
من هو سلمة بن الأكوع رضي الله عنه
سلمة بن الأكوع
بطل المشاة:
هل أتاك نبأ سلمة بن الأكوع؟ إنه أعجوبة من أعاجيب الدهر, ونادرة من نوادر الزمان فهو عدَاء لا يسبق, ورامٍ لا يخطئ, ومقدامٌ لا يهاب, ومغامرٌ لا تنتهي عجائب مغامراته, تقرأ أخبار بطولاته؛ فيخيل إليك أنه ضرب من الأساطير, وما هي بالأساطير, فقد رواها المؤرخين في أصح الروايات, فتعال أيها المتشوق لحياة جيل السماء إلى صفحة رائعة من البطولة.
يهزم جيش وحده:

لما عاد الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى المدينة وعاد معه سلمة, أغار عيينة بن حصن الفزاري -وهو الملقب بالأحمق المطاع- في خيل من غطفان على حدود المدينة في منطقة يقال لها الغابة ترعى فيها إبل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فوجد بها ابن لأبي ذر الغفاري وامرأته وراعي الإبل فقتلوا ابن أبي ذر وأخذوا امرأته فرأى ذلك المشهد غلام لعبد الرحمن بن عوف فدخل المدينة مسرعًا ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان ذلك قبل أذان الفجر بلحظات, فكان أول من صادفه الصحابي سلمة بن الأكوع فأخبره بالأمر فقام سلمة بن الأكوع على جبل تجاه المدينة, ونادى بأعلى صوته: يا صباحاه, ثلاث مرات فأسمع أهل المدينة كلهم ثم انطلق مسرعًا خلف العدو ومعه سيفه ونبله.
انطلق سلمة وحده خلف العدو وهم بالمئات وهو وحده على قدميه, وكان أسرع العرب حتى أنه كان يسبق الخيل على قدميه, حتى وصل خلف العدو وارتجز قائلاً:
أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
وأخذ يرميهم بالسهام فإذا أرادوا الرجوع إليه فر هاربًا بسرعة لا يدركه أحد, وإذا عادوا عاد ورائهم بسرعة يرميهم بالسهام, وصعد على ثنية جبل وهم يسقون إبلهم فرماهم بالحجارة فلقوا منه شدة ودخلهم خوف عظيم من هذا السبع الضاري حتى أنهم تخففوا من غنائمهم التي نهبوها فألقوا ثلاثين رمحًا وثلاثين بردة حتى أمضوا في الهرب, وظنوا أنهم قد نجوا منه فجلسوا يستريحون وكان الوقت ضحى فإذا بالسبع الضاري يطلع عليهم من رأس جبل مردد ما قال من قبل:
خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع
فارتاعوا لما رأوه, وقال لهم عيينة بن حصن: لولا إن هذا الرجل وراءه طلب ما ترككم, ليقم إليه نفر منكم, فقام إليه أربعة رجال, فقال لهم ابن الأكوع: أتعرفونني أنا ابن الأكوع والذي كرم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني, ولا أطلبه فيفوتني, فخافوا منه ورجعوا عنه.
خير المشاة:
على الطرف الآخر عندما خرج سلمة في أهل المدينة سمع النبي صلى الله عليه وسلم صراخه فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إليه ثمانية فرسان منهم المقداد بن عمرو, وأبو قتادة بن النعمان, والأخرم وغيرهم رضي الله عنهم فأمر عليهم سعد بن زيد وأمرهم باللحاق بالعدو على أن يلحق بهم الرسول القائد صلى الله عليه وسلم مع باقي الناس.
فانطلقت كتيبة الفرسان وكان فيهم أبو عياش, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلاً هو أفرس منك فلحق بالقوم, فقلت: يا رسول الله, أنا أفرس الناس, فضرب أبي عياش الفرس فما جرى به سوى خمسين ذراعًا حتى طرحه.
فخرج الفرسان حتى تلاحقوا وأدركوا سلمة بن الأكوع وهو يرمي الناس بالنبل فكان أول الفرسان وصولاً للعدو الأخرم - واسمه محرز بن نضلة- وعلي أثره أبو قتادة فارس الرسول القائد صلى الله عليه وسلم فأخذ سلمة بن الأكوع بزمام فرس الأخرم فقال له:
يا أخرم, احذر القوم فإني أخاف أن يقتطعوك فائتد -أي انتظر- حتى يلحق بك الناس, فقال الأخرم: يا سلمة, إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر, وتعلم أن الجنة حق والنار حق, فلا تحل بيني وبين الشهادة, فخليت فرسه فانطلق فلقيه حبيب بن عيينة -وقيل اسمه مسعدة- فقتل الأخرم فمات شهيد, وكان قبل ذلك بيوم قد رأى رؤيا أن السماء قد انفتحت حتى السماء السابعة, وقيل له: هذه منزلتك, فقصها على أبي بكر الصديق وكان أعبر الناس للرؤيا, فقال له:
يا أخرم, تموت شهيدًا, لذلك قال ما قال لسلمة, ولما جاء الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بأصحابه فر عيينة بن حصن برجاله خوفًا من القتل أو الأسر.
ولما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إلى المدينة, وقد قال في هذه المعركة وسام تكريم لبطلي المعركة: خير فرساننا أبي قتادة, وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع, وأعطى سلمة سهم الفارس والراجل جميعًا, وأردفه خلفه على بعيره عند الدخول للمدينة.
تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ** تاريخ الإسلام وفيات المشاهير ** الطبقات الكبرى لابن سعد ** تهذيب التهذيب ** الاستيعاب في معرفة الأصحاب ** الإصابة في تمييز الصحابة ** الكامل في التاريخ ** تاريخ الأمم والملوك ** عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير ** الدرر في اختصار المغازي والسير ** در السحابة في مناقب القرابة والصحابة ** إمتاع الأسماع ** سبل الهدي والرشاد ** زاد المعاد في هدي خير العباد ** المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ** المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ** غربال الزمان في وفيات الأعيان ** الوافي بالوفيات
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اَللَّه ۚ إِنَّ اَللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ