نور اليقين: قصة الصبر والإيمان

نور اليقين: قصة الصبر والإيمان

Rating 0 out of 5.
0 reviews

نور اليقين: قصة الصبر والإيمان

بداية الحكاية

في قرية صغيرة تقع بين الجبال والوديان، عاش رجل يُدعى سليم. كان سليم رجلاً بسيطاً يعمل في الزراعة، يزرع أرضه القليلة التي ورثها عن والده، ويكسب رزقه بالحلال. ورغم ضيق حاله، كان قلبه عامراً بالإيمان بالله، ولسانه لا يفتر عن ذكره. عرفه أهل القرية بصفاته الطيبة، فهو لا يرد سائلاً ولا يؤذي أحداً.

لكن الدنيا كما هي دار ابتلاء، لم تتركه دون امتحان. فقد كان لسليم ولد صغير يُدعى أنس، ابتلاه الله بمرضٍ خطير منذ ولادته. أنفق سليم وزوجته كل ما يملكان لعلاجه، وطرق أبواب الأطباء في القرية والمدينة، لكن المرض كان أقوى. ومع مرور الأيام، ازدادت حال أنس سوءاً، واشتد الألم على قلب والديه.

محنة الصبر

بدأ الناس من حوله يهمسون:

"لو أن سليم يملك مالاً لعالج ابنه في الخارج."
"ربما أغضب الله، فابتلاه بهذا البلاء."

لكن سليم لم يتأثر بكلامهم، بل كان يرد قائلاً:

"إنما نحن عباد الله، والعبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا بما كتب الله له. وما عند الله خير وأبقى."

كان يقضي ليله ساجداً، يدعو الله بالشفاء لابنه. وعندما يرى دموع زوجته تنهمر خوفاً على صغيرها، يمسحها قائلاً:

"اصبري يا أم أنس، فإن الله مع الصابرين. لعل الله يجعل من هذا البلاء رفعة لنا في الدنيا والآخرة."

لحظة الانكسار

مرت السنوات، وكبر أنس قليلاً، لكن المرض لم يفارقه. وفي إحدى الليالي، اشتد به الألم حتى عجز الأطباء عن مساعدته. جلس سليم عند رأس ولده، يمسك بيده الصغيرة الباردة، وقلبه يتفطر ألماً. رفع بصره إلى السماء وقال بدموع حارة:

"اللهم إني عبدك الضعيف، لا أملك إلا الدعاء، فارفع البلاء عن صغيري، فأنت القادر على كل شيء."

وبعد ساعات من الصبر والدعاء، فاضت روح أنس الطاهرة، وانتقل إلى رحمة الله.
كانت لحظة صعبة جداً، انهارت فيها أم أنس بالبكاء، وسقط سليم على الأرض من شدة الحزن. لكن رغم انكساره، لم ينطق بكلمة اعتراض. بل تذكر قول الله تعالى:
﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 155-156].

نور من الله

بعد أيام من الحزن، رأى سليم في منامه رؤية عجيبة:
رأى ابنه أنس في بستانٍ جميل، يلبس ثوباً أبيض، ويبتسم له قائلاً:

"يا أبي، لا تحزن، فأنا بخير هنا في رحمة الله. وصبرك سيجعلنا نلتقي في الجنة."

استيقظ سليم من نومه وقد انشرح صدره، وشعر أن الله أرسل له هذه الرؤية ليواسيه ويقوي قلبه. فازداد إيمانه بالله، وعزم على أن يجعل من مصيبته منبع قوة.

درس للقرية

بعد مرور فترة، اجتمع أهل القرية في المسجد يوم الجمعة ليستمعوا إلى خطبة الإمام. وقف سليم بعد الصلاة، وطلب من الإمام أن يسمح له بالكلام. ثم قال بصوتٍ ثابت:

"أيها الأحبة، لقد فقدت أعز ما أملك، ولولا رحمة الله لضاقت بي الدنيا. لكني تعلمت أن الصبر على البلاء هو طريق المؤمنين، وأن الرضا بقضاء الله يفتح أبواب الأمل. لا تظنوا أن البلاء دليل غضب الله، بل قد يكون دليلاً على محبته لعبده، ليرفع درجاته ويطهر قلبه."

تأثر الناس بكلماته، وبكى كثير منهم. ومنذ ذلك اليوم، صار سليم مثالاً للصبر والتوكل في القرية، يلجأ إليه الناس ليستمدوا منه العزيمة حين تضيق بهم الحياة.

ثمار الصبر

مرت سنوات، ورزق الله سليم بطفلين آخرين أصحاء. لكنه لم ينسَ ابنه أنس، بل كان يذكره دائماً بالخير، ويروي قصته لكل من ابتُلي بمصيبة. كان يقول:

"الابتلاء لا يُقصَد به أن يُحزِننا الله، بل أن يُقرِّبنا إليه. ومن صبر ورضي نال أعظم الجزاء."

لقد فهم أن الدنيا دار امتحان، وأن ما عند الله خير وأبقى. وهكذا، عاش سليم بقلب مطمئن، راضٍ بقضاء الله، ينشر بين الناس نور اليقين والإيمان.


العبرة من القصة

  • الصبر على البلاء هو مفتاح الفرج.
  • التوكل على الله يزرع الطمأنينة في القلب.
  • الابتلاء ليس عقوبة دائماً، بل قد يكون رفعة ووسيلة للتقرب من الله.
  • المؤمن الحق لا يجزع عند المصائب، بل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

خاتمة القصة

وهكذا تنتهي حكاية سليم، لكنها تظل مفتوحة في قلوبنا كدرس خالد. فقد علّمنا أن طريق المؤمن ليس خاليًا من الابتلاءات، لكن فيه نور اليقين الذي يضيء العتمة. بالصبر والرضا تنقلب الأحزان إلى قوة، وبالتوكل على الله تتحول الدموع إلى راحة وطمأنينة. وما الحياة الدنيا إلا دار عبور، أما الجزاء الحقيقي فهو عند الله حيث لا حزن ولا ألم، وإنما جنات الخلود للصابرين.

  • image about نور اليقين: قصة الصبر والإيمان
comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by
articles

4

followings

4

followings

4

similar articles
-