قصة صانع أحذية السلطان

قصة صانع أحذية السلطان

0 المراجعات

قصة صانع أحذية السلطان


في السوق بقرب الخان الكبير  جلس سعيد الإسكافي متعكر المزاج مهموم البال.

لاحظ حاله مساعده  شهاب الدين والذي كان يتنقل بين قطع الجلود المتكومة ويحاول أن يرتبها.

وسأله: مابك يا عم سعيد، اعتدت أن تضحك وتطلق النكات، الآن ألاحظ أن دائما سارح في ملكوت آخر.

تنهد سعيد بحسرة وقال: حزين على تدهور حالي وضياع عيالي بالأمس القريب كنت ذا شان وشنشان ويشار إلى بالبنان،

لأني كنت صانع أحذية السلطان نجم الدين وها أنا ذا بعد وفاته أجلس بلا فائدة .

فرد شهاب مُطيبا خاطره: ومن قال هذا ستظل برغم وفاة الملك الصالح صانع أحذية السلطان.

تعجب سعيد وقال: وكيف هذا هل سأذهب لصنع أحذية له في الآخرة؟

أنا منحوس ياشهاب وأكاد أجزم أنني محسود حسدتني تلك الجارة أم برقوق فعيونها مثل الصقر كانت تشتاط غضبا وحقدا  عندما كنت أتفاخر وأقول أنني كنت عائدا من قلعة الجبل بعد لقاء السلطان الصالح.

شهاب متعجبا: وما دخل أم برقوق في وقف الحال وكساد بضاعة السوق، ألا ترى أن شأنك شأن الجميع.

أطرق سعيد رأسه: وقال لا بل هي عيون أم برقوق، بعد موت الملك صالح حَسبتُ بتولي ابنه توران شاه الحكم أني سأعود لصناعة الأحذية، فما لبث إلا فترة وجيزة وقتلته الحرباء واسعة الدهاء.

تساءل شهاب: أي حرباء تقصد يا عم سعيد؟
سعيد: اخفض صوتك فهي تنشر البصاصين في الطرقات بعد أن تتابعت الثورات.

هنا همس شهاب: هل تقصد السلطانة عصمت الدين شجر الدر؟

سعيد: ومن غيرها جلست على عرش مصر وكأننا عدمنا الرجال، ومن وقت جلوسها وقف الحال شهرين كاملين لم أصنع حذاءًا واحدًا.

قصة  صانع أحذية السلطان ودفاع عن شجر الدر 

image about قصة صانع أحذية السلطان


شهاب: لكن لها مآثر وأوقاف على وجوه البر كما أنها خيّرة ديِّنة وتدير شؤون البلاد بحزم  وتغدق الأموال على العامة.

ونجحت كذلك في تصفية الوجود الصليبي وأسرت الملك لويس التاسع ملك فرنسا  بدار ابن لقمان في مدينة المنصورة كالعبد الذليل.
واتفقت على إطلاق سراحه ومن معه من الأمراء الأسرى مقابل تسليم دمياط وأخلت سبيله مقابل فدية كبيرة جاوزت الثمانمائة ألف دينار مع تعهد بعدم العودة لسواحل بلاد المسلمين، 
لقد أسرت ملك فرنسا ومن معه  ورفعت رأسنا وهزمت الحملة الصليبية السابعة وكأن الملك نجم الدين لم يفارق الحياة.
سعيد في حنق:  أنت مازلت شابا يافعا متهورا لا تعي حقيقية الأمور.
شجر الدر تبقى إمرأة وإن طارت في الهواء، كما أن العز بن عبدالسلام قال لا يجوز أن تحكم إمرأة بلاد المسلمين.

وأغلب أهل مصر يوافقونه وأولهم أنا حتى الخليفة العباسي المستعصم كتب من بغداد للإمام العز بن عبدالسلام" إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيِّر إليكم رجلا".

شهاب: ولم لا تبقى مادامت نجحت في احكام سيطرتها على العرش.

سعيد: ما هذا الكلام لا تنس أن تلك الداهية هي من تسببت في قتل ابن الملك الصالح  "توران شاه" بعد وفاة أبيه نجم الدين،

مع أن الصالح أحسن إليها وأعتقها وتزوجها وأنجب منها ابنه خليل،
لكنها كرهت أن يجلس توران شاه على العرش فاتفقت مع الأمير المملوكي أقطاي على قتله.

يبدو أن طبع الجواري الخسيس من المكائد و صنع الدسائس لم يفارق دمها إن الأيوبيين بأسرهم يمقتوها بعد مقتل توران شاه.

قصة صانع أحذية السلطان وفرسان القلعة

سحب سعيد مقعد وجلس على باب الدكان ينظر إلى القلعة ويمصمص شفتيه وما هي إلى دقائق حتى أتى ركب من الفرسان.
شعر سعيد وقتها ببرودة طاغية وقشعريرة تسري في جسده ونظر إلى شهاب وجذبه نحوه وهمس في أذنه: صدق من قال أن الحيطان لها آذان، ترى هل سمعت الماكرة حديثنا فأرسلت لي من يقودني للسجن؟
ضحك شهاب: ما هذا الكلام ولم اصفر وجهك اعتدل وانظر ما يطلبه منك الفرسان.
حاول سعيد أن يتمالك زمام نفسه وابتسم للفرسان وقال لهم: سعيد بن نعمان صانع أحذية السلطان في خدمتكم ماذا تطلبون؟


نظر إليه الفارس في حدة وقال له: الأمير  أيبك يريدك على الفور، هيا لا تتلكأ وامضي معنا.
هنا تلعثم سعيد ولم يخرج منه الكلام وأصفر وجهه كلون المشمش ولطم على خديه.

فهم شهاب سبب خوف سعيد فعاجل الفارس بسؤال: وما الذي يحتاج إليه الأمير عز الدين أيبك من إسكافي بسيط.


هنا غضب الحارس وقال: يالكما من غبيان، برأيكما لم يطلب الأمير لقاء حقير مثله هل ليؤانسه؟
هنا قال شهاب معذرة، فعم سعيد متوعك اليوم، لكنه مستعد تماما لتلبية أوامر الوزير أيبك ولكني أستأذن في أن أحمل عنه حقيبة الجلود والمقصات.
فرد الحارس: أفعل ما تشاء لكن لا تتلكأ.
هم شهاب بغلق الدكان وحمل حقيبة العدة وركب البغلة مع سعيد.
عندما وصل الركب لباب القلعة الكبير نزل سعيد وشهاب وفتحت الأبواب، هنا وكز سعيد شهاب وقال له إياك أن يتخطى نظرك شئ غير موضع قدميك.

إن أهل القلعة يمقتون من يختلس النظر في المكان.

  صانع أحذية السلطان ولقاء الأمير أيبك

 

image about قصة صانع أحذية السلطان

في قاعة فخمةكبيرة كان يجلس في منتصفها الأمير أيبك وحوله بعض أتباعه من المماليك دخل سعيد ومن خلفه شهاب وقال: السمع والطاعة يا مولاي.
سأله أيبك: هل كنت تصنع أحذية نجم الدين؟

فأجاب سعيد وقد أحس بالإطمئان: لم يكن يعجب الملك الصالح سوى أحذيتي الفاخرة.

هز الأمير أيبك رأسه وقال له: وأنا أريد أحذية أكثر فخامة من تلك التي كنت تصنعها لنجم الدين.
فرح سعيد: بكل سرور يا مولاي سأزينها بالجواهر إن شئت.

أشار سعيد إلى شهاب فأسرع بوضع حقيبة العدة أمام قدم أيبك، وأخذ سعيد يأخذ مقاس قدمه.
ناوله أيبك صرة كبيرة فتهلل وجهه وشعر أن أيبك في طريقه للجلوس على عرش مصر.


عاد سعيد وشهاب إلى الدكان و قام سعيد بصناعة أحذية فخمة تليق بالسلطان الجديد.

واصل سعيد وشهاب الليل بالنهار لتجهيز أحذية السلطان.
عندما انتهى سعيد وضع الأحذية في الجوال وأوصى شهاب بأن يخلد للنوم ويغلق الدكان وانطلق ناحية القلعة.


عندما وصل سعيد لاحظ أن العمل في القصر يجري على قدم وساق.


علم سعيد من الخدم أن شجر الدر ستتزوج أيبك وتتنازل له عن العرش.


تعجب سعيد لأن أيبك مشهور باللين كما أنه متزوج بالفعل وأدرك أن شجر الدر اختارت أيبك وفضلته على الأمير أقطاي لتتمكن من إدارة البلاد في الخفاء فازداد كُرها لها.

زواج شجر الدر

image about قصة صانع أحذية السلطان

سلم سعيد الأحذية وغادر القلعة وما هي إلا ساعات حتى عُلِّقت الزينة و انتشرت الرايات وأعلن المنادي أن السلطانة شجر الدر ستتزوج من الأمير عز الدين أيبك .


وزع الحراس الطعام والمشروبات والحلويات على المارة وأصحاب الدكاكين وأخبروا الناس أن أيبك لقب نفسه بالملك المعز.


هدأت الأحوال لكنها لم تستقر سوى شهور.

في أحد الأيام بينما سعيد يجلس أمام الدكان وشهاب يقوم بتقطيع الجلود، رأى سعيد المنادي قادما فنهض من مكانه ليسمع ما سيعلنه فأعلن المنادي عن وفاة الملك المعز أيبك.

وعندما سمع سعيد الخبر المشؤوم قال لشهاب: قتلت الداهية شجرالدر أيبك،
عندما شعرت بأنه يريد أن يحكم بمفرده تلك المرأة ستكون نهايتها مثل قرن الخروب.


  هجوم المغول

وفي أحد الصباحات بينما شهاب متوجه ناحية الدكان فإذا بسعيد يلطم ويولول ويقول " حل الخراب حل الخراب".
فهرول إليه وحسب أن أحدهم قد سرق الدكان وسأل سعيد: ما بك يا عم سعيد؟ هل سرق اللصوص الدكان؟
فأجابه سعيد:يا ليتهم سرقوه إن المصيبة فادحة.
فتعجب شهاب: أية مصيبة؟
فأجابه سعيد:  مصيبة اسمها المغول وجنكيز خان، أما سمعت الأخبار لقد اجتاح المغول ديار المسلمين وخربوا بغداد وقتلوا الخليفة العباسي المستعصم بالله  وأحرقوا البلاد والعباد.

علا صوت سعيد وتجمع حوله أهل الخان.

أردف سعيد في جزع: ليت أمي لم تلدني في هذا الزمان سمعت أنهم وضعوا كل الكتب في نهر دجلة فتحول لونه للسواد، ويقال أنهم خنازير همج لا يرحمون ويقلعون الرؤوس ويأكلون الأخضر واليابس.

فتساءل شهاب منفعلا: فما العمل يا عم سعيد؟

أجابه سعيد متحسرا: لنا الله لقد قتلوا الجميع حتى الخليفة وأهله أجمعين.

سمع كلام سعيد رجل في الدكان المقابل فانضم للجمع وقال:  أنهم يقفون على أبواب البلاد ويطالبون أهلها بتسليم البلد فإن حاربوا قتلوهم وإن استسلموا ذبحوهم.

لطم سعيد وجهه وقال: ويحي يُقال إن رسول لهم  قدم برسالة من قائدهم العسكري "هولاكو" إلى سلطان مصر.


فقال الرجل: أي سلطان إن مصر بلا سلطان بعد قتل أيبك و شجرالدر والمماليك متصارعين متناحرين كل يريد العرش والحكم.


 فقال سعيد: ماهي إلا أيام وسيدخلون مصر ويذبحون أهل المحروسة وكأنهم دجاج.

تولي قظز الحكم

 هنا قال شهاب سأذهب للجامع لأرى ما يقوله الإمام  العزبن عبدالسلام فانضم له بعض الناس.
وبعد قليل عاد شهاب مبتسما متحمسا هو ومن معه  فسأله سعيد: ما سبب تلك السعادة هل من جديد هل عفى عنا جنود المغول؟


فأجابه شهاب: لقد جلس الأمير قطز على العرش وبايعه العز بن عبدالسلام وكل أهل مصر ونادى قطر و مولانا العز بن عبدالسلام بالجهاد.


فقال سعيد: لا قِبَل لنا بالتتار أنهم غِلاظ شِداد، ثم أنهم قتلوا خليفة بغداد ونحن هنا في مصر ما لنا ولهم فليتغمدهم الله بواسع رحمته وليلتفت قطز لحال مصر لينجو بأهلها.

فانفعل شهاب وقال : أنها ديار المسلمين وجميعنا إخوة في الدين قبلة واحدة ورب واحد وقال الله فينا " رحماء بينهم"  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا كالجسد الواحد.


هنا قال سعيد: تمهل ولا تأخذك حماسة الشباب نحن مجرد صانعي أحذية فليذهب للجهاد فرسان المماليك.

ههنا قال شهاب: العز بن عبدالسلام أعلن أن الجهاد فرض عين على الجميع إذا استبيحت ديار الإسلام،

وهاهم قتلوا الأطفال وذبحوا الرجال والنساء لا خير فينا إن لم نخرج غضبا لما حدث لهم ونثأر لدمائهم.

قال أصحاب الدكاكين لن نقف مكتوفي الأيدي  ونجلس بالبيوت،  أنت أصغرنا لكنك نطقت بالحق يا شهاب، 
هلموا بنا لننصر ديننا ونضع حدا للطغاة المعتدين.
انضم جميع أهل مصر من التجار والفلاحين وأصحاب الدكاكين وأرباب الحرف ومن ضمنهم سعيد وشهاب للجيش تحت  قيادة سيف الدين قطز.
 

هزيمة المغول

image about قصة صانع أحذية السلطان

أصلح قطز الحال وأشرف بنفسه على تدريب المتطوعين وسار بهم في رمضان حتى وصل إلى سهل عين جالوت الواقع بين مدينة بيسان ونابلس في فلسطين.


أشتد القتال في  ال25 من رمضان وسمع سعيد  ومن معه سيف الدين قطز وهو يُردد " وا إسلاماه" فرددها سعيد وشهاب وجموع المجاهدين.
وكانت الغلبة للجيش الإسلامي وأبيد جيش المغول التتاري بأكمله وفر هولاكو ومن معه خائبين رود الله كيدهم إلى نحورهم.
عاد شهاب وسعيد مع الجيش في عيد الفطر وكان سعيد يمازح شهاب دائما بقوله: علمتك صنع الأحذية فعلمتني أن أكون فارسا ورجلا.
دمتم بكل ود.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

10

متابعين

3

متابعهم

14

مقالات مشابة