الشيخ سعيد الكملي يسرد حياة الإمام مالك 2
كيف كان طلبه للعلم و جِدّه في هذا الباب ؟
قال ابن خداش:" قد بلغ الطلب بمالك حتى نقَضَ سقْف بيته فباعه ثم مالت إليه الدنيا بعد". هذه كلمة تلخّص لنا حرصه و اجتهاده فلم يعجزه الفقر عن مقصده فنلاحظ فيه خصلتين:
1-التشمير.
2-التوفيق.
قال :"قدم علينا الزهري فأتيناه و معنا ربيعة (أحد شيوخ مالك)قال فألقى علينا 43 حديثا ثمّ قال الزهري :"و ما ينفعكم أن ألقِي عليكم الحديث و لستم تحفظونه؟ فقال ربيعة : إنّ هاهنا غلام إن شئت ردّ عليك كلّما حدّثته به. فقال: "قل" فنهاه ابن أبي عامر. فذكر مالك الأحاديث كلّها. فتعجّب الزّهريّ و قال: "ما كنت أظن أن بقي من يحفظ مثل هذا غيري".
و في يوم عيد قال مالك في نفسه: "اليوم أجد الزهري خاليا". فذهب هو إليه فخرجت جارية الزهري ترى من بالباب فرجعت إلى الزّهريّ فقالت له:" مولاك الأشقر هذا في الباب" تحسبه من مواليه (عبيده و خدمه) لكثرة ملازمته للزّهري فدخل عليه قال:" ما أحسبك أكلت؟ قال: "لا" فأعطاه طعاما و قال:" اطعم" قال: "لا حاجة لي فيه". قال:" ما تريد؟" قال:" أريدك أن تحدّثني"، قال:" فحدّثه ثلاثة عشر حديثا". قال: "استزدني" قال:" ما حفظت هذا الذي حدثتك به لأزيدك" قال:" إن شئت رددته عليك الآن ،فقال:" فجبذ الزّهريّ الألواح و قال:" قل" فذكر له الأحاديث" فقال له:" الزّهريّ قم فإنّك من أوعية العلم ".
اتسع علم مالك جدًّا حتّى صار قدوة يقتدى، حتى ربما وقعت له الطّرائف في ارتداء الناس به . كان دخل على أبي جعفر المنصور الخليفة العباسيّ المشهور. سأله عن أشياء من الحلال و الحرام. فقال له أبو جعفر:"أنت أعلم الناس" قال: "لا يا أمير المؤمنين" قال:" بلى أنت أعلم النّاس و لكنّك تكتم ذلك و لئن بقيت لأكتبن كلامك كما تُكْتَب المصاحف و لأبعثنّ به إلى الآفاق و لأحمِلنّ النّاس عليه".
أبرز شيوخ الإمام مالك: الذين استقى منهم الإمام مالك العلم :هم الزّهريّ و يحيى بن سعيد الأنصاريّ و صفوان بن سُلَيْم و ربيعة الرأي. و مالك هو وريث فقه الفقهاء السبعة.
مالك في الحقيقة لا مذهب له ،إنّما مذهبه مذهب أهل المدينة في الفقه.
لذلك لمّا جاء إنسان فسأله عن مسألة فأجابه مالك فقال:" من أفتاك بهذا؟" قال:" ما جالسنا السفهاء قطّ". و يذكر الإمام أحمد:" قال مالك:" لم نجادل سفيها قط و لم يصح ذلك لغيره" ". لأن هذه هي المدينة.
وقد قال مرّة لإنسان أشكل عليه بعض ما قاله فطلب دليلا لما قاله قال:" ماذا أحدثك عن نافع عن ابن عمر ليس لك إلا أن ترفع السّيف فترى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكان يأوي إلى ركن شديد.انتهى كلامه بتصرف