"لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"

"لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"

2 المراجعات

الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا نبدأ إلا به

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد....

 أنزل الله -سبحانه وتعالى- على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- معجزة خالدة، ورسالة عظيمة: قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد، وإلى الحق وإلى طريق مستقيم.


أعجز به الفصحاء، وألجم به البلغاء، وحير به العقلاء، وأبهر به العلماء، ضمنه شريعة كاملة، وأحكاما وأنظمة شاملة، تستوعب جميع مناحي الحياة، وتلبي كل ما يحتاج الناس إليه لتحقيق سعادتهم وهنائهم في الدنيا والآخرة.


فما أعظمها من نعمة! وما أجلها من منة! أن حبانا الله -سبحانه وتعالى- بهذا القرآن العظيم! ولكن السؤال المهم -أيها الأحباب-: هل انتفعنا بما في هذا القرآن؟ هل عملنا بأحكامه وشرائعه؟ هل استفدنا من عبره وعظاته؟ هل أخذنا بآدابه وأخلاقه؟ هل فهمنا سننه وآياته؟


هذا هو المقصود الذي أنزل القرآن لأجله، فهل حققنا هذا المقصود؟ أم أن حالنا مع القرآن كحال الذين قال الله فيهم: (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ...) [البقرة: 101].


نفتخر -أيها الأحباب- بأن لدينا أعظم دستور عرفته البشرية، ومنذ عشرات السنين وإلى يومنا هذا لا زالت دساتيرنا تؤخذ من الشرق والغرب، ولا تؤخذ من هذا القرآن العظيم.


أمر يثير العجب، وأمر يثير الحيرة والاستغراب، أليس هذا القرآن بين أظهرنا؟ أليس هو بين أيدينا؟ تمر بنا المصائب والأزمات وتحل بنا المحن والنكبات، فهل نعرج على هذا القرآن أو نلتفت إليه؟! أم أن حال الأمة اليوم -أيها الأحباب- هو الإعراض عن هذا القرآن العظيم!


في هذه الأيام تعاني الأمة من أزمات كثيرة فأين حلها؟


تبحث الأمة عن حلولها في عقولها، بل -وللأسف- تبحث عن حلول مشكلاتها عند أعدائها.


ومن يكن الغراب له دليلا *** يمر به على جيف الكلاب


فهلا عرجنا -أيها الأحباب- على كتاب الله -سبحانه وتعالى-؟ هل تلمسنا الحل والعلاج فيه وإننا -والله- سنجده فيه؟ هل وقفنا في أزماتنا ومحننا هذه مع كتاب الله نتأمل في آياته ونتدبر في عبره وعظاته؟


دعونا -أيها الأحباب- نقف مع آية واحدة من هذا الكتاب العظيم، آية واحدة فكيف بالقرآن كله؟!


دعونا نقف مع هذه الآية فحسب وهي آية عظيمة أنزلها الله -تبارك وتعالى- في سورة الأعراف، فلنتأمل في معانيها، ولنتدبر في غاياتها ومراميها، فوالله إننا أحوج ما نكون اليوم إلى التأمل والتدبر في هذه الآية العظيمة.


هي خطاب لجميع الأمم والشعوب التي تبحث عن السعادة والراحة التي تتلمس الأمن والاستقرار، وتسعى للخير والرفاهية، هذه الآية خطاب للبشرية كلها وللمؤمنين خصوصا -أيها الأحباب-، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].


(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى) يعني بأهل القرى أهل المدن والحواضر، ويقصد بذلك الأمم والشعوب جميعا التي تبحث عن الخيرات والبركات، كيف تصل إليها.


(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ) شرطان أساسيان وركنان رئيسيان لابد من تحققهما: الإيمان والتقوى، الإيمان في صحة الاعتقاد بالله -سبحانه وتعالى-، وتصديق رسله، والإقرار بالوحي الذي جاؤوا به من عند الله -سبحانه وتعالى-، قبول أخبارهم، وتصديق الغيبيات التي حدثونا عنها، الإيمان باليوم الآخر وبالقدر، الإيمان بالرسل، والكتب والملائكة، هذا هو الإيمان الذي لابد من تحققه، الإيمان الذي يتضمن إفراد الله -تبارك وتعالى- وتوحيده في ربوبيته وإلوهيته بأن يعبد وحده لا شريك له، لا يشرك معه أحدا من خلقه.


ولا يكفي هذا الإيمان، بل لابد من أن يقترن بالتقوى التي هي العمل الصالح، العمل على وفق الشريعة المنزلة التي أنزلها الله -تبارك وتعالى- بتحليل حلالها، وتحريم حرامها، بالعمل بأوامرها، واجتناب نواهيها، بالأخذ بقواعدها وضوابطها وآدابها، هذه هي التقوى التي لابد أن تقرن بالإيمان، فإذا اجتمع الإيمان والتقوى، وتحقق الشرطان عندها يأتي موعود الله -تبارك وتعالى-: (لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ).


لا يتخلف هذا الموعود، ولا يتأخر أبداً، ولكن إذا تحقق هذان الشرطان، فعند ذلك أكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم؛ كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ) [المائدة: 65 - 66].


يتحقق لهم ما يريدون من السعادة والراحة والرفاهية والأمن والأمان.

فلا شك ولا ريب أن ما أصابنا هو بما كسبت أيدينا ويعفو الله عن كثير:


نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب

ولو نطق الزمان لنا هجنا

 


أيها المؤمنون:

قد يجادل أناس آخرون بالقول أن الكفار لا يؤمنون بالله أصلا لكن الله وهبهم من الخيرات ما لم يهبنا وهؤلاء المجادلون غفلوا عن قول الله تعالى عن الكفار ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44] فهؤلاء نسوا ما ذكروا به ولم يعملوا بما أمرهم الله فأمدهم الله بالخيرات استدراجا لهم وفتح عليهم أبواب كل شيء وفرحوا بذلك حتى أخذهم الله بغته. فبسط الرزق للكفار استدراجا لا حبا.

إن الدواء الناجع لملاقاة كل أمر يشكل عليك أيها المسلم هو أن تعي أنك عبدلله لا تنفك عنه طرفة عين. وكل تقصير منك تجاه ربك سيكون سببا في ضيق صدرك وتعسر أمرك. لذا فأني أوصيك بوصيتين: أولاهما الاستغفار.


• أين أنت من الأستغفار وقد قال صلى الله عليه وسلم (من لزم الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب). الإستغفار الذي قال الله عنه على لسان نوح عليه السلام ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12] وقال تعالى عنه على لسان هود عليه السلام ﴿ وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]. وقال تعالى ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]. قال ابن تيمية رحمه الله: (وإن من اسباب راحة البال استغفار ذي الجلال).

الوصية الثانية: الإكثار من قول لاحول ولا قوة إلا بالله:

• أين أنت من (لا حول ولا قوة إلا بالله) وهي كنز من كنوز الجنة ومعناها أننا لا حول لنا ولا قوة في كل ما يجري لنا في هذا الكون إلا بالله، فلا تحول من النقص إلى الزيادة إلا بالله، ولا من الضعف إلى القوة إلا بالله، ولا من القلة إلى الكثرة إلا بالله، ولا من الفقر إلى الغنى إلا بالله، ولا من الحزن إلى الفرح إلا بالله، ولا من الذل إلى العز إلا بالله، ولا من الهزيمة إلى النصر إلا بالله، فلا يعين على هذا التحول إلا الله فلا قوة للعباد على القيام بشؤونهم إلا بالله ولذلك قال الله تعالى في الفاتحة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] فبالله عليكم من وجد الله ماذا فقد، ومن فقد الله ماذا وجد؟


وختاما أيها المؤمنون إليكم بعض أسباب الرزق الشرعية ألتمسوها بيقين صادق وسترون عاقبتها حسنى:


• أولها: تقوى الله قال تعالى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].


 


• ثانيها إقامة الصلاة وأمر الأهل بها والصبر على ذلك قال تعالى ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].


 


• ثالثها: حسن التوكل على الله قال صلى الله عليه وسلم (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا).

• رابعها: صلة الرحم قال صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه).


نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا إيمانا صادقا...

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

4

متابعين

124

متابعهم

30

مقالات مشابة