العدل و الحق

العدل و الحق

0 reviews

هناك فرق كبير بين العدل و الحق! 

نعم هناك فرق و الحق أعم و أشمل من العدل 

و هذا المثــال البسيط سوف يوضح لك الفرق بينهما 



 

فضيلة العفو في العدالة…

المؤمنون الكاملون الذين وصلوا إلى أفق رؤية عالية في الأخلاق والإيمان، ، يفضلون مواجهة الأخطاء التي ترتكب بحقهم، بالرحمة والعفو، بدلاً من العدالة.

من أجل ذلك يأملون بأن يقابلهم الله تعالى بالإحسان واللطف والرحمة والعفو، لا بالعدالة والحق في الميزان الإلهي يوم القيامة. أثنى الله تعالى على هذه الأخلاق الجميلة في الآية الكريمة:

﴿وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ (النحل، 126)

والخلاصة، أليس الحق مقابلة كرم لطف الله تعالى في الآخرة؟ لأجل هذا، العباد الصالحون والعارفون، لا يميلون إلى القصاص والمقابلة بالمثل على الإيذاء والجفاء المرتكب بحقهم، ويتغلبون على غضبهم بصبرٍ من أجل الله و يسلكون طريق العفو والمسامحة دائماً. هكذا بإعفاء عباد الله مراراً، يحاولون كسب العفو الإلهى .

العدالة قائمة بالإستحقاق!…

لا يوجد شخص خـُلقَ لأنه استحق ذلك، خلقُ الإنسان من العدم، والخروج من العدم إلى عالم الوجود, لطفٌ إلهي عظيم لدرجة يعجز عنه الشكر. ما أعظم الكرم الإلهي! خلقـُه كـ «إنسان» ليس عشباً وأوراق شجر أو حجراً أو تراباً أو أفعىً، بل أشرف الكائنات.

هذا ومكاسب أخرى عديدة مماثلة، أوليس عطاءٌ مجاني ولـطفٌ إلهي تام؟ ما المقابل الذي دفعناه كي ننال هذه النعم؟

بمثل هذا الحال، سيفنى كل طالبي العدالة وهم في ضلال وحاشا لله تعالى أن يُحاسب بسبب الحرمان المتقلب في حياتهم! لأن العبد لا يملك حقاً أو رأسَمالٍ مقابل خَلقهِ، كي يكون له الحق في مطالبة الله بالعدالة! من أجل هذا العدالة قائمة على أساس دفع الثمن وكسبها بالعمل، يعني استحقاقها.

علينا أن نفكر: أي ُّبدلٍ دفعناه كي نُخلق َ بشراً؟ بأي عمل وبأي كسب أصبحنا بشراً؟

رد الجميع معروف: “لا شيء! لا شيء بتاتاً…”

إذاً يجب أن ندرك جيداً:

أراد الله -عز وجل- أن تكون الحياة بصفحتين، الدنيا والآخرة وتجلّت بشكل بارز في صفته الثانية «العادل» والأولى «اللطيف». يعني خلق الله العالم والإنسان بصفة «اللطيف» لا بصفة «العادل» فكل ثمار الخليقة لطف من الله -عز وجل-.

حاشا لله -عز وجل- أن يكون ملزماً بتوزيع النعم بالتساوي، أصلاً لو كان بين المخلوقات اثنان متساويان بالمعنى المطلق لكان وجود أحدهم عبثاً، يعني بدون حكمة، إن الإنشغال بالعبث إنقاص من صفة الله تعالى «المتعالي» يعني أبعد من الخيال الذي خلق الكائنات ونظّمهم باتزان وحساسية قصوى. والله منزه عن كل عيب.

من هذا المنظور، لا يمكن لأحد القول: «قامتي قصيرة ماذا كان إثمي؟» أو «لماذا وُلدت طفلاً لجاهلٍ ولم أولد لعالِم؟» أو «لماذا جئت طفلاً لأب فقير ولم أكن لغني؟» لأن كل ذلك عبارة عن تجليات الفروق في قسمة لطف الله.

الحادثة التي وقعت في عصر السعادة تجسد هذه الحقيقة:

طلب ثعلبة من رسول الله -صلي الله عليه وسلم- أن يدعو له كي يصبح غنياً، فردّ رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قائلاً:

ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدِّي شكره، خير من كثير لا تطيقه

بعدها سأله من أجل إقناعه:

أما ترضى أن تكون مثل نبيِّ الله؟”

أما ثعلبة فقد أعمى بصره عن هذه الإشارات النبوية، وطلب الغنى بإصرار، فدعا له رسول الله -صلي الله عليه وسلم- كي يصبح غنياً. ثعلبة الذي أصرّ بعناد لدرجة الغفلة عن إدراك تنبيهات سيدنا رسول الله-صلي الله عليه وسلم-، وفي النتيجة أصبح ثرياً لكنه لم يتفاد حفرة نكران الجميل التي وقع فيها قارون. ثم ندم فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وعاش متأثراً بعدم تمثله لنصائح رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في أخريات أيامه، وقال على فراش الموت:

«آه ليتني أصغيتُ إلى نصح سيدنا الرسول» مقهوراً في ندم طمعه الذي سمم حياته الأبدية.[1]

لذلك علينا ألا ننسى أبداً الآية الكريمة:

﴿ثم لتسألنَّ يومئذٍ عن النعيم﴾ (التكاثر، 8)

إن رضاء العبد بما وهبه الله له، مسؤوليةٌ ومن موجبات النضج معاً.

لذلك فإن عدم المساواة في النعم الموهوبة لا يعني غياب العدل. يمكن لرب العالمين أن يخلق أحد عباده سليماً والآخر بعاهة. ويمكنه خلق أحدهما في غاية الذكاء والآخر منخفض الذكاء. فهو يخلق الثعبان فيزحف والطير فيطير. لا حق للمخلوقات في الاعتراض على هذه القسمة أبداً.

الواقع أن الحيوانات تملك من الذكاء والإدراك والإحساس فقط بقدر ما تحتاجه منها لإدامة حياتها، لذلك تراها راضية بحالها، لا هم لها غير إشباع جوعها ورغباتها الفطرية الطبيعية. لذلك ليس وارداً أن تحس بالشقاء لأنها لم تخلق من البشر.

وكما لا يحق لحيوان أو نبات أن يتظلما لأنهما لم يخلقا من البشر، كذلك لا يحق لذوي العاهات أو المرضى أو الفقراء أو المحرومين اتهام الله تعالى – وحاشَ لله – بعدم الإنصاف، فهذا مما يتناقض مع العقل والمنطق والضمير قبل كل شيء.

بقي القول إن في ميزان الآخرة سيتبين، أيهما أفضل كثرة النعم أم قلتها الممنوحة للعباد بكرم ولطف من الله. لذلك فالديون التي تخلفها قلة النعم قليلة، أما ديون النعم الكثيرة فتكون كبيرة.

والتسليم لتقدير الله أفضل طريق لإدراك الإنسان العاجز لأسرار وحكمة القدر بالشكل اللائق.

وفي هذا الخصوص، حال الصحابي أبو طلحة وزوجته أجمل مثال في الرضاء والقناعة. الحادثة باختصار جرت كما يلي:

كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ، فَقُبِضَ الصَّبِيُّ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَة،َ

قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟

قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مِمَّا كَانَ، فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ:

يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟،

قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ ابْنَكَ وَارُوا الصَّبِيَّ، قالَ:

«إنا لله وإنا إليه راجعون» (البقرة، 651)

فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ،

فَقَالَ -صلي الله عليه وسلم-: “أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟” قَالَ: نَعَمْ،

قَالَ-صلي الله عليه وسلم-: “اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا

فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ:

احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ -صلي الله عليه وسلم-، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ -صلي الله عليه وسلم-، وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، َفأَخَذَهُ النَّبِيُّ -صلي الله عليه وسلم- فَقَالَ:”أَمَعَهُ شَيْءٌ؟”

قَالُوا: نَعَمْ، تَمَرَاتٌ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صلي الله عليه وسلم- فَمَضَغَهَا، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ، فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ ثُمَّ حَنَّكَهُ، وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ ( مسلم، الأدب 23، فضائل الصحابة، 107)

إذا فهذا الشعور بالأمانة هو المطلوب تجاه نعم الله -عز وجل-، في هذه الدنيا دار الامتحان…وهذا الرضاء والقناعة المطلوبتين للنعم الممنوحة من الله تعالى والمعادة له. لذلك من أهم شروط العباد المؤمنين للتقرب من الله -عز وجل- أن يكونوا على الحال الذي كان عليه سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وقوله دائماً على الرغم من تغير شروط امتحانه:

«أسلمت لرب العالمين»[2]

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

2

متابعين

1

متابعهم

1

مقالات مشابة