دهاء عمر بن الخطاب

دهاء عمر بن الخطاب

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

📖 دهاء عمر بن الخطاب مع الشاب المظلوم والمرأة المحتالة.

        في صباحٍ هادئ من أيام خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان مسجد المدينة يعجّ بالناس؛ هذا يسأل عن ميراث، وذاك يشكو من خصومة، وآخر يريد نصيحة في أمر دينه. وبينما عمر جالس يستمع لحاجات الناس، إذا بشاب يدخل مسرعًا، وجهه شاحب، عيناه غارقتان في الدموع، يكاد صوته ينقطع من شدة البكاء.

تقدّم الشاب حتى وقف بين يدي أمير المؤمنين وقال بصوت مرتجف:
"يا أمير المؤمنين، لقد رُميت بما لم أفعل! امرأة ادّعت أني أسأت إليها، وأنا بريء، والله يعلم صدقي."

فنظر عمر إليه نظرة المتفحّص، ثم أشار للحرس أن يحضروا المرأة. فما هي إلا لحظات حتى دخلت امرأة تتظاهر بالبكاء، تلوي يديها وتصيح:
"يا أمير المؤمنين، هذا الشاب ظلمني ظلماً عظيمًا!"

سكت عمر قليلًا، ثم قال بهدوء:
"قد سمعتُ قولكِ، ولكني لا أقضي إلا بالعدل، ولا أقبل دعوى بلا بيّنة. فهل عندكِ شهود يشهدون لكِ؟"

قالت المرأة متظاهرة بالحزن: "وكيف أجد الشهود يا أمير المؤمنين، وقد كان الأمر خفيًّا؟"

نظر عمر إلى الشاب فوجده يطرق الأرض بعينيه، يهمس بالدعاء أن يُنجيه الله من هذه التهمة. عندها أدرك عمر أن وراء الأمر خديعة، فأراد أن يكشفها بدهائه.

فقال عمر للمرأة: "إن كنتِ صادقة، فصفِي لي المكان الذي وقع فيه ما تزعمين."
قالت: "كان في بستان بعيد، بين الأشجار الكثيفة."
قال عمر: "صفِي لي لون الأشجار القريبة منكِ، أكانت مثمرة أم لا؟"
تلعثمت المرأة وقالت: "لم أنتبه."
قال عمر: "وكيف كان حال السماء؟ أكانت صافية أم غائمة؟"
ازدادت حيرتها وقالت: "لا أدري."

فابتسم عمر ابتسامة العارف وقال بصوت يسمعه كل من في المسجد:
"لو أن ما تقولينه وقع حقًا، لتذكرتِ هذه التفاصيل من هول الموقف. ولكنكِ كاذبة."

ارتجّ المسجد بالهمس، والتفتت العيون نحو المرأة التي احمر وجهها وانكسرت حجتها. عندها لم تجد مهربًا، فصرخت معترفة:
"صدقت يا أمير المؤمنين، لم يكن الأمر كما قلت! أردت أن أشوّه سمعة هذا الشاب لأنه رفض الزواج مني."

فقال عمر للشاب: "اذهب يا بني، فقد أنجاك الله من ظلمٍ عظيم."
ثم التفت إلى المرأة وقال بصرامة: "إياكِ أن تعودي لمثل هذا البهتان، فلو لا أنكِ اعترفتِ لعاقبتك بما يردع أمثالك."

خرج الشاب من المسجد ودموع الفرح تملأ عينيه، وهو يحمد الله أن جعل له عمر الفاروق حَكمًا. أما الناس فقد تعلّموا درسًا جديدًا من دهاء أمير المؤمنين: أن العدل لا يقوم بالصوت العالي ولا بالبكاء، بل بالبيّنة وكشف الكذب بالحكمة والفطنة.


بعد أن انصرف الشاب البريء من المسجد، بقي الناس يتحدثون بدهشة عن حنكة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. جلس أحد الفتيان إلى جوار شيخٍ من الصحابة وقال:

👦 الفتى: "يا عمّاه، عجبًا لأمير المؤمنين! كيف كشف كذب المرأة بأسئلة قليلة؟"

👴 الشيخ: "يا بني، هذه هي الفطنة التي يهبها الله لعباده الصالحين. لم يعتمد عمر على البكاء ولا على الكلمات، بل نظر في التفاصيل التي لا يخطئها الصادق، ولا يقدر الكاذب أن يثبتها."

👦 الفتى: "إذن يا عم، أهم درس تعلمناه أن العدل لا يكون بالعاطفة، أليس كذلك؟"

👴 الشيخ: "صدقت. العدل لا يقوم على الدموع ولا على الصراخ، بل على البرهان. وهذا أول درس نتعلمه اليوم."

👦 الفتى وقد اتسعت عيناه: "لكن يا عم، لِمَ لم يغضب عمر من المرأة منذ البداية؟ ألم يكن واضحًا أنها تكذب؟"

👴 الشيخ مبتسمًا: "هنا الدرس الثاني يا بني: الحاكم لا يستعجل الحكم، بل يمنح كل طرف فرصته في الكلام، ثم يستعمل الحكمة في الوصول للحق. فلو أنه أسكت المرأة منذ البداية، لقال الناس إنه ظلمها."

👦 الفتى: "فهمت. والدرس الثالث يا عم، أن الكاذب لا يثبت على التفاصيل… صحيح؟"

👴 الشيخ: "نعم، أحسنت. من علامات الكذب التردد والنسيان عند السؤال عن أبسط الأمور. لذلك فضحها عمر بأسئلة دقيقة."

👦 الفتى: "وهل هناك درس رابع يا عمّاه؟"

👴 الشيخ وقد رفع سبابته: "أجل، وهو أعظمها: التواضع أمام الحق. لقد كان عمر يستطيع أن يصدّق المرأة أو يحكم سريعًا، لكنه علّمنا أن القوة الحقيقية في التثبّت والعدل، لا في التسرّع أو الجفاء."

سكت الفتى لحظة ثم قال: "والله ما رأيت عدلًا ولا ذكاءً كهذا! رحم الله أمير المؤمنين، فقد جمع بين الصرامة والرحمة، وبين الذكاء والتقوى."

فقال الشيخ وهو يبتسم: “رحمه الله، فقد كان الفاروق… يفرّق بين الحق والباطل.”

image about دهاء عمر بن الخطاب
دهاء  عمر بن الخطاب 

 


التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

1

متابعهم

0

متابعهم

1

مقالات مشابة
-