هكذا وجدت الله .. قصة عقدة الطفولة " 1 "
قصة طفل يتخطفه التنمر والتعنيف الأسري والمجتمعي لتتولد لديه عقد نفسية كببرة وشعور بالوحدة ، فيبدأ رحلة البحث عن الملاذ الإلهي
بعد منتصف إحدى ليالي العام 2015 توضأت ثم أمسكت بالقرآن الكريم لأفتح المصحف على سورة البقرة وأبدأ بالقراءة فوصلت إلى منتصف الآية الكريمة " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " . هنالك عثرت على ضالتي .
تبدأ القصة منذ الطفولة، فلم ير "س " والده رغم أنه حي يرزق بسبب مشاكل أسرية ترتب عليها طلاق الأم في وقت مبكر كان لسانه يحاول فيه نطق الكلمات الأولى في هذه الحياة .
مع مرور الوقت ، يبدأ "س " بالإدراك فيتولد شعوره باليتم وماأقساه من شعور ، لكن لحظة ! هنا سيضطر للتعايش مع كونه يتيما رغم أن والده حي ، لكنه يرفض رؤيته أو التعرف عليه بسبب الطلاق الذي تم بحكم قضائي ، وأدى إلى انتزاعه رغم أنف الأب المحلق في السماء ، كيف لا !! وهو ابن الذوات والشخصية الإجتماعية البارزة .
هنا يظهر الفرق بين طفل يتيم رحل والده ، ويقال له أن الله كان يحبه فأخذه لعيش الحياة الاخرى إلى جانبه ، ومع مرور الوقت يستوعب الطفل أن والده لن يعود ، وبين من يعلم أن أباه موجود على ظهرها لكنه يأنف رؤيته ؛ بحسب ماقيل وتأكد من ذلك عند بلوغه سن الرشد ، في الوقت الذي يحاول أحدهم من الأسرة بث الرعب من والده الذي أخذه بالقوة إلى قريته ، وهو الأمر الذي قاد إلى حكم المحكمة بالطلاق وإلحاق الطفل بالأم ، وهو ماولد الغضب لدى الأب ورحل دون رجعة ، لينعكس ذلك بمشاعر متضاربة بين الوحدة والخوف لدى الطفل "س " .
يمر عام تلو الآخر ، فتتزوج أم " س " برجل مزاجي عادي هو الشر والخير في آن ، فلم يستطع ملء فراغ الأبوة ، ومن باب الإنصاف فلم يكن الأب البيولوجي أيضا ليملأ ذلك الفراغ وهو الجاف في تعامله مع أبناءه من امراتين تزوجهما لاحقا ، وعلم "س " بتلك القصة عندما كبر .
وفي مجتمع بدائي لايتفهم الخصوصية ، كانت علامة الإستفهام التي يصادفها " س " في كل مرة يعرف فيها زوج أمه بأنه والده هي : لماذا لايشبهك ؟! وحين يأتي به إلى المدرسة حال طلب ولي أمره ، يبرز السؤال ، من المعلمين الذين يحتاجون من يعلمهم كيفية التعامل مع طفل تظهر عليه علامات النبوغ والحساسية المفرطة بالمشاعر ، لعمه زوج والدته : لماذا يختلف إسمك عن اسمه ؟! لاتكذب ، أين والده ؟! .
ياهؤلاء ؟ أربكتم " س " واحرجتموه بتلك الأسئلة أمام زملائه الذين سيفتحون أول باب للتنمر عليه ، فهو لايستطيع القول بأن والده مات وهو حي ولايقدر على الإتيان به ، كان " س " نقيا ولايعرف الكذب لتكون إجابته أن والده مسافر ببساطة !!
ومايزيد الطين بلة ، إلى جانب رفع إحدى المعلمات صوتها بالأسئلة التي يجب أن توجه بهدوء للعم وبمعزل عن الطفل ، هو عند معرفتها بأنه ليس والد " س " البيولوجي ، في هذه اللحظة يظهر عليها الإدراك بصوت مرتفع كالعادة : أها .. إذن أنت لست والده ؟! ثم تأتي الأسئلة تباعا : وأين والده ؟! ولماذا وكيف ومتى !! فلتصمتي ياامرأة ، لقد كبرت العقدة في قلب " س " وسيعاني بعدها الأمرين .
تنامت تلك العقدة ، وأصبحت أسوأ المخاوف هي طلب ولي أمر الطفل " س " حتى لو كان الطلب بغرض حضور التكريم والفعاليات ، فبطلنا طالب متفوق حاز على المرتبة الأولى في كل مراحله الدراسية الإبتدائية ! يبدو أنه كان يفر من عقده تلك إلى الإجتهاد في الدراسة ، إضافة إلى ذكائه الفطري .
نتيجة لما سبق ، فضل " س " مواجهة المصاعب والعراقيل وحده رغم نعومة اظافره ، وماعزز ذلك هو إنتقال أمه وزوجها إلى منطقة أخرى للإستقرار ، واختار هو البقاء في بيت جده ، لتبدأ المرحلة الثانية من حياته .
وهنا يكتوي " س " بنيران الحياة ومشقاتها ، أولها التنمر اليومي في المدرسة ، والتعنيف من أشقاء والدته الذين يعيشون معه في منزل الجد بزعم تربيته ، وغياب أمه وانشغالها مع زوجها بحياتها الخاصة وأولادها الذين أتوا من بعده ونسيان وتركه بغير مصاريف سوى من بعض الفتات الضروري ، ومع ازدياد الفجوة بينه وبين أهله الذين تركوه أو قد يكون تركهم ، وبينه وبين أهل والدته الذين يقطن عندهم ، وبينه وبين مجتمعه المنفر شديد القسوة ، زاد إنطواء " س " على ذاته وتعاظم شعور الوحدة في نفسه رغم إحساسه بالحاجة الملحة لمن يسنده وهو في مقتبل العمر .
تمر السنوات ويصل بطل قصتنا إلى سن المراهقة ، ومع كل عنف يصادفه في المدرسة والشارع يعجز أن يفعل كالآخرين ، فلا أب ولا أخ أكبر يدافع عنه لحظات تعرضه للإعتداء والتنمر ، بل إنه عندما يستغيث بأخواله يكون الرد أن يا " س " فلتكن رجلا ولتدافع عن نفسك ولاتعد إلى المنزل وقد عنفوك لأنك ستلقى منا أضعاف ماوجدته في الشارع من الضرب والألم .
وفي بيئة كتلك ، بدأ " س " بالتردد على المسجد بحثا عن السند ، عن تلك القوة الخفية التي يشد ازره بها ، عن ملاذ يستلهم منه القوة ، فواظب على الصلوات الخمس وحرص على الوصول مبكرا لإقامة النوافل وقراءة القرآن الكريم ، وهنا يتلقفه المتطرفون
ويحدث تحول جذري في حياته !!
يتبع ....