مقاصد سورة غافر
سورة غافر
هي السورة الأربعون بحسب ترتيب المصحف العثماني ، وهي السورة الستون بحسب ترتيب النزول ، نزلت بعد سورة الزمر ، وقبل سورة فصلت ، وهي أول سور( آل حم) نزولاً. وهي سورة مكية إجماعاً ، وآياتها خمس وثمانون( 85) آية.
تسميتها
السور المفتتحة بكلمة{ حم} سبع سور ، مرتبة في المصحف على ترتيبها في النزول ، وهي( غافر ، فصلت ، الشورى ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف) ويدعى مجموعها( آل حم) جعلوا لها اسم( آل) لتآخيها في فواتحها. فكأنها أسرة واحدة ، وكلمة( آل) تضاف إلى ذي شرف.
وردت تسمية هذه السورة في السنة( حم المؤمن) كما في حديث الترمذي الآتي. وبذلك اشتهرت في مصاحف المشرق ، وبهذا الاسم ترجمها البخاري في" صحيحه" والترمذي في" جامعه". ووجه التسمية أنها ذُكرت فيها قصة مؤمن آل فرعون ، ولم تذكر في سورة أخرى بوجه صريح.
وتسمى سورة{ غافر} لذكر وصفه تعالى{ غافر الذنب}( غافر3) في أولها. وبهذا الاسم اشتهرت في مصاحف المغرب.
وتسمى أيضاً سورة( الطَّوْل) لقوله تعالى في أولها{ ذي الطول}( غافر3) وقد تنوسي هذا الاسم.
مقاصد السورة
مقصود السورة إجمالاً معالجة قضية الحق والباطل ، وقضية الإيمان والكفر ، وقضية الدعوة والتكذيب ، وأخيراً قضية العلو في الأرض والتجبر بغير الحق ، وبأس الله الذي يأخذ العالين المتجبرين. وفي أثناء هذه القضية تلم السورة بموقف المؤمنين المهتدين الطائعين ، ونصر الله إياهم ، واستغفار الملائكة لهم ، واستجابة الله لدعائهم ، وما ينتظرهم في الآخرة من نعيم مقيم.
وتفصيل هذه المقاصد التي اشتملت عليها هذه السورة جاءت وفق التالي
- ابتدأت السورة بما يقتضي تحدي المعاندين في صدق القرآن ، كما اقتضاه الحرفان المقطعان في فاتحتها{ حم} وأُجري على اسم الله تعالى من صفاته ما فيه تعريض بدعوتهم إلى الإقلاع عما هم فيه ، فكانت فاتحة السورة مثل ديباجة الخطبة ، مشيرة إلى الغرض من تنزيلها.
- حملة العرش ومن حوله يعلنون إيمانهم بربهم ، ويتوجهون إليه بالعبادة ، ويستغفرون للذين آمنوا من أهل الأرض ، ويدعون لهم بالمغفرة والنعيم والفلاح.
- بيان أن دلائل تنزيل هذا الكتاب من الله بينة ، لا يجحدها إلا الكافرون من الاعتراف بها حسداً ، وأن جدالهم تشغيب وتعنت ، لا طائل من ورائه. وقد تكرر ذكر المجادلين في آيات الله خمس مرات في هذه السورة.
- تمثيل حال المجادلين بحال الأمم التي كذبت رسل الله بذكرهم إجمالاً ، ثم التنبيه على آثار استئصالهم ، وضرب المثل بقوم فرعون.
- تقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة ولا برهان ، إنما يدفعهم إلى هذا كِبْرٌ في نفوسهم عن الحق ، وهم أصغر وأضأل من هذا الكبر. ويوجه القلوب إلى هذا الوجود الكبير الذي خلقه الله ، وهو أكبر من الناس جميعاً ، لعل المتكبرين يتصاغرون أمام عظمة خلق الله ، وتتفتح بصيرتهم ، فلا يكونون عمياً.
- بيان أن الوجود كله مُسْلِمٌ مستسلم لله ، وأنه لا يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ، فيشذون عن سائر الوجود بهذا الجدال.
- التذكير بمجيء الساعة ، والتوجيه إلى دعاء الله ، الذي يستجيب لدعاء من دعاه ؛ فأما الذين يستكبرون ، فسيدخلون جهنم أذلاء صغراء ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من عبادة المستكبرين ، ويعلن نهي ربه له عن آلهتهم ، وأمره له بالإسلام ولاستسلام لرب العالمين.
- عرض مشهد الكافرين يوم القيامة ، وهم ينادون من أرجاء الوجود المؤمن المسلم المستسلم ، وهم في موقف الذلة والانكسار بعد التكبر والاستكبار ، يقرون بذنبهم ، ويعترفون بربهم ، فلا ينفعهم الاعتراف والإقرار ، إنما يُذَكَّرون بما كان منهم من شرك واستكبار.
- عرض جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وهامان وقارون ، تمثل موقف الطغيان من دعوة الحق. فيها ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ، يدفع عن موسى ما هموا بقتله ، ويصدع بكلمة الحق والإيمان في تلطف وحذر في أول الأمر ، ثم في صراحة ووضوح في نهايته. يعرض في جدله مع فرعون حجج الحق وبراهينه قوية ناصعة ، ويحذرهم يوم القيامة ، ويمثل لهم بعض مشاهده في أسلوب مؤثر ، ويذكرهم موقفهم وموقف الأجيال قبلهم من يوسف عليه السلام ورسالته.
- حوار بين الضعفاء والذين استكبروا ، وحوار لهم جميعاً مع خزنة جهنم ، يطلبون فيه الخلاص. ولات حين خلاص! وفي ظل هذا المشهد يوجه الله رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الصبر والثقة بوعد الله الحق ، والتوجه إلى ربه بالتسبيح والحمد والاستغفار.
- التنبيه على دلائل تفرد الله تعالى بالإلهية إجمالاً. وإبطال عبادة ما يعبدون من دون الله.
- التذكير بنعم الله على الناس ؛ ليزداد الشاكرون شكراً ، وليشكره الذين أعرضوا عن شكره.
- عرض مصارع الغابرين ، الاستدلال على إمكان البعث ، كما يتمثل في عرض مشاهد القيامة ، مع بيان أن كل نفس مرت رحلة الامتحان في الحياة الدنيا ، تُجزى يوم القيامة بما كسبت ، دون أن تُظْلَم شيئاً ، مع بيان أن الله سريع الحساب.
- إنذار المجادلين والمعاندين بما يلقون من هول يوم البعث ، وما يترقبهم من العذاب ، وتوعدهم بأن لا نصير لهم يومئذ ، وبأن كبراءهم يتبرؤون منهم. مع عرض مشهد من أحوال المعذبين في النار يوم القيامة ، وهو مشهد مخيف لأهل العقول الواعية ، الذين لم تنطمس بصائرهم بالأهواء ، والشهوات ، ووساوس الشياطين ، وحب العاجلة ، ومتاعات الأنفس فيها.
- توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكل حال رسالة دعوته من بعده أن ينذر المجادلين في آيات الله بغير علم عقاب الله يوم القيامة ، ويبين لهم أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأنه يقضي بين عباده بالحق ، وأن الذين يدعون من دونه من شركاء لا يقضون بشيء ، وأن الله هو السميع لشكوى عباده ، والمجيب لدعائهم ، وأنه هو البصير بحركاتهم وسكناتهم.
- تثبيت الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتحقيق نصر هذا الدين في حياته وبعد وفاته. وتوجيه الله رسوله إلى الصبر ، والثقة بأن وعد الله حق ، سواء أبقاه حتى يشهد بعض ما يعدهم ، أو توفاه قبل أن يراه ، فسيتم الوعد هناك.
- الثناء على المؤمنين ، ووصف كرامتهم ، وثناء الملائكة عليهم.
- تعرض السورة بعض آيات الله الكونية ، التي يمروا الناس عليها غافلين ، وبيان أن في الكون آيات قائمة ، وبين أيديهم آيات قريبة ، ولكنهم يغفلون عن تدبرها ؛ يعرض الليل سكناً والنهار مبصراً ، والأرض قراراً والسماء بناء. وتذكير الناس بأنفسهم ، وقد صورهم فأحسن صورهم ، ويوجههم إلى دعوة الله مخلصين له الدين.
- عرض بعض آيات الله في كونه ، ومننه على خلقه ، ومنها مِنَّة الله على الخلق بالأنعام.
- تلويم المكذبين الكافرين ، الذي يجادلون في آيات الله بالباطل ؛ إذ لم يتعظوا بما شاهدوا في مواطن متعددة من الأرض آثار المهلكين السابقين ، الذين كفروا بما جاءتهم به رسل ربهم من الحق ، وفرحوا بما عندهم من علم دنيوي ، فلما رأوا بأس الله نازل بهم آمنوا ، فلم يك ينفعهم حينئذ إيمانهم ، وأحاط بهم العذاب ، الذي كانوا به يستهزئون ويكذبون ، وأهلكم الله ضمن سنته التي يجريها في عباده الأولين والآخِرِين. وبهذا المشهد تختم السورة أغراضها ومقاصدها.