
مولد الرسول محمد ﷺ ونشأته حتى سن العاشرة
مولد الرسول محمد ﷺ ونشأته حتى سن العاشرة

تمهيد
إن الحديث عن مولد سيد الخلق محمد ﷺ ونشأته في طفولته المبكرة حتى بلوغه سن العاشرة، هو حديث عن البداية المباركة لرحلة إنسانية عظيمة غيّرت مجرى التاريخ. فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يخرج هذا النبي الكريم من رحم اليتم والابتلاء، ليكون أعظم قدوة للناس. قال تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
1. عام الفيل وبشارة الميلاد
وُلد النبي محمد ﷺ في مكة المكرمة في عام الفيل، وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الأشرم هدم الكعبة بجيش ضخم من الفيلة، ولكن الله أهلكهم، كما ورد في القرآن الكريم:
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ [الفيل: 1].
جاء ميلاد النبي ﷺ يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وقد سبقت ولادته بشارات من التوراة والإنجيل، كما تناقل العرب أن أمارات عظيمة ظهرت ليلة ولادته، منها سقوط شرفات من قصر كسرى، وانطفاء نار المجوس التي لم تُطفأ منذ مئات السنين.
2. نسبه الشريف
ينتمي النبي محمد ﷺ إلى أشرف بيوت قريش، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ويرجع نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وقد كان العرب يفتخرون بالنسب، فجعل الله نسب النبي أكرم الأنساب. قال تعالى:
﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: 124].
3. يتم النبي وفقد والده
توفي عبد الله والد النبي ﷺ وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه آمنة بنت وهب، فخرج النبي ﷺ إلى الدنيا يتيم الأب. وهذه أول مراحل الابتلاء الإلهي، حيث نشأ النبي ﷺ معتمدًا على الله. قال الله تعالى:
﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: 6].
4. رضاعته في بني سعد
جرت عادة أشراف قريش أن يُرسلوا أبناءهم إلى البادية لينشؤوا في بيئة صافية قوية، بعيدًا عن أمراض المدن، وليتعلموا الفصاحة. فخرج النبي ﷺ إلى بني سعد مع مرضعته حليمة السعدية. منذ أن دخل بيتها، انقلب حالها، فجفّت الأرض قبل قدومه ثم أخصبت بعدها، وضعفت ماشيتها ثم سمنت، فكانت بركة ظاهرة بسببه ﷺ.
قال تعالى:
﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18].
5. حادثة شق الصدر
بينما كان النبي ﷺ يلعب مع الصبيان في مضارب بني سعد، جاءه جبريل عليه السلام، فشق صدره وأخرج قلبه وغسله بماء زمزم، ونزع منه حظ الشيطان، ثم أعاده كما هو. فارتاع الصبيان وهرعوا إلى حليمة، لكنها وجدته سالمًا مشرق الوجه. هذه الحادثة كانت إعدادًا إلهيًا للرسالة.
قال الله تعالى:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح: 1].
6. عودته إلى أمه
بعدما أكمل النبي ﷺ خمس سنوات عند حليمة، أُعيد إلى أمه آمنة في مكة، فعاش معها حياة هادئة، ورأت فيه البر بالوالدة والصدق منذ نعومة أظفاره.
قال تعالى:
﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ [الأحقاف: 15].
7. وفاة الأم ورعاية الجد
في سن السادسة، خرجت آمنة مع ابنها محمد ﷺ لزيارة قبر والده في المدينة، وفي طريق العودة عند منطقة الأبواء أصابها المرض وتوفيت، فصار النبي ﷺ يتيم الأبوين. عاد إلى مكة برعاية أم أيمن، ثم احتضنه جده عبد المطلب، الذي كان يحبه حبًا شديدًا ويجلسه إلى جواره عند الكعبة.
قال تعالى:
﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24].
8. كفالة أبي طالب
بعد وفاة عبد المطلب وهو في الثامنة من عمره، انتقل النبي ﷺ إلى رعاية عمه أبي طالب، وكان رجلاً فقيرًا لكنه ذو مكانة في قريش. أحب أبا طالب محمدًا ﷺ حبًا عظيمًا، ورعاه رعاية الأب لابنه، وكان يصطحبه معه في أسفاره.
قال الله تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
9. حياة النبي حتى سن العاشرة
نشأ النبي ﷺ في بيت عمه مثالًا للأمانة والصدق. لم يعرف عنه كذب ولا خيانة ولا سجود لصنم. وكان يشارك أقرانه في اللعب، لكنه امتاز عنهم برجاحة العقل وطيب الخلق. أحب أهل مكة صدقه وأمانته حتى لقّبوه لاحقًا بـ"الصادق الأمين".
قال تعالى:
﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ [المائدة: 15].
10. إعداد إلهي مبكر
لقد كانت هذه السنوات العشر الأولى من حياة النبي ﷺ إعدادًا ربانيًا محكمًا، إذ جمع الله له بين الابتلاءات التي صقلت شخصيته، والرعاية التي أحاطته من أقاربه، والبركة التي لازمته منذ مولده. لقد أخرجه الله من بيت فقير يتيم الوالدين، لكنه كان أغنى الناس بصفاء قلبه ونقاء سريرته.
قال تعالى:
﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: 8].
خاتمة
إن دراسة مرحلة الطفولة في حياة النبي ﷺ تكشف لنا عناية الله الخاصة به منذ مولده. فقد عاش يتيمًا، لكنه لم يُترك بلا سند، بل كان الله هو راعيه ومعلمه. وهذه السنوات العشر الأولى وضعت الأساس لشخصيته التي ستتحمل لاحقًا عبء الرسالة الخاتمة، وتغير مجرى الإنسانية إلى الأبد.
قال تعالى:
﴿مَّا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: 2]