السيدة خديجة رضي الله عنها

السيدة خديجة رضي الله عنها

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: سيدة نساء قريش وأول المؤمنين

المقدمة

تُعدّ السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من أعظم نساء الإسلام، وأحد أعمدة الدعوة المحمدية في بداياتها الأولى. كانت أول من آمن برسالة النبي ﷺ، وأول من واساه في لحظات الوحي، وأول من احتضن الدعوة بصدق وإيمان وثبات. عُرفت بالعقل الراجح، والخلق الرفيع، والنسب الرفيع، وكانت سيدة قريش مكانةً وشرفًا ومالاً. في هذا المقال، نستعرض سيرتها العطرة منذ نشأتها وحتى وفاتها، مبرزين دورها العظيم في دعم الإسلام ورسوله الكريم.


---

نسبها ونشأتها

وُلدت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي في مكة المكرمة نحو عام 68 قبل الهجرة. تنتمي إلى قبيلة قريش، وهي من أعرق القبائل العربية نسبًا وشرفًا. كان والدها خويلد من سادات قريش، وأمها فاطمة بنت زائدة من بني عامر، وهي أسرة عُرفت بالوجاهة والثراء والكرم.

نشأت خديجة في بيئة مكية مفعمة بالقيم العربية الأصيلة، فجمعت بين النسب الرفيع والتربية الأخلاقية الراقية. تعلمت من والدها الحكمة في المعاملة، ومن أمها اللين في القول والحنان في التصرف. كانت منذ صغرها مثالًا للذكاء والرصانة، وقد لُقبت في الجاهلية بـ"الطاهرة"، لما عُرفت به من عفةٍ وطهارةٍ في القول والعمل.


---

مكانتها في المجتمع القرشي قبل الإسلام

قبل بعثة النبي ﷺ، كانت خديجة من النساء القلائل اللواتي جمعن بين الثراء الواسع والمكانة الاجتماعية المرموقة. ورثت تجارة أبيها بعد وفاته، فأصبحت من كبار تجار مكة. كانت لها قوافل تجارية تسافر إلى الشام واليمن، يديرها رجال تثق فيهم. وكانت تتعامل بالصدق والعدل، مما أكسبها سمعة طيبة بين التجار وأهل قريش.

لم تكن خديجة مجرد تاجرة، بل كانت سيدة مجتمع، تُحترم آراؤها، وتُستشار في شؤون المال والتجارة. وقد تميزت بأنها كانت حازمة في قراراتها، حكيمة في تعاملاتها، بعيدة عن اللهو والترف المنتشر بين نساء قريش آنذاك.


---

زواجها من النبي محمد ﷺ

سبب إعجابها بالنبي ﷺ

بلغت السيدة خديجة سن الأربعين وكانت أرملة لاثنين من أعيان مكة، هما: عتيق بن عائذ المخزومي، وأبو هالة التميمي، وقد أنجبت من كليهما أولادًا. ومع ذلك، لم تُعرف عنها إلا العفة والطهارة، وكانت تُكرم الرجال الصالحين وتُجل أصحاب الأمانة.

حين سمعت عن شابٍ من قريش اسمه محمد بن عبد الله، يُعرف بالصادق الأمين، عرضت عليه أن يخرج في تجارتها إلى الشام مع غلامها ميسرة مقابل أجرٍ مضاعف.

رحلته إلى الشام ونتائجها

خرج النبي ﷺ في رحلتها التجارية، وأبدى من الأمانة وحسن المعاملة ما جعل ميسرة يُعجب به ويُحدثها عن أخلاقه العالية، وعن مظاهر غريبة رآها كظل الغمام الذي كان يتبعه في الحرّ. عادت القافلة بربحٍ وفير، فزاد إعجاب خديجة به، ورأت فيه صفات النبل والرجولة والصدق التي كانت تبحث عنها.

الزواج المبارك

أرسلت إليه خديجة من يعرض عليه الزواج منها، فقبل النبي ﷺ بعد استشارة عمه أبي طالب. تم الزواج في حضور أشراف قريش، وكان عمر النبي ﷺ حينها خمسًا وعشرين سنة، وخديجة في الأربعين. كان مهرها عشرين ناقة من أفضل الإبل، وكان زواجًا قائمًا على الحب والاحترام المتبادل.


---

حياتها مع النبي ﷺ

البيت النبوي الأول

كانت خديجة الزوجة الوحيدة للنبي ﷺ قبل وفاتها، ولم يتزوج غيرها في حياتها. أنجبت له جميع أولاده عدا إبراهيم، ومنهم القاسم، وعبد الله (الطيّب والطاهر)، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين.

أول من آمن به

عندما نزل الوحي على النبي ﷺ في غار حراء، فزع وعاد إلى بيته يقول: «زملوني زملوني». كانت خديجة أول من استقبله، فهدأت روعه وقالت له كلمات خالدة:

> «كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

 

ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان عالمًا بالكتب السابقة، فأكد له أن ما نزل عليه هو الوحي من الله. كانت تلك اللحظة بداية الإيمان، وكانت خديجة أول المؤمنين به وبنبوته.


---

دورها في دعم الدعوة الإسلامية

الدعم المالي والمعنوي

كانت خديجة السند الأول للدعوة الإسلامية، فقد أنفقت مالها في سبيل الله، وساعدت النبي ﷺ في نشر الرسالة. لم تتردد يومًا في بذل مالها لتخفيف معاناة المسلمين في بدايات الاضطهاد المكي.

ثباتها في وجه المحن

عندما حوصرت بنو هاشم في شعب أبي طالب، كانت خديجة مع النبي ﷺ تتحمل الجوع والبرد مع المؤمنين، رغم مكانتها الرفيعة وغناها. لم تتذمر يومًا، بل كانت تبث الطمأنينة في قلب النبي ﷺ وتقول له بثقة: “إن الله لن يتركك يا محمد”.


---

أم المؤمنين الأولى

مكانتها في الإسلام

نالَت خديجة شرفًا لم تنله أي امرأة من قبلها، فهي أول أمٍّ للمؤمنين. وقد أثنى عليها النبي ﷺ كثيرًا بعد وفاتها، وكان يذكرها بالخير دائمًا، حتى غارت بعض زوجاته من كثرة ذكره لها. قال عنها ﷺ:

> «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد».

 

مكانتها في قلب النبي ﷺ

ظل النبي ﷺ وفيًّا لها حتى بعد وفاتها، يذبح الشاة ويُرسلها إلى صديقاتها، ويقول: “إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد”. وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: “ما غرت من امرأة كما غرت من خديجة، وما رأيتها قط، ولكن كان النبي ﷺ يكثر ذكرها”.


---

image about السيدة خديجة رضي الله عنها

وفاتها وحزن النبي عليها

توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها في السنة العاشرة من البعثة، بعد وفاة أبي طالب بقليل. كان عمرها نحو خمسٍ وستين سنة، ودفنت في مقبرة الحجون بمكة.
كان لوفاتها أثر بالغ في نفس النبي ﷺ، إذ فقد سندًا عظيمًا ورفيقة عمره التي شاركته أعظم مراحل الدعوة. سماه المؤرخون عام الحزن، لأن النبي ﷺ حزن لفقدها حزنًا شديدًا، حتى خفّض الله عنه الألم بوعده بالنصر والتمكين.


---

فضائل السيدة خديجة في السنة النبوية

ذكرت الأحاديث النبوية العديد من فضائلها، منها:

قول النبي ﷺ:

> «أُمرت أن أبشر خديجة ببيتٍ في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب».

 

كما قال ﷺ:

> «آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد ولم يرزقني من غيرها».

 


هذه الأحاديث تبين مكانتها الرفيعة عند الله ورسوله، ودورها الفريد في بدايات الإسلام.


---

إرثها وتأثيرها عبر التاريخ

تُعد خديجة قدوة لكل امرأة مسلمة، فهي نموذج الزوجة الصالحة، والمؤمنة الصابرة، والداعمة لزوجها في الحق. وقد كتب عنها المؤرخون والفقهاء كثيرًا، معتبرين سيرتها من أعظم القصص التي تجسد الإيمان العملي والإخلاص في سبيل الله.

لم تكن مجرد زوجة لنبي، بل كانت شريكة في بناء الدعوة الإسلامية، ومصدر إلهام للأجيال اللاحقة من النساء اللواتي حملن راية الإيمان والجهاد والعطاء.


---

القيم والدروس المستفادة من سيرتها

1. الإخلاص في العمل: كانت خديجة تؤدي دورها في التجارة والدعوة بإخلاصٍ تام دون طلب مقابل.


2. الثقة بالرسول ﷺ: من أعظم صفاتها أنها آمنت بالنبي دون تردد، واحتضنته حين خاف الناس من الجديد.


3. الكرم والسخاء: أنفقت مالها كله في سبيل الإسلام دون منٍّ أو تردد.


4. الصبر والثبات: واجهت الحصار والمحن مع النبي ﷺ بثباتٍ عظيم.


5. دور المرأة في بناء المجتمع: أثبتت أن المرأة تستطيع أن تكون شريكة فاعلة في التغيير والنهضة، لا مجرد تابعة.

 


---

خديجة في عيون العلماء والمؤرخين

أشاد بها العلماء على مر العصور، فقال الإمام الذهبي:

> "هي أول من آمن بالنبي ﷺ، وسيدة نساء العالمين في زمانها، صاحبة الفضل والسبق".
وقال ابن كثير:
"كانت من خير نساء الدنيا، وأكثرهن إحسانًا إلى رسول الله ﷺ".

 

الختام

رحم الله السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت نورًا في زمن الظلمة، وركنًا من أركان الدعوة في بداياتها، ومثالًا خالدًا للعطاء والوفاء والإيمان. إن سيرتها ليست مجرد صفحة في التاريخ، بل هي مدرسة في الثقة بالله، والإخلاص في العمل، والوفاء في العلاقة الزوجية، والتضحية في سبيل المبدأ.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

31

متابعهم

22

متابعهم

16

مقالات مشابة
-