قصة آدم عليه السلام

قصة آدم عليه السلام

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

 

قصة خلق آدم عليه السلام: 

 

بدأت قصة خلق الإنسان بإعلان إلهي عظيم، حيث أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكته الكرام بأنه سيخلق في الأرض بشراً ليكون خليفة له. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة: 30]. كلمة "خليفة" تحمل في طياتها معنى عميقاً؛ فهي تعني من يخلف غيره، أو من يمثل سلطة معينة. في هذا السياق، كان آدم وذريته مكلفين بمسؤولية عظيمة تتمثل في عمارة الأرض، وإدارة شؤونها، وتنفيذ شرع الله عليها. إنه دور فريد يختلف تماماً عن عبادة الملائكة المستمرة والمطلقة.

استفسرت الملائكة من ربها بحيرةٍ ودهشة: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة: 30]. لم يكن هذا الاستفسار اعتراضاً على إرادة الخالق، بل كان نابعاً من علم محدود وحكمة خفيت عليهم. فمن طبيعتهم البريئة التي لا تعرف الشر، رأوا أن الوجود غايته التسبيح والتقديس، وهما متحقّقان بوجودهم. لقد كانوا يخشون أن يفسد هذا المخلوق الجديد في الأرض ويسفك الدماء بناءً على إلهامٍ من الله، أو ربما من تجارب سابقة لمخلوقات أخرى كانت تعيش على الأرض. لكنهم لم يدركوا أن الله أراد من الإنسان أن يكون حراً في اختياره، وأن هذا الاختيار هو جوهر التكليف الإلهي. عندئذ جاءهم الجواب الحاسم من العليم بكل شيء، والخبير بمصائر الأمور: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 30].

أدركت الملائكة أن لله تعالى حكمةً خافيةً وعلماً محيطاً بكل شيء. فبدأ الله في خلقه، فجمع قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، وهذا التنوع في الأصل يعكس التنوع في ألوان البشر وأخلاقهم وطباعهم. ثم مزج الله تعالى هذا التراب بالماء فصار طيناً متماسكاً، وتركه حتى صار "صلصالاً من حمأٍ مسنون"، أي طيناً أسود متغيراً ومصقولاً. وفي هذه الفترة، كان إبليس يمر عليه، فيتعجب من هذا المخلوق الذي سيتشكل منه، ولم يكن يعلم أنه سيكون سبباً في حسده وكبريائه. ثم جاءت اللحظة الحاسمة عندما سوّى الله تعالى آدم بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه، فدبّت الحياة في جسده.

تعليم الأسماء والسجود

بعد أن خلق الله آدم، منحه فضلاً عظيماً لم يُمنحه لأي مخلوق آخر؛ وهو القدرة على الإدراك والتمييز. فعلمه أسماء الأشياء كلها. قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاء إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة: 31]. لم يكن هذا التعليم مجرد معرفة بأسماء الأشياء لفظياً، بل كان فهماً شاملاً لحقائقها ووظائفها وقدرةً على التمييز والرمز. هذه القدرة العقلية هي أساس تقدم الإنسان على الأرض، فلولاها لما استطاع أن يبني حضارة أو يتطور. عجزت الملائكة عن الإجابة، فاعترفوا بعجزهم أمام علم الله، وقالوا: (قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 32].

عندئذ، أمر الله تعالى الملائكة أن تسجد لآدم سجود تكريم لا سجود عبادة، فسجدوا جميعاً إجلالاً لهذا المخلوق الذي اختاره الله ليكون خليفته. لكن إبليس الذي كان معهم، وهو من الجن، أبى واستكبر، ووبخه الله: (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ) [ص: 75]. فرد إبليس بمنطق يملؤه الحسد والكبر: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص: 76]. لقد كان منطق إبليس مبنياً على الأصل المادي للمخلوق، متجاهلاً الأمر الإلهي والحكمة الربانية، فكان ذلك أول جريمة كبر في التاريخ.

وبسبب كبريائه وعصيانه، صدر الأمر الإلهي بطرده من رحمة الله، وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين. عندئذ تحول الحسد في نفس إبليس إلى حقد دائم على بني آدم، فطلب من الله أن يُنظره إلى يوم البعث، وأقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم أجمعين، إلا عباد الله المخلصين. فكشف بذلك عن منهجه الذي سيتبعه في إغواء البشر.

السكن في الجنة والهبوط إلى الأرض

بعد أن أسكن الله آدم الجنة، خلق له حواء ليأنس بها. وأذن لهما بأن يستمتعا بكل شيء في الجنة إلا شجرة واحدة. ولكن الشيطان، الذي كان يتربص بهما، استغل فطرة الإنسان ونسيانه وراح يوسوس لهما، حتى نسي آدم وحواء أمر ربهما، وأكلا من الثمرة المحرمة. لم يكن هذا مجرد عصيان، بل كان نتيجة لوسوسة مستمرة من الشيطان.

يجب التنويه أن القرآن الكريم ذكر مسؤولية آدم عليه السلام مباشرة دون تحميل حواء وحدها المسؤولية، حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) [طه: 115]. هذا يوضح أن الخطيئة كانت نتيجة للنسيان وضعف العزم، وليس تمرداً متعمداً، مما يجعل التجربة البشرية أكثر رحمة وقرباً.

بعد الأكل من الشجرة، انكشفت سوءاتهما وشعرا بالخجل، وبدآ يغطّيان أجسادهما بأوراق شجر الجنة. عندها، صدر الأمر الإلهي بالهبوط إلى الأرض. لكن هبوطهما لم يكن عقاباً قاسياً، بل كان تحقيقاً لإرادة الله في أن يكون الإنسان خليفة في الأرض. كانت تجربة السكن في الجنة ركناً أساسياً من أركان الخلافة، ليعلم آدم وذريته أن الجنة هي جزاء الطاعة، وأن الشيطان هو العدو المبين الذي يسعى لإغواء الإنسان. فكان هذا الهبوط بداية رحلة الإنسان في الأرض، رحلة مليئة بالامتحان والاختيار، ولكن باب التوبة مفتوح دائماً للعودة إلى الله

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-