي ذلك يقول الله تعالى : ) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) ( (النحل) 

فالمفضل هو الذي عليه أن يعود على الأقل امتثالا لقوله (r) [ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس ] .

ويقول جل شأنه : )نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)( (الزخرف) 

ونلاحظ في هذا إن الله فاوت بين الأفراد في أرزاقهم أي في الدخول التي يحصلون عليها.

ويتفق الإسلام هنا مع منطق الأشياء ، فالإنسان يختلف في ملكاته ومواهبه من فرد إلى آخر ، ومن العدل أن يتحقق الاختلاف فيما يعود على كل منهم جزاء أعمالهم .

وإذا كان الهدف من هذا التفاوت هو التعاون على نحو ما رأينا فإن هذا التفاوت لا يكون مطلقا وإنما مقيد بحدود هذا الهدف .

دور الزكاة في علاج الفقر وتحقيق التكافل الاجتماعي :

تلك هي مشكلة الفقر الذي يحاربه الإسلام ، وهي مشكلة مردها الإنسان ذاته سواء بكفرانه بالنعمة من حيث إهمال استثمار الطبيعة وعدم استغلال الموارد التي تفضل الله بها على عباده ، أو بظلمه من ناحية سوء توزيع الدخول والثروات ، وقد أشرنا إلى موقف الإسلام من ذلك سواء بما وضعه للإنتاج من أحكام ، وبما قرره للتوزيع من تعاليم ، فالأفراد يتساوون في حدي الكفاف والكفاية ، ويتفاوتون بعد حد الكفاية ، تفاوتا يحقق غاية التعاون فيما بينهم لحاجة كل منهم للآخر.

فإن القضاء على الفقر يقضي على الجهل والمرض ، وفضلا عن هذا فإن مشكلة عزوف كثير من الشباب عن الزواج في عصرنا الحاضر بسبب عجزهم عن تحمل أعبائه المالية سواء من ناحية الصداق أو التأثيث .. الخ هذه المشكلة تجد حلها كذلك في حصيلة الزكاة ، ففيما متسع لها من خلال تقديم إعانة لمن يريد أن يحفظ دينه ، فالزواج من تمام حد الكفاية الذي سلفت الإشارة إليه ، كما أن تلقى العلم ونفقات الكتب تعتبر من تمام هذا الحد.

لكن لماذا الحق المعلوم للسائل والمحروم ؟ 

من المعروف أن الإسلام أقر الملكية الخاصة وبنى كثيرا من أحكامه عليها ، وفي إقرار الملكية الخاصة يقول الله تعالى : ) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) ( (الأنفال) ويقول جل شأنه : )الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) ( (البقرة) 

ومع ذلك فإن هذه الملكية ليست مطلقة أو أصلية يتصرف فيها المالك على هواه ، وإنما هي ملكية ظاهرية لأنها خاضعة لشروط المالك الأصلي وهو الله سبحانه وتعالى . أما ما يفيد الملكية الأصلية التي لله فهو قوله تعالى : ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) ( (طه) 

ويعني ذلك أن القادرين من عباد الله إنما يعملون في أموالهم وأموال العاجزين منهم على العمل ، ولهذا فإن من حق هؤلاء العجزة أن يحصلوا على جزء مما أنتجه القادرون لأنهم يشتركون معهم فيما يعملون فيه ، ويفسر ذلك قول الحق تبارك وتعالى في الآية الأخيرة أن للسائلين والمحرومين حقا في أموال القادرين وليس تفضلا أو منة منهم عليهم .

وإذا كان التكافل الاجتماعي يعني أن للفرد في المجتمع حقوقا يجب معها على القوامين على هذا المجتمع أن يعطوا كل ذي حق حقه ، وأن يدفعوا الضرر عن الضعفاء ، وأن يسدوا خلل العاجزين .. وألا تآكلت لبنات المجتمع وانهار بنيانه .. إذا كان هذا هو مفهوم التكافل الاجتماعي ، فإن الزكاة تعتبر من هذه الناحية أول مؤسسة للتكافل الاجتماعي في التاريخ .

ولعل أبلغ تعبير عن ذلك قول رسول الله (r) : [ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ] وقوله عليه الصلاة والسلام : [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ] .

الزكاة والضريبة :

الزكاة أمر من الله تعالى ، فهي الركن الثالث من أركان الإسلام ، ومن ثم فهي عبادة خاصة بالمسلمين تتمثل في صورة تصرف مالي ، وتتسم بالدوام والثبات والصواب حيث لا تتبدل أحكام الله بتبدل الظروف زمانا ومكانا . 

وهي لهذا لا تستخدم لأهداف موقوتة ، وإنما تتحقق لها أهداف ثابتة روحية ومادية .

أما الضريبة وهي مبلغ نقدي تجبيه الدولة جبرا من الأفراد طبيعيين أو معنويين دون مقابل خاص بهم ، فنظام مالي تصيب فيه الدولة وتخطئ وكثيرا ما تخطئ ، لأنه نظام من عمل البشر تتغير أحكامه بتغير الظروف زمانا ومكانا ، وتتحقق به أصلا أهداف مادية بحته .

ولعل آية البر تؤيد هذا النظر ، فالإنفاق في سبيل الله أي في سبيل صالح المجتمع يفيد أن ثمة حقا في الأموال بخلاف الزكاة ، بدليل الجمع في تلك الآية بين النفاق في سبيل الله والزكاة ، وذلك في قوله تعالى : ) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ ( (البقرة : 177)

وعلى هذا الأساس فإنه يجوز فرض الضرائب إلى جانب الزكاة ، إذا رأى أن صالح المجتمع عسكريا أو اقتصاديا أو اجتماعيا يتطلب ذلك ، وكل ذلك مشروط بألا يؤخذ المال إلا بالحق ، وذلك كما قال عمر بن الخطاب في خطابه له ، إنه لا يجد هذا المال (المال العام) يصلحه إلا خلال ثلاث : أن يؤخذ بالحق ، ويعطي في الحق ، ويمنع من الباطل . 

المنظور الإسلامي للتخطيط الاقتصادي 

قرارات الإنسان في مواجهة المشكلة الاقتصادية :

ارتبطت المشكلة الاقتصادية في الاقتصاد الوضعي ، مع وجود البشرية ، وتطورت معها ، فللفرد حاجاته المختلفة سواء كانت ضرورية أو غير ضرورية ، وقد تطورت هذه الحاجات بتطور الإنسان نفسه عبر تاريخه .

وفي محاولة الإنسان إشباع هذه الحاجات ، فإنه يوازن بين الموارد الاقتصادية المحدودة ، والحاجات الإنسانية في تطورها ، حيث يصدر قرارات للملاءمة بين هذه وتلك ، بحيث ينشأ نوع من الحرمان من شيء على حساب شيء آخر .

ومع هذه المحاولات من جانب الإنسان ، يمكن القول بأنه وضع البذور الأولى لمفهوم التنظيم أو التخطيط لأنه يصدر قرارات هي في ذاتها قرارات اقتصادية لتنظيم الإنتاج أو تخطيط الإنتاج ، ولكن على المستوى الفردي .

المشكلة الاقتصادية والدولة :

رأينا أن كل مجتمع معاصر يواجه بمشكلة اقتصادية ، تتمثل في وجود حاجات إنسانية متعددة ومتنوعة من ناحية ، وموارد اقتصادية محدودة من ناحية أخرى ، وللتغلب على هذه المشكلة ، فإن المجتمع يتوافر على إنتاج وتوزيع السلع والخدمات ، إشباعا للحاجات الإنسانية من خلال أسلوب معين للإنتاج يختلف من اقتصاد إلى آخر.

الخطة الاقتصادية :

ولعله يكون من المفيد أن نطرح المفاهيم المختلفة للخطة قبل أن نطرح مفهوم الخطة في الاقتصاد الاشتراكي :

فهناك أولا الخطة الاقتصادية الفردية التي يستهدف معها الفرد أو العائلة ، من خلال نوع من التنظيم الذي يهدف إلى استخدام الموارد المحدودة المتاحة تحقيق الهدف المراد الوصول إليه.

وهناك ثانيا الخطة الاقتصادية للمشروع في ظل الاقتصاد الرأسمالي ، حيث يقوم المنظم ، في ظل ظروف السوق وتوقعاته المسبقة ، باستخدام الموارد التي تحت تصرفه على نحو يحقق له هدفه ، وهو تحقيق أقصى ربح ممكن ، وتعرف هذه الخطة بالإدارة العلمية للمشروع وتنظم سياسة الأثمان وقوى العرض والطلب عملية الإنتاج ، وتتحقق نتائج هذه العملية بصفة لاحقة ، بمعنى أن توزيع الموارد الإنتاجية بين الاستخدامات المختلفة ، لا نظهر نتيجة إلا لنهاية الفترة الإنتاجية .

مفهوم الخطة الاقتصادية الشاملة :

إن تحديد الهدف والوسائل اللازمة لتحقيقه يمثل الخطة الاقتصادية ، فالأمر يتعلق باتخاذ القرارات الاقتصادية الجوهرية : أي المنتجات تنتج والكمية التي يتم إنتاجها ، كيفية وزمان ومكان إنتاجها ، مصير هذه المنتجات بعد إنتاجها فيما إذا كانت للاستعمال النهائي أي للاستهلاك أو للاستعمال في الإنتاج وفي أي فروع الإنتاج .. إلى غير ذلك من القرارات الواعية التي تتخذها السلطات المختلفة على أساس دراسة شاملة للإمكانيات الاقتصادية للمجتمع . ولكي تتمكن هذه السلطات من اتخاذ مثل هذه القرارات فإنه يتعين أن تكون لها السيطرة الفعلية على ما تحت يجد الجماعة من موارد ، فلا وجود للخطة الاقتصادية الشاملة في غياب الملكية الجماعية للجزء الأهم من الموارد الإنتاجية على الأقل .

التخطيط والدول المختلفة :

تجد الدول المتخلفة نفسها أمام مبررات كافية للأخذ بالتخطيط كأسلوب للإنتاج ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وذلك كما يلي :

أولا : إذا كان نظام السوق أو الأثمان قد فشل في أداء دور فعال في مجال الاستثمارات والتغييرات الهيكلية في الدول المتقدمة كما رأينا ، فإنه من باب أولى يعجز عن ذلك في الدول المتخلفة بسبب عدم مرونة الجهاز الإنتاجي بها ، فضلا عن الأثمان بها لا تعكس مدى الوفرة النسبية لهذه العناصر ، ومن ثم فإن الالتجاء إلى نظام الأثمان كموجه لاستخدام الموارد يؤدي إلى نتائج غير مواتية ، كاختيار مشروعات لا تتناسب مع وفرة أو قلة الموارد ، وعدم تحقيق أكبر عائد اجتماعي ممكن ، ولهذا بات اللجوء إلى تخطيط الاستثمارات من خلال جهاز للتخطيط أمرا ضروريا في هذه الدول .

ثانيا : تحتاج أي عملية تنموية إلى ما يطلق عليه رأس المال الاجتماعي كالطرق والكباري والمنافع العامة ، ونظرا لأن هذه المشروعات غير قابلة للتجزئة ، فضلا عن أي نظام السوق يعجز عن توجيه الموارد إليها ، فإنه لابد إذا من إن تقوم الدولة بمثل تلك المشروعات.

ثالثا : تفتقر الدول المتخلفة إلى المنظمين الصناعيين الذين قادوا عملية التنمية في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ولعل أحد أسباب ذلك تمكن في التخلف كعملية تاريخية واعية من جانب الدول المستعمرة التي استولت على فوائض الدول المستعمرة ، واستخدمتها في تنمية اقتصادياتها هي ، ودون أن تستخدمها في تنمية الدول صاحبة هذه الفوائض.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ، على ضوء ذلك كله هو : إلى أي حد يمكن القول أن الإسلام يأخذ بالتخطيط الاقتصادي ؟ 

الواقع أنه يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال طرح الموضوعات الآتية :

أولا : التخطيط الاقتصادي في الإسلام :

ومع ذلك ، فإن الإسلام ينفرد في هذا الخصوص بالموازنة بين الملكية الخاصة والملكية العامة ، وذلك في إطار الملكية الظاهرية ، ولهذا فإنه يقيم بنيانه الاقتصادي في ذلك على الأسس الآتية:

(1) إقرار الملكية الخاصة : فالإسلام يقر الملكية الفردية ، وييسر الحصول عليها ، ويحيطها بسياج قوي من الحماية كما توضح ذلك الحدود والعقوبات الدنيوية والأخروية التي يقررها لمختلف أنواع الاعتداء على الملكية كالسرقة والغضب وقطع الطريق ، وقد سبق بيان ذلك في موضعه.

(2) فرض القيود والواجبات على الملكية الخاصة : وذلك بهدف إقرار العدالة الاجتماعية ، وتقليل التفاوت بين الدخول ، وعدم تركيز الثروات في أيد قليلة ، ومن ثم تجريد رأس المال من طغيانة الذي قد يذهب بمصالح بعض الأفراد سواء على مستوى دنياهم أو دينهم أو هما معا. وفي هذا أخرج الإسلام من نطاق الملكية الفردية للأشياء التي تكون ضرورية لجميع أفراد المجتمع والتي لا يتوقف الانتفاع بها على مجهود خاص ، حتى لا يستبد بها فرد أو أفراد ، فيضار المجتمع من ذلك ، وقد عد رسول الله (r) من هذا النوع أربعة أشياء ، وهي الماء والكلأ والنار والملك ، فقال : [ الناس شركاء في ثلاثة : الماء والكلأ والنار ] وروى أبو داود أن رجلا سأل النبي (r) فقال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يجوز منعه ؟ فقال الماء ، قال وماذا أيضا ؟ قال الكلأ ، قال وماذا أيضا : قال الملح .

(3) عدم إقامة العلاقات الاقتصادية بين الناس على أسس نفعية مادية فقط ، وذلك كما تفعل النظم الوضعية ، وإنما على أسس إنسانية خلقية كذلك ، حيث يتحقق بها التكافل والتعاون والتواد والتراحم بين الناس .

وفي هذا أوجب الإسلام على الأغنياء من الأقرباء أن ينفقوا على الفقراء والمساكين والعاجزين عن الكسب من أقربائهم ، فحقق بذلك التكافل في نطاق الأسرة .

ثانيا : التخطيط الاقتصادي الشامل والإسلام : 

ومع ذلك فإن الإسلام حرص على تجريد الثروات ورءوس الأموال من كل سيطرة أن نفوذ دون أن يشل حركتها ، وذلك من خلال عدم تركيزها في أيدي فئات محددة ، فضلا عن إشاعة التكافل والتعاون والتواصل بالبر والعدل والإحسان بين الناس.

ومؤدي ذلك أن إشاعة ليس نظاما رأسماليا خالصا ، لأنه وإن كان يقر الملكية الفردية إلا أنه يتركها بدون قيود وقفنا من قبل على بعضها ، وهو ليس نظاما اشتراكيا لأنه يقر الملكية الفردية.

لقد أعطانا رسول الله (r) صورة عميقة المعنى في التوفيق بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة كإيديولوجية للإسلام يختلف بها عن الفكر المعاصر ، وذلك بقوله فيما رواه البخاري والترمذي : [ أن قوما ركبوا سفينة فاقتسموا ، فصار لكل منهم موضع ، فنقر رجل منهم موضعه بفأسه فقالوا له ماذا تصنع ، قال هذا مكاني أصنع فيه ما أشاء ، فإن أخذوا على يده نجا ونجوا ، وإن تركوه هلك وهلكوا ] .

أن الفردية في الإٍسلام ولدت مقيدة بصالح المجتمع ، وإن عانت هناك اشتراكية في الإسلام ، فهي لا تبرر مصادرة حقوق الأفراد إلا فيما يقتضيه صالح الجماعة ككل ، وعلى هدى من حديث رسول الله المشار إليه ، ومؤدى ذلك أنه إذا تعذرت الموازنة بين المصلحة الفردية ومصلحة الجماعة ، فإنه يضحى بالمصلحة الخاصة وتقدم المصلحة العامة وذلك باعتبارها حق الله وفي هذا يقول الأصوليون [ يتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى ، كما هو الحال في الأحوال الاستثنائية مثل المجاعات والأوبئة والحروب ] .

وفي هذا نستطيع أن ندرك لماذا تم نزع الملكية الخاصة لتوسيع المساجد أو للمنفعة العامة ، وتم تسعير بعض السلع من جانب عمر بن الخطاب ، ولماذا صار لصالح بين المال كل زيادة غير معقولة في أموال ولاته بمن فيهم سعد بن أبي وقاص بطل القادسية وخال الرسول (r) وأبو هريرة صاحب الرسول والمحدث الشهير وذلك لمجرد شبهة استفادة الوالي من منصبه في تيسير أموره أو مجاملة الرعية له .

ثالثا : بعض دور التخطيط الاقتصادي في الإسلام :

إن الله سبحانه وتعالى حينما يقول لرسوله الكريم (r) في معرض تبريره لإيراد قصص من قصص الأولية السابقين : ) وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ( إنما يربط بين هذه القصص وبين عملية تثبيت الفؤاد للحض على استمرار العمل الصالح ، ومن ذلك بعض صور التخطيط الاقتصادي الإسلامي التي قصها المولى سبحانه وتعالى في مناسبتين كريمتين الأولى مع نبي هو سيدنا يوسف عليه السلام والثانية مع قائد هو ذو القرنين الذي بنى سدا بالاعتماد على النفس ، حيث حكى القرآن الكريم عنه ، ونشير إلى كل منهما باختصار فيما يلي:

( أ ) يوسف عليه السلام والتخطيط الاقتصادي :

يقول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ، وهو يفسر رؤيا الملك ويرشد إلى خطته في مواجهة السنوات السبع العجاف المتوقعة ، بعد أن عجز المفسرون عن تفسير ذلك يقول الله تعالى : ) وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)( (يوسف) 

ففي هذه الآيات الكريمة نلمس خطة يوسف عليه السلام ، في إطار تفسيره للرؤيا مرتكزة على الوسائل المثلى الآتية :

(1) العمل الزراعي الدائب أي الذي لا ينقطع ، وفي ذلك يقول الله تعالى على لسان يوسف : )تزرعون سبع سنين دأبا( أي بصورة متتالية لتحقيق الأمن الغذائي في سنوات الضيق المقبلة.

(2) ضرورة تخزين الثمار وحفظها من التلف ، فلا يعني العمل الدائم استهلاك كل نتائج هذا العمل من ثمار ، بل يتعين تخزين ما يكفي منها لسنوات الضيق أو المجاعة ، ولا تكمن أهمية التخزين في تجنيب جزء من الثمار بعيدا عن الاستهلاك فقط ، وإنما في الحفاظ على هذا الجزء من التلف مدة هذه السنوات ، فلا يتعرض للسوس أو القوارض وغيرها من عوامل البيئة المختلفة ، ولهذا رأى يوسف عليه السلام أن يتم ترك ما يتم حصره لذلك في سنابله : قال تعالى على لسان يوسف : [ فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ] .

(3) عدم الإسراف في الاستهلاك ، ففي قوله تعالى : ) إلا قليلا – مما تأكلون ( يشير إلى ضرورة الاقتصاد في الاستهلاك ، ولهذا امتدح المولى سبحانه وتعالى هؤلاء المقتصدين حيث جعل الاقتصاد والموازنة بين الاستهلاك والادخار من صفات عباد الرحمن بقوله جل شأنه : ) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)( (الفرقان) 

(4) وجوب تحقيق فائض يسمح بإعادة الإنتاج ، فلم ينس يوسف في إطار نهم السنوات العجاف المقبلة ، ضرورة توفير فائض من المنتجات يسمح بإعادة الإنتاج لمواجهة متطلبات هذه السنوات وما بعدها ، وفي تصوير القرآن لهذه السنوات بأنها [ سبع شداد يأكلن ما قدمتهم لهن إلا قليلا مما تحصنون ] هذا التصوير يفيد مدى شدة نهم هذه السنوات ، ومدى ما كان يمكن أن تكون عليه المجاعة أو الضيق إذا لم يتم الأعداد لهذه السنوات .

ومع ذلك فإن هذه السنوات ستأكل ما يقدم لها إلا قليلا مما يتم ادخاره حيث يمكن عن طريق هذا الفائض أن يعاد الإنتاج لمواجهة المستقبل .

(5) حسن استخدام الفائض : إن ضرورة تحقيق فائض لإعادة الإنتاج لا يكفي في حد ذاته بل لابد من حسن استخدام هذا الفائض في العملية الإنتاجية وتحقيق الموازنة بين كل من الإنتاج والاستهلاك لتوليد مزيد من هذا الفائض الذي يساعد بدوره على إعادة الإنتاج وتحقيق الرخاء ، وفي هذا يقول الله تعالى : ) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ( وقد بشر يوسف عليه السلام بذلك حيث لم يرد هذا في رؤيا الملك وإنما من العلم الذي علمه الله ليوسف ، وكنتيجة للتخطيط السليم والعمل الجاد.

وجدير بالذكر أن مدة هذه اللحظة قد استغرقت خمسة عشر عاما ، سبع سنوات سمان وسبع سنوات عجاف ، والعام الأخير الذي كان معه الرخاء .

(6) أهمية العنصر البشري .

(ب) التخطيط لإنشاء السد بالاعتماد على النفس :

كان هناك سؤال لرسول الله (r) عن ذي القرنين ، فنزلت الآيات من سورة الكهف التي تجلى التخطيط لإنشاء السد بالاعتماد على النفس والمشاركة الفعالة في ذلك من الشعب.

ورغم أن المعلومات محدودة عن ذي القرنين نفسه ومكان السد والقوم الذين لا يكادون يفقهون قولا .. فإن ما يعنينا هو منهج ذي القرنين لا العمل ، والخطوات المنفذة للعمل ، واختبار البناء بعد إتمامه ورد الأمر كله لله في النهاية .

وعلى طريق العمل الجاد طلب القائد من القوم البحث عن الحديد في أرضهم لتحقيق الهدف الكبير وهو بناء السد بينهم وبين هؤلاء الطغاة ، فقال : ) آتوني زبر الحديد( أي قطع الحديد من الأرض ، وبالبحث عن الحديد يتحول المستضعفون إلى عمل جاد يخرجون به كنوز الأرض ، ومن ثم أعانهم الله باعتمادهم على النفس ، وعلى أساس من الإيمان والتعاون ، وهاهم ينفخون الحديد الجامد استجابة لأمر ذي القرنين (انفخوا) فليلتهب كما التهبت نفوسهم من العمل الجاد والهادف من خلال تخطيط محكم يتضمن الوسائل المثلى لتحقيق هدف كامل الوضوح ، ولا يلبث أن يرتفع صوت القائد الذي يشارك بنفسه في العمل من جديد قائلا : ) آتوني أفرغ عليه قطرا ( أي نحاسا مذابا ، ومعنى ذلك أن ثمة مجموعة أخرى من القوم تعد النحاس المصهور في نفس الوقت الذي كانت تعد فيه مجموعة أولى الحديد المصهور ، وفي مرحلة معينة من مراحل العمل يصب القائد النحاس المصهور على الحديد الملتهب ليصبح السد قطعة واحدة ، كما أصبح الشعب سبيكة واحدة من خلال العمل الجاد والدائب والهدف المحدد الواضح .

ولم ينس القائد أن يختبر قوة السد ليقف على حسن العمل ، فأمر قومه أن يتسلقوه أو يحاولوا اختراقه وفي ذلك يقول الله تعالى : ) فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ( .

وعند ذلك لم ينس القائد أن يرد الفضل لله ، فقال : ) هذا رحمة من ربي ( .

إنه الإيمان الذي يرد معه الأمر كله لله والقيادة المشتركة التي حولت شعبها من شعب شعاره ) فهل نجعل لك خرجا (  إلى شعب شعاره ) فأعينوني بقوة( .

نظرة الإسلام إلى تلوث البيئة :

البيئة والنظام البيئي :

ويعني تلويث البيئة إفسادها من جانب الإنسان ، فقد كانت البيئة تلبي حاجات الإنسان دون كلل أو ملل . ومع مجيء عصر الصناعة واستخدام الآلة ، وسوء استغلال الموارد المختلفة .. بدأت البيئة تتعرض لتغيرات متباينة لم تستطع استيعابها ، فكانت مشكلة التلوث أو الإفساد التي تعتبر بمثابة رد على عدوانية الإنسان عليها وإرهاقه لها ..

إن البيئة إذا هي موطن الحياة ، والأرض هي موطن الإنسان ، فعليها يعيش ومنها يبني بيته ويستخرج غذاءه وماءه ومعادنه والطاقة التي يستخدمها ، كما يتنفس هواءها ويتأثر بجاذبيتها ومناخها .

ويعتمد الإنسان في حياته على البيئة وما فيها من موارد طبيعية ، حيث يقوم بتطوير معيشته ومؤسساته الاجتماعية والاقتصادية ، فضوء الشمس والهواء والماء والتربة والمعادن تمثل العناصر التي يحيا بها الإنسان ويطور بها حياته من خلال ازدياد فهمه لهذه البيئة .

ويمكن تلخيص مظاهر سوء استخدام الموارد الطبيعية فيما يلي :

1- إتلاف التربة الزراعية أو تدميرها .

2- استنزاف المصادر المائية وتلويثها.

3- استنزاف المعادن .

4- إبادة الغابات وحرقها .

5- عدم حماية الحيوانات البرية .

6- إقامة المدن والمجتمعات في غير أماكنها الصحيحة .

7- تلوث الهواء بمختلف الوسائل .

8- تدمير المناطق الجميلة التي تستخدم للترويح عن النفس .

9- الاختيار غير العلمي للمناطق التي تستزرع أو تستصلح.

10- تخلف الإنتاج بشتى صوره عن المتطلبات الأساسية للإنسان .

وهذه المظاهر وغيرها تحتاج إلى العمل سريعا على الحد منها ، وذلك للمحافظة على حياة الإنسان نفسه ، فهناك ترابط وثيق على مر العصور بين انتشار المجاعة واستنزاف الموارد الطبيعية ، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة الأخيرة .

البيئة والاقتصاد :

وتستهدف التربية البيئية فيما تستهدف ، بعض الأهداف الخاصة التي تتعلق بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية ومنها :

1- دراسة العوامل والأسباب التي تؤثر في النظام البيئي وفي استخدام المصادر الطبيعية.

2- تحليل الأسباب التي تؤدي إلى تفاوت في تنمية المصادر الطبيعية وحسن استغلالها في المناطق المختلفة .

3- بحث الأسباب الطبيعية والاقتصادية التي تؤثر في زيادة أو نقص التجمعات السكانية الريفية والمدنية وعدم التكافؤ في تنمية كل منها .

4- تحليل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بقلة الإنتاج وقلة الاستهلاك في مناطق معينة.

5- تقصى أثر استخدام التكنولوجيا المتخلفة في عمليات الاستهلاك والإنتاج .

6- تنمية القدرة العلمية والمبادأة والابتكار في حسن استخدام المصادر البيئية .

7- توضيح أهمية استخدام التكنولوجيا المتطورة في سد الحاجات المحلية أو الإقليمية .

ومؤدي ذلك أن ثمة ارتباطا وثيقا بين البيئة والاقتصاد ، ذلك أن إهدار الموارد الاقتصادية وعدم كفاءة استخدامها أو استغلالها ، يعتبر كذلك من صميم موضوعات البيئة ، ومن ثم فالارتباط عضوي بين الاقتصاد والبيئة .

مفهوم البيئة في الإسلام والفكر المعاصر :

إن المكان والزمان هما البيئة التي يجد الإنسان نفسه فيها في الإسلام ، ومن ثم يتعين عليه أن يتعامل معهما ، وهو مفهوم للبيئة يختلف – كما رأينا – عن الفكر الوضعي ، لأن الفكر الإسلامي للبيئة يشمل كل محاولات نشاط الإنسان فضلا ع استهدائه بالأفكار السابقة على وجود الأجيال المتعاقبة زمنيا ، لاختلاف الفكر الإنساني في جيل عنه في آخر باختلاف التدبر والتأمل والقيم السائدة التي يؤمن بها كل جيل من هذه الأجيال .

وعلى هذا الأساس ، فإن الفكر الوضعي يقتصر على الناحية المكانية دون الناحية الزمانية حيث ينشغل فقط بالهواء والمياه ، سواء كانت داخلية أو خارجية ، ومخازن الفضلات ، والضجيج أو الضوضاء ، والاهتزازات والطاقة النووية ، والفنون الإنتاجية (التكنولوجيا) .. الخ .

وفي هذا يقول الله تعالى : ) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) ( (الأنعام) 

فالله سبحانه وتعالى يربط بين إيتاء حق الثمار يوم حصادها من ناحية وبين عطاء الأرض لهذه الثمار وعدم الإسراف من ناحية أخرى ، ومؤدي ذلك أنه جل شأنه يقرر أن استمرار عطاء الأرض مشروط بالعدل الاجتماعي والتعاون بين الناس وعدم الإسراف .

وفي هذا المعنى يقول رسول الله (r) :[ لا ضرر ولا ضرار ] فالشريعة الإسلامية ترفض إحداث أي ضرر للإنسان يصيب به نفسه أو غيره ، ولما كان إهمال الأرض وإبقاؤها مواتا ، أو جعلها كذلك بأي وسيلة هو ضرر بالنفس وبالآخرين ، فهو التالي كفر بنعم الله وتخلف عن شكره عليها.

البيئة نعمة من نعم الله :

تشمل البيئة المكانية الأرض والمياه والحيوان والبنات وكل ما هو فوق الأرض وفي باطنها .. وهي نعمة لأنها سخرت لخدمة الإنسان كما أن البيئة الزمانية عظة وعبرة لهذا الإنسان من خلال التأمل في مصائر السابقين من البشر وعدم الوقوع في أخطائهم ، فهي تذكرة [ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ] ومن ثم فهي نعمة أيضا أنعم الله على الإنسان ، ولأن الحياة الإنسانية نعمة كبرى على الإنسان فإن العدوان عليها يعتبر جريمة كبرى ، وتجاهلا لنعمة الله ، وإخلالا بشروط استخلاف الله للإنسان على الأرض.

وعلى هذا الأساس ، فإن من شروط الاستخلاف الحفاظ على كل النعم التي أنعم الله بها على عباده ، على أساس أن حسن الاستفادة من هذه النعم شرط من شروط الحفاظ على النعمة الكبرة وهي الحياة .

الشكر واستمرار النعم على الإنسان :

إن استمرار النعم على الإنسان مرهون باستمرار الشكر ، يقول الله تعالى جل شأنه : ) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ( ومقتضى ذلك الحفاظ على هذه النعم شرط للشكر عليها ، فمن عمل عملا يتعارض مع استمرار هذه النعم ، فقد قطع الطريق على شكر الشاكرين .

( إن المراد من خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها أن يستعين الخلق بهما على الوصول إلى الله تعالى ، ولا وصول إليه إلا بمحبته والأنس به في الدنيا والتجافي عن غرور الدنيا ، ولا أنس إلا بدوام الذكر ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر ، ولا يمكن الدوام على الذكر والفكر إلا بدوام البدن ، ولا يبقى البدن إلا بالغذاء ، ولا يتم الغذاء إلا بالأرض والماء والهواء ، ولا يتم ذلك إلا بخلق السماء والأرض وخلق شعائر الأعضاء ظاهرا وباطنا ، فكل ذلك لأجل البدن والبدن مطية النفس ، والراجع إلى الله تعالى هي النفس المطمئنة بطول العبادة والمعرفة فلذلك قال الله تعالى : )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)( (الذاريات) فكل من استعمل شيئا في غير طاعة الله فقد كفر بنعمة الله ) 

ولقد قرن الله تعالى الشكر بالذكر ، فقال جل شأنه : ) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون( ومقتضى ذلك أن نعرف أن النعم من الله وأن نفرح بالمنعم وبمن أجرى أسباب النعم على يديه ، وأن فعل الشكر وترك الكفر لا يتم إلا بمعرفة ما يحبه الله تعالى مما يكرهه.

التشريع الإسلامي والبيئة :

إن بناء الكون المادي واتجاهه إلى غاياته كليهما في حاجة إلى الثبات والاستقرار على قاعدة ثابتة ونهج مرسوم لا يختلف ولا يحيد .

ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره ، جعل الإسلام التشريع للحياة البشرية جزءا من الناموس الكوني تتولاه اليد التي تدبر الكون كله وتنسق أجزاءه جميعا ، والبشر جزء من هذا الكون ، ومن هنا فأولى أن يشرع لهذا الجزء من يشرع للكون كله ، ويدبره في تناسق لا يخضع معه نظام البشر للأهواء وإلا فسدت السماوات والأرض ومن فيهن ، أي خرجت عن نظامها الذي يمكن أن يشاهد عند تعدد الحاكم أو وجود الشريك ، ولهذا يقول الله تعالى : ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ( .

تصارع القوى والصلاح في الأرض :

يعلن الله سبحانه وتعالى عن الغاية من اصطراع القوى المختلفة حين يقرر أن النصر للعقيدة لا للقوة المادية ، للإرادة الإلهية لا للكثرة العددية ، فهنا تكون الغاية من هذا الاصطراع هي الصلاح في الأرض ، والتمكين للخير بالكفاح ضد الشر .

أساس التربية البيئية في الإسلام :

تمثل السماوات والأرض وما بينهما البيئة التي تحيط بالإنسان في مجال المكان والزمان ، ومن الضروري أن يكون التعامل مع هذه البيئة من جانب الإنسان ضمن الشروط التي تحافظ على سلامتها ، ويعني ذلك أن رعاية البيئة للحفاظ على سلامة الحياة المادية والمعنوية يجب أن يكون الخط الأساسي للتوجيه التربوي لتحقيق سياسة تنموية متطورة ومتصاعدة بحيث يجعل الإنسان المؤمن كائنا يتمتع بالقوة والصحة والسلامة ، ويقدر على توفير أسباب البقاء الصحي والنظيف للبيئة التي تمارس فيها عبادته بالشروط التي وضعها الله ، وفي هذا يختلف أساس التربية البيئية في الإسلام عنه في الفكر المعاصر.

العلاقة دون خلافة الإنسان والبيئة :

يقول الله تعالى : )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) ( (البقرة) 

وهنا خفيت عليهم حكمة الله في بناء الأرض وعمارتها وفي تنمية الحياة وتطويرها ، وفي إرادة الخالق وناموس الوجود على يد خليفة الله في أرضه ، هذا الذي قد يفسد أحيانا ، ويفسد بيئته ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر وأشمل ، خير النمو الدائم والحركة البانية المتصلة والتطوير إلى أفضل ، ولهذا كانت البيئة نعمة أنعم الله بها على الإنسان .

منهج التعامل مع الموارد البيئية في الإسلام : 

ونستطيع أن نشير تباعا إلى أبرز الطبيعية القريبة من الإنسان وهي : السماء ، والأرض والماء والنبات والحيوان سواء في الفكر المعاصر أو من منظور إسلامي .

أولا : السماء 

ينفرد الإسلام بالحديث عن السماء ، حينما يشير الله جل شأنه إلى تسخير السماء الدنيا للإنسان بحيث تكون زينة لفضاء الأرض ، ومصدرا للجمال الذي يبعث الرضا والسكينة في النفوس ، فضلا عن الدور المنوط بالسماء في حفظ الكرة الأرضية لاستمرار صلاحيتها للحياة الإنسانية .

ثانيا : الأرض 

الأرض هي كوكب الحياة ، فلم يتوصل الإنسان إلى كشف وجود أي شكل من أشكال الحياة في مكان آخر غير الأرض رغم التقدم المطرد في ارتياد الفضاء . فالأرض هي المأوى الوحيد لكل صور الحياة ، وحتى عندما يغزو الإنسان الفضاء فإنه ينتقل في مركبة تحوي ظروفا أرضية لأن ظروف المواقع التي يصلها لا تناسب الحياة وفي هذا يقول الله تعالى : )الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) ( (طه) 

إن الأرض بسهولها وجبالها ووديانها هي المكان الوحيد الذي يجد الإنسان فيه مكانا لسكنه ومصدرا أساسيا لرزقه ، ويمارس فيه نشاطاته الاقتصادية والاجتماعية ، ومن ثم وجب أن يكون الامتناع عن إفسادها حصيلة معرفة الإنسان بالدور المنوط بها.

ثالثا : الماء 

الماء ضرورة من ضرورات الحياة ، وكلما ازداد تقدم المجتمعات ازداد احتياجها للماء ، وللماء استعمالات تبدأ من الشرب والاغتسال والري إلى توليد الطاقة والصناعة وإطفاء الحرائق.

وبالإضافة إلى مياه البحار والمحيطات والمياه الساحلية ، فإن المياه الداخلية تنقسم حسب مصدرها إلى ثلاثة أنواع :

1- مياه الأمطار.

2- المياه السطحية . وهي ما تجمع في الأنهار والبحيرات والخزانات .

3- المياه الجوفية ، وهي ما تسرب خلال طبقات الأرض وتجمع تحت سطح الأرض ، ويحصل عليها الإنسان من خلال الآبار والعيون ، ورغم تعدد هذه المصادر فإن الماء الصالح للاستخدام محدود إلى حد كبير على الكرة الأرضية ، على أساس أن معظم مياه الأرض مالحة وغير صالحة للاستعمال سواء في الشرب أو الري أو الصناعة.

تلويث المياه :

تنبه الإنسان متأخرا ليكتشف أن مصادر كثيرة من المياه الصالحة للاستعمال لم تعد كذلك ، فقد تحولت بحيرات وأنهار إلى مجار ميتة ، فاختلت البيئة في توازنها ، وماتت الكائنات الحية التي كانت تعمر البيئة ، وتركت المجال أمام البكتيريا وغيرها من الكائنات الدقيقة التي تضر بالإنسان ، وانتقل التلويث إلى ضفاف المصادر المائية مهددا بخطورة أكبر وأكبر .

أن أهمية العناية بحماية البيئة البحرية تكمن فيما يعقده عليها الإنسان من أهمية في مجال الغذاء والتعدين .. الخ ، فالبحار والمحيطات مصادر بكر للثروات التي لم يكتشف الإنسان بعد منها إلا قدرا محدودا وضئيلا .

رابعا : النباتات :

يعتمد الإنسان على النباتات كمصدر للغذاء له ولماشيته وكمصدر للألياف والزيوت والعقاقير وغيرها من المواد الهامة ، فالغذاء الذي نأكله أما إن يتكون من منتجات نباتية أو من منتجات الحيوان الذي يتغذى على النبات .

كما أن إنارة بيوتنا ومصادر الطاقة لمصانعنا اعتمدت أو تعتمد إما على الفحم المتكون من الغابات في الأحقاب الغابرة أو من البترول ، وهو بقايا جيولوجية لنباتات وحيوانات ، والأخشاب التي يعتمد عليها أثاث منازلنا ، والحرير والقطن والكتاب التي تصنع منها الأزياء وكثير من العقاقير النباتية لم تكن لتتوفر لولا وجود النبات .

خامسا : الحيوان

اعتمد الإنسان البدائي على الحيوان في الحصول على غذائه وملبسه ، وفي المراحل التالية تعلم الإنسان تربية الحيوان والنباتات ، وبذلك ضمن موردا أكثر ثباتا لإشباع حاجته ، ومن ثم أصبحت الحياة أكثر احتمالا وأسهل عيشا . وقد بدأ الإنسان بزراعة وتحسين أنواع كثيرة من النبات ، واستئناس وتربية أنواع مختلفة من الحيوانات للاستفادة منها في مجالات شتى ، فبالإضافة إلى أنها مصدر غذاء مباشر له ، فإنه يعتمد على منتجات الكثير منها ، ويستعمل بعضها كوسائل للتنقل أو لمساعدته في الزراعة ، ولا تقتصر أهمية الحيوانات للإنسان فقط على الحيوانات الأليفة المعروفة ، بل إن هناك أنواعا من الحيوانات البرية التي يستفيد منها الإنسان ومن منتجاتها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

والحيوان جزء هام من أجزاء الخلق ، حيث لكل جزء دوره في الحياة ، فالمبيدات الحشرية مثلا حينما تستخدم بغير علم ، فإنها تبيد الحشرات النافعة كذلك ، ومن ثم يتحقق الإخلال بالتوازن.

مصادر تلوث الهواء :

تنقسم مصادر التلوث إلى مجموعات عديدة منها : 

1- مصادر طبيعية كالعواصف الترابية والبراكين ، وحرائق الغابات .

2- مصادر من صنع الإنسان وتشمل :

( أ ) الصناعة ، وخاصة الصناعات الكيماوية والسماد والبتروكيماويات والأسمنت والحديد والصلب والسكر وغيرها .

(ب) وسائل المواصلات كالسيارات التي تستعمل البنزين والسولار ، أو القاطرات التي تسير بالفحم أو منتجات البترول .

(ج) محطات القوى التي تستعمل أنواعا تقليدية من الوقود.

(د) الأنشطة المنزلية التي تستعمل معها نفس الأنواع التقليدية من الوقود ، فضلا عن عمليات التخلص من المخلفات بحرقها.

آثار تلوث الهواء :

يؤثر تلوث الهواء على الإنسان والحيوان والنبات ، فضلا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية ، فقد يؤدي التلوث مباشرة إلى الوفاة أو المرض الحاد ، وقد تحدث آثار مزمنة أو متأخرة ومنها تهيج العينين واضطرابات الجهاز التنفسي .

كما قد يتأثر الحيوان بالتلوث ، إما تأثيرا مباشرا بالوفاة أو المرض الحاد ، أو تأثيرا غير مباشر كما هو الحال في تغذيته على نباتات ترسبت عليها مركبات الفلور التي تكثر في المناطق المجاورة لمصانع الألمونيوم مصانع الأسمدة الفوسفاتية ، ومعها تتآكل أسنان الحيوان ، ويصاب بالهزال وينقص في إدرار اللبن .

حماية الموارد الطبيعية في الإسلام :

إن التعامل مع هذه الموارد يتعين أن يتم في ضوء السنن والقوانين التي جعلها الله ضمانة لاستمرار هذه الموارد ، وفي هذا أمرنا الله أن نقلب النظر في البيئة الزمانية والبيئة المكانية ، ونحاول اكتشاف هذه القوانين وتلك السنن ، ولهذا قال الله تعالى : )قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) ( (العنكبوت) 

ولأن إفساد هذه الموارد يعتبر إفسادا للحياة على الأرض ، فإن حماية هذه الموارد تعتبر حماية للبيئة سواء كانت بيئة زمانية أو مكانية ، على أساس أن الحاضر هو ابن الماضي وهو بذرة المستقبل ، ومن ثم فإن صورة التاريخ تنعكس على الأجيال الحاضرة واللاحقة .

والخلاصة في ذلك أن الإسلام يهدف إلى صيانة مصالح الناس وحماية حقوقهم من أي اعتداء سواء كانت المصالح والحقوق ضرورية أو أقل ضرورة ، والحفاظ على الصحة والحياة مثلا يدخل في المصالح الضرورية ، ولهذا تتفاوت الأحكام التكليفية بين الفرض والواجب والسنة المؤكدة والنوافل وغيرها .

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة