المدرسة التغريبية الحديثة والتيار العلماني

المدرسة التغريبية الحديثة والتيار العلماني

2 المراجعات

المدرسة التغريبيَّة الحديثة والتيار العلماني:

     والتي انتشرتْ في بلاد الشَّرْق مع مطلع القرن التاسعِ عشر، ثم اتَّسعتْ بمذهبها ومنهجها المادي، بعيدًا عن الدِّين والأخلاق والقِيَم، حاولتْ هذه المدرسة الولوجَ في النُّصوص الشرعية، وعلى رأسِها القرآن والسُّنة، والتلاعُب بتأويلها وتحريفها؛ ليفرِّغوا الإسلامَ من محتواه وأدلَّته، فيسقط كورقةِ التُّوت بزعمهم.

    

 

 

وقد برَز كثيرٌ منهم بمنهجه ومذهبه في ذلك، حيثُ قال طه حسين([1]) في "الشعر الجاهلي": "للتوراة أن تُحدِّثَنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يُحدِّثَنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذَيْن الاسمين لا يَكفي دليلًا على وجودِهما التاريخي، ونحن مضطرون إلى أنْ نرى في هذه القصَّة نوعًا من الحيلة في إثبات الصِّلة بيْن العرَب واليهود مِن جهة، وبيْن الإسلام واليهوديَّة مِن جهة، والقرآن والتوراة من جِهة أخرى"،  "وإذًا ليس هناك ما يَمنع قريشًا أن تَقْبَل هذه الأسطورةَ التي تُفيد أنَّ الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم"([2]).

     فتأمَّل كيف يُكذِّب القرآن الصريح، بل ويُكذِّب تاريخ العرَب في أرْض الجزيرة، وها هو القرآن يردُّ هذا الهراء البَشَري؛ قال - -تعالى- -: { ۞ وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَـٰتࣲ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّی جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامࣰاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِیۖ قَالَ لَا یَنَالُ عَهۡدِی ٱلظَّـٰلِمِینَ (١٢٤) وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَیۡتَ مَثَابَةࣰ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنࣰا وَٱتَّخِذُوا۟ مِن مَّقَامِ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ مُصَلࣰّىۖ وَعَهِدۡنَاۤ إِلَىٰۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ أَن طَهِّرَا بَیۡتِیَ لِلطَّاۤىِٕفِینَ وَٱلۡعَـٰكِفِینَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ (١٢٥) وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَـٰذَا بَلَدًا ءَامِنࣰا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰ⁠تِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِیلࣰا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥۤ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ (١٢٦) وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ } ﱢ([3]).

  ويقول أحدُهم - في جرأة يُحسَد عليها وهو-وحيد السعفي- ([4]): " فآدم في القرآن بُني بناءً عجيبًا وفق مبدأ الحظر وتجاوز الحظر، وهو عن جدارة مبدأ بناء الأساطير والخرافات"([5]).

     وهذه العلمانية حقيقةُ أمرِها أنها تهدف إلى غاياتٍ خبيثة ماكِرة، منها نزْع القَدَاسة والهَيْبة عن النصوص القرآنية، وهدْمها كمرجعية للمسلِمين، ثم إعمال مَكْرهم في نسْف كتُب التراث والسَّلف المتعلِّقة بالقرآن وتفسيره، وكوْنها متناقضةً فيما بينها، وأنَّها أقوالٌ بشرية لا قداسةَ لها ولا مكان.

يقول د. نصْر حامد أبو زيد ([6]): "إنَّ النص القرآني وإنْ كان نصًّا مقدَّسًا، إلا أنَّه لا يخرج عن كونه نصًّا، فلذلك يجب أن يخضع لقواعِد النقْد الأدبي كغيرِه من النصوص الأدبيَّة"([7]).

     ويقول د. شحرور ([8]): "فماذا قدَّم السادة العلماءُ للناس؟ لقد تصدَّر العلماء المجالسَ والإذاعة والتليفزيون على أنَّهم علماءُ المسلمين، وجُلُّهم ناقِل، وليس بمجتهد؛ أي: إنَّهم قدَّموا لنا ماذا فهِم السلف من القرآن على أنَّه تفسيرٌ للقرآن"([9]).

     والأعجبُ في منهج هذه الفِئة التي حادت عن صحيح الإسلام والقرآن، أنَّهم يقولون بتطوُّر لُغة القرآن وألفاظه على مرِّ الزمان، حيث قالوا: إنَّ لفظ "مسلم، ومؤمن" في القرآن تطوَّر ليشملَ المسلمين واليهود والنصارى؛ نظرًا لتطوُّر المفاهيم الاجتماعيَّة، والوطنيَّة والسياسيَّة.

     يقول هشام جعيط ([10]): " إن أهم شيء أتى به العلم الحديث بخصوص القرآن هو تَورِخَتُه، إن هذه التورخة تفيد كثيرًا على فهم تطور المعاني التي أتت بها الدعوة المحمدية "([11]).

     وكذلك: "مِلَّة إبراهيم" تطوَّرت إلى أن دخَل فيها وَحْدة الأديان المستحدَثة، وكذلك: "الحجاب الشرعي" يشمل كلَّ صور وألوان اللِّباس المتبرِّج العصري([12])!

   والوقوفُ على حقيقةِ هذا المذهَب لا يُمكن بحال حصْره هنا، وإنَّما يرجع إليه في مصادرِه ومظانِّه، وكذلك كُتُب هذه المدرسة الخبيثة الجريئة على الدِّين والمبادئ والأخلاق.

إنَّ المنهج المنحرف في التفسير صورة لذلك العقل الهائم الذي يريد أن يُلبس القرآن جلباب الحداثة بغير هُدى، أو أن يأخذ بيد الإنسانية نحو هاوية التأويل المنفلت من عقال العصمة الإلهية.

     لذا تعالت الصيحات، وتضافرت الجهود من الباحثين والدارسين لبيان السبيل الأمثل لمسايرة الزمان بثقافته، وتغيراته ومشكلاته، وحاجاته الراهنة إنَّما يكون بالتمسك بكتاب الله -U- من غير إفراط ولا تفريط، فالوسطية من سمات الأمة المسلمة؛ فهي الخيرية الكبرى التي امتازت بها أمة القرآن، فالوسطية في إفساح المجال للعقل أن يمارس ما كُلّف به من التفكر والتدبر والتأمل في فهم كتاب الله -U- على وفق ما قرره علماء الأمة العارفين هو ما يتحقق به الفهم السليم المعصوم من الخطأ والانحراف.


 


([1]) طه حسين ، ولد 1889، وتوفي 1973، دكتور في الأدب، من كبار المحاضرين، ولد في قرية الكيلو بمغاغة من محافظة المنيا، وأصيب بالجدري في الثالثة من عمره فكف بصره، وبدأ حياته في الأزهر ثم بالجامعة المصرية القديمة، وهو أول من نال  شهادة الدكتوراه منها عام 1914، بكتاب (ذكرى أبي العلاء) وسافر في بعثة إلى باريس فتخرج بالسوربون (1918) وعاد إلى مصر فعين محاضرا في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم كان عميدا لتلك الكلية، كوزيرا للمعارف، وكان من أعضاء المجمع العلمي العربي المراسلين بدمشق، ثم رئيسا لمجمع اللغة العربية بمصر، ثارت حوله ضجة كبيرة بسبب جرأته الكبيرة في نقد القرآن لاسيما في كتابه (في الشعر الجاهلي) ، وله مؤلفات كثيرة. انظر: الأعلام للزركلي (3/231) بتصرف.

([2]) ينظر: الشعر الجاهلي لطه حسين: ج1/ص43، الناشر: دار رؤية للنشر والتوزيع القاهرة الطبعة الأولى عام ٢٠٠٧م.

([3]) سورة البقرة الآيات: 124-127.

([4]) السعفي : أستاذ جامعي تونسي، تم تعيينه مديرا عاما للمركز الوطني للترجمة في تونس، اشتهر بكتاباته الجريئة والمناهضة للإسلام وقضاياه، من مؤلفاته الغريب والعجيب في كتب تفسير القرآن، في قراءة الخطاب الديني، والقربان في الجاهلية والإسلام.

([5]) ينظر: الغريب والعجيب في كتب تفسير القرآن تفسير ابن كثير أنموذجًا لوحيد السعفي : ص86-87 . الناشر: الأوائل للنشر والتوزيع – سورية –دمشق، الطبعة الأولى عام 2006م .

([6]) نصر حامد أبو زيد أكاديمي مصري، وباحث متخصص في الدراسات الإسلامية ومتخصص في فقه اللغة العربية والعلوم الإنسانية. ولد في (10 يوليو 1943) وتوفي في (5 يوليو 2010). كتبه فى التأويل، والتفسير، وفى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي، وضرورة قراءة الاسلام من جديد. اتهم بالكفر و رفع عليه قضيه تطليق من زوجته باعتباره أنه كافر وزوجته مسلمه فاضطروا للهروب إلى أوروبا. يراجع: وفاة المفكر نصر أبوزيد الدستور المصرية نسخة محفوظة٣١ديسمبر ٢٠١١م على موقع واي باك مشين, ود. نصر حامد أبو زيد المفكر المفترى عليه − وفاء حلمي − جريدة الحزب العربي الناصري – ١٣ نوفمبر ٢٠٠٥م.

([7]) ينظر: مفهوم النص دراسة في علوم القرآن لنصر حامد أبو زيد: ج1/ص24، الناشر الهيئة المصرية العامة للكتاب ط١ عام 1990م.

([8]) محمد شحرور (مواليد دمشق 1938م) هو: أحد أساتذة الهندسة المدنية في جامعة دمشق ومؤلف ومنظر لما أطلق عليه القراءة المعاصرة للقرآن. بدأ شحرور كتاباته عن القرآن والإسلام بعد عودته من موسكو واتهمه البعض باعتناقه للفكر الماركسي. أصدر كتاب الكتاب والقرآن الذي حاول فيه تطبيق بعض الأساليب اللغوية الجديدة في محاولة لإيجاد تفسير جديد للقرآن مما أثار لغطا شديدا استمر لسنوات وصدرت العديد من الكتب لنقاش الأفكار الواردة في كتابه ومحاولة دحضها أو تأييدها. هذا وقد كسب محمد شحرور العديد من المؤيدين والمعارضين لأفكاره في العديد من البلدان. نقلًا عن موقع ويكبيديا. ويراجع: تهافت القراءة المعاصرة للدكتور/محامي منير الشواف: ج1/ص11، الناشر: الشواف للنشر والدراسات، قبرص ليماسول، الطبعة الأولى عام 1993م. والموقع الرسمي للدكتور المهندس محمد شحرور، وحوار موقع قنطرة مع محمد شحرور عام ٢٠٠٩م.

([9]) ينظر: الكتاب والقرآن قراءة معاصرة لمحمد شحرور: ج1/ص149، الناشر: دار الأهالي للنشر والتوزيع سوريا، دون سنة طبع.

([10]) هشام جعيط مؤرخ ومفكر تونسي، ولد في 1935. وفي سنة 1962 تحصل على الإجازة في التاريخ. تخصص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت باللغتين العربية والفرنسية. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ  الإسلامي من جامعة باريس. وظل حتى آخر حياته أستاذا شرفيا بجامعة تونس، وأستاذا زائرا بكل من جامعة ماك غيل(مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا. نقلًا عن موقع ويكبيديا.

([11]) تاريخية الدعوة المحمدية في مكة لهشام جعيط: ص 185،194، الناشر: دار الطليعة بيروت – لبنان ،الطبعة الأولى عام 2007 م .

([12]) ينظر: التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن للدكتورة محمد بهي الدين الشافعي: ج1/ص142، 143، وأصل هذا البحث رسالة لنيل درجة ماجستير من كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة جامعة الأزهر، الناشر: دار اليسر بالقاهرة، الطبعة الأولى عام 1429ه.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

4

متابعين

124

متابعهم

30

مقالات مشابة