خلق الله للكون

خلق الله للكون

Rating 5 out of 5.
1 reviews

رؤية عقلانية في نشأة الكون

 

image about خلق الله للكون

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. أما بعد،

إن مسألة خلق الكون من أعظم المسائل التي شغلت الفلاسفة والعلماء وعلماء الدين على مر العصور. وفي عصرنا الحالي، حيث تقدمت الأدوات العلمية وأصبحنا نرى بعيون التلسكوبات ما لم يكن يتخيله الأوائل، برز سؤال جوهري: كيف نوفق بين ما يقوله العلم الحديث عن نشأة الكون (نظرية الانفجار العظيم والتوسع الكوني) وما جاء في النصوص الدينية من وصف لعملية الخلق؟

الحقيقة التي يقرها كل منصف أن الصراع بين "الدين" و"العلم" في هذه القضية هو صراع مفتعل في كثير من الأحيان. فإذا فهمنا النص الديني فهمًا صحيحًا، وأدركنا طبيعة النظريات العلمية وإمكانية تطورها، وجدنا أن التعارض يختفي، ليحل محله التكامل والتوافق المذهل.

أولاً: النظرة العلمية (الانفجار العظيم والكون المتسع)

تقول أحدث النظريات العلمية، والتي تدعمها أدلة رصدية قوية (كإشعاع الخلفية الكوني وانزياح ضوء المجرات نحو الأحمر)، إن الكون بدأ من نقطة واحدة شديدة الكثافة والحرارة قبل حوالي 13.8 مليار سنة في حدث يسمى "الانفجار العظيم" (The Big Bang). من هذه النقطة، انبثق الزمان والمكان والمادة، وأخذ الكون في التوسع والتمدد إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم.

المهم هنا أن ندرك أن كلمة "انفجار" قد تكون مضللة؛ فهو ليس انفجارًا في الفضاء، بل هو انفجار *للفضاء نفسه* وتوسع له. هذه النظرية، التي وضع أسسها علماء مثل جورج لومتر (وهو كاهن فلكي بلجيكي) وألبرت أينشتاين، هي السائدة علميًا لأنها تفسر أكبر قدر من الظواهر المرصودة.

ثانيًا: النظرة من خلال النصوص الدينية

عندما نعود إلى القرآن الكريم، نجد إشارات عديدة إلى خلق السماوات والأرض تتوافق مع هذه الصورة العلمية بشكل مدهش، دون أن تذكر التفاصيل التقنية التي هي من اختصاص العلم. القرآن ليس كتاب فيزياء فلكية، ولكنه يقدم إشارات تثير الانتباه وتدعو للتفكر.

1.  الكون الممتد المتسع: يقول تعالى: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (الذاريات: 47). لقد فهم المفسرون القدامى "لموسعون" على معنى القادرون على الخلق والتوسيع، ولكن التفسير الحرفي للكلمة "لموسعون" يتطابق تطابقًا تامًا مع حقيقة توسع الكون وتمددها التي اكتشفها العلم في القرن العشرين.

2.  الكون المنفرد (الرتق والفتق): يقول تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا” (الأنبياء: 30). يصف العلماء حالة الكون الأولى بأنها "ذرة بدائية" أو "بيضة كونية" (رَتْقًا) متراصة ومندمجة، ثم "انفتقت" لينشأ منها هذا الكون الشاسع (فَفَتَقْنَاهُمَا). هذه الآية هي من أقوى الأدلة القرآنية على توافق الوحي مع المنطق العلمي.

3.  خلق الكون من العدم (كن فيكون): النظرة العلمية تقول إن كل المادة والطاقة في الكون كانت مركزة في نقطة واحدة، أي أن الكون خُلق من "لا شيء" مادي ملموس. هذا يتوافق مع قوله تعالى: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (البقرة: 117). الخلق هو إبداع من العدم بإرادة إلهية.

الخلاصة: أين يكمن التكامل؟

لا يهدف القرآن إلى تقديم نظرية علمية مفصلة، بل يهدف إلى توجيه العقل البشري إلى وجود الخالق الحكيم من خلال التأمل في الآيات الكونية. العلم يخبرنا "كيف" حدث الخلق (الآلية والprocess)، أما الدين فيخبرنا "لماذا" ومن هو "الخالق" (الغاية والهدف).

الانفجار العظيم، بكل تعقيداته الرياضية، يشير إلى نقطة بداية للزمان والمكان، وهو ما يتعارض مع فكرة "أزلية الكون" التي كانت سائدة، ويؤكد على حدوثه وخلقه، مما يقود بالضرورة العقل إلى التساؤل عن "المسبب الأول" الذي أوجده من العدم.

لذلك، فإن من العقلانية والإنصاف أن نرى في هذه الاكتشافات العلمية الحديثة ليست عدوة للإيمان، بل هي داعمة له، ومفسرة له، وتزيد المؤمن يقينًا بأن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من صنع بشر في زمن لم تكن هذه المعرفة موجودة فيه. إنها آيات للعالمين، تظهر صدقها كلما تقدم العلم وتعمق البشر في أسرار هذا الكون العظيم.

“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ” (فصلت: 53).

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

1

followings

1

followings

1

similar articles
-