الإسلام يتحدث عن نفسه

الإسلام يتحدث عن نفسه

0 المراجعات

الإسلام يتحدث عن نفسه 

الإسلام قطعة ذهب لا تحتاج أكثر من نجلي ما علق بها أو ران عليها من بعض الغبار المتطاير أو حتى المتراكم ، لأن المعادن النفيسة لا تصدأ ولا يصيبها العطب مهما كانت عوامل الزمن وتداعياته وأحداثه وتراكماته .

دين لا يعرف الأذى ، فالمسلم الحقيقي فيه هو من سلم الناس من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأنفسهم ، ولما سئل نبينا (r) عن امرأة صوامة قوامة غير أنها تؤذي جيرانها ، قال (r) : ( هي في النار ) ، وهو القائل (r) : [ والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن والله لا يؤمن ، قيل : من يا رسول الله ؟ فقال (r) : الذي لا يأمن جاره بوائقه ] رواه البخاري ، ويقول (r) : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ] رواه البخاري 

دين يمنع الظلم والغش ، ولو مع أعدائه ، ويحرم سائر الممارسات الاحتكارية لهو دين عظيم ، وذلك حيث يقول نبينا (r) : ( من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه ، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ) رواه أحمد ، وحيث يقول (r) : [ لا يحتكر إلا خاطئ ] (رواه مسلم) 

دين يعمل على تحقيق الرحمة للإنسان والحيوان والجماد لهو دين عظيم .

دين ينهي عن كل ألوان الفساد والإفساد والتدمير والتخريب ، ويعصم الأموال والأعراض والأنفس ، لهو دين عظيم .

وأخيرا نستطيع أن نقول إن الإسلام قضية عادلة ودين عظيم وأنه وإن تعرض للهجوم من أعدائه فإن المخلصين من أبنائه قادرين بإذن الله (عز وجل) على تجليه الغبار عنه وعرضه عرضا صحيحا من خلال البلاغ الواضح المبين ، الفاهم لغة المقاصد ، وفقه الواقع ، وفقه المتاح ، وفقه الأولويات ، فهما يؤهل صاحبه للوفاء بواجب هذا الدين العظيم بما يحمله لصالح الإنسانية جمعاء من سبل السعادة والرقي وما يحمله لمن يعمل به من خير الدارين الدنيا والآخرة .

الإسلام دين الأخلاق 

إن الدين الإسلامي هو قوام الحياة الطبيعية وعمادها ، فالحياة بلا وازع ديني حياة بلا قيم ، وبلا أخلاق ، لأن أساس هذا الدين العظيم هو مكارم الأخلاق ومحاسنها ، فما من كتاب دعا إلى مكارم الأخلاق مع كل الناس مثل القرآن الكريم ، ونبينا (r) الذي تنزل عليه القرآن كان نموذجا علميا في امتثال الأخلاق القرآنية ، فقد كان أجمع الخلق خلقا ، لأنه كان أجمعهم للقرآن تطبيقا وامتثالا .

ومن جوانب العظمة في الدين الإسلامي أنه ما ترك فضيلة من الفضائل ولا خصلة من خصال الخير تقربنا من رحمة الله – عز وجل – وجنته ورضوانه إلا وأمرنا بها ورغبنا فيها ، وما ترك خلقا ذميما ولا خصلة من خصال الشر تبعدنا عن رحمة الله – تعالى – إلا ونهانا عنها وحذرنا منها ، فهو دين يجمع بين القيم والمثل الإنسانية الرائعة التي تجسد الصورة المثلى للأخلاق الفاضلة .

الأخلاق والنبوات 

لقد أرسل الله (عز وجل) الرسل (عليهم السلام) بمهام عظيمة أهمها : هداية الخلق إلى الخلق ، ونشر الفضيلة بين الناس ، وعلى رأس الفضائل تأتي الأخلاق ، وقد جمع الله (سبحانه وتعالى) لرسولنا (r) مكارم الأخلاق البشرية ، فتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخصال ، وحتى قبل الرسالة كان الناس يسمونه بالصادق الأمين ، كيف لا ؟ وقد اصطفاه الله تعالى على بني آدم ، وختم به أنبياءه ، ويكفيه (r) شرفا أن الله (عز وجل) لما مدحه في القرآن الكريم لم يمدحه بشرف النسب ، ولا بجمال الخلقة ، ولا بكثرة العبادة والطاعة ، وإنما مدحه وأثنى عليه بعظمة الأخلاق فقال تعالى : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) (القلم : 4) 

الأخلاق والعبادات 

المتأمل في النصوص الشرعية يجد أن جميع العبادات تحمل في مضامينها قيما ومعاني أخلاقية سامية ، ذلك لأن الإسلام قد ربطها جميعها بمكارم الأخلاق ، فما من عبادة شرعها الإسلام من صلاة ، وصيام وزكاة ، وحج ، إلا ولها أثر يظهر على سلوك الفرد في السمو الأخلاقي ، بل إن هذا الأثر يتعدى الفرد إلى المجتمع ، فالإسلام ليس طقوسا جوفاء لا علاقة لها بالواقع ، ولا أثر لها في السلوك ، إذ لا يعقل أن يخرج العابد من عبادته ليغش أو يحتكر ، أو يؤذي جاره ، أو يكذب ، أو يخون ، أو يخلف العهد أو الوعد ، إنما شرعت العبادات في جميع الأديان لترتقي بسلوكيات الإنسان وتسمو بأخلاقه .

وجدير بالذكر أن حسن الخلق هو أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة ، فعن أم الدرداء (رضي الله عنها) عن أبي الدرداء (رضي الله عنه) أن رسول الله (r) قال : [ ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن ] رواه أحمد ، وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) أن النبي (r) قال : [ ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء) (رواه الترمزي)

كما أنه يرفع درجة صاحبه حتى يتساوى مع قائم الليل وصائم النهار .

إضافة إلى أن صاحب الخلق الحسن يحبه رسول الله (r) ويجاوره في الجنة .

خصائص الأخلاق في الإسلام :

وإذا كان المصلحون على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم قد دعوا إلى التخلق بالأخلاق الحسنة فإن دعوة الإسلام للتخلق بمكارم الأخلاق تختلف عن دعوات هؤلاء المصلحين ، فالأخلاق في الإسلام لها خصائص ومميزات منها :

أنها شاملة واضحة : فلم تقتصر على جانب العبادة فقط بل شملت جميع جوانب الدين والدنيا.

أنها ثابتة لازمة : لم تحدد بمدة زمنية وينتهي دورها ، بل هي ثابتة باقية ببقاء الدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

أنها وسطية : ووسطية الأخلاق في الإسلام تعني أنها الأحسن ، فدائما الخلق الإسلامي ممدوح بين مذمومين .

أنها متنوعة المجالات ولها صور متعددة ، منها :

العلاقات مع الله عز وجل : وذلك أعلى المجالات وأفضلها ، ويتحقق بتقوى الله سبحانه وتعالى وإخلاص العبادة له وحده دون سواه ، وحسن التوكل والاعتماد عليه .

العلاقة مع الأهل والأقارب .

العلاقة مع غير المسلم : إن مكارم الأخلاق تشمل كافة المخلوقات ، فلا فرق بين مسلم وغيره ، إنما الجميع أخوة في الإنسانية .

التعامل مع الحيوان : فلم تقتصر مكارم الأخلاق على البشر فحسب ، بل إن دائرة الأخلاق تشمل الحيوان أيضا .

فبالأخلاق تحيا الأمم وتنهض وتبقى آثارها خالدة وبزوالها تنهار الأمم وتسقط ، وتصبح في مؤخرة الأمم وتسقط ، وتصبح في مؤخرة الأمم ، فكم من حضارات انهارت ، لا بسبب اقتصادها ، أو قوتها العسكرية – فحسب – وإنما بتردي أخلاقها ، ولله در شوقي – رحمه الله حيث قال : 

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت               فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا 

الإسلام دين الإنسانية 

الإسلام هو دين الإنسانية بأرقى معانيها ، فهو الدين الذي جاء ليعلي قيمة الإنسان بين سائر المخلوقات ، ويتجلى هذا في اهتمام الإسلام بما يحفظ للإنسان كرامته ويسمو بروحه ، كما امتاز الإسلام بين سائر الأديان بالعديد من مظاهر تكريم الإنسان والمحافظة عليه ، ومن ذلك :

(1) تهيئة الكون لاستقبال الإنسان قبل خلقه : 

فقد هيأ الله الكون كله لاستقبال الإنسان ، فرفع السماء وبسط الأرض وأجرى الأنهار وأنبت الزرع الثمار وسخر الشمس والقمر والنجوم ؛ ليهنأ الإنسان وينعم بكل ما هيأه الله له من أسباب الحياة .

(2) تكريم الله للإنسان بالنفخ فيه من روحه : 

وتلك أعلى مظاهر تكريم الله للإنسان وأعلى مراقي إنسانيته وآدميته وسيادته على هذا الكون بأن نفخ الله فيه الروح وهي من الأسرار التي لا يعلمها إلا الله رب العالمين .

وتكريما لهذه الروح حرم الإسلام القتل بغير حق والاعتداء على النفس البشرية لأنه اعتداء على خلق الله ومخالفة لأمره .

(3) تعهد الله الإنسانية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ومنها القرآن الكريم : 

فقد تعهد الله الإنسانية على مر العصور بإرسال الرسل وإنزال الكتب ليهتدي الناس إلى صراط الله المستقيم ، وليعلموا شرع الله ومنهاجه الذي يضمن لهم الهداية والإرشاد ، والذي يأخذ بأيديهم من الغي إلى الرشاد ، ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الظلمات إلى النور ، ومن الكفر إلى الإيمان .

(4) محافظة الإسلام على حقوق الإنسان : 

فقد وضع الإسلام من المبادئ والتشريعات ما يضمن الحفاظ على كل الحقوق المادية والمعنوية التي من شأنها الارتقاء بالإنسان وتكريمه ، ويتجلى ذلك في المحافظة على الحقوق التي تضمن له الكرامة الإنسانية ومنها : 

حرية الاعتقاد : 

فقد ضمن الإسلام للناس كافة حرية الاعتقاد وحرية الاختيار بين الإيمان والكفر ، فلم يكره أحدا على الدخول فيه .

الأخوة الإنسانية : 

لفت القرآن الكريم أنظار الناس إلى أنهم جميعا إخوة في الإنسانية ، فهم جميعا أبناء آدم وحواء.

مراعاة المشاعر الإنسانية :

فقد راعي الإسلام المشاعر الإنسانية والوفاء لصاحب المعروف وإن اختلف الدين والمعتقد.

كذلك راعي الإسلام مشاعر الأمومة عند المرأة فأوجد لها حق حضانة الطفل عند طلاقها وهذا واضح .

كذلك أمر الإسلام تباعه بمراعاة حق الجوار وإكرام الضيف ونصرة المظلوم وأغاثة الملهوف وترك الشماتة بالأعداء ، وكلها أمور تحث على مراعاة المشاعر الإنسانية .

المحافظة على حرمة الإنسان حيا وميتا : 

فقد بينت الشريعة أن جسد الإنسان أمانة لديه من الله تعالى ، ومطلوب من الإنسان أن يحافظ عليها .

وهناك الكثير من الأمثلة والنماذج التي تدل على أن الإسلام دين الإنسانية ، جاء ليرتقي بالإنسان جسدا وروحا ، ويلبي كل متطلباته وفق نظام محكم ودقيق يتسم بالفضائل وينأى عن الرذائل ، وهذا ما يؤيده الواقع في كل زمان ومكان من أن القيم الإنسانية الرفيعة إنما هي القوى الذاتية والدافعة لقبول هذا الدين ؛ لأنه الدين الذي يوافق فطرة الإنسان النقية ويتفق مع عقله الراجح ويغذي مطالب الروح ويسمو بالإنسان إلى مراقي العلا والفلاح .

الإسلام دين التسامح 

لا شك أن بناء الأمم والحضارات يرتبط ارتباطا وثيقا بالبناء الأخلاقي وكذلك انهيار أي أمة وأية حضارة فإنه يرتبط أيضا ارتباطا وثيقا بالانهيار الأخلاقي ، ولقد جاء الإسلام برسالة سامية ، تدعو إلى الأخلاق والقيم وتؤسس لمجتمع نقي مترابط ، يتسم بنفوس زكية ، وقلوب تقية ، وفطرة نقية ، وتؤل هذه الرسالة قيم الحب والرحمة والألفة وفقه التعايش وقبول الآخر ، ومن هذه الأخلاق الجامعة (التسامح) .

فبالتسامح تسمو النفس إلى مرتبة أخلاقية رائعة تحقق تلك المعاني السابقة مع غيرها ، فما أطيبه من خلق كريم ، إذا التزمت به النفوس انعكس ذلك على المجتمع ، فيصبح مجتمعا نقيا صافيا مترابطا تسوده قيم الوحدة بكل معانيها .

وقد جعل الإسلام التسامح من المبادئ الرئيسة له : إذ إنه يعبر عن مقاصد النبوة . 

إن الإسلام جعل التسامح أصلا في إرساء قيم الحب والعفو والترابط ، وأكد على أن طريق التسامح هو مقابلة الإساءة بالإحسان . 

وحتى نستطيع أن نحقق قيمة التسامح بيننا ، فلا بد من سلامة الصدور من الأحقاد والكراهية والحسد والبغض وجميع منغصات الحياة لتنعكس معاني الرحمة بين الناس ، فيكون الود والرحمة بينهم فتتأسس الأمة على التسامح .

الإسلام دين الرحمة

من كمال الدين الإسلامي وجماله أنه دين الرحمة بكل جوانبها ، فهي صفة أخلاقية انفردت وحدها في القرآن الكريم بالصدارة ، وبفارق كبير عن أي صفة أخلاقية أخرى ، فلقد تكررت الرحمة بمشتقاتها قرابة ثلاثمائة وخمس عشرة مرة ، إن هذا ليس مصادفة بحال من الأحوال ، فكل كلمة وكل حرف في القرآن الكريم نزل بقدر ، ومن ثم فكل وثائق حقوق الإنسان ترجع في مصادرها وأصولها إلى ما أوصى به الإسلام من مبادئ وقيم .

أن الإسلام في مظهره وجوهره هو دين الرحمة واليسر ومراعاة مصالح العباد ، فالتشدد والتطرف والقسوة والغلظة ليسوا من مبادئ الإسلام ، فهي أمور تتنافي جملة وتفصيلا مع تعاليمه السمحة .

ولم تقتصر الرحمة النبوية على حياة المسلمين في المجتمع الإسلامي بل تعدت ذلك إلى آداب الحرب في أوقات القتال لتنبه وتؤكد على طابع الحرب في الإسلام من حيث كونها حربا دفاعية تهدف إلى البناء لا الهدم .

إن الإسلام دين الرحمة والرفق والعطف والتسامح واليسر ، فمن يخذ بيدك إلى الرحمة والتسامح يأخذ بيدك إلى صحيح الإسلام ، ومن يأخذ بيدك إلى العنف والقتل يأخذك إلى طريق الهلاك ، ذلك أن الله (عز وجل) بعث سيدنا محمدا (r) رحمة للعاملين .

والمتأمل في واقع البشرية يجد أنها في أمس الحاجة للتخلق بهذه الصفة الجليلة وهذا الخلق الجليل ، وإحياء هذه القيمة الغالية التي تدل على ثقافة وتحضر الأمم وتقدمها ، فمجتمع لا يعرف الرحمة في قوانينه وتعاملاته مع البشرية والإنسانية هو مجتمع متخلف وإن ادعى التحضر والتقدم والرقي .

الإسلام دين اليسر

إن هذا الدين جاء يخاطب الناس كافة ، بجميع أعراقهم وأطيافهم ومذاهبهم في كل بقعة في العالم ، ويتناسب مع أحوال الناس مع اختلاف طبقاتهم ، فجاء يحمل في أحكامه وتشريعاته التيسير والسعة ، فلا تخلو فريضة من الفرائض إلا وجعل فيها من اليسر ما يجعل الإنسان قادرا على تطبيقها .

اليسر والسماحة في العبادات ، ومن أهم مظاهر التيسير في العبادات : الرخصة التي منحها لعباده ، فقد أباحها ليخفف عنهم مشقة بعض التكاليف ، حيث أباح الفطر للمسافر والمريض.

ومن اليسر في هذا الدين أن المسلم إذا لم يجد ماء ليتوضأ به أو كان به مرض أو جرح لا يستطيع أن يتوضأ بالماء ، رخص له أن يتيمم بالتراب .

وكذلك شرع الجمع والقصر في الصلاة أثناء السفر أو المطر أو المرض إذا قل الماء ، أو البرد ، أو الخوف من الطريق ، أو زيادة المرض ، فأجاز له الجمع والقصر ، حيث قصرت الصلوات الرباعية إلى ركعتين فقط .

ومن التيسير في الحج فرضه في العمر مرة واحدة ، رفعا للمشقة ، لأنه يصعب على المسلم أن يؤديه كل عام .

اليسر والسماحة في المعاملات ، فعن جابر (رضي الله عنه) أن النبي (r) قال : [ رحم الله رجلا سمحا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى ] ( رواه البخاري) 

ومن صور التيسير والسماحة في المعاملات أنه حرم احتكار الطعام والسلع واحتجازها ليرتفع ثمنها فيوقع الضرر بالناس ، فالمحتكر يقع في خطيئة كما قال النبي (r) : [ لا يحتكر إلا خاطئ ] (رواه مسلم) .

وفي البيع أجاز الإسلام للمتبايعين الخيار رفعا للحرج الذي قد يقع فيه أحدهما ، لأنه ربما يحصل ضرر كبير إذا تم هذا العقد .

اليسر والسماحة مع غير المسلمين ، فقد أكد على حسن معاملة غير المسلمين وبرهم .

الإسلام دين الفطرة 

ومعنى أن الإسلام دين الفطرة : أن شرائعه وشعائره لا تتعارض ولا تصطدم مع المنطق القويم والعقل السليم والفطر المستقيمة – ولو لم يكن أصحابها مسلمين - ، والسبب في عدم وجود تعارض بين الدين والعقل السليم هو أن صاحب الشرع وخالق العقل واحد ، وهو الله رب العالمين.

وقد وجه الإسلام المسلمين إلى ما يصلحهم وينفعهم وينسجم مع فطرتهم البشرية ، فجميع تشريعاته تأمر بكل ما ينفع المسلم في دينه ودنياه ، وتنهى المسلم عن كل أمر يؤدي بالمسلم إلى الهلكة في دينه أو دنياه .

كما حض الإسلام على نظافة الجسد وطهارته وجعلها من الفطرة التي تساعد على سلامته وكمال صحته من الأوبئة والأمراض .

ولقد أقر الإسلام كل معروف شهدت الفطرة السوية بحسنة ، وأنكر كذلك كل منطر شهدت الفطرة السوية بقبحه .

ولولا أن هذا الدين يوافق الفطر السوية بعباداته وتشريعاته وأخلاقياته وحضارته ما دخل الناس في دين الله أفواجا ، ولكن يؤكد دائما بفطرته وعالميته على إصلاحه لكل شئون المجتمع الإنساني جسدا وروحا ، وموافقته لطبيعة البشر التي كانت من أهم أسباب انتشاره في أرجاء المعمورة .

الإسلام دين السلام 

إن الإسلام دين السلم والسلام ، والأمن والأمان ، انتشر بالسماحة واليسر ولم يعرف التطرف أو التشدد أو العنف والعدوان على الآخرين ، والتاريخ وشهادات المنصفين خير شاهد على ذلك ، فهو دين يأمن الناس فيه على أموالهم وأعراضهم ودمائهم وأنفسهم وكرامتهم الإنسانية .

فالسلام هدف من أهداف الإسلام السامية ، لا يقيمه إلا المسلم الحق ، ولا يفرط فيه إلا صاحب التدين المغشوش ، دعا إليه الإسلام ، حتى ينعم المجتمع بالأمن ، ويتجه أفراده إلى العمل والبناء والإنتاج والرخاء ، ويعم التسامح والتعاون والإخاء ، وتزول من حياة الناس أسباب النزاع والشحناء والعداوة والخصام ، ويصبح كل فرد من أفراد المجتمع داعيا إلى الخير ، عاملا على إرساء قيمه وتوضيح سبله .

والسلم والسلام شيء واحد ، هو الأمن  المنبثق من الإيمان بالله (عز وجل) ، والطمأنينة النابعة من إتباع تعاليمه السمحة وأحكامه العادلة التي جعلها الله سبحانه وتعالى شعار دينه ، وضمن من خلالها السكينة لجميع عباده .

السلام من أسماء الله الحسنى 

السلام في القرآن الكريم : 

ولأن السلام هو شعار الإسلام فقد اختاره الله عز وجل وصفا لليلة القدر التي نزل فيها القرآن الكريم .

السلام طريق الجنة 

لا شك أن دخول الجنة غاية من غايات المسلم يحرص عليها ويعمل جاهدا من أجل تحصيلها ، ولذلك رسم الرسول (r) الطريق إليها وجعل من أسبابها إفشاء السلام حتى تعم المحبة بين الناس جميعا .

وإفشاء السلام المأمور به شرعا لا يعني الترديد باللفظ فحسب ، بل معناه أوسع من ذلك ، فهو يعني : نشر ثقافة السلام قولا وفعلا بين كل المخلوقات ، فالمسلم الحق هو من سلم الناس – كل الناس على اختلاف دينهم ومذهبهم وجنسياتهم وألوانهم من شر سطوة لسانه وبطش يده .

السلام مع الآخر : 

لقد ضمن الإسلام لكل من يعيش على أرضه من غير أتباعه الأمن والسلام بمفهومها الواسع ، فهو آمن على نفسه وولده وأهله وماله وعرضه ومعتقده .

فرية انتشار الإسلام بالسيف :

لقد ترددت الدعاوي المزيفة التي تزعم أن الإسلام قد انتشر بحد السيف ؛ رغم أن كلمة (سيف) لم تذكر في القرآن الكريم ولا مرة واحدة ، وحقائق التاريخ تدحض هذه الدعاوي والافتراءات الكاذبة ، فالحروب في الإسلام كانت ردا للعدوان ودفاعا عن النفس ، ولم يسجل التاريخ حالة واحدة كان الإسلام فيها هو الباغي على الآخرين .

والإسلام ينظر إلى السلام على أنه الأصل في العلاقات الدولية وفي علاقة الناس بعضهم ببعض ، وأن الحروب ضرورة واستثناء .

وعليه فالسلام هو صمام الأمان في المجتمعات ، ترتفع به دعائمه ، وتعلو رايته ، ويعيش أبناؤه في أمن واستقرار .

الإسلام دين الإخلاص 

والإسلام دين يحث أتباعه على الإخلاص ، والابتعاد عن الرياء والسمعة ، وحب النفس والشهرة ، والإخلاص معناه : أن يقصد الإنسان بقوله وعمله ، وبحركاته ، وسكناته وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته ، من غير نظر إلى مغنم أو جاه أو مظهر أو شهرة أو اكتساب محمدة عند الناس ، أو محبة أو مدح من الخلق .

والإخلاص يكون لله ، وللوطن : أما الإخلاص لله فلا نعبد إلا إياه ، ولا نتوجه بالعبادة إلا له ، فلا نشرك معه أحدا فيها ، ولا نؤديها سمعة ورياء ، ولا فخرا ومباهاة ؛ وإنما نبتغي بها وجهه سبحانه وتعالى .

أما الإخلاص للوطن ، فلا نعمل إلا لرفعته وتقدمه ، ولا ننتمي إلا إليه ، ولا نساعد أحدا على هزيمته وكسره ، ولا نفرط في ذرة رمل من أرضه ونحب أهله ، ونسير خلف قيادته ، فالإخلاص للوطن يستلزم حب أرضه ، وشعبه وحكومته ، وحب الوطن من كمال الإيمان .

أما علامات الإخلاص فكثيرة ومتعددة منها عدم انتظار الثناء والحمد من أحد ومنها إخفاء العبادة والطاعة .

ومنها الخوف ووجل القلب من عدم قبول العمل .

الإسلام دين الإنتاج 

لقد جاء الإسلام ليؤسس الأمة على أن يكون كل عضو منها فاعلا في مجتمعه منتجا لا مستهلكا فقط ، بل يكون أداة من أدوات صناعة الجمال في الطكون ، فعظم من شأن العمل وأمر بالكسب الطيب ، والمشاركة في إعمار الأرض وتنميتها بالزراعة والتجارة والصناعة وبناء المصانع ، وإقامة الشركات المنتجة التي تلبي حاجيات الناس وضرورياتها وفي الوقت نفسه ينبه بأن لا يكون الإنسان كسولا راكدا متسولا لغير حاجة ، وقد نبه القرآن المجيد على أهمية العمل ، فقال تعالى : ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ( ( التوبة : 105) 

إن الإسلام يدعو كل إنسان أن يكون عزيز النفس يحقق كرامته ويعفه عن السؤال بالعمل وجلب الأرزاق فبدلا من أن يتكاسل عن العمل ويمد يده للناس سائلا منهم المال فليعمل ويكتسب .

ولقد جعل الإسلام لكل من سعى وعمر الأرض ثوابا وفيرا ، فله بكل أرض زراعها صدقة ، ومعلوم ثواب الصدقة وما فيها من مداواة للأمراض ، وجعل صاحبها واحدا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .

على أن الإسلام أيضا يرفض البطالة المقنعة ، لأنها أحد الأسباب الرئيسة لتأخر البلاد اقتصاديا ، ويحث الإسلام كل عامل في عمله أن يحرك الأعمال المعطلة ؛ فتتسارع الأعمال فتنجز فيكون هناك إنتاجا يكفي حاجيات الناس وربما يكون هناك فائض يتم تصديره ، وهذا معناه أن يكون هناك دخل بالعملة الصعبة ، وبالتالي يكون ذلك دفعا لعجلة الاقتصاد في الدولة ؛ فيعود بالخير على الجميع ، فهذه رسالة الإسلام لمن أراد أن يمضي قدما في زيادة الإنتاج وتوفيره .

ولا يدعو الإسلام للعمل دون إتقان ، بل إن الأصل هو أن يصاحب الإنسان معه قيمة الإتقان في العمل ؛ وذلك حتى تتمايز الصناعات .

هذا هو الإسلام يدعو إلى العمل والإنتاج ، واستثمار الطاقات لبناء كيان اقتصادي قوي للأمة ، فالأصل التكامل وتعليم المهن والصناعات والحرف المختلفة ، وليس في الإسلام مهنة حقيرة إلا ما حرم في نصوص الكتاب والسنة .

الإسلام دين الإتقان

وإذا كان الإتقان من أهم أسباب القرب من الله عز وجل والقبول في الآخرة ، فهو كذلك من أهم أسباب التفوق والتقدم في الآخرة ، فهو كذلك من أهم أسباب التفوق والتقدم في الدنيا ، ولو نظرنا إلى الواقع لوجدنا أن سبب تراجع المسلمين في كثير من مجالات الحياة هو فقدان روح الإخلاص والإتقان في العمل ، فنحن نملك أكثر ما يملكه الغرب والشرق من خيرات وطاقات وقدرات ولكنه التفريط في الإتقان وانتشار الفوضى والتكاسل .

ومن ثم فإن العامل مطلوب منه أن يتقن عمله وأن يحسن فيه قدر طاقته ، ولقد خلق الله (عز وجل) الخلق ، وجعل ما على الأرض من زخارف الدنيا من إنسان وحيوان ونبات ومباهج ومفاتن زينة لها ولأهلها ، ليبتليهم ويختبرهم ، ليظهر المتقن المحسن في عمله من المفسد المسيء .

الإسلام دين الحضارة 

الإسلام هو دين الحضارة ، يدعو أتباعه إلى العمل والإنتاج والبناء ، والأخذ بأسباب التنمية والرخاء .

كما أن الإسلام يدعو إلى عمارة الكون ، ونفع الإنسانية جمعاء بغض النظر عن معتقداتهم ، وألوانهم ، وأجناسهم .

ولقد شهد التاريخ لحضارة الإسلام التي امتدت لما يزيد عن الألف عام ، في وقت كانت أوروبا تموج في غياهب الجهل ، وظلمات التخلف ، وبالرغم من تأخر المسلمين اليوم ، في ميادين عديدة ؛ إلا أن المنصفين من غيرهم لا ينكرون أن حضارة الإسلام قد امتدت لمئات السنين وكان لها فضل على البشرية جمعاء .

ففي التقدم الثقافي : جاء الإسلام بمجموعة من النظم والقوانين التي تكفل الحقوق السياسية ، والاجتماعية لجميع الطوائف والأجناس والألوان التي تعيش تحت كنفه لا فرق بين غني وفقير ، أو ذكر وأنثى ، أو كبير وصغير ، أو سيد وخادم .. الخ في مساواة لا يعرف لها نظير في الحضارات القديمة والحديثة ، تلك النظم التي تنظم العلاقة بين الكل تحت رايته ، وتنظم العلاقة بينهم وبين غيرهم من الأمم الأخرى ، بل تنظم لهم علاقتهم بربهم .

أما في التقدم المدني فقد جاء الإسلام بالآتي :

1- أمر أتباعه بالعمل ، والإنتاج ، والبناء بهدف عمارة الكون ، وإغناء النفس والأهل ، وجعل ذلك أحد المقاصد من خلق الإنسان .

2- دعاء الإسلام إلى تعلم العلوم المدنية التي تقوم على التجربة والملاحظة ، فالقرآن يحمل الكثير والكثير من الإشارات العلمية التي تلفت الأنظار إلى تلك العلوم .

تطور معنى الحضارة ومدلولها وسبق الإسلام بها :

تطور مدلول الحضارة شأنه شأن بقية الأشياء . مع مرور الوقت عن معنى التقدم والرقي الثقافي والفكري والتطور المدني والعمراني ، والعلمي ، ليأخذ مدلولا آخر جديدا واسعا . فقد أصبحت كلمة حضارة تطلق على كل ما تملكه الشعوب والمجتمعات ، والأمم من تراث وخصائص وإبداعات تتميز بها عن غيرها من المجتمعات ، وتقدمه للبشرية كحضارة المصرية القديمة ، والحضارة اليونانية .... الخ .

الدعوة السلم المجتمعي ، والعالمي ، وترسيخ قيمه ومبادئه : فليس من تعاليم الإسلام السلب والنهب ، وترويع الآمنين والإغارة عليهم حتى ولو كانوا من غير أهله ، ولم يشرع الجهاد إلا دفاعا عن الأوطان والحرمات والمقدسات والأعراض أن تنتهك ، ولم ينتشر بحد السيف كما يدعون عليه افتراء .

الموازنة بين مطالب الروح والجسد : فالرهبنة (التخلي عن أشغال الدنيا وترك ملاذها والعزلة عن أهلها) ليست من تعاليم الإسلام ، كما أنه ليس من تكاليفه الانغماس في الشهوات ، وإنما جاء الإسلام بالموازنة بين مطالب الروح والجسد ، فلا إفراط ولا تفريط .

الموازنة بين عمل الدنيا والآخرة : فالعمل والكسب والسعي على الأمور المعيشية الحياتية في الإسلام عبادة ، والإسلام لا يريد من أتباعه عمارة المساجد وحسب ؛ بل بريد منهم أيضا عمارة الأرض كعمارة المساجد وأشد .

تحقيق العدالة والمساواة بين جميع الناس : بعكس الحضارات والأمم الأخرى التي قسمت الناس إلى طبقات مجتمعية ، وقامت بتمييز طبقات على حساب طبقات ، بل قامت بالتمييز بين الناس بحسب اللون والعرق ، بل وبحسب النوع .

الاهتمام بالوقت وقيمته : وهذا مما تميز به الإسلام ، ونبه إلى ذلك في القرآن ، فقد أقسم الحق سبحانه وتعالى بالعديد من الوحدات الزمانية في خمس سور سميت باسم تلك الوحدات هي : 

(1) الجمعة . (2) الفجر . (3) الليل . (4) الضحى . (5) العصر . فهذا دليل على أهمية الزمن ، وعلى ضرورة استغلاله الاستغلال الأمثل .

الإسلام دين الحرية

إن الحرية مبدأ من المبادئ الأساسية التي دعا إليها الإسلام وعرف بها منذ بداية حضارته ، وقاسم مشترك بين رسالات السماء ، كما أنها فطرة جبلت عليها النفس البشرية ، وتميزت بها عن سائر المخلوقات وهي تعني : حق الفرد في الفعل أو الترك ، وقدرته على قبول تصور ما أو رفضه وفق منهج الإسلام بشرط ألا يضر بالآخرين ، فلا يقصد بها سوء التصرف ولا سيئ الأعمال ، وإنما يقصد بها مراعاة الحقوق والواجبات والمحافظة عليها ، فهي منهج كفله الإسلام لسائر البشر ، حرص الإسلام على تطبيقها بشروط تميزها عن غيرها أهمها :

أن تقوم الحرية على أسس دينية خالية من التعصب ، عمادها احترام الأديان ، وعدم الهجوم على الشرائع أو الإساءة إلى المقدسات .

أن تقوم على أساس احترام حريات الآخرين وممتلكاتهم وحمايتها ، وارتباطها بالمقدرة العلمية والثقافية في القول والفعل .

أن تقوم على احترام الدستور وحماية النظام العام حفاظا على كيانها .

وللحرية أنواع متعددة بتعدد مجالاتها فمنها : الشخصية ، والدينية ، والسياسية ، والاقتصادية وغيرها ، فهي تشمل كل ما يتعلق بحياة الإنسان وتهيئ له حياة آمنة مطمئنة تصان من خلالها الحقوق والواجبات .

أولا : الحرية الشخصية : أوجبها الإسلام للناس جميعا فهي الحرية التي تميز الإنسان عن غيره ، من حيث كونه موجودا عاقلا يصدر أفعاله بإرادته لا بإرادة غيره .

وللحرية الشخصية في القرآن والسنة مظاهر عديدة أهمها :

حرية التنقل : وهي أن يكون الإنسان حرا في التنقل داخل بلاده وخارجها متى شاء ، مع رعاية الضوابط والقوانين السياسية المعتاد عليها حالة التنقل واستيفائها .

حرية القول : فقد شرعها الإسلام وقيدها بعدم الإساءة للآخرين ، فجاءت آيات القرآن الكريم تدعو إلى القول الحسن بحرية كاملة في المجالات الخاصة والعامة مبينة أثره .

حرية المسكن : كفلها الإسلام للجميع بغض النظر عن العقيدة فأصبح الإنسان حرا في اختيار مسكنه واستعماله ، أو استبداله متى شاء حسب رغبته ، ومغادرة البلاد أو يعود إليها وفق اللوائح والقوانين .

الحرية الفكرية : وهي الحرية التي يغلب عليها الطابع الفكري في اختيار الإنسان ثقافته ومذهبه الفقهي ، وخضوع الإنسان في أفعاله وأقواله لحكم العقل تنفيذا لأمر الله .

حرية الرأي : شرعها الإسلام وكفلها تحقيقا لمبدأ التعاون على البر والتقوى ، وتكوين مجتمع متعاون قوامه المشاركة والمساواة وحماية المجتمع ، كما جعلها الإسلام مكملة لسابقاتها . وهي الحرية الفكرية . ومعناها قدرة الفرد على التعبير اللفظي عن آرائه ، وما يدور بذهنه من أفكار بحرية تامة ، فيصبح الإنسان حرا في تكوين شخصيته دون خوف من إعلان رأيه ، وما يدور بداخله دون إكراه أو ضغط وأن يكون قادرا على التصرف في شئونه الخاصة .

حرية التعليم : فمع أن الإسلام نص على فرضية التعليم إلا أن الإسلام لم يحدد أنواعا من العلوم التي يجب أن يتعلمها الإنسان ؛ بل جعل له حرية في اختيار ما يشاء من العلوم والفنون بما يتناسب مع قدراته الذهنية والبدنية والمالية ، وأن يختار التخصص الذي يتماشى مع عقله وقدرته ، ويتفق مع ميوله ، وأن يكون له الحق في نشر ما تلقاه وتلقينه لغيره بالوسائل المتفقة مع القدرات الذهنية للمتلقى ، فكل علم يفيد المجتمع في الدنيا والآخرة دعا إليه الإسلام .

ثانيا : الحرية الدينية : التي أعطت للإنسان الحق في اعتناق ما يشاء من الأديان ، وممارسة الشعائر والعبادات دون إجبار أو إكراه ، حرص الإسلام على تطبيقها تحقيقا لكرامة الإنسان.

حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية : وهذا حق ينبع من حرية الاعتقاد ، فيكون الإنسان حرا في ممارسة العبادات الدينية في الأوقات المحددة وبالطرق المعترف بها داخل مجتمعه ، وفقا لديانته دون إكراه أو اضطهاد .

حرية تدوين عقائدهم ومقارنتها بغيرها ، فقد أعطى الإسلام غير المسلمين الحرية في تدوين كل شيء عن عقائدهم ، وما تحويه من أمر ونهي ، والمقارنة بينها وبين غيرها بضوابط وأسس أهمها : احترام الأديان ، وعدم الإساءة إليها أو لأي نص ثابت بها ، أو الاعتراض على نص ثابت فيها ، أو التهكم أو السخرية قولا وعملا ، والواقع يؤكد على هذه الحرية ، فهناك آلاف من الكتب غير الإسلامية سجل فيها أصحابها عقائدهم وعباداتهم وعاداتهم .

حرية تطبيق شريعتهم : وفعل ما هو مباح من الأطعمة والأشربة والعادات والتقاليد وكافة الأمور الدينية وما تحويه من أصول وفروع ، خاصة في الأحوال الشخصية من قضايا الزواج والطلاق ، والنفقة وغيرها ؛ لأن الإسلام يحترم حرية الإنسان وكرامته .

مقيدات حرية الاعتقاد : وإذا كان الإسلام قد كفل حرية الاعتقاد لأبناء الوطن الواحد ، فقد قيدها بقيود ثابتة : عمادها احترام الأديان ، وعدم الإساءة للعقائد والعبادات والمقدسات ، والتعدي على الحقوق والواجبات والإطلاع على العورات ، وانتهاك الأعراض ، فالإسلام قيدها بما يصونها ويحافظ عليها من إساءة الاستعمال والهدف من ذلك هو ضمان تطبيق شرع الله تعالى ، وتحقيق أمن المجتمع واستقراره وحماية العقائد والمقدسات والأوطان .

ثالثا : الحرية السياسية : وهي أن يمارس أفراد المجتمع حقوقهم السياسية بحرية ، وأن يسهموا في ممارسة شئون الدولة والحكم ، وأن يكون لهم حق التعبير عن أنفسهم بحرية في اختيار الرئيس دون خوف أو تهديد بأذى ، واختيار من ينوب عنه ، وهذه الحرية يقررها الإسلام ويقيدها بالتزام الإنسان حدود القيم الإنسانية ، فلا يجوز أن يكون الرأي الذي يتبناه الإنسان طعنا في الدين ، أو خروجا على القيم الإسلامية المتفق عليها .

رابعا : الحرية الاقتصادية : وهي أن يمارس الإنسان كافة مجالات الاقتصاد المشروعة والمباحة في الدولة بحرية ، وأن يسهم في بناء الاقتصاد القومي للبلاد بشرط ألا يخل باقتصاد غيره.

الإسلام دين التعايش السلمي 

لقد نظم الإسلام الحياة بين المسلم وغيره تنظيما محكما واضحا فأسس للتعايش السلمي بين مختلفي العقائد والثقافات والتيارات ، ودعا إلى التواصل بينها اجتماعيا ، واقتصاديا ، وسياسيا ، وثقافيا .

والمقصود بالآخر : غير المسلمين الذين يعيشون في دولة الإسلام ويقرون بسياستها ويحتكمون إلى دستورها .

ومعنى قبول الآخر : رعاية حقوقه وواجباته الدينية والمدنية والاستعانة به في بناء المجتمع والدولة.

أهداف التعايش السلمي :

لقد تعددت أهداف التعايش بين الإسلام والآخر يرجع أهمها إلى :

أولا : بيان محاسن الإسلام ، ودعوة الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة.

ثانيا : تربية المسلمين على مبادئ الإسلام وتعاليمه ، ومنها : مبدأ تقبل الآخر ، وعدم التعدي على الحقوق واحترام الواجبات ، والاعتزاز بالدين ، وحب الوطن .

ثالثا : تكاتف أصحاب العقائد في المجتمع الواحد في مواجهة الفساد والعدوان ، ودرء الخطر المتوقع على البلاد ، ولا يتأتى ذلك إلا بالتعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد والتعاون فيما بينهم.

رابعا : تصوير الوطن وإظهاره في المحافل الدولية ، على صورته الحقيقية في أبهى صورة ، ونفي دعوى الاضطهاد والتعصب الديني والطائفية ، والتأكيد على ممارسة أصحاب العقائد المختلفة لجميع حقوقهم بصفة عامة ، والحريات بصفة خاصة ، ومشاركة أبناء المجتمع في بناء الدولة (اقتصاديا ، وسياسيا ، وثقافيا ) .

عيادة مرضاهم ، وقبول هديتهم ، وحضور ولائمهم ، وحضور جنائزهم ، وعزاؤهم في مصيبتهم .

أن الله تعالى أباح طعامهم وشرابهم ونسائهم ، حيث أباح التعامل مع الآخر في جميع مجالات الحياة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا وأجاز طعامهم ، ومصاهرتهم وفق منهج الإسلام وجعل ذلك من وسائل البر بهم .

الإسلام دين الحفاظ على الدماء والأموال والأعراض 

أما عن حفظ الدماء فقد وري النهي في القرآن الكريم عن قتل النفس والتحذير من إراقة الدماء بغير حق في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، قال تعالى : ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ... (

وكما حافظ الإسلام على الدماء حافظ أيضا على الأموال :

فالحفاظ على المال في الإسلام (سواء كان عاما أو خاصا) ضرورة شرعية ، لأن به تدار شئون البلاد والعباد ، ويعتبر الاعتداء عليه اعتداءا على مجموع الأفراد والمجتمع ، لأن الذي يسرق من المال العام فإنه يسرق من الأمة كلها ، وعليه إثم كل من له حق في هذا المال .

فالمال العام ملك للمسلمين أجمعية ، وليس ملكا لفئة معينة من الناس والقائمون عليه إنما هم أمناء في حفظه وتحصيله ، وصرفه لأهله فلا يحل لأحد أن يعتدي عليه ، أو يأخذ منه مالا يستحق ، لأن ذلك يعد خيانة وظلما واعتداء على المسلمين جميعا .

وعلى مر العصور والأزمنة يتعرض المال العام للاعتداءات ، وإن تغيرت في الشكل والطريقة والأسلوب إلا أن مضمونها واحد ، ويتمثل ذلك في استئثار أحد الأفراد به وحدة بدون حق ، أو انتزاع ملكيته من مجموع الناس إليه بدون حق ، أو سوء استخدامه أو إتلافه .

وكما حرم الإسلام الاعتداء على المال العام ، كذلك حرم الاعتداء على المال الخاص وجعله محرما على الغير ، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (r) قال : [ كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ] رواه مسلم 

وكما حافظ الإسلام على الدماء والأموال حافظ أيضا على الأعراض :

فالحفاظ عليها من أهم مبادئ الإسلام ، حيث حرم الاعتداء عليها بالإيذاء أو النظر ، أو السخونة ، وكذلك حرم الغيبة ، والنميمة ، وغير ذلك مما يتأذى منه المسلم .

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة