أول خلق الله و الحكمة في خلق الدنيا في ستة ايام
ما هو أول الخلق؟ وما الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد. فقد ثبت أن أول مخلوقات الله تعالى الماء ومنه خلق الله الأشياء كلها، قال الله تعالى {وجعلنا من الماء كل شيء حي} وقال النبي صلى الله عليه وسلم [أول ماخلق الله الماء] ولم يكن قبل خلق الماء أي مخلوق لا من البشر ولا من الملائكة ولا من الجن، وقد جاء في الحديث الذي يرويه البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن بدء الخلق فقال [كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شىء ثم خلق السموات والأرض] ومعنى كان عرشه على الماء أي أن العرش الذي هو سقف الجنة ثاني المخلوقات بعد الماء، وقوله كان الله ولم يكن شىء غيره يدل على أن الله تعالى كان في الأزل قبل خلق النور والظلام والمكان والزمان والعرش والسموات والأرض وما فيهما وما بينهما وهذا معنى قول الله تعالى {هو الأول و الآخر} أي الأول الأزلي الذي لا بداية لوجوده ولا نهاية لوجوده وقوله عليه السلام [وكتب في الذكر كل شىء] أي خلق اللوح المحفوظ وأجرى عليه مقادير الخلق أجمعين وبعد ذلك خلق السموات والأرض في ستة أيام.
قال تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم} دلت الآية على أن الله أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ابتدأ خلق الأرض في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وهيأها لما تصلح له من الأقوات في يومين آخرين فتلك أربعة أيام ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها فتلك ستة أيام خلق الله فيها السماوات والأرض وأودع فيهن مصالحهن فأخرج من الأرض ماءها ومرعاها وقدر الأقوات فيها تقديرا يناسب الزمان والمكان لتكون الأقوات متنوعة ومستمرة أنواعها في كل زمان وليتبادل الناس الأقوات فيما بينهم يصدر هذا إلى هذا وهذا إلى هذا فيحصل بذلك من المكاسب والاتصال بين الناس ما فيه مصلحة الجميع وزين الله السماء الدنيا بمصابيح وهي النجوم وجعلها رجوما للشياطين التي تسترق السمع من السماء وعلامات يهتدي بها الناس في البر والبحر وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لَخَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَكْبَرُ مِنْ خَلْق النَّاس} وَقَالَ تَعَالَى {أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا} وقال تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} أي ان الله تعالى خلق السموات والأرض ولم يلحقه التعب لأن من يعمل بالجوارح كالخلق يلحقه التعب والله مستحيل عليه صفات الخلق، ومَنْ قَدَرَ عَلَى خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ قَادِر عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. قَالَ قَتَادَة قَالَتْ الْيَهُود: خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثُمَّ اِسْتَرَاحَ فِي الْيَوْم السَّابِع وَهُوَ يَوْم السَّبْت وَهُمْ يُسَمُّونَهُ يَوْم الرَّاحَة فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى تَكْذِيبهمْ فِيمَا قَالُوهُ {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب} أَيْ مِنْ إِعْيَاء وَلَا تَعَب وَلَا نَصَب كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير}.
والحكمة من خلق السوات والأرض في ستة أيام ليعلمنا التأني في الأمور وإلا الله تعالى قادر على خلق ذلك بلمح البصر ولنتفكر في آياته الدالة على كمال قدرته، وتزداد بذلك تعظيما لله تعالى وعبادة له، فلقد خلق الله تعالى السماوات والأرض وما بينهما بما في ذلك الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والأنهار خلق ذلك كله في ستة أيام على أكمل وجه وأتم نظام ولو شاء لخلقها في لحظة واحدة كما قال الله تعالى {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} وقال تعالى {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} ولكنه تعالى خلقها في ستة أيام لحكمة اقتضت ذلك وربك يخلق ما يشاء ويختار.