خليفة ظلمة التاريخ

انة من عظماء أمتنا الذين طأطأ الروم رؤوسهم له ، وأحنوا هاماتهم رهبة منه ،، ذلك الرجل الذي حاول أعداء تاريخنا و أذنابهم أن يصوروه بصورة شارب الخمر الماجن، صاحب الجواري الحسان والليالي الحمراء، العسوف الظلوم ، مع أنه كان من أعظم خلفاء الدولة العباسية جهادا وغزوا واهتماما بالعلم والعلماء ، و بالرغم من هذا كله أشاعوا عنه الأكاذيب وأنه لاهم له سوى الجواري والخمر والسكر، ونسجوا في ذلك القصص الخرافية والحكايات الواهية .

نسبه ومولده
هو أبو جعفر هارون بن المهدي محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي، كان مولده بالري حين كان أبوه أميرا عليها وعلى خرا سان في سنة ثمان وأربعين ومائة وأمه أم ولد تسمى الخيزران وهى أم الهادي ، عرف بالشجاعة والقوة ، وقاد الحملات في عهد أبيه ، ولم يتجاوز العشرين.

تولية الخلافة

تمت البيعة للرشيد بالخلافة في (14 من شهر ربيع الأول 170هـ= 14 من سبتمبر 786م)، بعد وفاة أخيه موسى الهادي، وبدأ عصر زاهر كان واسطة العقد في تاريخ الدولة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، ارتقت فيه العلوم، وسمت الفنون والآداب، وعمَّ الرخاء ربوع الدولة. وكانت الدولة العباسية حين آلت خلافتها إليه مترامية الأطراف تمتد من وسط أسيا حتى المحيط الأطلنطي، مختلفة البيئات، متعددة العادات والتقاليد، معرضة لظهور الفتن والثورات، تحتاج إلى قيادة حكيمة وحازمة يفرض سلطانها الأمن والسلام، وتنهض سياستها بالبلاد، وكان الرشيد أهلاً لهذه المهمة الصعبة في وقت كانت فيه وسائل الاتصال شاقة، ومتابعة الأمور مجهدة، وساعده على إنجاز مهمته أنه أحاط نفسه بكبار القادة والرجال من ذوي القدرة والكفاءة، ويزداد إعجابك بالرشيد حين تعلم أنه أمسك بزمام هذه الدولة العظيمة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، فأخذ بيدها إلى ما أبهر الناس من مجدها وقوتها وازدهار حضارتها
يعتبر الخليفة هارون الرشيد واحدًا من أبرز الحكام في التاريخ الإسلامي، حيث تميزت فترة حكمه بالعدل والتقوى، وشهدت العديد من الإنجازات الثقافية والاقتصادية. وُلد هارون الرشيد في العام 763 م في مدينة الرياض، وكانت حكومته تعد فترة ذهبية في تاريخ الدولة العباسية.

العدل والتقوى:

يتميز الخليفة هارون الرشيد بسمات العدل والتقوى، حيث كان يسعى جاهدًا لتحقيق العدالة في إدارة شؤون الحكومة. كان يحرص على سماع آراء المستشارين والفقهاء، وكان يطلب النصح والإرشاد في قضايا الدولة. كان يحاسب الحكام والمسؤولين عندما كانوا يخطئون، وكرس مبدأ المساواة أمام القانون.

الانجازات الثقافية:

كانت فترة حكم هارون الرشيد مزدهرة ثقافياً، حيث توفرت الفرص للعلماء والفلاسفة للتألق. أسس الخليفة بيت الحكمة في بغداد، وهو مركز للدراسات العلمية والفلسفية، حيث تم ترجمة العديد من الكتب اليونانية والهندية إلى العربية. شجع على نقل المعرفة والعلوم، وكرَّس البحث العلمي كجزء أساسي من تقدم المجتمع.

القتوحات والتوسع:

قاد هارون الرشيد حروبًا ناجحة أسهمت في توسيع حدود الدولة الإسلامية. كانت الغزوات العسكرية تحت إشرافه تحقق انتصارات هامة، وأبرزها كانت فتح بلاد الشام والتقدم في شمال أفريقيا. كما كان له دور بارز في إحلال السلام بين الدول الإسلامية والدول المجاورة.

الأعمال الإدارية:

أدار هارون الرشيد شؤون الدولة بحكمة، حيث نظم الإدارة الحكومية وتحسين البنية التحتية للدولة. قام بتطوير الأنظمة الاقتصادية وتحسين وسائل التواصل والنقل، مما أسهم في ازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
السياسة في خلافة هارون الرشيد
لم تكن الأوضاع السياسيّة خلال فترة هارون الرشيد مُستقِرّة؛ فقد كانَت هناك بعض النزاعات الداخليّة، والخارجيّة، والتي حاوَل هارون الرشيد أن يُخمِدها، أو يَحلّها خلال فترة خلافته، ومن أهمّ الأمور السياسيّة التي واجهَت الخليفة:
ثورة الخوارج: 

قادَ الوليدُ بن طريف الشاري الخوارجَ القادمينَ من شمال الجزيرة عَبْرَ دجلة، وصولاً إلى العراق؛ للتمرُّد على الخلافة، إلّا أنّ هارون الرشيد تصدّى لهم، وقتلَ قائدهم، وفَرّقَ جَمْعَهم. 
ثورة الديلم:

 قادَ يحيى بن عبدالله العلويّ ثورة الديلم، فواجهَها الخليفة هارون باللِّين، إلّا أنّهم لم يستجيبوا له، فردَّ عليهم بالعنف حتى قضى عليهم. ثورة خراسان: ثارَ أهل خراسان على والي المنطقة (ابن ماهان)؛ وذلك لظُلمه، وسرقته لأموالهم، فعلمَ الخليفة بأمره، وأمرَ بعَزْله.

النزاع بين القيسيّة واليمانيّة:

 وهما قبيلتان تُقيمان في بلاد الشام، كانَ قد اشتعلَ بينهما خلاف، إلّا أنّ الخليفة أدركَ أهمّية الحفاظ على الاستقرار والقوّة في بلاد الشام؛ لحمايتها من هجمات الرّوم، فأنهى الخلاف بينهما. الفرنجة: 

أرسل نقفور ملك الروم  إلى الخليفة هارون الرشيد خطابًا يقول فيه من نقفور ملك الروم الى هارون ملك العرب .. أما بعد: فإنَّ الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرّخ، وأقامت نفسها مقام البيذق، فَحَمَلت إليك مِنْ أموالها أحمالا؛ وذلك لضعف النساء وحُمقِهنّ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما وصل إليك مِن أموالها .. وإلا فالسيف. فلما قرأ هارون الرشيد الكتاب استشاط غضبًا حتى لم يتمكن أحد من النظر إلى وجهه، وتفرق جلساؤه من الخوف، واستعجم الرأي على الوزير. فدعا هارون الرشيد بإدواة، وكتب على ظهر كتاب ملك الروم: بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم. قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه ! ثم سار هارون الرشيد وقاد بنفسه جيوشًا جرارة، ولقّن نقفور درسًا لم ينساه؛ فاضطر نقفور راغمًا إلى طلب الموادعة، وعاد إلى أداء الجزية صاغرًا، بعد أن خضع أمام قوة المسلمين وعزة نفوسهم.  
يامن لايزول ملكه ارحم  من زال ملكه 
وفاة هارون الرشيد تعرَّضَ لمرضٍ لا شفاءَ له، وكانت حالته الصحِّية تسوء مع الوقت، إلّا أنّه اضطرَّ إلى السفر إلى خراسان؛ لوَضْعِ حلّ للاضطّرابات والتمرُّد الذي كان بقيادة الأمويّ رافع بن الليث، وفي طريقه إلى هناك، وتحديداً في مدينة (مَشهد) التي كانَ يُطلَق عليها اسم (طوس)، لَفَظَ الخليفة هارون الرشيد آخرَ أنفاسِه، وتُوفِّيَ عام  عن عُمرٍ يُناهزُ الثالثة والأربعين