قصة الرجلين المؤمن و الكافر
هذه قصة لرجلين إحدهما شاكر لنعمة الله والأخر كافر بها. فيخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقص على قريش خبر هذين الرجلين وما كان من امرهما ليتعظوا بما حصل معهما وليعتبروا بحالهم.
كان هذين الرجلين أصحابا، وكان لكل منهما مال، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته إبتغاء وجهه، و أما الكافر فكان له بستانان في هذين البستانين من كل الثمرات وخصوصاً أشرف الأشجار العنب والنخل،فالعنب في وسطها والنخل قد حف بذلك ودار به فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح التي تكمل بها الثمار وتنضج وتتجوهر ومع ذلك جعل بين تلك الاشجار زرعا ، وأخبر تعالى ان كلا من الجنتين أتت ُأكلها أي ثمارها وزرعها ضعفين لم تنقص من اكلها أدنى شيء، ومع ذلك فالأنهار في جوانبهما سارحة كثيرة غزيرة، وقد أستكملت جنتاه ثمارهما ولم تعرض لهما آفة أو نقص فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث، ومع ذلك الخير كله أغتر هذا الرجل بهما وتبجح ونسي آخرته و أفتخر على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له: “ أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا” فُغر بكثرة ماله وعزة أنصاره من عبيد وخدم وأقارب وهذا جهل منه.
ثم لم يكفه هذا الأفتخار على صاحبه حتى حكم بجهله وظلمه وظن لما دخل جنته أنها لن تنقطع أو تضمحل فأطمئن الى هذه الدنيا ورضي بها وأنكر البعث بل وأكثر في التطاول والغلو والفجور، ومن نفسه بأن يعطيه الله خيراً من هاتين الجنتين، وهذا لا يخلو من امرين: أما ان يكون عالما بحقيقة الحال فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والأستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره، وأما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة فيكون من أجهل الناس وأبخسهم حظا من العقل، فأي تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة حتى يظن بجهله أن من أُعطي في الدنيا أُعطي في الآخرة، بل الغالب أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه و يوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب. والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال ولكنه قال هذا الكلام على وجه التهكم والأستهزاء، فقال له صاحبه المؤمن ناصحاً له ومذكراً له حاله الاولى وذكره بنعمة الإيجاد وتواصل النعم ونقله من طور إلى طور حتى سوي رجلاً كامل الإعضاء والجوارح وهيئ له ما هيئ من نعم الدنيا فلم تحصل له الدنيا بحوله وقوته بل بفضل الله تعالى عليه، فكيف يليق بك أن تكفر بالله الذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً وُتجحد نعمته وتزعم انه لا يبعثك وأن بعثك أنه يعطيك خيراً من جنتك هذا مما لا ينبغي ولا يليق.
ولهذا لما رأى صاحبه المؤمن حاله وأستمراره على كفره وطغيانه أعلن أنه بريء منه ومن شركه وقال مخبراً عن نفسه شاكراً لربه معلنا بدينه “لكنه والله ربي ولا اشرك بربي احدا” أقر بربوبية ربه وأنفراده فيها، والتزم طاعته وعبادته. وأنه لا ُيشرك به أحدا من المخلوقين ، ثم أخبره “أن نعمة الله عليه بالإيمان والإسلام ولو مع قلة ما له وولده” وقال له :"وأن فخرت علي بكثرة مالك وولدك ورأيتني أقل منك مالاً وولدا فإن ما عند الله خير وابقى، وما ُيرجى من خيره وأحسانه أفضل من جميع الدنيا التي يتنافس فيها المتنافسون فعسى الله ان يرزقني خيراً من جنتك التي طغيت وتجبرت وجحدت بها نعم الله وأن يُرسل عليها عذابا من عنده ُيريك فيها بأسه وغضبه عليك".
وفعلاً إستجاب الله للعبد المؤمن فأرسل على الجنتين عذاباً أحاط بهما وأستهلكهما فلم يبق منهما شيء، فتلفت الأشجار والثمار والزروع ولما نزل العذاب بجنته ذهب عن الكافر ما كان يفتخر به فلم يدفعوا عنه من العذاب شيئاً، فمن ينصره على قضاء الله وقدره الذي إذا مضى وقدره لو أجتمع أهل السماء والارض على إزالة شيء منه لم يقدروه، ولا يستبعد من رحمة الله ولطفه أن صاحب هذه الجنة التي أُحيط بها تحسنت حاله ورزقه الله الإنابة اليه و راجع رشده وذهب تمرده وطغيانه بدليل أنه أظهر الندم على شركه بربه وأن الله أذهب عنه الكفر والجحود وعاقبه في الدنيا وأذا أراد الله بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا وفضل الله لا تحيط به الأوهام والعقول ولا ينكره الإ ظالم جهول.