
حب الرسول ﷺ للأطفال: قلب الأبوة والرحمة
حب الرسول ﷺ للأطفال: قلب الأبوة والرحمة

من أجمل ما يُميز شخصية النبي محمد ﷺ أنه جمع بين عظمة القيادة وحنان الأبوة، وبين الجهاد والدعابة، وبين الهيبة والرحمة. كان ﷺ يُعامل الأطفال بحبٍّ وعطف، يغمرهم بابتسامته وحنانه، ويعلّم الأمة من خلال سلوكه أن **الرحمة بالأطفال عبادةٌ وقيمة إنسانية عظيمة**.
اولا :النبي ﷺ القدوة في الرحمة بالأطفال
لقد جاء الإسلام في زمن كانت الطفولة فيه تُهمَل ويُحتقر شأنها، فغيّر النبي ﷺ هذه النظرة، وأرسى مفهومًا جديدًا يقوم على التربية بالحب والرفق**.
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه، وكان خادم النبي عشر سنين: “ما قال لي رسول الله ﷺ أُفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ فعلته: لِمَ فعلت كذا؟ ولا لشيءٍ لم أفعله: ألا فعلت كذا؟”
(رواه البخاري ومسلم). هذا الحديث يُظهر مدى **صبر النبي ﷺ وتسامحه مع الأطفال**، فلم يكن يوبخهم أو يرفع صوته عليهم، بل كان يُربيهم بالقدوة والابتسامة.
ثانيا :كان ﷺ يلاعب الأطفال ويمزح معهم
من لطيف أخلاقه ﷺ أنه كان يشارك الأطفال ألعابهم ويُدخل السرور إلى قلوبهم. روى أنس رضي الله عنه: “كان النبي ﷺ يمرّ بالصبيان فيسلم عليهم” (رواه البخاري). وفي رواية أخرى: “كان النبي ﷺ يمرّ بالصبيان فيدعوهم ويُمسح على رؤوسهم” (رواه النسائي). بل كان ينادي بعضهم بأسماء الدلال، فقد قال لأحدهم: “يا أبا عُمير، ما فعل النغير؟” (رواه البخاري)، وهو طائر صغير كان يلعب به الغلام، فواسى النبي حزنه بلطف وابتسامة حين مات طائره.
ثالثا :كان يحمل الأطفال ويضمّهم بحنان
كان ﷺ يُظهر حنانه بالفعل قبل القول، فكان يحمل أبناء الصحابة ويُقبّلهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قبّل رسول الله ﷺ الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ أحدًا منهم. فقال النبي ﷺ: من لا يَرحم لا يُرحم.”
(رواه البخاري ومسلم). بهذا الحديث الشريف وضع النبي ﷺ **قاعدة تربوية عظيمة**: أن التربية لا تكون بالقسوة، بل بالرحمة والمودة.
رابعا :النبي ﷺ في بيته أبٌ عطوف
كان ﷺ أحنّ الناس على بناته وأحفاده. فقد كان إذا دخلت عليه فاطمة رضي الله عنها قام لها من مجلسه، وأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها مكانه، وهي تفعل معه الشيء نفسه.
وكان يحمل الحسن أو الحسين على كتفيه، ويقول أمام الناس: “اللهم إني أُحبهما فأحبَّهما.” (رواه البخاري).
كما رآه الصحابة مرة وهو ساجد في الصلاة، فصعد الحسن أو الحسين على ظهره، فأطال السجود حتى نزل الطفل، فلما سُئل عن ذلك قال: إن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله.”
(رواه النسائي). ما أروع هذه الرحمة! نبيّ الأمة يؤخّر سجوده من أجل طفل صغير، ليعلّمنا أن **الدين ليس قسوة بل محبة ورحمة**.
خامسا :النبي ﷺ واحترام مشاعر الطفل
كان ﷺ يفهم طبيعة الأطفال ويتعامل معهم بلينٍ وذكاءٍ عاطفي نادر. يقول أنس رضي الله عنه: “كان لي أخ يُقال له أبو عمير، وكان له نُغير يلعب به، فمات، فكان النبي ﷺ إذا رآه يقول: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟” هذه اللفتة البسيطة كانت **دعمًا نفسيًا لطفل صغير**، يواسيه النبي ﷺ بابتسامة وكلمة لطيفة.
سادسا :حب النبي ﷺ للأطفال لم يكن ترفًا، بل رسالة
كان ﷺ يعلم أن صلاح الأمة يبدأ من صلاح جيلها الصغير، لذلك أوصى الآباء بالعدل بين أولادهم فقال: “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.” (رواه البخاري ومسلم). كما أوصى بتربية الأبناء على الإيمان والرحمة، وقال: “ما نحل والدٌ ولدَه أفضل من أدبٍ حسن.” (رواه الترمذي).
خاتمــــة
لقد جسّد النبي محمد ﷺ أعظم صور **الرحمة بالأطفال** في التاريخ الإنساني. فلم يكن يتحدث عن الرحمة فحسب، بل كان يعيشها في كل لحظة من حياته، في بيته، وفي مسجده، وفي طريقه. فمنه تعلمنا أن **الابتسامة صدقة، والحنان عبادة، والرحمة تربية - وحين نتأمل سيرته، ندرك أن حب النبي ﷺ للأطفال هو أعظم مدرسة تربوية يجب أن يقتدي بها كل والدٍ ومربٍّ في العالم