التيسير في الحج (في ضوء المستجدات العصرية)

التيسير في الحج (في ضوء المستجدات العصرية)

0 المراجعات

<!-- /* Font Definitions */ @font-face {font-family:"AGA Arabesque"; panose-1:5 1 1 1 1 1 1 1 1 1; mso-font-charset:2; mso-generic-font-family:auto; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:0 268435456 0 0 -2147483648 0;} @font-face {font-family:"Simplified Arabic"; panose-1:2 2 6 3 5 4 5 2 3 4; mso-font-charset:0; mso-generic-font-family:roman; mso-font-pitch:variable; mso-font-signature:8195 0 0 0 65 0;} /* Style Definitions */ p.MsoNormal, li.MsoNormal, div.MsoNormal {mso-style-parent:""; margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:16.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-bidi-font-family:"Simplified Arabic";} p.MsoFooter, li.MsoFooter, div.MsoFooter {margin:0cm; margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; tab-stops:center 207.65pt right 415.3pt; direction:rtl; unicode-bidi:embed; font-size:16.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-bidi-font-family:"Simplified Arabic";} @page Section1 {size:595.3pt 841.9pt; margin:2.0cm 2.0cm 2.0cm 2.0cm; mso-header-margin:35.45pt; mso-footer-margin:35.45pt; border:double windowtext 4.5pt; mso-border-top-alt:thin-thick-small-gap; mso-border-left-alt:thin-thick-small-gap; mso-border-bottom-alt:thick-thin-small-gap; mso-border-right-alt:thick-thin-small-gap; mso-border-color-alt:windowtext; mso-border-width-alt:4.5pt; padding:24.0pt 24.0pt 24.0pt 24.0pt; mso-paper-source:0; mso-gutter-direction:rtl;} div.Section1 {page:Section1;} -->

التيسير في الحج (في ضوء المستجدات العصرية) 

فإن الإسلام كله قائم على التيسير ورفع الحرج ، حيث يقول الحق سبحانه : ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( ويقول سبحانه :) وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ( وحيث يقول نبينا (r) : [ إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ] ويقولون : الفقه رخصة من ثقة ، والفقه عند أهل العلم هو التيسير بدليل .

 وإذا كان الإسلام  كله قائما على التيسير ورفع الحرج فإن هذا التيسير في الحج أولى وألزم ، فما يسر نبينا (r) في شيء أكثر من تيسيره على حجاج بيت الله عز وجل في قولته المشهورة [ افعل ولا حرج ] .

غير أن التيسير الذي نسعى إليه هو التيسير المنضبط بضوابط الشرع ، المقرون بمدى القدرة والاستطاعة ، إذ ينبغي أن يحرص المستطيع على أداء العبادة على وجهها الأكمل والأفضل الذي يحقق لصاحبه أعلى درجات الفضل والثواب ، وبما لا يصل إلى حد التهاون الذي يفرغ العبادة من مضامينها التعبدية الأصيلة السامية ، وبحيث لا تنحصر همة الإنسان في تتبع كل الرخص في كل الأركان والواجبات وعلى كل المذاهب ، إنما يأخذ من الرخص ما يقتضيه واجب الوقت وظروف أداء الشعيرة وموجبات التيسير .

النية في الحج يجب أن تتوجه إلى تحديد النوع الذي يختاره الحاج من أنواع الإحرام ، حيث يتنوع الإحرام إلى ثلاثة أنواع :

1- إفراد : وهو أن ينوي الحج وحده .

2- تمتع : وهو أن ينوي العمرة متمتعا بها إلى الحج .

3- إقران : وهو أن يجمع بين أعمال الحج والعمرة في إحرام واحد ، بحيث لا يتحلل من إحرامه إلا بعد أعمال العمرة والحج معا وذلك بأن يذبح هديا وإن لم يستطيع فعليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة عندما يعود إلى بلده .

وقد حدد الفقهاء فيها بعد لأهل مصر والمغرب إذا جاءوا بطريق البر ميقات أهل الشام (الجحفة) لأنه كان طريقهم الطبيعي إذ ذاك قبل شق قناة السويس .

وقد قدرت من دار الإفتاء المصرية فتوى برقم (2002 لسنة 2009 م ) أجازت الإحرام من جدة لمن قدم إليها بالطائرة .

وقد انتصر بعض الفقهاء المعاصرين ومنهم الشيخ عطية صقر – رحمه الله – لاعتبار جدة ميقاتا لراكبي الطائرات ، واستدل لذلك وانتصر له وناقش المعارضين في فتوى مكتملة الأسانيد .

والخلاف بين الفقهاء في أمر واحد هو : من أي مكان يكون الإحرام بالعمرة الثانية ؟ هي يجوز من داخل مكة المكرمة أو لابد من الذهاب إلى التنعيم ؟ وجمهور الفقهاء يوجبون الخروج من مكة المكرمة عند إرادة الإحرام بعمرة لكي يحرم من الحل ، ومن نوى من الفندق أو من أي مكان آخر في مكة المكرمة صحت عمرته لكن يجب عليه ذبح شاة ويرى عطاء وابن حزم (رحمهما الله) أنه لا يجب عليه شيء .

ويجوز الإفتاء بقول عطاء لكبار السن والمرضى الذين يشق عليهم في شدة الزحام الخروج من مكة المكرمة إلى التنعيم ، ومن قدم هديا منهم لأهل الحرم – كما يرى الجمهور – فإنه يكون أفضل للخروج من الخلاف خاصة إذا كان قادرا . 

ويشرع تكرار العمرة في السفرة الواحدة ، حيث لم يرد عن النبي (r) ما يمنع ذلك .

من آداب المكث في الحرمين الشريفين 

1- عدم الكلام إلا بخير .

2- عدم النوم فيهما .

3- عدم الأثرة : فقد يحرص الجالس في الحرم على التنعم بكل شيء ، والجلوس مستريح النظر للكعبة ، وقد يفعل ذلك مع مد الرجلين ، فإذا جاء آخر وطلب الحركة قليلا للتمكن من الصلاة كان الرفض والضجر والغضب وأحيانا الهجوم على راغب الصلاة واتهامه بالعمي وعدم النظر مع الإصرار على المنع ، مع الأن الأمر يتطلب الإيثار والحنو على الكبير والضعيف .

4- التعفف : بعض الجالسين في الحرم إذا أبصر من يوزع التمر أو الطعام أو العصائر أو الشاي فزع وهرول ، ومد يده وجرى خلف الموزع ، وكل ذلك مما يخالف الحديث الشريف [ ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ] .

5- كثرة الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن ، والصلاة والسلام على خير الأنام والنظر إلى الكعبة .

ملخص 

تيسير أداء مناسك الحج وفقا للدواعي المستجدة 

فيما يلي تلخيص لأهم مظاهر المستجدات والأحكام الفقهية المتعلقة بالتيسير في أداء مناسك الحج في ضوء الواقع المعاصر :

أولا : الزحام من أهم المستجدات المقتضية للتيسير :

يعتبر الزحام والتدافع من أهم الأسباب المقتضية للتيسير في أيامنا هذه ، حيث يؤديان إلى قتل الحجيج في الأماكن المقدسة تحت الأقدام .

والزحام هو اجتماع عدد من الأشخاص في مكان محدد لا يتسع لهم .

والتدافع هوا ما يحدثه الزحام عندما يريد أحد المجتمعين في كان ضيق أو بعضهم أن يتحرك في زمن قصير لأداء عمل أو قضاء طلب أو الوصول إلى مكان آخر .

وقد اشتد التزاحم في الأماكن المقدسة حتى صار من أهم الأسباب المؤدية إلى التدافع ووقع أعداد لا تحصى من الحجاج تحت الأقدام فيموتون ، ومن المعلوم أن الوصول إلى الديار المقدسة أصبح سهلا ميسورا لكل مسلم في العالم كله بينما الأماكن محدودة ، والتوسع فيها لا يقوي على مواجهة الزيادة في أعداد القادمين كل عام ، وهذا يقتضي التحوط ويستوجب التيسير .

ثانيا : لا يجوز قتل النفس من أجل أداء المناسك : 

إن الفهم الصحيح لأولويات ما طلبه الشارع من العباد يوجب ألا تكون العبادة سببا لقتل النفس أو الإلقاء بها في المهالك ؛ لأن الحق في حفظها أرجح وأولى عند الله من أداء العبادة ، لأن أداء العبادة حقه سبحانه ، وحق الله مبني على الصفح والغفران ، ولأن التكليف إذا ضاق عن وسع الإنسان برئت ذمته منه لقول الله تعالى : )لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( وقوله تعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ( ولأنه تكليف بما لا يطاق .

ثالثا : المرافقون للضعفاء وأصحاب الأعذار مثلهم في التخفيف :

إن التخفيف على المرضى والمسنين وأصحاب الأعذار لا يقتصر عليهم وحدهم ، بل يتعدى ذلك إلى من يرافقونهم من الأهل ، أو يكونون معهم في الأفواج فيستفيدون من الأحكام التي تقرر التيسير لهم ، ويستفيدون بما مثلهم في الحل والترحال وأداء المناسك ؛ لأن الضعيف أمير الركب ، وحكم الامير يسري على المأمور معه ، وهو المصاحب له أو القائم على أمره ، وذلك معلوم من أحكام الدين بالفطرة الدينية والفهم السديد ، إذ بدون ذلك يهلك أصحاب الأعذار ويضيع مقصود الشارع من التخفيف عنهم .

رابعا : ضرورة توقي ما يؤدي إلى التزاحم :

من المعلوم أن الزحام يمثل سببا لصرف النية عن العبادة وقطع خلوصها لله سبحانه ، ذلك أن الحاج حين يقع في طوفان الزحام ينصرف بنيته عن الإخلاص في العبادة والانشغال بربه رجاء الفوز بثوابه ، إلى الانشغال بنفسه واتخاذ ما يلزمه من الخطط التي يحفظ بها توازنه ويمنع نفسه من السقوط تحت أقدام المتزاحمين ، هو أو من يعنيه أمرهم من زوجته أو أولاده الصغار أو والديه أو أحدهما .

وقد يصل الانشغال بمدافعة الزحام وتجنيب مخاطره حدا ينسى المسلم العبادة التي يؤديها ، فيضيع المقصود من أدائها ؛ ولهذا كان كل عمل يؤدي إلى تلافيه ،و يساعد المسلم على كمال إخلاصه في العبادة مطلوبا ويتعين الأخذ به لصحة العبادة ذاتها واستقامة الأحكام الشرعية وفقا لأولياتها .

خامسا : مستجدات التيسير في ظل توقي مهالك الزحام والتدافع :

في ظل ذلك الواقع المستجد وإعمالا للمقصد التشريعي الأسمى ، وهو أن التشريع الإسلامي الخاتم صالح لكل زمان ومكان ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، اقتداء بسنة النبي (r) في الرفق والتيسير ، إعمالا لقوله تعالى : ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( وأنه (r) ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما .

وبناء على هذه الأسس الشرعية تستقيم مستجدات التيسير في الحج وفقا لما جرت دراسته في الأحكام الشرعية الآتية :

(1) الإحرام من جدة :

يجوز الإحرام من جدة لمن قدم للحج من بلده غير محرم ؛ لأنها واقعة ضمن بعض مواقيت الحج للقادمين من جهة موقعها للأماكن المقدسة ، ومن ثم يصبح القادمون إليها كأهلها ويجوز لهم أن يحرموا بالحج أو العمرة منها ، ولا حرج على من فعل ذلك ولا يلزمه دم ، بناء على أن المسألة خلافية بين الفقهاء ، ومن المعلوم أن العمل بأي من الرأيين المختلفين في المسألة التي تحتمله جائز وغير منكر ؛ إذ لا يكون الإنكار إلا في الأمر المجمع على حكمه .

(2) تقديم السعي على الطواف :

يجوز تقديم السعي على الطواف تلافيا للزحام ، وذلك حماية لأرواح الناس من السقوط تحت الأقدام في المطاف حول الكعبة ؛ لأن مساحة المطاف محدودة ، وأعداد الطائفين غير محدودة ، ولو تجمعت كلها في وقت واحد في الطواف والسعي بالترتيب الذي قال به بعض الفقهاء ، لأدى ذلك إلى وقوع المحظور ، وحفظ النفس أولى عند الله من الترتيب في الطواف ثم السعي ، لا سيما وقد جاء عن النبي (r) مال يدل على دخول الزحام في أسباب التخفيف عند أداء المناسك حيث أذن للضعفاء في الدفع من مزدلفة قبل حكمة الناس (والحطمة هي الزحام) .

(3) حكم تكرار العمرة من مكة : 

يجوز للمقيم في مكة أن يكرر القيام بالعمرة أكثر من مرة ، وذلك من المستحبات عند بعض الفقهاء إعمالا لظاهر حديث النبي (r) [ العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ] فإذا كان هناك زحام شديد يخشى من شدته على الأنفس وبخاصة أنفس الضعفاء ، واتجهت النية إلى قصد تخفيف الزحام ، فإن المكث بالبيت الحرام وكثرة الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن به لا تقل ثوابا ولا أجرا لمن أخلص نيته لله عز وجل .

أما ميقات العمرة لمن يقيم بمكة فإنه (التنعيم) وذلك ما ذهب إليه كثير من الفقهاء ، بينما ذهب عطاء وابن حزم الظاهري وغيرهما إلى أنه يجوز الإحرام بالعمرة المتكررة للمقيم بمكة من محل إقامته فيها وذلك لغير القادر على الخروج للتنعيم ، ويكون إحرامه من محل إقامته بمكة صحيحا ولا يلزمه شيء لقول الله تعالى : ) لا يكلف نفسا إلا وسعها ( .

(4) المبيت بمنى يوم التروية وأيام التشريق :

أ – المبيت بمنى يوم التروية :

المبيت بمنى يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) غير واجب عند جميع الأئمة ، وإنما هو سنة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها . 

وفعل السنة إذ أدى إلى هلاك النفس بسبب الزحام فإنه لا يتعين أداؤه ، بل يجب فعل ما يمنع التهلكة .

ب- المبيت بمنى أيام التشريق :

إذا كان الحاج من أصحاب الأعذار التي رخص فيها النبي (r) أو كان له عذر مشابه ، فإنه يباح له ترك المبيت في منى ترخيصا وذلك قول جمهور أهل العلم كما ذكره الشوكاني وغيره .

ومن الأعذار أن لا يكون للحاج مكان يأوي إليه في منى فإن كان ليس له مكان فيها ، فله أن يبيت في مكة أو الأماكن القريمة من منى كالعزيزية وما يجاورها ، وذلك حتى لا ينام الناس في طرقات منى وشوارعها بصورة مهينة تخدش الخصوصية ولا توافق الكرامة الإنسانية ، وحتى لا يكون أداء تلك المناسبات سببا لخدش الكرامة التي أوجب الله المحافظة عليها .

وإذا كان الحاج من غير أصحاب الأعذار وتوافر له مكان في منى للمبيت فيه فهنا يكون من المستحب له أن يبيت في منى اقتداء بسنة الرسول (r) .

ومن المعلوم أن وجود الأعذار في الحج لم يعد حالة فردية ، بل أصبح حالة عامة تتعلق بكافة الحجيج ، وإذا وجدت تلك الحالة ، حتى لو كان الحاج قويا معافي ، أو كان له مكان للمبيت في منى ، فإنه يجوز له أن يترخص بترك المستحب تلافيا للضرر الأكبر ، وهو وقوع الأذى أو الهلاج لنفسه أو لغيره من الحجيج ؛ لأن دفع الضرر العام يقدم على مصلحة الحاج من تحصيل ثواب السنة بالمبيت في منى ، ولأن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، إذ الأول واجب والثاني مستحب والواجب يقدم على المستحب .

(5) قدر البقاء بالمزدلفة : 

قدر البقاء بالمزدلفة يلي الوقوف بعرفة ، وهو المنسك الذي يليها في أفعال الحج ، ويبدأ وقت الوقوف فيها عند نزول الحاج بها ، وينتهي بخروج منها ؛ ولهذا كانت مدة البقاء بها قليلة بالمقارنة للأفواج التي تتوالى عليها من موقف عرفة وهم كل الحجيج بأعدادهم ومركباتهم ومرضاهم وأصحابهم ؛ ولهذا كان مما يلائم مقدار الوقوف فيها أن يكون قليلا بحسب ما تيسر للحاج ، فإن استطاع أن يبقى فيها مقدار حط الرحال وصلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا فله ذلك ، وإن اكتفى بمجرد المرور فيها فإنه يعتبر وقوفا ، حيث لم يأمر الله الحجيج في المزدلفة إلا بذكره فيها لقوله تعالى : ) فاذكروا الله عند المشعر الحرام ( والذكر لا يستغلق سوى دقائق معدودات .

(6) وقت الخروج من مزدلفة :

يجوز الخروج من مزدلفة بعد منتصف الليل ولو بلحظة تلافيا للزحام واقتداء بما رخص فيه النبي (r) لأصحاب الأعذار – وذلك استعدادا لأداء أعمال يوم النحر .

ومنتصف الليل يقصد به اللحظة ما بين نصف الليل الأول الذي يلي المغرب ، ونصفه الثاني الذي ينتهي عند الفجر ، وذلك بحساب عدد الساعات ما بين المغرب والفجر فإن كانت ثماني ساعات يكون المنتصف بعد أربع ساعات من أذان المغرب ، وإن كان أقل من ذلك أو أكثر في أماكن المشاعر ، فيكون تقدير منتصف الليل بحسبه ، وهو قد يوافق العاشرة أو الحادية عشرة ليلا ، وليس بلازم أن يكون هو الثانية عشرة في كل حالة .

(7) ترتيب أعمال يوم النحر :

من المعلوم أن أعمال يوم النحر أربعة هي : رمي جمرة العقبة الكبرى ، ثم النحر لمن وجب عليه ، ثم الحلق أو التقصير ، ثم طواف الإفاضة بالبيت الحرام ، وهذه الأفعال وإن كان من المستحب أداؤها وفقا لترتيبها الذي فعله النبي (r) وهو الذي بدأ فيه بالأعمال التي تؤدي في منى ، ثم يأتي الطواف في نهايتها ، إلا أن الالتزام بهذا الترتيب غير لازم ذلك لقول النبي (r) : لمن سألوه عن تقديم شيء من تلك الأمور الأربعة أو تأخيرها : ( افعل ولا حرج) ولتلافي مشقة الزحام التي تستوجب التيسير . ويلاحظ أن الذبح تجري فيه الإنابة بشراء الصك المعروف من مراكز بيعه المعلن عنها ، والحلق أو التقصير مما يتعين فعله بالذات ولا تجري فيه الإنابة .

بناء على ذلك :

يجوز للحاج أن يذهب من مزدلفة مباشرة إلى المسجد الحرام قبل أن يزدحم بالطائفين ، ويطوف طواف الركن هو ومن معه من أصحاب الأعذار والذين يصحبونه في الفوج إذا انتهى من المرور بها بعد منتصف الليل وفقا لتقدير حسابه بالساعات ، ثم يحلق أو يقصر ويتحلل التحلل الأصغر ، وله بعد ذلك أن يستريح ويذهب إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى ، وهو غير منهك ولا مجهد أو مرهق .

(8) التحلل من الإحرام :

إذا أدى الحاج الطواف في أول أعمال يوم النحر ، وحلق أو قصر ، يكون له أن يتحلل التحلل الأصغر ، فيخلع ملابس الإحرام ، ويحل له ما كان يحرم عليه بسببه ، إلا مباشرة الزوج فهو لا يجوز له إلا بعد أن ينتهي من كل أعمال يوم النحر الثلاثة الطواف والحلق والرمي ، فإن أتى أمرين منها كان له أن يتحلل التحلل الأصغر ، وإن أتم فعل الثالث حل له كل شيء حتى النساء ويسمى ذلك التحلل الأكبر ، وذلك ما ذهب إليه جمهور الفقهاء متى قدم الطواف .

(9) الجمع بين طواف الركن وطواف الوداع :

يجوز للحاج أن ينوي طواف الوداع مع طواف الركن ، إذا لم يتيسر له أداء طواف الوداع مستقلا بسبب ازدحام المطاف من توالي أفواج الحجيج قبل سفره ، بما يجعل أداءه لهذا الطواف عسيرا أو شاقا أو مؤديا إلى التهلكة ، ويجزئه أن ينويه مع طواف الركن ، ذلك أن طواف الوداع لم يقصد لذاته ، بل يقصد به أن يكون آخر عهد الحاج بالبيت في أعمال الحج ، وذلك مما يحصل بطواف الإفاضة ؛ ولأن نية الفعل الأقل وصفا تدخل في الأقوى ، فالمسنون يدخل تحت الواجب ولا عكس ، ومن يفعل ذاك يحصل ثواب طواف الوداع مع طواف الركن كما ذكره الدسوقي في حاشيته ، وابن قدامة في المغنى .

(10) النيابة في الحج وفي أعماله : 

تجوز النيابة في الحج ممن ملك القدرة المالية وفقد القدرة البدنية ، لمن سبق له أن أدى الحج عن نفسه وكان قادرا بدنيا على القيام بما أنيب فيه ، أما في أفعال الحج فتجوز النيابة فيها عند المشقة المؤدية إلى عجز الحاج في القيام بها وذلك كما يلي :

أ – رمي الجمرات : تجوز النيابة في رمي الجمار ممن يشق عليه أن يؤديه بنفسه بسبب الزحام أو الضعف البدني ، ويجوز للنائب في الرمي أن يكون موكلا عن أكثر من شخص ؛ فيؤدي لنفسه أولا ثم يؤدي عمن أنابوه ثانيا ؛ ولأنه إذا كانت النيابة في كل أفعال الحج جائزة ، فلأن تكون جائزة في بعضها من باب أولى .

ب- الجمع في رمي الجمرات :

من تعذر عليه رمي جمرات كل يوم على حدة من أيام التشريق بسبب الزحام ، يجوز له أن يجمع الرمي كله عن الأيام الثلاثة في وقت واحد من أيام التشريق ، وذلك مما يجزئه ولا شيء عليه ، وذلك بناء على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ومحمد بن الحس من الحنفية ، من أن توزيع الرمي على أيام التشريق ، وذلك مما يجزئه ولا شيء عليه ، وذلك بناء على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية ، من أن توزيع الرمي على أيام التشريق الثلاثة سنة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها ، وأن فعل المستحب إذ أدى إلى ما يغلب فيه الهلاك ، يكون ممنوعا وليس مطلوبا .

ج- الإنابة في ذبح الهدى والأضحية :

وتجوز الإنابة في ذبح الهدى والأضحية بعذر أو بغير عذر ويجزئ عن المنيب في ذلك دفع (صك) الهدى أو الأضحية في الأماكن المختصة ببيعه بعد التأكد من صفة القائمين عليها وقد ورد في السنة الشريفة ما يدل على جواز ذلك ، ولو أراد الموكل أن يحضر الذبح بنفسه وتيسر له ذلك من غير ضرر أو مشقة فلا حرج عليه .

(11) البقاء بمكة بعد طواف الوداع :

ومن انتهى من أعمال الحج وطاف طواف الوداع لا يلزمه السفر مباشرة بعد خروجه من المطاف ، بل يجوز له أن يبقى في مكة أياما ؛ بل حتى لو مكث سنة أو أقل أو أكثر وذلك لأن المقصود من قول النبي (r) : [ لا ينفرن أحد من الحاج حتى يكون آخر عهده بالبيت ] يراد به أداء المناسك بالبيت وليست الإقامة بمكة ، ولو أقام بها بعد ذلك وصلى بالبيت جميع الفرائض ، فلا حرج عليه ولا إثم في ذلك . لا يلزمه بعده طواف وداع .

(12) أعمال العمرة : 

الإحرام بالعمرة ، والطواف والسعي والحلق أو التقصير ، وليس فيها وقوف بعرفة .

(13) الشك في أداء أعمال الحج أو بعضها :

الشك في أداء أفعال الحج أو شروطها أو عددها إما أن يقع بعد الأداء ، أو قبله .

أ – فإن وقع بعد الأداء : فإنه لا يؤثر في براءة ذمة المكلف منها ، ويكون ذلك الشك هدرا ؛ لأنه طارئ على ما استيقن بحسب الأصل والمتيقن لا يزول بالشك .

ب- وإن وقع أثناء الأداء : 

فإنه يحمل ما أدى من الفعل على أقله المتيقن ، فمن شك هل طاف أربعا أو خمسا يكون الأقل هو المتيقن في حقه ، ويتعين أن يبني عليه ؛ وكذلك لو شك فيما إذا كان قد سعى أربعا أو خمسا ، يكون المتعين عليه أربعا ويستكمل الباقي .

ومن شك في شروط العبادة بعد أدائها ، كالطهارة – مثلا – فإنه يحمل على وجودها ، ولا يؤثر الشك الطارئ على صحة الفعل ، وتكون ذمة المكلف بريئة منه أمام ربه ، وذلك كله بشرط أن لا يكون الشك عادة للمكلف ، فإن كان الشك عادة له ، وذلك ( كالموسوس) فإنه لا يعتد بشكه قبل الأداء أو بعده ، ويكون عمله صحيحا في كل حال .

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

42

متابعين

5

متابعهم

1

مقالات مشابة