السيرة النبوية ( الهجرة إلى الحبشة)
ذكر الهجرة إلى الحبشة
لما كثر المؤمنون، واشتد عليهم أذى المشركين، أذن الله تعالى لهم في الهجرة إلى الحبشة، فهاجر إليها اثنا عشر رجلا، وأربع نسوة وعثمان بن عفان، وهو أول من خرج وقد فر بدينه. ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو حذيفة بن عتبة، وزوجته سهلة بنت سهيل، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وامرأته أم سلمة، والزبير بن العوام، ، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عمير،وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، وامرأته ليلى بنت أبي حثمة، وأبو سبرة بن أبي رهم، وحاطب بن عمرو العامريان، وسهيل بن وهب. وعبد الله بن مسعود وكان مخرجهم في شهر رجب من السنة الخامسة من النبوة.
وخرجت قريش في آثارهم، فلم يدركوا منهم أحدا. ومكثوا بالحبشة في أحسن جوار، فبلغهم أن أهل مكة ،أسلموا فرجعوا إلى مكة، حتى إذا كانوا قرب مكة بساعة لقوا أناسا من كنانة، فسألوهم عن قريش، وعن حالهم، فذكروا ما هم عليه من الشر، فائتمر القوم في الرجوع إلى الحبشة و قالوا قد بلغنا مكة، ندخل فننظر ما فيه قريش، ويحدث عهدا من أراد بأهله، ويرجع. فدخلوا مكة، ولم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيا، إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ورجع إلى الحبشة، ولم يدخل مكة. وكان قدومهم مكة في شوال سنة خمسة من النبوة، فلقوا من قريش عنفا شديدا، ونالوهم بالأذى الشديد، وسطت بهم عشائرهم، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية. فقال عثمان يا رسول الله، فهجرتنا الأولى وهذه إلى النجاشي، ولست معنا. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم،" أنتم مهاجرون إلى الله وإلي. لكم هاتان الهجرتان جميعا " فقال عثمان، فحسبنا يا رسول الله. وهاجروا إلى الحبشة وكان عدة من هاجر من الرجال ثلاثة وثمانين - إن كان فيهم عمار فإنه يشك فيه - قال ابن إسحاق: ومن النساء إحدى عشرة قرشية وسبع غرائب. وأقاموا بأرض الحبشة عند النجاشي على أحسن حال.
حصر قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب:-
لما بلغ قريشا بمكة إكرام النجاشي للمسلمين كبر ذلك عليهم، وغضبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم] وأصحابه، وكتبوا كتابا على بني هاشم أن لا تناكحوهم ولا تبايعوهم ولا تخالطوهم. وكان الذي كتب الصحيفة ،بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، فشلت يده، وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبعة من النبوة، وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبه مع بني هاشم، وخرج أبو لهب إلى قريش يظاهرهم على بني هاشم، وبني عبد المطلب، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم، حتى بلغهم الجهد، وسمعت أصوات صبيانهم من خلف الشعب، فمن قريش من سره ذلك، ومنهم من ساءه. وقالوا انظروا ما أصاب بغيض بن عامر.
وأقاموا في الشعب ثلاثة سنين، ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة أكلت ما كان فيها من ظلم وجور، وبقي ما كان فيها من ذكر الله،فأخبرهم أبو طالب،فأرسلوا إلى الصحيفة فوجدوها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلاوم رجال من قريش، فلبسوا السلاح، ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطلب، فطلبوا بالخروج إلى مساكنهم، ففعلوا. وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة، وقيل ،مكثوا في الشعب سنتين.
المصدر: المختصر في سيرة الرسول.