
تابع حياة النبي محمد ﷺ من سن العاشرة حتى العشرين

#النبي_محمد
النبي محمد ﷺ هو خير من وُلد على وجه الأرض، اصطفاه الله تعالى ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين. وقد مرّت حياته منذ الطفولة بمراحل مليئة بالعبر والدروس، حيث نشأ يتيمًا محاطًا برعاية الله عز وجل، ليكون مؤهلًا لحمل الرسالة العظيمة فيما بعد. وسنركز في هذا المقال على الفترة من سن العاشرة حتى سن العشرين، وهي مرحلة التكوين النفسي والأخلاقي والاجتماعي.
كفالة جده عبد المطلب ثم عمه أبي طالب
قال تعالى:
﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]
عندما بلغ النبي ﷺ ثماني سنوات تُوفي جدّه عبد المطلب الذي كان كفيله بعد وفاة والديه، فانتقل إلى رعاية عمه أبي طالب. وفي سن العاشرة بدأت شخصيته تزداد نضجًا واستقلالًا. كان يعيش في بيت عمه الذي لم يكن غنيًا، مما جعل النبي ﷺ يُسهم مبكرًا في تحمّل المسؤوليات لمساعدة عمه في أعباء الحياة.
عمله في رعي الغنم
قال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 127]
من أبرز ما قام به النبي ﷺ في هذه المرحلة هو عمله برعي الغنم لأهل مكة. وقد ورد في الحديث الشريف قوله: "ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم". وكان لهذا العمل دور كبير في تنمية صبره وتحمّله للمسؤولية، وتعليمه الرفق والرحمة، وهي صفات لازمت شخصيته فيما بعد. كما جعلته هذه التجربة قريبًا من الطبيعة، متأملًا في خلق الله، بعيدًا عن لهو الصبيان في مكة.
أخلاقه وتميزه بين أقرانه
قال تعالى:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]
في سن المراهقة كان النبي ﷺ قد اشتهر بين أقرانه بصفاته النبيلة؛ فقد لُقّب بين قومه بالصادق الأمين، لما عُرف عنه من صدق الحديث وحفظ الأمانة. لم يكن يشارك شباب مكة في لهوهم ولا في عاداتهم السيئة مثل شرب الخمر أو عبادة الأصنام، بل كان زاهدًا فيها، مائلًا إلى التأمل والهدوء. وهذه الصفات جعلته محبوبًا عند الناس وموضع ثقة عند الجميع.
مشاركته في الحياة الاجتماعية
قال تعالى:
﴿ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]
لم يكن النبي ﷺ منطويًا، بل كان حاضرًا في مجتمعه بما يناسب عمره. وقد شارك قومه في بعض المناسبات المهمة، مثل حرب الفِجَار التي وقعت بين قريش وحلفائها من جهة، وقبائل قيس عيلان من جهة أخرى، وكان عمره آنذاك نحو خمس عشرة سنة. لم يشارك النبي ﷺ في القتال نفسه، لكنه كان يساعد أعمامه في جمع السهام ونقلها، مما أتاح له الاطلاع على شؤون الحرب والشجاعة دون أن يتورط في سفك الدماء.
حلف الفضول
قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90]
في سن العشرين شارك النبي ﷺ في حلف الفضول، وهو اجتماع قبلي عُقد في دار عبد الله بن جدعان بمكة، اتفق فيه عدد من بطون قريش على نصرة المظلوم ورد الحقوق لأصحابها. وكان لهذا الموقف أثر كبير في حياة النبي ﷺ، حتى قال بعد البعثة: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت". وهذا الحلف أبرز مبادئ العدل ونصرة المظلوم التي تبناها النبي ﷺ طوال حياته.
سفره مع عمه إلى الشام
قال تعالى:
﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]
في هذه المرحلة أيضًا، سافر النبي ﷺ مع عمه أبي طالب في رحلات تجارية إلى بلاد الشام. وهناك ظهرت علامات مميزة على شخصيته، حيث لمس التجار صدقه وأمانته، فكان محل إعجابهم. وفي إحدى هذه الرحلات التقى الراهب بحيرى الذي لاحظ علامات النبوة في وجهه وأخلاقه، وحذّر أبا طالب من الحسد والشر الذي قد يتعرض له ابن أخيه.
تنمية صفات القيادة والحكمة
قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]
خلال سنوات المراهقة والشباب المبكر، كان النبي ﷺ يتدرّب على تحمل أعباء الحياة، سواء من خلال عمله أو سفراته أو مشاركاته الاجتماعية. وقد انعكست هذه التجارب على شخصيته التي امتازت بالحكمة والرصانة رغم صغر سنه. كانت كلماته مسموعة بين أصدقائه وأقاربه، وكان الجميع يثق في رأيه ويطلب مشورته، مما أهّله ليكون قائدًا ورمزًا بين قومه لاحقًا.
الاستعداد للمرحلة القادمة
قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]
بين سن العاشرة والعشرين، تشكّلت شخصية النبي ﷺ بصورة متكاملة من الصدق والأمانة والصبر والرحمة والشجاعة. كانت هذه الفترة بمثابة إعداد إلهي له، حتى يكون مستعدًا لحمل أمانة الدعوة إلى الله عز وجل. فالله تعالى اختاره من بين البشر جميعًا، وأحاطه برعايته منذ صغره، وهيأ له من الظروف ما جعله مؤهلًا لقيادة البشرية نحو النور والهداية.
خاتمة
إن دراسة حياة النبي محمد ﷺ في فترة شبابه المبكر تكشف لنا كيف أن شخصيته العظيمة لم تكن وليدة لحظة البعثة فقط، بل كانت نتاج إعداد إلهي وتربية فطرية راقية منذ نعومة أظافره. فمنذ سن العاشرة وحتى العشرين، عاش النبي ﷺ حياة مليئة بالعِبر، تميزت بالعمل الجاد، والأخلاق السامية، والمشاركة في القضايا المجتمعية. وهذه المرحلة زرعت فيه الأساس المتين ليكون الرسول الخاتم الذي أرسله الله رحمة للعالمين.