التسبيح و أثره في تغيير سلوك المسلم
التسبيح و أثره في تهذيب سلوك الإنسان
كلّما أقرأ القرآن تستوقفني بعض السور بسبب ما جاء فيها من ذكر التسبيح بمختلف الصيغ و كثيرا ما سألت نفسي يا ترى ما سبب ذلك؟ إلى أن أكرمني الله بحضور درس لأحد الشيوخ الأفاضل الذي شنّف مسامع الحاضرين بالحديث عن عجائب التسبيح و منذ ذلك اليوم أكثرت من التدبر في كل سورة وردت فيها مشتقات كلمة التسبيح، فوجدت أنّ الله تبارك و تعالى لا يذكر هذه الكلمة إلا وأعقبها بذكر ما ينتج عن فقه معناها و العمل بمقتضاه. و قبل أن أشرح ذلك هيا بنا أخي القارئ أختي القارئة نبدأ حديثنا عن الموضوع انطلاقا من سورة البقرة حيث يقول المولى تبارك و تعالى :
"و إذْ قالَ ربّكَ للملائكةِ إنّي جاعلٌ في الأرْضِ خليفة قالوا أتجَعَلُ فيها منْ يفْسِدُ فيها و يسْفِكُ الدّماءَ و نحْنُ نسبِّحُ بحمدك و نقدِّسُ لكَ قالَ إنّي أعلمُ مَا لا تعلمُون" فما معنى التسبيح؟ نعم، هو تعظيم الله و تنزيههعن النقائص و إذا عظّم الإنسان خالقه خافه و خشي عذابه و إذا خشي عذابه ابتعد عن معصيته، ومن هنا كان سؤال الملائكة:" أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبّح بحمدك و نقدّس لك" بمعنى أنّ الإنسان بين عالمين، عالم الطّهر و عالم الفساد، فإنْ كان من مسبّحين الله المعظمّين إياه سيكون لا محالة من المصلحين و من ناشري الخير على الأرض،
سؤال: و إذا لم يكن من المسبحين ماذا يحصل؟ إليك الجواب من القرآن الكريم، يقول المولى تبارك و تعالى في سورة القلم:" إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنّة إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين(17) و لا يستثنون فطاف عليها طائف من ربّك و هم نائمون(19) فأصبحت كالصّريم(20) فتنادوا مصبحين(21) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين(22) فانطلقوا و هم يتخافتون(23) أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين(24) و غدوا على حرد قادرين(25) فلمّا رأوها قالوا إنّا لضالّون(26) بل نحن محرومون(27) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون(28) قالوا سبحان ربّنا إنّا كنّا ظالمين(29) فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون(30) قالوا يا ويلنا إنّا كنّا طاغين(31) عسى ربّنا أن يبدلنا خيرا منها إنّا إلى ربّنا راغبون(32) إذن ماذا حصل لهؤلاء الإخوة؟ و ما سبب ذلك؟
الجواب: بخلوا بما رزقهم الله عن عباده الفقراء فكانت النتيجة: "فطاف عليها طائف من ربّك وهم نائمون فأصبحت كالصّريم" و السبب :"قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون قالوا سبحان ربّنا إنّا كنّا ظالمين" نعم، لم يكونوا من المسبّحين وهذا جزاء البخيل، وجزاء القلب الفاسد ذي النية السيئة. و قد تؤدّي الغفلة عن التسبيح إلى العجب بالنفس حيث يقول المولى تبارك و تعالى :" إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم و آتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذا قال له قومه لا تفرح إنّ الله لا يحبّ الفرحين و ابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة و لا تنس نصيبك من الدنيا و أحسنْ كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إنّ الله لا يحبّ المُفسدين فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم و قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن و عمِلَ صالحا و لا يلقّها إلا الصّابرون". و ممّا يحصل للإنسان الغافل عن التسبيح الاتصاف بخلق التكبّر كما حصل لفرعون الذي قال عنه القرآن الكريم:" إنّ فرعون علا في الأرض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم و يستحيي نساءهم إنّه كان من المفسدين" لذلك حرص رسولنا الكريم على تعليمنا الكثير من الدعية التي تدعو إلى تسبيح الله عز وجل لأن ثمارها و آثارها على سلوك الإنسان لا تحصى و لا تعد.
فما هي ثمار التسبيح؟ لا شك أنّ ثمار التسبيح كثيرة و متعدّدة ولكن أكتفي بذكر بعض من ثمارها:
التوفيق في طلب العلم: فإن كنت من طالبي العلم أكثر من التسبيح لأنّ المولى تبارك و تعالى يقول في سورة البقرة:" و علّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم". لأن في تسبيحك تعظيم للعليم و اعتراف منك بأنّ القادر على تعليمك هو معلّم الملائكة و معلّم آدم عليه السلام.
تيسير الصعب: لمّا أمر الله تبارك و تعالى رسوله موسى عليه السلام بقوله :" اذهب إلى فرعون إنه طغى" فماذا كان ردّ موسى عليه السلام؟ قال:" ربّ اشرح لي صدري و يسّر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري و أشركه في أمري كي نسبّحك كثيرا و نذكرك كثيرا إنّك كنت بنا بصيرا" فمن ثمار التسبيح تيسير العسير و تسهيل ما يراه العبد صعبا من أمور حياته لأنه يعلم وهو يسبح خالقه أنّ السّلاح الوحيد في مواجهة النوائب و الشدائد هو الاستغاثة بالقوي وذلك بكثرة التسبيح .
الانتصار و الفوز بعد الصبر : إذا واجهتك النوائب و المصائب فعليك بالتسبيح فإنه المعين لك في الظروف القاهرة و لك أن تقرأ قوله تعالى وهو يواسي أحبّ الناس إليه بقوله:« فاصبر إنّ وعد الله حق و استغفر لذنبك و سبّح بحمد ربّك بالعشي و الإبكار»
