قصة المرأة التي كانت تنظف المسجد

قصة المرأة التي كانت تنظف المسجد

1 المراجعات

 


قصة المرأة التي كانت تنظف المسجد – دروس في الإخلاص والتواضع

في قلب المدينة المنورة، حيث كان المسجد النبوي يتوسط حياة المسلمين، كان الناس يتوافدون خمس مرات في اليوم للصلاة خلف رسول الله ﷺ. وكان المسجد ليس فقط مكانًا للعبادة، بل كان مركزًا للتعليم، والقضاء، والتشاور، ومأوى للمحتاجين. في هذا الجو الإيماني المليء بالنور، كانت هناك امرأة مسلمة فقيرة، لا يعرف الكثيرون اسمها، لكن التاريخ حفظ قصتها في القلوب والعقول.

كانت هذه المرأة – التي وصفتها الروايات بأنها امرأة سوداء – تملك قلبًا عامرًا بحب الله ورسوله، وكانت ترى أن خدمة المسجد شرف لا يضاهيه شرف. لم يكن لديها مال تنفقه في سبيل الله، ولا قدرة على الجهاد بالسيف، لكنها امتلكت سلاحًا أعظم: الإخلاص.

اتخذت على نفسها عملًا لا يلتفت إليه الكثيرون، وهو تنظيف المسجد النبوي. كانت تكنس الأرض، تزيل الغبار، وترتب المكان، وتفعل ذلك بصمت دون أن تنتظر شكرًا أو تقديرًا من أحد. كانت ترى أن المسجد بيت الله، ويجب أن يكون طاهرًا نظيفًا، وأن كل ذرة غبار ترفعها عن أرضه هي حسنة تكتب في صحيفتها.

كانت تأتي أحيانًا في النهار، وأحيانًا في الليل، تعمل بهدوء كي لا تقطع على أحد صلاته أو تلاوته، ولم يعرف عنها أنها كانت تتباهى بعملها أو تتحدث عنه، بل كانت تخفيه كأنها تخفي كنزًا.

وذات يوم، لاحظ النبي ﷺ غيابها. فسأل عنها، فأخبره الصحابة أنها ماتت ليلًا ودفنوها من غير أن يخبروه، ربما لأنهم ظنوا أن أمرها بسيط أو أنهم لم يريدوا أن يزعجوا النبي ﷺ.

لكن رسول الله ﷺ، الذي علّم البشرية أن قيمة الإنسان ليست في مظهره أو جاهه بل في عمله وتقواه، قال معاتبًا:
"أفلا كنتم آذنتموني؟"
أي: لماذا لم تخبروني بوفاتها حتى أكون حاضرًا للصلاة عليها؟

ثم طلب منهم أن يدلوه على قبرها، فذهب بنفسه، ومعه بعض الصحابة الكرام، حتى وقف عند قبرها في البقيع. وهناك، صلى عليها صلاة الجنازة، ودعا لها بالمغفرة والرحمة، وكأنما أراد أن يُعلِّم الأمة كلها أن هذا العمل الخفي الذي كانت تقوم به له عند الله شأن عظيم.

هذا الموقف النبوي يفيض رحمة وتواضعًا، ويكشف عن عمق تقديره ﷺ لأعمال الخير مهما كانت صغيرة في نظر الناس. لقد أراد أن يرسل رسالة خالدة:

"لا تحتقروا عملًا صالحًا، ولا تحتقروا صاحبه، فرب عمل صغير عندكم، كبير عند الله."


دروس وعبر من القصة

الإخلاص سر القبول
المرأة لم تكن تنظف المسجد طلبًا لمدح الناس أو لشهرة، بل كانت تفعل ذلك لوجه الله تعالى، فبارك الله في عملها وجعل قصتها تتناقلها الأجيال.

خدمة بيوت الله عبادة عظيمة
تنظيف المسجد أو ترتيبه أو عمارة بيوت الله من أعظم القربات، وقد قال ﷺ:
"من بنى لله مسجدًا بنى الله له مثله في الجنة"،
فكيف بمن يحافظ على نظافته وطهارته باستمرار؟

عدم احتقار الأعمال الصغيرة
كثير من الناس يظنون أن القرب من الله لا يكون إلا بأعمال عظيمة كالجهاد أو الصدقة الكبيرة، لكن هذه القصة تثبت أن العمل المتواضع مع الإخلاص قد يرفع صاحبه درجات في الجنة.

قيمة الفرد في المجتمع
النبي ﷺ لم يرَ أن هذه المرأة شخص عادي يمكن أن يُنسى، بل اهتم بها حتى بعد وفاتها، وذهب بنفسه ليصلي عليها. وهذا درس في التواضع والاهتمام بكل فرد.

القيادة بالرحمة
النبي ﷺ كان قدوة في الرحمة والإنسانية، فهو لم ينسَ أحدًا من أصحابه، بل كان يسأل عنهم، ويفتقدهم، ويشعر بقيمتهم مهما كانت مكانتهم الاجتماعية.


رسالة القصة لنا اليوم

في عالمنا الحالي، كثيرون يسعون وراء الأعمال التي تظهر للناس وتجلب الشهرة، لكن هذه القصة تعلمنا أن القيمة الحقيقية ليست في أن يراك الناس، بل أن يراك الله راضيًا عنك.

ربما يكون هناك في زماننا أشخاص ينظفون المساجد، أو يضعون الماء للطيور، أو يساعدون كبار السن، دون أن يعرفهم أحد، لكنهم عند الله أعظم شأنًا من كثيرين يملكون المال أو الشهرة.

إنها دعوة لنا جميعًا أن نبحث عن الأعمال التي قد لا يلتفت إليها الناس، لكنها تفتح لنا أبواب الجنة. فقد قال النبي ﷺ:
"اتقوا النار ولو بشق تمرة"،
أي أن أبسط عمل خير قد ينقذك من النار إذا كان خالصًا لوجه الله.


هذه القصة القصيرة في أحداثها، الكبيرة في معانيها، تظل شاهدة على أن الإسلام دين يقدّر الجهد الصادق، ويرفع شأن العاملين في الخير، مهما بدوا بسطاء في أعين الناس. لقد غابت المرأة عن أعين الصحابة، لكن ذكرها بقي خالدًا في كتب الحديث، بفضل رسول الله ﷺ الذي حفظ حقها ورفع قدرها.




التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة