حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال: ما حكم الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من المناسبات الإسلامية مثل : بداية العام الهجري , وذكرى انتصار المسلمين في غزوة بدر .. الخ ؟
الجواب :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
أولا :
قال الإمام ابن كثير : المشهور عند جمهور العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وُلِدَ يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول في عام الفيل .
وهذا هو الراجح في وقت مولده صلى الله عليه وسلم .
ثانيا :
هناك من المسلمين من يعتبرون أي احتفاء أو أي اهتمام أو أي حديث بالذكريات الإسلامية، كذكرى الهجرة النبوية، أو الإسراء والمعراج، أو مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو غزوة بدر الكبرى، أو فتح مكة، أو أي حدث من أحداث سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أي حديث عن ذكرى من ذكريات تاريخنا الإسلامي العظيم ؛ يعتبرونه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وهذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء : الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان : كما يحدث مثلا في بعض القرى والمدن في الإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .. فتجد احتفالهم فيه : إختلاط بين الرجال والنساء , ورقص , وانشغال عن الصلوات المفروضات .. بل تجد البعض يشرب أشياء محرمة كالمخدرات والخمور في هذه الإحتفالات !!
كل هذا إثم عظيم وجرم كبير , والأعظم منه إثما وجرما : أن يقوموا بارتكاب هذه المعاصي والمحرمات بإسم الإحتفال بمولد سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم !!!
فرسول الله من هذه الأفعال بريء
وهذه الإحتفالات بهذه الطريقة حرام , وكل من يشترك فيها أو يساعد على إقامتها أو حتى يحضرها .. فهو آثم عاصي مسيء الأدب مع سيدنا وحبيبنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم .
ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبسيرته العطرة .. وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين ، وبكثرة الصلاة والسلام عليه .. فأي بدعة في هذا وأية ضلالة ؟!
إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث الإسلامية العظيمة .. نُذكِّر الناس بنعمة عظيمة، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه :
قال عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب:9-10) .
في هذه الآيات : يُذكِّر سبحانه بغزوة الأحزاب، حينما غزت قريش وغطفان وغيرهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا المدينة وحاصروها ، وأرادوا إبادة المسلمين واستئصال شأفتهم، فأنقذ الله المسلمين من هذه المحنة ، وأرسل على الكافرين ريحاً وجنوداً من الملائكة لم يرها الناس .
يُذكِّرهم الله بهذا، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء، معنا ذلك أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها .
وفي آية أخرى قال عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المائدة:11) .
في هذه الآية يُذَكِّر سبحانه بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومكروا مكرهم .. وكادوا كيدهم .. وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال:30).
فأنجى الله رسوله صلى الله عليه وسلم .. ورد كيد اليهود إلى نحورهم .. وتم إجلاؤهم من المدينة .. عقوبة لهم على مكرهم وغدرهم .
ذِكر النعمة مطلوب إذن، نتذكر نعم الله في هذا، ونُذكِّر المسلمين بهذه الأحداث وما فيها من عبر وما يستخلص منها من دروس ، إذن فالتذكير بتلك المناسبات الإسلامية العظيمة أمر قرآني وليس بدعة ولا ضلالة كما يزعم من لا علم عندهم .
ثم أن المسألة فيها نص صريح بجواز الإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وبسائر المناسبات الإسلامية :
في الحديث : { أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُئِلَ عن صَوْمِ الاثْنَيْنِ؟ فَقالَ: فيه وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ. } , رواه مسلم .
يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أحد الصحابة : لماذا تصوم يوم الاثنين من كل أسبوع يا رسول الله : فقال صلى الله عليه وسلم : لأن مولدي في يوم اثنين , ويوم إنزال الرسالة علي كان يوم اثنين .
قد يقول قائل : هل الصحابة والتابعون احتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
= نعم احتفلوا , كانوا يصومون يوم الاثنين من كل أسبوع , وكما سبق : فسبب استحباب صيام يوم الاثنين : أن مولده صلى الله عليه وسلم كان يوم اثنين .. وأن إنزال الرسالة عليه صلى الله عليه وسلم كان يوم اثنين .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون يهتمون أسبوعيا بذكرى مولده الشريف وذكرى بعثته .. فكيف يلومنا من لا علم عندهم أننا نهتم سنويا بذكرى مولده الشريف صلى الله عليه وسلم وبذكرى سائر المناسبات والأحداث الإسلامية العظيمة .
وأيضاً : ألم يصم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ويأمر الناس بصيامه شكرا لله على نجاة سيدنا موسى وإهلاك فرعون ؟؟
كما في الحديث : { أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ. } , رواه مسلم .
دل الحديث على أن سيدنا موسى كان يصوم يوم عاشوراء كل عام شكرا لله على نجاته وإهلاك فرعون , وأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا صام يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه كل عام احتفالا وشكرا لله على نجاة سيدنا موسى وإهلاك فرعون .. فهذا دليل في غاية الوضوح على جواز إحتفال المسلمين بكل المناسبات الإسلامية العظيمة , شكرا لله على هذه النعم : كذكرى المولد الشريف , وبداية العام الهجري , وانتصار المسلمين في بدر , وفتح مكة , الخ الخ .
ولكن أعيد التذكير : أن الإحتفال يكون : بالطاعات , ومجالس العلم , وتعلم سيرة نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم , وتعلم سنته صلى الله عليه وسلم وتطبيقها في حياتنا , وكثرة الصلاة والسلام عليه. فهذا هو الاحتفال الصحيح .
وأختم الإجابة بأن أذكركم أحبتي في الله : بأن هذا العلم دين .. فانظروا عن من تأخذون دينكم .
وبالله عز وجل التوفيق .