قصة التاجر الأمين وحلم الصدقة

قصة التاجر الأمين وحلم الصدقة

Rating 5 out of 5.
1 reviews

قصة التاجر الأمين وحلم الصدقة

في مدينة بعيدة زمن الخلافة العباسية، كان يعيش رجل يُدعى عبد الرحمن، وهو تاجر معروف في السوق بصدقه وأمانته. لم يكن عبد الرحمن من أغنى التجار، لكنه كان محبوبًا بين الناس، لأن كل من يتعامل معه يخرج مطمئنًا أن ماله لم يُنقص منه شيء، وأن السلعة التي اشتراها ليست مغشوشة ولا ناقصة.

كان عبد الرحمن دائم الذكر لله، يردد في قلبه: "الإيمان بالله والصبر على البلاء والتوكل على الله هما سر السعادة في الدنيا والآخرة."

بداية الامتحان

مرت على السوق أيام صعبة، فقد قلّت التجارة، وارتفعت الأسعار، وضاق بالناس العيش. حتى عبد الرحمن نفسه وجد أن تجارته بدأت تضعف، والبضاعة لم تعد تُباع كما في السابق. ورغم ذلك، لم يترك عادته في إخراج الصدقة. فكل يوم، يضع شيئًا ولو قليلًا للفقراء والمساكين.

قال له بعض التجار يومًا:
"يا عبد الرحمن، نحن في ضيق، والأرباح قليلة، كيف تُخرج الصدقة وأنت في حاجة لكل درهم؟"

ابتسم عبد الرحمن وقال بثقة:
"إنها ليست خسارة، بل هي استثمار مع الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه."

اللقاء العجيب

وفي إحدى الليالي، بينما كان عبد الرحمن نائمًا، رأى في المنام رجلًا نوراني الوجه يقول له:
"يا عبد الرحمن، أبشر، فإن الله سيبارك في مالك بسبب صدقتك وإحسانك للناس."

استيقظ عبد الرحمن من نومه وهو يشعر براحة وطمأنينة. قال في نفسه: "لعلها بشارة خير، ولكن علي أن أزداد عملًا لا أنقص."

فزاد من عطائه، وصار يُطعم الأيتام في السوق، ويقضي دين المحتاجين بقدر استطاعته، حتى صار الناس يدعون له في كل حين.

الحاسد في السوق

غير أن بعض التجار لم يعجبهم حال عبد الرحمن، إذ كانوا يرونه يكسب محبة الناس وثقتهم. وكان أحدهم يُدعى سليمان، وهو رجل جشع يبيع السلع المغشوشة ويخدع الزبائن. قال سليمان في نفسه:
"إن بقي عبد الرحمن هكذا، فلن يشتري الناس مني شيئًا، يجب أن أوقع به في مكيدة."

فبدأ ينشر بين الناس إشاعات باطلة، ويقول: "إن عبد الرحمن يتظاهر بالكرم لكنه في الخفاء يجمع المال لنفسه."

الموقف الحاسم

وذات يوم، جاء رجل فقير إلى السوق يطلب دَينًا صغيرًا ليعالج ابنته المريضة، فاعتذر جميع التجار إلا عبد الرحمن الذي أعطاه المال دون أن يسأله عن الضمان. عندها صاح سليمان أمام الناس:
"انظروا! يعطي أموالًا بلا حساب! أليس هذا رياءً أمامكم جميعًا؟"

فغضب بعض الحاضرين وبدؤوا يتساءلون: هل كلام سليمان صحيح؟

لكن الرجل الفقير بكى وقال بصوت مرتجف:
"يا قوم، ابنتي مريضة منذ أيام، ولم يرحمني أحد منكم إلا عبد الرحمن، والله إنه صادق في إحسانه."

عاقبة الصبر والتوكل

ومرت الأيام، فإذا بالرجل الفقير يعود إلى السوق ومعه هدية صغيرة لعبد الرحمن. قال له:
"ابنتي شُفيت بفضل الله، ثم بفضل مساعدتك. وجدت عملًا عند أحد الوجهاء، وقد أوصاني أن أخبرك أنه يريد أن يشتري منك كل ما عندك من بضاعة."

كان ذلك الوجيه من كبار أهل المدينة، وفعلاً اشترى من عبد الرحمن بضاعة كثيرة بسعر عادل، فانتعشت تجارته من جديد.

وفي الوقت نفسه، انكشف أمر سليمان التاجر الغشاش، إذ اكتشف الناس أنه يبيعهم سلعًا فاسدة. فخسر تجارته، وصار يتمنى لو أنه كان صادقًا كعبد الرحمن.

الدروس والعبر

جلس عبد الرحمن يومًا مع بعض طلاب العلم يحكون قصته، فقال لهم:
"يا أبنائي، إن قصص إسلامية كثيرة تخبرنا أن البركة تأتي من الإيمان بالله والصبر والتوكل عليه. لا يخدعكم المال، ولا تحسبوا أن الصدقة تنقص من الرزق، بل هي تزيده. ألم يقل رسول الله ﷺ: «ما نقص مال من صدقة»؟"

ثم أضاف:
"واعلموا أن الصدق والأمانة هما رأس مال التاجر، وأن الكذب والغش مهما جلبا من مال، فإنهما يجرّان صاحبهما إلى الخسارة والفضيحة."

الخاتمة

ظل عبد الرحمن مثالًا للتاجر المسلم الأمين، يضرب الناس به المثل في السوق: "هذا هو التاجر الذي جمع بين التجارة والعبادة، وبين الكسب الحلال والصدقة."

وهكذا تعلّم الناس أن الإيمان بالله، الصبر على البلاء، والتوكل على الله، مع الإحسان للناس، هي أعمدة النجاح في الدنيا والآخرة.

 

image about قصة التاجر الأمين وحلم الصدقة

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

4

followings

4

followings

4

similar articles
-