
قصة الرجل الذي قتل مائة نفس – باب التوبة لا يُغلق
قصة الرجل الذي قتل مائة نفس – باب التوبة لا يُغلق
في زمن من الأزمنة القديمة، قبل بعثة النبي ﷺ، كان هناك رجل اشتهر بين قومه بالظلم والقتل، حتى صار اسمه مرادفًا للخوف والدماء. لم يكن يتورع عن إزهاق الأرواح لأي سبب، صغيرًا كان أو كبيرًا. ومع مرور الوقت، ارتكب جريمة بشعة تلو الأخرى، حتى بلغ عدد ضحاياه تسعًا وتسعين نفسًا.
لكن، كما أن في داخل بعض القلوب المظلمة بقايا من نور، بدأ هذا الرجل يشعر باضطراب داخلي، وصراع بين الشر الذي اعتاده، وبين إحساس غامض يدعوه للتوبة والعودة إلى الله.
وفي لحظة ندم صادقة، قرر أن يسأل عن طريق النجاة. فسأل عن أعلم أهل الأرض في زمانه، فدُلَّ على راهب (عابد) يعيش في صومعة. ذهب إليه وقال بصوت يختلط فيه الخوف برجاء:
"إني قتلت تسعًا وتسعين نفسًا، فهل لي من توبة؟"
لكن الراهب، الذي كان عابدًا بلا علم، نظر إلى حجم الذنوب بعين البشر لا بعين رحمة الله، فقال له:
"لا، ليس لك توبة."
هنا سيطر الغضب على الرجل، إذ شعر أن الباب الوحيد الذي كان يمكن أن ينقذه قد أُغلق في وجهه، فاندفع وقتل الراهب، فأكمل به العدد مائة نفس كاملة.
ورغم فظاعة الجريمة الجديدة، ظل في داخله ذلك الصوت الخافت الذي يدعوه للبحث عن الرحمة. فسأل مرة أخرى عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ هذه المرة على رجل عالم يعرف دين الله حق المعرفة.
ذهب إليه الرجل وقلبه يترقب، وقال:
"إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟"
ابتسم العالم برحمة، وقال له كلمات أضاءت قلبه:
"ومن يحول بينك وبين التوبة؟"
ثم أضاف:
"لكن اترك أرضك هذه، فإنها أرض سوء، واذهب إلى أرض أخرى فيها قوم يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك."
كان هذا أول بصيص أمل حقيقي يراه الرجل منذ سنوات. قرر أن يبدأ رحلته فورًا، وخرج من أرضه قاصدًا أرض الصالحين.
وفي منتصف الطريق، داهمه الموت، وسقط على الأرض وهو لم يصل بعد إلى غايته. وهنا وقعت مشهدة عظيمة في عالم الغيب:
- ملائكة الرحمة جاءت لتأخذ روحه لأنه تاب وسعى إلى الله.
- ملائكة العذاب جاءت لتأخذ روحه لأنه لم يعمل عملًا صالحًا بعد، وذنوبه عظيمة.
اختلفت الملائكة، فبعث الله إليهم ملكًا آخر ليحكم بينهم. فقال:
"قيسوا ما بين الأرضين، أيهما كان أقرب، فهو من أهلها."
فقاسوا المسافة بين المكان الذي مات فيه والرغبة التي خرج من أجلها، فوجدوه أقرب إلى أرض الصالحين بشبر واحد فقط. وفي بعض الروايات، أن الله أمر الأرض التي كان يقصدها أن تقترب، وأمر أرض المعصية أن تبتعد، رحمةً به.
فحُكم له بأنه من أهل الصالحين، وقبضته ملائكة الرحمة، ودخل في رحمة الله.
الدروس والعبر من القصة
باب التوبة مفتوح دائمًا
لا ذنب أكبر من رحمة الله، حتى ولو بلغ القتل مائة نفس، فإن الله يقبل التوبة إذا صدقت النية.
العلم قبل العبادة
الراهب الأول كان عابدًا بلا علم، فحكم على الرجل باليأس فأهلكه وأهلك نفسه. أما العالم فقد فتح له باب الأمل ووجّهه للطريق الصحيح.
أهمية الصحبة الصالحة والبيئة الطيبة
العالم لم يكتفِ بإخباره أن الله يغفر، بل نصحه أن يغير بيئته، لأن الأرض الفاسدة قد تجره للعودة إلى الذنوب.
الأعمال بالنيات
الرجل مات في الطريق، ولم يعمل بعد أي عمل صالح، لكن نيته الصادقة وخطوته الأولى نحو التوبة كانت سببًا في مغفرة الله له.
رحمة الله تسبق غضبه
حتى في لحظة الموت، كانت رحمة الله تسعى إليه، حتى أمر الأرض أن تتحرك لتكون نهايته في صف الصالحين.
رسالة القصة لنا اليوم
مهما كانت ذنوب الإنسان، ومهما ابتعد عن الطريق، فإن العودة إلى الله ممكنة في أي وقت. لا أحد يملك أن يحكم على توبة إنسان بالرفض، فالله وحده يعلم ما في القلوب، وهو القائل:
"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا" [الزمر: 53]
إنها دعوة لكل من أثقله الذنب أو أسرف على نفسه، أن لا ييأس، وأن يبدأ الخطوة الأولى، حتى لو كانت صغيرة، فرب خطوة واحدة صادقة تغيّر المصير كله.