دينار اليتيم واحد

دينار اليتيم واحد

0 المراجعات

دينار اليتيم”.

في أحد أحياء بغداد القديمة، وبين البيوت الطينية والدكاكين الصغيرة، كان يعيش رجل يُدعى عبد الله، تاجر متواضع يعمل في بيع الأقمشة. لم يكن غنيًا، لكنه كان قنوعًا وراضيًا، يُحبّ الناس ويحبونه، ويشهدون له بالأمانة وطيب النفس.

وذات صباح بارد من شتاء قاسٍ، جلس عبد الله أمام دكانه يرتشف كوبًا من الشاي الساخن، يراقب المارة ويفكر في همّ التجارة التي لم تكن كما يأمل. وفجأة، لمح طفلًا صغيرًا يقترب منه. كان الطفل نحيفًا، يلبس ملابس قديمة لا تقيه البرد، ويمشي حافيًا تقريبًا. وقف أمام عبد الله، ومدّ له يده الصغيرة وفيها دينار نحاسي متهالك.

قال الطفل بصوت خجول:
– يا عم، ممكن تشتري مني هذا الدينار؟

نظر عبد الله إليه بدهشة، ثم ابتسم وقال:
– تبيعني دينارًا بدينار؟ ما الفائدة في ذلك يا بني؟

رد الطفل وعيناه تلمعان بالدموع:
– لا أريد شيئًا، فقط أمي مريضة، وأختي لم تأكل منذ البارحة. لا أملك شيئًا غير هذا الدينار. قلت لنفسي ربما تشتريه، فأستطيع أن أشتري خبزًا وحليبًا لهما.

سكت عبد الله لبرهة، ثم مد يده، أخذ الدينار، ووضعه في جيبه، ثم قال:
– تعال معي.

أخذه عبد الله إلى البقالة، واشترى له كيسًا ممتلئًا بالطعام، ثم ذهب معه إلى بيته، فوجد أمًا طريحة الفراش، وأختًا صغيرة بالكاد تقوى على الجلوس. وضع لهم الطعام، ودعا لهم، ثم خرج دون أن يقول شيئًا عن المال.

في اليوم التالي، وبينما يُرتب صندوقه، وجد الدينار في جيبه. تأمله، وتذكر الطفل، فدمعت عيناه. لم يكن الدينار براقًا ولا ثمينًا، لكنه حمل ثِقل قصة لن ينساها.

مرت أيام، وأصبح عبد الله يعود أسبوعيًا لزيارة تلك العائلة. كان يأخذ معهم الطعام، ويطمئن على صحة الأم، وأحضر طبيبًا بسيطًا لمساعدتها. صار يعتبر تلك الأسرة الصغيرة جزءًا من مسؤوليته، لا لشيء، إلا لأن قلبه تحرك مرة… ولم يتوقف بعدها.

ومع الوقت، بدأ الناس يشعرون بتغيّر في عبد الله. صار أكثر إقبالًا على الخير، وأكثر صبرًا في رزقه. وكان يرد على من يسأله عن سرّ هذا التوفيق قائلًا:
– ربما هو دعاء طفل صادق… أو دينار صدق نُسِي في الجيب لكنه لم يُنسَ في السماء.

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة