
الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم فى (النحل)
الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم
*الإعجاز العلمي في القرآن الكريم – النحل نموذجًا*
من أوجه الإعجاز الباهرة في القرآن الكريم، الإشارات العلمية الدقيقة التي جاءت قبل عصر الاكتشافات والتقنيات الحديثة بقرون، ومنها ما ورد عن *النحل*، ذلك المخلوق الصغير الذي يحمل في حياته وتنظيمه وسلوكه آيات عظيمة من إعجاز الخلق.
خصّ الله سبحانه وتعالى النحل بسورة كاملة في القرآن الكريم تُسمى "سورة النحل"، وهو ما يدل على عظيم مكانته في الكون ودوره في حياة الإنسان. وقد جاءت الآيات لتُشير إلى تفاصيل دقيقة في سلوك النحل وتركيبه ووظيفته، بما يتطابق تطابقًا مذهلًا مع ما كشفه العلم الحديث.
يقول الله تعالى:
*"وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات، فاسلكي سبل ربك ذللاً، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون"* [النحل: 68-69].
*أولًا: صيغة التأنيث والإعجاز البيولوجي*
تبدأ الآية بالإشارة إلى وحي الله للنحل، وتستخدم الأفعال بصيغة المؤنث: "اتخذي"، "كلي"، "فاسلكي"، ما يؤكد أن القائم بجمع الرحيق وبناء الخلايا وصناعة العسل من *الإناث*. وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن النحل العامل، وهو المسؤول عن جميع المهام الحيوية في الخلية، كله من الإناث، بينما الذكور لا يشاركون في أي من هذه الوظائف. هذا أمر لم يكن معروفًا إطلاقًا وقت نزول القرآن، ويمثل دليلًا على سبق القرآن للعلم الحديث.
*ثانيًا: أماكن بناء خلايا النحل*
توضح الآية أن النحل يتخذ من الجبال والشجر ومما يعرشه الناس بيوتًا، أي يبني خلاياه في الطبيعة أو في الأماكن التي يُعدّها الإنسان. وهذا ما لاحظه علماء الحشرات في سلوك النحل، إذ يمكنه بناء خلاياه في تجاويف الأشجار، أو الصخور، أو في خلايا من صنع البشر، ويتكيف بسهولة مع البيئات المختلفة.
*ثالثًا: نظم الطيران والتنقل – سبل ربك ذللاً*
قوله تعالى: "فاسلكي سبل ربك ذللاً" يحمل إشارة مدهشة إلى دقة حركة النحل في التنقل والطيران. فقد اكتشف العلماء أن النحل يتبع طرقًا محددة تشبه الخرائط، ويستخدم ذاكرة قوية وتكنولوجيا داخلية مبهرة في التنقل بين الأزهار والخلية، بل ويُرسل "نحلة الكشافة" لتحديد أماكن الرحيق ثم تنقلها للنحل الآخر عن طريق "رقصة الاهتزاز". هذه السبل التي يسلكها النحل تمثل طرقًا ميسّرة وسهلة، وهو ما تعبر عنه كلمة "ذللاً" في الآية، أي ممهدة وسهلة بفعل الإلهام الإلهي.
*رابعًا: العسل وخصائصه الطبية – فيه شفاء للناس*
من أبرز أوجه الإعجاز قول الله تعالى: "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس"، وهنا يبرز العسل كمادة طبيعية متعددة الألوان (أصفر، ذهبي، بني، غامق...)، تحتوي على مركبات فعالة ضد البكتيريا والفطريات، وتستخدم في علاج الجروح، تقوية المناعة، علاج الحلق، مشاكل الهضم، وحتى كمضاد للأكسدة.
الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن العسل يحتوي على أكثر من 200 مادة فعالة، منها السكريات الأحادية، الإنزيمات، مضادات الميكروبات، الفيتامينات، والمعادن، وكلها تسهم في القيمة الطبية للعسل. ومن اللافت أن كلمة "شفاء" جاءت نكرة، مما يدل على أنه *ليس شفاءً مطلقًا لكل الأمراض*، بل لبعضها، وهو ما يتفق تمامًا مع الرؤية الطبية المعاصرة.
*خامسًا: الإلهام الإلهي – وأوحى ربك إلى النحل*
لفظ "أوحى" هنا لا يُقصد به الوحي النبوي، بل نوع من الإلهام الفطري الغريزي، وهو ما أثبته العلم تحت مسمى "البرمجة الجينية"، حيث يُولد النحل مزوّدًا بقدرات فطرية على بناء خلايا سداسية، واختيار الزهور، وتحديد الأماكن، والتعامل مع أفراد الخلية ضمن نظام دقيق ومعقد، وكأنها تتبع أوامر مبرمجة في داخلها.
*خاتمة*
إن ما ورد في القرآن الكريم عن النحل ليس مجرد وصف عابر، بل هو إشارات علمية دقيقة ومعجزة، جاءت قبل آلاف السنين، وتثبت أن هذا الكتاب لا يمكن أن يكون من عند بشر، بل هو وحي من الله الخالق، الذي يعلم سر الخلق وأسرار المخلوقات.