تابع حياة النبي محمد ﷺ من سن 30 إلى 40 سنة

المقدمة
في العقد الرابع من عمره الشريف، بلغ النبي محمد ﷺ قمة النضج العقلي والروحي. كانت هذه السنوات بمثابة إعداد نهائي من الله تعالى، ليتهيأ لتحمل أمانة الرسالة. فقد ازداد تفكيره في حال قومه وما هم عليه من عبادة الأصنام، وابتعد عن اللهو والمجالس الدنيوية، متفرغًا للتأمل والعبادة والتفكر في خلق الله.
مكانته في قريش
كان النبي ﷺ في هذه الفترة يتمتع بمكانة رفيعة بين قومه، يُستشار في الأمور الكبيرة، ويُلقب بـ الصادق الأمين. وكانت قريش تعرفه بالعدل والحكمة، فكان الناس يودعون عنده أماناتهم ويطلبون رأيه في النزاعات.
↢ الآية المناسبة: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
حياته الأسرية مع السيدة خديجة رضي الله عنها
عاش النبي ﷺ مع زوجته السيدة خديجة حياة مليئة بالسكينة والمودة، فكانت نعم الزوجة الصالحة، تؤنسه وتسانده. وقد أنجبت له أولاده القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم. وكان البيت النبوي مثالًا في الطهر والرحمة والتفاهم.
↢ الآية المناسبة: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].
تأمل النبي ﷺ وابتعاده عن الأصنام
مع مرور السنوات، ازداد انشغال النبي ﷺ بحال قومه الذين يعبدون الأصنام، فكان قلبه ينفر من ذلك. لم يسجد لصنم قط، ولم يشاركهم في طقوسهم، بل كان يرفضها في نفسه ويشعر بالضيق منها.
بدأ يتأمل في خلق الله تعالى، ويقضي أوقاتًا طويلة في التفكير في الكون والحياة والحق والباطل.
↢ الآية المناسبة: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [محمد: 24].
خلوة غار حراء
من عادة النبي ﷺ في السنوات الأخيرة قبل البعثة أنه كان يذهب إلى غار حراء، وهو جبل يقع شمال مكة، يبتعد فيه عن ضوضاء الناس ويفكر في عظمة الخالق.
كان يأخذ معه زادًا يكفيه أيامًا، ويقضي وقته في التأمل والعبادة وذكر الله على ملة إبراهيم عليه السلام. وكان هذا الغار مكان السكون الذي وجد فيه راحته القلبية والروحية.
↢ الآية المناسبة: ﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴾ [المزمل: 8].
الرؤى الصادقة
في السنوات الأخيرة قبل الأربعين، بدأ النبي ﷺ يرى الرؤى الصادقة في منامه، فكانت تتحقق كما يراها، فكانت هذه الرؤى تمهيدًا لنزول الوحي.
وقد ورد في الحديث الصحيح أن أول ما بدأ به الوحي "الرؤيا الصالحة"، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
↢ الآية المناسبة: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ﴾ [الفتح: 27].
تمهيد لنزول الوحي
عندما بلغ النبي ﷺ الأربعين سنة، كان قد وصل إلى أرقى درجات النضج العقلي والإيماني. كانت تلك السنوات الأخيرة في غار حراء والابتعاد عن الناس مقدمة للحدث الأعظم في تاريخ البشرية، وهو نزول الوحي وبداية الرسالة الإسلامية التي غيرت وجه العالم.
↢ الآية المناسبة: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].
الخاتمة
من سن الثلاثين إلى الأربعين، عاش النبي محمد ﷺ مرحلة التأمل والصفاء الروحي، وازداد قربًا من الله تعالى. كانت هذه السنوات آخر إعداد رباني قبل البعثة، حيث تميزت بالهدوء والابتعاد عن الجاهلية، والتفكير في الكون والحق، حتى جاءه الوحي بغار حراء ليبدأ عهد النور والهداية للعالمين.