الصحابي عقبة بن نافع أشهر القادة في التاريخ الإسلامي
يعتبر الصحابي عقبة بن نافع من أشهر القادة في التاريخ الإسلامي حيث نسب إليه فتح شمال أفريقيا وبناء مدينة القيروان
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أميّة بن الظرب بن الحارث بن عامر بن فهر القرشي، وُلد قبل الهجرة بسنة، في عهد رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- إلّا أنّه لم يصحَبه (لكنه صحابي بالمولد، لأنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم). نشأ في بيئة إسلامية خالصة، ووالداه من السابقين إلى الإسلام، وهو أخ لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-، وأمه هي النابغة؛ ولهذا فعقبة يُعدّ أخاً لعمرو بن العاص لأمّه، إلّا أنّ هناك روايات تذكر أنّهم أبناء خالة، وأخرى تقول أنّ عقبة ابن أخت عمرو بن العاص، وهو عموما من أقرباء عمرو بن العاص. وقد تأثّر عقبة بن نافع بالبيئة التي تربّى ونشأ فيها؛ فشارك في الفتوحات الإسلامية، بل إنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولّاه قيادة الجيوش، لشجاعته وقوّته، علماً أنّ عمر كان يعطي القيادة للصحابة فقط، إلّا استثناءً في حقّ عقبة، الذي لمع نجمه كقائد ومحارب، خاصة في المغرب العربيّ. شهد عقبة مع عمرو بن العاص فتح مصر، ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقيا (تونس حاليا)، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، فقاد منها حركة الفتح باتجاه الغرب، فظهرت مقدرته الحربية الفائقة وحنكته وشجاعته، وعلا شأنه. ومن أحفاد عقبة بن نافع المشهورين يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري القرشي أحد القادة الدهاة، وعبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة مرة بن عقبة بن نافع الفهري أمه بربرية أمير من الشجعان الدهاة.
كان ذا شجاعة، وحزم، وديانة، وقال مفضل بن فضالة: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة. وهكذا يُذكَر من مناقب عقبة بن نافع أنّه كان مُتديِّناً وشجاعاً وحازماً، إلى جانب أنّه كان ذا دعوة مُجابة، وما وصل عقبة هذه المنزلة الرفيعة في الجهاد والقيادة إلّا لمُقوّمات كانت عنده، فقد كان يتّقي الله في شأنه كلّه، ويُكثر من ذِكره، والاستعانة به، وتفويض الأمر إليه، وكان يعتقد بأنّ النصر من عند الله، وأنّ انتصار المسلم هو انتصار لعقيدة الله -سبحانه وتعالى-، وكان حَسَن المعاملة مع جنوده؛ فكان يُحبّهم ويُحبّونه، ويثق بهم، ويطمئنّ على أمورهم، ويُجازي المُحسن منهم بما يستحقّ من الخير، ويتغاضى عن أخطائهم الصغيرة، ويُعاتب المُقصّر والمُخطئ بعبارة حَسنة، ولا يتتبّع عوراتهم، ولا زلّاتهم. وتميّز عقبة عسكريّاً برجاحة عقله، وبخبرته في أمور الحرب والمكيدة والتدابير اللازمة، فكان يقتنص الفرص، ويفرض الحِيل، وكان لمّاحاً مُتيقِّظاً، قادراً على إدارة الأزمات، وإصدار القرارات سريعاً كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، كما كان حريصاً على سلامة جنوده، وكان يتحمّل مسؤوليّتهم، إضافة إلى أنّه كان مُتمكِّناً في الاستراتيجيّات العسكرية، ذا معرفة فيها، كمبدأ المُباغتة، وتأمين خطوط المواصلات، وإرسال الاستطلاعات، والحفاظ على المعنويّات، وغيرها من الاستراتيجيّات العسكريّة، وكان مُدرِكاً لنفسيّات جنوده، فيدخل الأمان إلى قلوبهم، ويدرك نفسيّات أعدائه فيدخل عليهم الرعب في الحروب.
لم يكن عقبة بن نافع قائداً عسكرياً محضاً فقط، بل كان صاحب عقلية مبدعة وفكر استراتيجي فذ وهو يصح أن يطلق عليه خبير بشئون المغرب والشمال الأفريقي، ومن خلال حملاته الجهادية المستمرة على الشمال الأفريقي، أدرك أهمية بناء مدينة إسلامية في هذه البقاع .
من أشهر آثار عقبة الإنشائية تخطيط وبناء مدينة القيروان، والقيروان وتُعتبر من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هي المدينة الإسلامية الأولى في بلاد المغرب، واستمرّ في بنائها قرابة خمس سنوات، فبنى بها عقبة الأبنية والأسواق، وبلغت مساحتها 13,600 ذراع، وأصبحت قاعدة انطلاق الفتوح ناحية المغربين الأوسط والأقصى، وبتمام بناء المدينة أمن المسلمون واطمأنوا في إفريقية، وثبت الإسلام فيها، وأقبل الأفارقة والبربر والسودان على السكن في القيروان، واعتنقوا الإسلام وامتزجوا مع العرب بمرور الوقت. وأصبحت القيروان بعد وفاة عقبة أولى المراكز العلمية في المغرب العربي، ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة. وسكن بالمدينة العديد من التابعين، ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية. في سنة 50هـ، بدأت إفريقيا الإسلامية عهدا جديدا مع عقبة بن نافع، المتمرس بشؤون إفريقيا منذ حداثة سنّه، وعلم أن السبيل الوحيد للمحافظة على إفريقيا ونشر الإسلام بين أهلها، هو إنشاء مدينة تكون محط رحال المسلمين، ومنها تنطلق جيوشهم فأسس مدينة القيروان وبنى جامعها، وابتدأ بتخطيط دار الإمارة، ثم عمد إلى موضع المسجد الأعظم فاخْتَطَّه، ولكنه لم يحدث فيه.
كان عقبة بن نافع المجاهد المخلص يحس إحساس المؤمن الصادق، أنه سيلقى ربه شهيداً في هذه الجولة، فعندما عزم على المسير من القيروان في بداية الغزو، نعى نفسه إلى أولاده، وطلب الشهادة، فتقبل الله منه وحقق له أمله في الشهادة، فقد أعد له الروم والبربر كمينا عند قرية “تهودة”، وأوقعوا به وقضوا عليه هو ومن معه من جنوده عام 63هـ وعمره آنذاك في حدود 64 سنة، وبهذا ندرك مبلغ القوة التي كان يتمتع بها أسلافنا، حيث قام بتلك الرحلة الشاقة وخاض المعارك الهائلة وقد جاوز الستين من عمره.