كيف خلق الله الكون من العدم (ج) 3

كيف خلق الله الكون من العدم (ج) 3

0 المراجعات

1 - اللوح المحفوظ :

قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا مِنْجاب بن الحارث ، حدثنا إبراهيم بن يوسف ، حدثنا زياد بن عبد الله ، عن ليث ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه ، عن ابن عباس أن نبي الله ﷺ قال : ( إِنَّ اللهَ خَلَقَ لَوْحاً مَحْفُوظاً مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ صفحاتُها مِنْ يَاقُونَةٍ حَمْراءَ ، فَلَمُهُ نُورٌ ، وكِتَابُهُ نُورٌ ، اللهِ فِيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُونَ وَثَلاثُ مئة لحظة يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي وَيُعزُّ وَيُذِلُّ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ  وقال إسحاق بن بشر : أخبرني مُقاتل وابنُ جُرَيْج عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : إِنَّ في صدر اللوح : لا إله إلا الله وحده  ، دِينُهُ الإسلام ، ومُحمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ بِوَعْدِهِ واتَّبَعَ رُسُلَه ، أَدْخَلَهُ ) الجنَّةَ ، قال : وَاللَّوْحُ : لَوْحٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ ، طُولُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وعَرْضُه ما بين المشرق والمغرب ، وحافتاه الدر والياقوت ، ودفتاه ياقوتة حمراءُ ، وَقَلَمُهُ نُورٌ ، وكلامه مَعْقُودٌ بالعَرْشِ ، وأصله في حجر ملك وقال أنس بن مالك ، وغيره من السلف : اللَّوْحُ المحفوظ في جبهة إسرافيل وقال مقاتل : هو عن يمين العرش . 

2 - خلق السموات والأرض وما بينهما :

قال الله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام : ١] وقال تعالى : ( خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [الفرقان : ٥٩ ] في غير ما آية من القرآن وقد اختلف المفسرون في مقدار هذه السنة الأيام على قولين : فالجمهور على أنها كأيامنا هذه . وعن ابن عباس ، ومجاهد ، والضَّحَّاك ، وكعب الأحبار : [ أن كل يوم منها كألف سنة مما تَعُدُّون . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . واختار هذا القول الإمام أحمد بن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين والله أعلم . وسيأتي ما يدل على هذا القول وروی ابن جريرعن الضَّحَّاك بن مزاحم، وغيره أن أسماء الأيام الستة : أبجد ، هوز ، حطي ، کلمن ، سعفص ، قرشت وحكى ابن جرير في أول الأيام ثلاثة أقوال ، فروي عن محمد بن إسحاق أنه قال :يقول أهل التوراة : ابتدأ الله الخلق يوم الأحد ، ويقول أهل الإنجيل : ابتدأ الله الخلق يوم الإثنين . ونقول نحن المسلمين ، فيما انتهى إلينا عن رسول الله ﷺ : ابتدأ الله الخلقَ يَوْمَ السبت وهذا القول الذي حكاه ابن إسحاق عن المسلمين مال إليه طائفة من الفقهاء من الشافعية ، وغيرهم .

وسيأتي فيه حديث أبي هريرة « خَلَقَ اللهُ التربة يومَ السَّبْتِ » . والقول بأنه الأحد رواه ابن جرير عن السُّدّي ، عن أبي مالك ، وأبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن جماعة من الصحابة . ورواه أيضاً عن عبد الله بن سلام ، واختاره ابن جرير . وهو نص التوراة ، ومال إليه طائفة آخرون من الفقهاء ، وهو أشبه بلفظ الأحد ، ولهذا كمل الخلق في ستة أيام ، فكان آخرهن الجمعة ، فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع - وهو اليوم الذي أضل الله عنه أهل الكتاب قبلنا - كما سيأتي بيانه إن شاء الله وقال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّنَهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتِ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٩ ] . وقال تعالى : ﴿ قُلْ أَبِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءٌ لِلسَّابِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَالْأَرْضِ أَغْنِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَنَا أَتَيْنَا طَابِعِينَ فَقَضَهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءِ أَمْرَهَا وَزَيَّنَا السَّمَاةَ الدُّنْيَا بِمَصَبِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( فصلت : ٩ - ١٢ ] . فهذا يدل على أن الأرض خُلقت قبل السماء ، لأنها كالأساس للبناء ، كما قال تعالى : ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ( غافر : ٦٤ ] . وقال تعالى : ( أَلَمْ تَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ... ) إلى أن قال : ( وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَاجًا ) [ النبأ : ٦ - ١٣ ] . وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيَّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) ( الأنبياء : ٣٠ ) ، أي : فصلنا ما بين السماء والأرض حتى هَبَّتِ الرِّياح ونزلت الأمطار وجرت العيون والأنهار وانتعش الحيوان . ثم قال : ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا تَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ عَايَتِهَا مُعْرِضُونَ ) الأنبياء : ٣٢ ) أي : عَمَّا خَلَق فيها من الكواكب الثوابت ، والسَّيَّارات والنجوم الزاهرات والأجرام النيرات ، وما في ذلك من الدلالة على حكمة خالق الأرض والسماوات . كما قال تعالى : ﴿ وَكَأَيْن من مايقر فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف : ١٠٥ - ١٠٦ ] . فأما قوله تعالى : ( وَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَيْنَهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّنَهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ مُحَنَهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَنَهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَنْهَا وَالْجَبَالَ أَرْسَنَهَا مَنْعَا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُرُ ﴾ [ النازعات : ٢٧ - ٣٣ ] . فقد تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الأرض ، فخالفوا صريح الآيتين المتقدمتين ، ولم يفهموا هذه الآية الكريمة ، فإنَّ مقتضى هذه الآية أَنَّ دَحْي الأرض ، وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد خلق السماء ، وقد كان ذلك فيها مقدَّراً بالقوة ؛ كما قال تعالى : وَبَرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ [فصلت : ١٠ ] . أي : هَيّأ أماكن الزرع ومواضع العيون والأنهار . ثم لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي ؛ دحى الأرض فأخرج ما كان مُؤدَعاً فيها ، فخرجت العيون ، وجرت الأنهار ، ونبتت الزروع والثمار ، ولهذا فسر الدحي بإخراج الماء والمرعى منها وإرساء الجبال فقال : ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَنَهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَنْهَا ) وقوله : ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَنَهَا ) أي : قرَّرها في أماكنها التي وضعها فيها وثبتها وأكدها وأطدها وقوله : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَهَا بِأَيْدِ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالْأَرْضَ فَرَشْتَهَا فَنِعْمَ الْمَهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات : ٤٧ - ١٤٩ ، بأيد ، أي : بقوة . ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ، وذلك أن كل ما علا اتَّسع ، فكل سماء أعلى من التي تحتها فهي أوسع منها . ولهذا كان المرسل أعلى من السماوات ، وهو أوسع منهن كلهن . والعرش أعظم من ذلك كله بكثير. وقوله بعد هذا : ﴿ وَالْأَرْضَ فَرَشْتَهَا ) أي : بسطناها وجعلناها مهداً ، أي : قارَّةً ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم. ولهذا قال : ﴿ فَنِعْمَ الْمَنْهِدُونَ ) ، والواو لا تقتضي الترتيب في الوقوع ، وإنما تقتضي الإخبار المطلق في اللغة . والله أعلم .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

9

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة