وحيدا لست بوحيد

وحيدا لست بوحيد

0 المراجعات

  فعلاً تعرف قصة سيدنا "مُوسى"..؟

مُمكن تكون عارف الأحداث.

للبداية خالص..

رضيعًا سيدنا مُوسى عليه السلام أمه ألقّت بهِ في اليّم، فكان مُعرض للموت في أيّ لحظة، بس خادمات قصر فرعون لقوه وراحوا بلغوا "آسيا" زوجة فرعون الي قررت تأويه في القصر..

بعدين فرعون رفض دخوله القصر وقرر يؤمر جنوده يقتلوه بس "آسيا" قالت له انه يسيبه وأقنعته من باب " مش أنتَ بتقتل كُل ابناء بني اسرائيل" أكيد مش هو ده يعني المقصود، ده طفل وسط مئات من الأطفال الي اتقتلت فعلاً..

فيعيش الطفل في القصر ويتربى تربية ملوكي، ويعرف إنه من بني اسرائيل ويعيش طول حياته حاسس بالوحدة وإنه تم اقصاءه بعيدًا عن أهله..

فَـيكبر وجُوّاه حُزن ووحدة عايشين معاه، فيروح يشوف أهله في خرائب بني اسرائيل ويعرف أخوه "هارون" ويحسّ انه مُختلف عنه، "موسى" غريب عن أهله جدًا..

وأمه الحقيقية، تكون مريضة، وفي أثناء زيارتها يستنجد بيه واحد من أهل بني اسرائيل ضد جُندي مصري، قام بينهم صراع بالسوق، فيندفع "موسى" ويروح عشان يساعده وبدفعة منه يسقُط الجُندي ميتًا صريعًا وينقلب السوق رأسًا على عقب..

ويختبر "موسى" لأول مرة إنه دلوقتي بقى "قاتل" لنفس..

فيروح على بيت أمه المريضة ويهرب من أمر فرعون بالقبض عليه نظير قتله للجُندي، وتاني يوم يشوف نفس الرجُل الاسرائيلي بيستنجد بيه ضد جُندي تاني ويعرف انه رجُل شقي وبيحاول يهرب من الجنود أصلاً..

فيعرف أنه قاتل ل "نفس بريئة" كمان لحساب شخص شقي..

ركز يا رفيق في التفاصيل والنبي..

غُوص معايا في تفاصيل نفسية النبي "موسى" الي أنا بحبه اوي ده عليه سلام ربي..

لما يروح بيت أخوه ويعرف إن أمه "بتموت" بس لازم يمشي فورًا ويهرب من مصر عشان يبعد عن فرعون الي بقى مُجبر يُقبض عليه ويعدمه عقابًا على جريمته لأن مفيش حد فوق القانون..

يا ويلي..

يساعده أخوه على الهروب من مصر ومن غير ما يودع أمه الي بتلفظ أنفاسها الأخيرة وابنها على أعتاب الخروج من مصر الي عاش فيها غريب طول حياته..

الي عاش فيها "موسى" والي معناها "ابن اليّم" أو المأخوذ من البحر، حتى اسمه غريب ومش مُعتاد وبيّوصِف مدى غُربته..

الي أنا وأنتَ نعرفه انه راح على "مديّن" ..

عارف فين "مديّن" دي..؟

في السعودية يا رفيق، بعيدة اوي ومش هتّتراح في يوم وليلة، لأ دي محتاجة شهور..

تحديدًا شمال غرب السعودية، قُرب مدينة تبوك..

وتفتكر راح لهناك على رجله كده مشيّ..

يعني مسيرة شهر واكتر سيرًا على الاقدام..

أكيد قابل قافلة في قافلة واتعرف على ناس من هنا وهناك وأقام في قرية والتانية ومكنش مُستقر لأن ركز هنا القرآن مرجعش ذكر "موسى" تاني الا لما وصل مكان يستقر فيه وهو أصلاً مش طالع على "مدين" بالتخصص..

لأ هو في مدين بس لقى الظروف الي ساعدته على الاستقرار بس أكيد راح اكتر من مدينة ومكان ومرتاحش، حسّ فيهم بغُربة أكتر ووحدة أشد..

في عُمق الظُلمات تلاقي القرآن عن رحلة موسى من مصر لمدين "سكت" عنها، والي أكيد رحلة صعبة مليانة صعوبات أثرت على نفسيته الي مبقتش أحسن حاجة..

ولما وصل "مدين" هتشوف المشهد ده..
قاعد عند شجرة يستظل تحت منها بعد ما أتعبه الترحال، وتحت منها فضل يفكر في كُل الي جرا ونهايته الي كانت تحت الشجرة دي..

مُشردًا وحيدًا باكيًا، تائهًا سابحًا في أرض واسعة..

وأصعب ما في الأمر أن لا ذنب حقًا له، سوى أن مشاعره قادته منذُ البدء للنهاية..

رحلة مُضنيّة..

والله يا نبي الله إني أبكي..

بس عارف يا رفيق، أنتَ فاكر إن طيبته ودماثة خلقه الي خلته يعيش في قصر فرعون يكون بار لأمه "آسيا" وأمه البيولوچية والدة "هارون" وبأهله بني اسرائيل وانه نصر الاسرائيلي على الجُندي المصري..

حزينًا وحيدًا، أنتَ، تائهًا، فوق رأسك ضبابًا لا ينقشع، تستشعر أنهُ لا مخرج ولا مفر..

اطمئن لست وحدك، وحيدًا لستُ بوحيد..

يشوف النبيّ "فتاتان" واقفين في وسط الزحام ماسكين في ايديهم دلوّين للماء وحول بئرٍ للماء يُحاولان أن يملآنه، ولكن لا أمل، فالزحام شديد والرجال يتسابقون للسقيّ لأنفُسهم..

وكاد وقت الملأ ينفذ وموعد اغلاق البئر قارب والجميع يُحاول، والبنتين عاجزتين عن الملأ تمامًا..

فقام ونزع عنهُ حُزنه وهم يُساعدهما..

شوف لسه أخلاقه ومشاعره الطيبة متغيّروش..

سألهم.. ما بكم..؟ قالت له واحدة منهما.. أبانا رجُل مُسن، واحنا مستنيين الرجال يخلصوا عشان نملى وراهم..

أخد منهم الدلوّين، وملأ لهم وسط الرجال فعلاً وسابهم ورجع قعد تحت الشجرة تاني..

قعد عادي كده، يا عم والنبي بُص اليقين ده، يا عم والنبي بُص معايا كده، احنا مش كده ليه يا أخي..

بسم الله الرحمن الرحيم.. "فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)..

ايه الدُعاء ده، جيه إزايّ يعني..؟ أيه العظمة دي..؟

بيقول لربنا وهو في حالة ظُلمة وانكسار شديدين، يارب من كُل الخير الي أنت اديتهوني قبل كده أنا دلوقتي مُفتقر له!.

ده أيه الأدب والحياء ده في الطلب من ربنا!..

أنتَ شكرته على نعمه الكتير الي أخدتها وبتطلب منه باستحياء باعتراف ضمني بخيره ونعمه عليك..

قالها وقعد تحت الشجرة وكُله وحدة وحُزن وقفل عينه..

المُهم بيفتح عينه بيلاقي قُدامه بنت من الاتنين الي ملأ لهم الدلوين بتقوله إن أبوها عايز يقابله ويُشكره على الي عمله ليهم، ويُجزيك أجر ما سقيّت لنا..

لما راح هناك، عارف أول حاجة عملها أيه..؟

حكى لوالد الفتاتين عن كُل الي حصله وهروبه من مصر..

عارف ليه..؟

اسأل أيّ حد عايش وحيد، محتاج ايه..؟ هيقولك "احكي" ..

هفهمك..

أول سُؤال بنسأله لبعض، هنروح فين مع مين..؟ مين قاعد معاك..؟ مين معاكم..؟ تخيّل لو الإجابة ثابتة "لوحدي" ..

بس دايمًا حاجة أي حد الأساسية بتكون للناس من حواليه، حقيقي الانسان دايمًا بيدوّر على الوّنس قبل المكان، ولو اتحرمت منه فترة طويلة هتكون شخص محتاج تحكي ايه الي وصلك لكده جدًا..

حتى إن رد والد الفتاتين على موسى كان أول كلمة "لا تخف" ..

متخافش!.

الوحدة هي الخوف في صورة أخرى..

حكى له كُل الي حصل له..

بُص دي..

طيب بقول لواحد.. قتلت واحد في مصر وهربان من هناك هيقول لي أيه..؟

تتجوز بنت من بناتي!..

أيوة ده الي حصل بس قاله.. لا تخف، نجوت من القوم الظالمين!..

كم أنتَ نبيّ يا مُوسى مِن قبل طُوى!.

يعرض عليه الرجُل والي محدش عارف تحديدًا هو مين (يثرون أحد اقارب نبي الله "شُعيب" ولا هو نفسه نبيّ الله "شُعيب") الي عرض على مُوسى انه يعيش معاه تمان سنين يقوم على اعماله ويخلي باله من البيت ومن البنات مُقابل انه يتزوج واحدة من بناته، ولو بقوا عشر سنين فيبقى من كرم "مُوسى" لكن العقد بينهم يكون تمانية..

وافق "مُوسى" فورًا ..

وعاش في البيت يقوم على رعايتهم عشر سنين..

وبعد انقضاء السنوات العشر يقرر إنه يرجع على مصر أخيرًا..

وأخيرًا أن تعود للوطن، ويعود الوطن اليك، أن تعيش دهرًا تُدرِك أن هُناك مُشكلة بداخلك، ولا تدري أبدًا حقًا الحل، تائهًا بأعماقَك، وأنهُ لا حيلة لك سوى أن تُحافظ على الاستمرارية في سعيّك لحلٍ أخير مُمنيًا نفسك بأن بنهاية الدرب تلك الراحة والسلام النفسي الذي عنهُ أنتَ تبحث..

وحيدًا لست بوحيد..

ياخد مراته وأولاده الاتنين ويقرر يرتحل لمصر فجأة بعد قضاء العشر سنوات وفي طريقه للمجهول الذي عنهُ يبحث..

في ظُلمات الصحاري، وبِعُمق المجهول، ومن مدين لمصر طريقًا طويل، نهارًا الشمس تحرق وليلاً الظلام حالك، البرودة شديدة، والخوف يزداد في نفسه..

من وراءه زوجته واولاده..

ازدادت البرودة ومن عُمق اللاشيء تبزُغ من الأفق "نار" ..

عسّاها تُدفئه، عسّاها النجاة، حذرًا طلب من زوجته واولاده انهم يستنوه لحد ما يتأكد من انها آمنة..
راجع من مديّن باليمن بأولاده وزوجتـه لمصر الي خرج منها هربان من عشر سنين..

شخص عادي مكنش أوحي إليه لسه ومبقاش نبيّ..

أو كده كان فاكر انه عادي..

صحراء سيناء، الدنيا ضلمة، سيدنا موسى مرعوب…

يقترب ببطء شديد وعينه على أسرته من وراءه..

يا مُوسى أنا هُنا الآن من عُمق غُرفتي التي تعمدت إظلامها، لست وحدي، أنا معك، شاهدًا عليك مع الملايين من البشر عبر الزمن..

وحقًا يا نبيّ الله أنتَ لست وحدك، جميعنا الآن في الملكوت ننظُر اليك عبر الأثير..

أنا ارتجف الآن من البرد والخوف..

شجرة يتصاعد منها النيران، لكنها لا تحترق، مشهد مهيب، لا يُصدقه عقل..

الشجرة بتطلع نار لكنها مش بتتحرق وأغصانها مش ببتفحم ومش بيخرُج منها دُخان، فقط نار تعلو الشجرة..
وفجأة من عُمق اللاشيء يا رفيق صفحاتي..

اخلع نعليك انك بالوادي المُقدس "طُوّى" ..

ايه الصوت ده المهيب ده وجايّ منين..

ارتباك، لخبطة كده، الي هو في ايه، فخلع عنه نعليه..

نفس الصوت: يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وأنت في الوادي المقدس طوى، وقد بورك من في النار ومن حولها، فاخلع نعليك، يا موسى إني اصطفيتك واخترتك فاستمع لما يوحى إليك..

اسمع..

ربنا قاله، إني أنا الله، لا إله إلا أنا، فاعبدني..

ربنا كلم سيدنا موسى عن الساعة وقد إيه هي قريبة، وبعدين سأله إيه الي في يمينك ده..؟

سيدنا موسى مكنش مصدق الي بيحصل، ولكَ أن تتخيّل رب العالمين بيكلمه وهو من ساعة بالظبط كان قلبه ملئ بالخوف..

الخوف من المجهول..

رد وقال.. عصايّ أهش بها على غنمي..

متخافش..

وعشان يُطمئنه من هوّل الصدمـة، أمره يرمي العصا فلقاها بتتحوّل ثُعبان، وأمره يدخل ايده في جيبـه ويُخرجها لقاها بيضاء..

فاطمئن أنه في معيّة الله..

لكَ أن تتخيل مدى تسارُع الأحداث والصدمة الي أنا تجاوزتها دلوقتي في السطور والي حسّ بيها تبيّ الله وهو في لحظة ميلاد جديدة..

تخيّل معايا مشهد لطفل بيتولد في نور كبير وتوهُج شديد تكاد عينيك لا ترى من شدة لمعانه وبريقه..

فسيدنا مُوسى أخيرًا بدأ يستشعر شيء جديد..

يا رباه!!

وقتها ربنا طلب منـه أنه يروح لفرعون!.

فرعون الي سيدنا موسى هرب من مصر بسببـه، الي أمر بقتلـه بسبب قتل سيدنا موسى للجندي المصري!.

وسيدنا مُوسى لأنه مُؤمن ايمان يقيني تام، لم يُجادل..

بس طلب طلبات من الخالق تُعينه على مُهمته.. "اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدةٍ من لساني واجعل لي وزيرًا من أهلي" ..

ولو فكرت في معنى طلباته هتقول.. ايه المعدن الطيب الجميل اوي ده..

بُص يا رفيق، رُواية من ضمن الرُوايات الي قالت ان سيدنا مُوسي كان ألدغ، هي من ضمن الروايات الكتير والي اتقال حواليها قصص كتير مش مُثبتة في كُتب كتير..

لأن المُفسرون غالبًا أهملوا العامل النفسي للنبيّ ونشأته ومُعاناته طوال حياته..

بس مفيش قصة "الفحمة" الي خيّره عليها فرعون واختارها موسى كدلالة على انه مش The One او المنشود من وسط بني اسرائيل وهو رضيع..

الحقيقة إن ال٣ طلبات دول مربوطين ببعض بشكل مُتناغم ومش بيعبروا غير عن حاجة واحدة..
الوحدة وتأثيراتها..

الانشراح دلالة على ان الصدر بهِ غصة وطلب من ربنا يحل له الغصة دي ويُشرح له صدره أيّ قلبه فَيُزيح عنه سبب حُزنه، عشان يقدر يُواجه فرعون..

طلبه التاني، احلل عُقدة من لساني، نفسيًا الشخص المُنطوي الوحيد غالبًا تواصله مع الناس بيُعاني فيه من مشاكل، ومش بيكون كلامه مُنضبط من حيثُ الاتزان اللفظي، يعني مُمكن يسكُت شوية بين كُل جُملة والتانية، أو يتلعثم بين الجُمل الطويلة..

فطلب من ربنا يحل له "العُقدة" دي..

تالت طلب.. أنه عايز حد يكون جانبه يُؤانسه وهو في خضم الحرب دي كُلها ضد فرعون..

لأنه وحيد وشوف الطلبات تصاعدت من الباب ده ازاي..

كده تبان منطقية اكتر، صح..؟

المُهم..

رب العالمين قال.. قد أوتيّت سؤالك يا موسى..

خلاص كده المفروض الحـوار خلص والحديث انتهى، ما بين أمر واجب النفاذ وطلبات لتنفيذ الإجابة وتم منحها..

خلاص..

المشهد المهيب ده هيخلص..

استنى..

ولقد مننا عليك مرةً أخرى..

ربنا قال لموسى الكلام ده..

منّ، مرة تانية، إزايّ..؟

هنا تخيّل معايا يعني سيدنا موسى عليه السلام..

أو حُط نفسـك مكانه يعني، متتعاملش مع الموضوع بالصفة الخبرية الي هو أنك عارف الي هيتقال، لأ تعامل مع الي جايّ ده بمبدأ الصدمة..

سيدنا موسى شاب وقتها كان شـايف حياته مُدمرة..
نشـأ بعيد عن أهله..
في قصر عدوه اللدود فرعون..
نجى من الموت أكتر من مرة بأعجـوبة..
صدمة معرفته بأهله وأنه من بني إسرائيل..
هرب من مصر بعد ما قتل جندي مصري..
عاش مُطارد وتكفل بيه ناس طيبين في مديّن..
مـُتزوج ويعول أطفال وراجع بيهم في عز الصحاري..
ولا هو استفاد من نشأته في قصر فرعون..
ولا اتعزز بأسرة وعائلـة اتربى وسطهم..
لوحده حرفيًا والضلمة..

الضلمة والبأس واليأس محاوطينه من كل حتة..

يعني قصة حياته مش عادية زيّ كتير حواليـه..

بل بالعكس Unique اوي وفيها تفاصيل حزينة كتير اوي ورا بعض ومش منطقية برضه..
لو بصيت لها بعين المُشاهد لفيلم من الأفلام أو مشهد روائي، Too much sadness لدرجة لا تُصدق..

ركز في الي جايّ كده وحسّه بقلبك مش عينك الي بتقرأ.

حالة ذهول وسكون..

ومرة واحدة يسمع الي جايّ..

ربنا عزّ وجل بدأ يكشف لسيدنا موسى حقائق كانت مستخبية عنـه وغالبًا في زيها كتير في حياة كل واحد فينا..

نـِعّم مُستترة..

ربنا بدأ يحكي له قصة حياته من زاوية تانية وإزايّ كل حاجه كانت مُرتبة بدقـة شديدة..

ربنا قاله.. أنا الي أوحيت لأمك تُلقي بك في اليم.

رعايتي ليك كانت هي سبب إن فرعون ميقتلكش لما دخلت قصره..

كان أنا..
أنا الي ألقيت عليك محبةً مني..
المحبة دي الي تسببت في إن آسيا تكفُلك في قصرها..
أنا الي ثبت أمك وقويت قلبها أنها تُلقي بيك في اليّم..
أنا الي حرمـت عليك كل المراضع عشان أردَّك لأمك..
أنا الي خليتك تتربى في قصر عدوك وعدوي..
ونجيناك من الغم، والغم ده الي هو شيء شديد السوّاد..

والغم ده تحديدًا لما تم ذكره في القرآن كان وصف لحالة سيدنا "يونس" عليه السلام في بطن الحوت والي يُعتبر أكتر مكان مُظلم في قاع المُحيط على الأرض..

ولكَ أن تتخيّل ما المقصود بالغم هنا في حال النبيّ موسى عليه السلام..

أينعم الإكتئاب يا رفيق..

بس ليه..؟

لتصنع على عيني..

في المُعجم لو دوّرت هتلاقي كلمة صنعتك على عيني من ضمن تعاريف التفعيل من كلمة "صنع" والي بتعني..

صَنَعه على عينه: إذا تولَّى توجيهه في جميع أطوار حياته..

يعني أنتَ يا مُوسى كُنت المنشود الي قرر فرعون قتله، والي شافه فرعون في الحلم وقرر عشان يحافظ على مُلكه انه يُزهِق كل هذه الأرواح عشان خايف وفي الآخر محدش برضه بيغيّر القدر يا فرعون..

مكتوب عليك وهتشوفه، وقُدرة ربنا عظيمة وحيلته عظيمة، وقد خلق كُل شيء يسير في تناغُم مُرعب وأنتَ نُقطة في بحر قُدراته لا تُرى ولا تُذكر مُطلقًا..

التصنيع يا رفيق كان دقيق بشدة، ربنا كان بيصنع نبيّ..

مُتخيّل جلل الحدث..

ربنا بيقول لنبيّه، كُل ده حصل لك عشان تقدر تتحمل مَسؤولية مُلقاة على عاتقك..

عشان بجهزك لحاجـة أكبر، لدور أهم في الإنسانية..

أنتَ مش حد عادي يا موسى..

بسم الله الرحمن الرحيم..
"إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ" طه ٤٠..

هنا ربنا بيوّجه كلامه لنبيه وبيحكي له عن حاجات حصلت وهو رضيع غير واعي وأكيد ميعرفهاش عن نفسه هو..

وفي الأخير قال له.. ثُم جئت على قدرٍ يا مُوسى..

يعني أنتَ جيت في ميعادك بالظبط عشان تتلقى البعث والنُبوّة..

فما تظنهُ اختيارًا منك، لم يكُن أبدًا اختيارًا منك..

على قدر يا موسى، يعني بميزان محدود دقيق جدًا..

ثُم استطرد رب العالمين وقال.. واصطنعتك لنفسي..

الاصطناع في المُعجم هو الاحسان في الصُنع..

وهنا بيطمئن رب العالمين، سيدنا مُوسى إن تصنيعه تم باحسان..

والمقصود هُنا هو صناعة وتشكيل الروح الداخلة الي بشوية من الظروف والتدريبات الذهنية بقّت قادرة على التحمُل والمُواصلة..

الظروف الصعبة مش دايمًا بتكون ضرر انما بتكون زيّ تدريب لحاجة أكبر جاية..

والاتصال الروحي الي كان واصل لُه سيدنا مُوسى عليه السلام قدر من خلاله أنه مهما حصل لُه يكون راضي ويكمل ولا يُلقي اللوم على أي حاجة..

والسلام النفسي الي كان واصل له أعطى لُه قُوة جبارة..

من الSuperpower الي أنتَ محتاجها في رحلتك بالأرض هي درجة عالية من السلام النفسي تُؤدي للنقاء وبتساعدك على اتخاذ قرارت سليمة في أحلك الاوقات..

وده كان الاصطناع..

صناعة داخلية..

ربنا بيقول لنبيه..
كل حاجة عدّت عليك أنا الي مهدتها ليك وأنا الي حطيتك في الصعاب دي وأنا الي خرجتك منها بحكمتي..

أنا كنت جنبك في كل لحظة..

حاسس بيك وسامعك، ومُتفهم لمُعاناتك..

أنا عايزك تتخيّل معايا اللحظـة دي في عزّ صحراء سيناء..

الظلام في كل مكان وتنهال على موسى عليه السلام كل هذه المعلومات، كل المُفاجآت دي، كل الترتيبات دي..

سيدنا موسى بالتأكيد كان في قمة سعادته ولكَ أن تتخيل قدرة الله عز وجل في إنه يقلب نفسية شخص بيمُر بلحظات مش أحسن حاجة يعني في حياته..

لأعظم لحظة في حياته..

اللحظة الي عرف إن تعب السنين الي فاتت له قيمة وهدف سامي مش مُجرد هباءً منثورًا..

أخيرًا أدرك سيدنا موسى الهدف من وجوده وإن حياته مكنتش هبـّاء وإن فيه هدف أسمى كان بيتم تجهيزه ليه طول الفترة الي فاتت..

وما بين لتُصنع على عيني واصطنعتك لنفسي شوط كبير وانتهى خلاص، تأكيد على حالة معيّة الله..

سُبحانه قال.. اذهب - يا موسى - أنتَ وأخوك هارون بآياتي الدالة على ألوهيتي وكمال قدرتي وصدق رسالتك، ولا تَضْعُفا عن مداومة ذكري..

وعشان يُزيد الطمأنينة رب العالمين قال لسيدنا موسى روح لفرعون ولا تخف.
"
قال لا تخافا إنني معكما أسمع و أرى".

فمتخافش يا رفيق..

إنه معنا يسمع ويرى..

وليه قاله "أسمع" قبل "أرى" ..؟

لأن على مقياسك البشريّ البسيط، المرء عشان يُدرك الأمر لازم يشوف الأول وبعدين يسمع، فأنتَ عشان تسمع الشخص الي قُدامك لازم يكون مبدئيًا على مرمى البصر، ومتشاف، فتقدر تسمعه، فقدم الله السمع عن البصر ليُزيد الطمأنينة، ويدلل لهُ على القُرب التام..

كذلك هي قُدرة الله..

أنه يسمع كُل شيء، يسمع أنينك يا رفيقُ في الليل، ويسمع تلك الدمعات المكتومة في صدرك، وكُل همسة همست بها ولم تُرد لأحد أن يسمعها سواك، سمعها الله.

فسمع الله لمن حمده، فكُن من الحامدين يا رفيق..
دومًا..

رفيقك.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

20

متابعين

28

متابعهم

160

مقالات مشابة