
هل تعلم كم ستقف في المحشر وأنت حافي القدمين؟
أحداث يوم القيامة من البداية حتى النهاية
مقدمة
يوم القيامة هو اليوم العظيم الذي أعده الله تعالى لجزاء العباد، وهو يوم الحساب والجزاء، يوم يقوم الناس لرب العالمين. إنه اليوم الذي تنتهي فيه الحياة الدنيا وتبدأ الحياة الآخرة، حيث يحاسب كل إنسان على أعماله، فمن عمل خيرًا يره، ومن عمل شرًا يره. هذا اليوم مليء بالأحداث العظيمة والمواقف المهيبة التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم، وبينها رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية.
علامات الساعة الكبرى
قبل أن تقوم الساعة، هناك علامات عظيمة تسبق قيامها، وهي العلامات الكبرى للساعة، والتي تشمل:
ظهور المسيح الدجال
يخرج المسيح الدجال في آخر الزمان، وهو أعظم فتنة تمر على البشرية منذ خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة. إنه رجل من بني آدم، أعور العين اليمنى، مكتوب بين عينيه "كافر" يقرأها كل مؤمن. يدعي الألوهية ويضل خلقًا كثيرًا بما معه من خوارق وآيات مضللة. يبقى في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع وسائر أيامه كأيامكم هذه.
نزول عيسى عليه السلام
ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء إلى الأرض عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين. ينزل ليقتل المسيح الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويحكم بشريعة الإسلام. يمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفاه الله تعالى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه.
خروج يأجوج ومأجوج
بعد قتل الدجال، يخرج يأجوج ومأجوج على الناس، وهم قوم من بني آدم كثيرون جدًا، يفسدون في الأرض ويأكلون الناس. لا يستطيع أحد قتالهم لكثرتهم، فيدعو عيسى عليه السلام والمؤمنون الله تعالى، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيموتون جميعًا، وترسل الله طيرًا كأعناق البخت تحملهم فتطرحهم حيث شاء الله.
العلامات الأخرى
تشمل العلامات الكبرى الأخرى: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة التي تكلم الناس، والدخان الذي يعم الأرض، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، والنار التي تخرج من اليمن تحشر الناس إلى أرض المحشر.
بداية يوم القيامة
النفخ في الصور
تبدأ أحداث يوم القيامة بالنفخ في الصور، وهو قرن عظيم ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام بأمر من الله تعالى. والنفخ في الصور يكون على مرحلتين:
النفخة الأولى - نفخة الصعق
هي النفخة التي يموت بها كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله. عندها تموت جميع المخلوقات، وتنتهي الحياة في الكون كله. يقول الله تعالى: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ".
النفخة الثانية - نفخة البعث
بعد مضي فترة زمنية يعلمها الله وحده، ينفخ إسرافيل النفخة الثانية، فيبعث الله جميع الخلائق من قبورهم أحياء. يقول تعالى: "ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ".
البعث والنشور
بعد النفخة الثانية يبعث الله جميع الخلائق من الأولين والآخرين. يخرج الناس من قبورهم مسرعين إلى داعي الله، حفاة عراة غير مختونين. تنشق الأرض عنهم وهم يهرعون إلى المحشر. يقول الله تعالى: "يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ".
يبعث كل إنسان على ما مات عليه، فالمؤمن يبعث آمنًا مطمئنًا، والكافر يبعث خائفًا مذعورًا. ويبعث الناس بأعمالهم، فمن كان يقرأ القرآن يبعث وهو يقرأ، ومن كان مجاهدًا يبعث وسلاحه في يده.
الحشر
أرض المحشر
يحشر الناس جميعًا إلى أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي، ليس فيها معلم لأحد. هذه الأرض غير الأرض التي نعيش عليها الآن، وهي أرض مبسوطة واسعة تسع جميع الخلائق من الأولين والآخرين. يقول تعالى: "يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ".
حال الناس في الحشر
يحشر الناس في حالة مختلفة عما كانوا عليه في الدنيا. إنهم حفاة لا نعال في أرجلهم، عراة لا ثياب عليهم، غير مختونين. وأول من يُكسى إبراهيم عليه السلام. والناس مشغولون بأحوالهم، لا ينظر أحد إلى عورة الآخر لشدة الهول الذي يشاهدونه.
يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف راكبين طاعمين كاسين، وصنف يمشون ويسعون، وصنف تسحبهم الملائكة على وجوههم إلى نار جهنم. والأول هم المؤمنون الصالحون، والثاني هم عصاة المؤمنين، والثالث هم الكفار والمنافقون.
طول يوم القيامة
يوم القيامة يوم طويل جدًا، مقداره خمسون ألف سنة مما نعد في الدنيا، ولكن الله يهونه على المؤمنين حتى يكون عليهم كصلاة مكتوبة يصلونها في الدنيا. أما الكفار والعصاة فيكون عليهم طويلاً شديدًا. يقول تعالى: "فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ".
أهوال يوم القيامة
دنو الشمس من الخلائق
في يوم القيامة تدنو الشمس من الخلائق حتى تكون منهم على قدر ميل، فيعرق الناس بحسب أعمالهم، فمنهم من يكون عرقه إلى كعبيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا. وهذا من أشد أهوال يوم القيامة، حيث تشتد الحرارة على الناس بسبب قرب الشمس منهم.
الخوف والرعب
يشيع الخوف والرعب في قلوب الناس لما يشاهدونه من أهوال عظيمة لم يروها من قبل. ترتجف القلوب وتخشع الأصوات وتذهل الأمهات عن أطفالهن وتضع الحوامل أحملهن من شدة الخوف. يقول تعالى: "يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ".
الزلزال العظيم
تزلزل الأرض زلزالها الأخير، زلزالاً عظيمًا لم تشهد مثله من قبل. تخرج الأرض أثقالها من الموتى والكنوز، وتحدث بأخبارها بما عُمل عليها من خير وشر. يقول تعالى: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا".
الشفاعة العظمى
طلب الشفاعة
عندما يطول الوقوف واشتداد الكرب على الناس، يطلبون من يشفع لهم عند الله ليفصل بينهم. فيذهبون إلى آدم عليه السلام فيعتذر، ثم إلى نوح فيعتذر، ثم إلى إبراهيم فيعتذر، ثم إلى موسى فيعتذر، ثم إلى عيسى فيعتذر، وأخيرًا يذهبون إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
شفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا لها أنا لها"، فيذهب إلى ربه ويخر ساجدًا تحت العرش، فيفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبله، ثم يقال له: "ارفع رأسك وسل تُعطَ واشفع تُشفَّع". فيشفع النبي صلى الله عليه وسلم للخلائق أن يأتي ربهم لفصل القضاء بينهم. وهذه هي الشفاعة العظمى والمقام المحمود الذي وعده الله إياه.
مجيء الله تعالى للحساب
إتيان الرب للفصل
بعد الشفاعة العظمى، يأتي الله تبارك وتعالى لفصل القضاء بين عباده، كما يشاء سبحانه وبالكيفية التي تليق بجلاله وعظمته. يقول تعالى: "وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا". وهذا المجيء ليس كمجيء المخلوقين، بل هو مجيء يليق بالله تعالى.
نصب الميزان
ينصب الميزان العظيم الذي له كفتان حقيقيتان، توزن فيه أعمال العباد. وهو ميزان عظيم واسع، كفتاه كما بين السماء والأرض. توضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة أخرى، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون.
الحساب
عرض الأعمال
يُعرض على كل إنسان عمله، فلا يخفى منه شيء. يقول تعالى: "يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ". وترى كل نفس ما قدمت وأخرت، ويُحضر كل عمل عملته النفس في الدنيا صغيرًا كان أم كبيرًا.
إعطاء الكتب
يُعطى كل إنسان كتابه الذي دونت فيه أعماله. فأما من أوتي كتابه بيمينه فأولئك يحاسبون حسابًا يسيرًا وينقلبون إلى أهلهم مسرورين. وأما من أوتي كتابه وراء ظهره أو بشماله فأولئك يدعون ثبورًا ويصلون سعيرًا.
أنواع الحساب
الحساب على أنواع:
الحساب اليسير: وهو للمؤمنين الصالحين، حيث يُعرض عليهم عملهم عرضًا، ويتجاوز الله عن سيئاتهم، ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته.
الحساب العسير: وهو للكفار والعصاة، حيث يناقشون في كل صغيرة وكبيرة من أعمالهم، ومن نوقش الحساب عُذب.
من لا يحاسبون: وهم الشهداء في سبيل الله، فإنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.
محاسبة الأمم
تحاسب الأمم بأعمالها، وتُدعى كل أمة إلى كتابها. وتأتي كل أمة جاثية على ركبها من الخوف والهيبة. ويُقتص للمظلوم من الظالم، حتى يُقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.
الشهادة على الأعمال
شهادة الأعضاء
تشهد أعضاء الإنسان عليه بما عمل، فتشهد يداه بما كسبت، وتشهد رجلاه بما مشت، ويشهد فمه بما نطق، وتشهد عيناه بما نظرت، وتشهد أذناه بما سمعت. يقول تعالى: "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ".
شهادة الملائكة
تشهد الملائكة الكرام الكاتبون بما دونوه من أعمال العباد. وهم الذين كانوا يكتبون كل شيء في الحياة الدنيا، فلا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا أحصوها.
شهادة الأرض
تشهد الأرض بما عُمل عليها من خير وشر. كل بقعة من الأرض تشهد بما عُمل عليها، فتشهد المساجد لمن صلى فيها، وتشهد أماكن المعاصي على من عصى فيها.
شهادة النبيين
يشهد النبيون على أممهم بما بلغوهم من رسالات الله، ويشهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أمته. يقول تعالى: "وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا".
الصراط
وصف الصراط
الصراط جسر منصوب على متن جهنم، أدق من الشعر وأحد من السيف، عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان تأخذ من شاءت بأعمالها. والناس يمرون عليه بحسب أعمالهم، فمنهم من يمر كالبرق، ومنهم كالريح، ومنهم كالطير، ومنهم كأجاويد الخيل والركاب، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم من يُكردس في نار جهنم.
مرور الناس على الصراط
يمر على الصراط جميع الناس مؤمنهم وكافرهم، بره وفاجرهم. فأما المؤمنون فينجون بفضل الله ورحمته وبحسب أعمالهم، وأما الكفار والمنافقون فيتساقطون في جهنم.
النبيون والصديقون والشهداء والصالحون يمرون كالبرق الخاطف، والمؤمنون العاديون يمرون بحسب قوة إيمانهم وصلاح أعمالهم. وأما العصاة من المؤمنين فمنهم من ينجو ومنهم من تأخذه الكلاليب فيعذب في النار مدة ثم يخرج منها.
نور المؤمنين
يُعطى المؤمنون نورًا يمشون به على الصراط، وهذا النور بحسب إيمانهم وعملهم الصالح. فمنهم من نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من نوره مثل النخلة، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورًا من نوره في إبهام قدميه يضيء مرة ويطفأ مرة.
الحوض
وصف الحوض
للنبي محمد صلى الله عليه وسلم حوض عظيم في الموقف يوم القيامة، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل وأطيب ريحًا من المسك. آنيته كنجوم السماء في الكثرة والحسن، طوله شهر وعرضه شهر، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا.
من يرد الحوض
يرد الحوض المؤمنون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يشرب منه هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه. ويُذاد عن الحوض من بدل وغير من أمة محمد، فيقول النبي: "أصحابي أصحابي"، فيقال له: "إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
الشفاعات الأخرى
الشفاعة في أهل الكبائر
بعد الشفاعة العظمى، هناك شفاعات أخرى. منها الشفاعة في أهل الكبائر من أمة محمد ممن دخل النار، فيشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم والملائكة والمؤمنون، فيخرجون من النار ويدخلون الجنة.
الشفاعة في رفع الدرجات
يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في رفع درجات أقوام في الجنة فوق ما كانت تقتضيه أعمالهم.
الشفاعة في تخفيف العذاب
يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، فيجعل في ضحضاح من نار عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه.
شفاعة القرآن
يشفع القرآن الكريم لأصحابه الذين كانوا يقرأونه ويعملون به في الدنيا.
شفاعة الصيام والصلاة
يشفع الصيام والصلاة لأهلهما يوم القيامة، فيقول الصيام: "يا رب منعته الطعام والشهوة بالنهار فشفعني فيه"، وتقول الصلاة: "يا رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه".
دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار
دخول أهل الجنة الجنة
بعد انتهاء الحساب والمرور على الصراط، يدخل أهل الجنة الجنة. وأول من يدخلها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأول أمة تدخلها أمة محمد. يدخل المؤمنون الجنة زمرًا، أولهم كالقمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأضوأ كوكب في السماء.
دخول أهل النار النار
يُساق أهل النار إلى جهنم زمرًا، وهم الكفار والمشركون والمنافقون. أما عصاة المؤمنين فمنهم من يعفو الله عنه ومنهم من يدخل النار ويعذب فيها مدة ثم يخرج منها ويدخل الجنة.
وصف الجنة ونعيمها
الجنة دار النعيم الأبدي
الجنة هي دار النعيم الأبدي التي أعدها الله للمؤمنين الصالحين. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. درجاتها مائة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، وأعلاها الفردوس الأعلى، وفوقه عرش الرحمن.
نعيم أهل الجنة
أهل الجنة في نعيم مقيم، لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب. لهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون. يأكلون ويشربون هنيئًا بما أسلفوا في الأيام الخالية، ولهم فيها فاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة.
أعلى نعيم الجنة
وأعلى نعيم أهل الجنة هو رؤية وجه الله الكريم، فيكشف الله الحجاب فينظرون إلى وجهه الكريم، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم.
وصف النار وعذابها
النار دار العذاب الأبدي
جهنم هي دار العذاب الأبدي التي أعدها الله للكافرين والمشركين. لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم. أشدها عذابًا الهاوية، وأقلها عذابًا درك فيه رجل في رجليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه.
عذاب أهل النار
أهل النار في عذاب أليم، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون. يأكلون من شجرة الزقوم ويشربون الحميم، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أُعيدوا فيها.
الخلود في الجنة والنار
خلود أهل الجنة
أهل الجنة خالدون فيها أبدًا، لا يخرجون منها ولا يموتون. يقول تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". ونعيمهم دائم لا ينقطع، وسرورهم مستمر لا ينتهي، وشبابهم باق لا يفنى.
خلود أهل النار
أما أهل النار من الكفار والمشركين فهم خالدون فيها أبدًا، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون. يقول تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ".
وأما عصاة المؤمنين الذين دخلوا النار بذنوبهم، فإنهم لا يخلدون فيها، بل يخرجون منها بعد أن يطهروا من ذنوبهم، ثم يدخلون الجنة برحمة الله وفضله.
إخراج الموحدين من النار
الشفاعة والإخراج
بعد أن يُعذب عصاة المؤمنين في النار المدة التي قدرها الله لهم، تبدأ الشفاعات في إخراجهم. يشفع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الملائكة، ثم المؤمنون، ثم أرحم الراحمين. فيخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
الجهنميون
آخر من يخرج من النار قوم يُسمون "الجهنميون"، وهم الذين أطال الله مكثهم في النار حتى صاروا كالفحم، فيُخرجون ويُلقون في نهر يُسمى "نهر الحياة"، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.
فناء النار
اختلاف العلماء
اختلف العلماء في مسألة فناء النار، فمنهم من قال بخلودها الأبدي، ومنهم من قال بفنائها في النهاية. والراجح عند جمهور أهل السنة والجماعة هو بقاء الجنة والنار أبدًا، فالجنة لأهلها والنار لأهلها، كل منهما دائمة باقية.
الحكمة من يوم القيامة
إقامة العدل الإلهي
يوم القيامة هو يوم إقامة العدل المطلق، حيث يُجازى كل إنسان بما يستحق. فالمحسن يُجازى بالإحسان، والمسيء يُجازى بالعقاب، والظالم يُقتص منه للمظلوم. وهذا من كمال عدل الله تعالى وحكمته.
إظهار كمال الله وقدرته
في يوم القيامة تظهر قدرة الله المطلقة وحكمته البالغة وعلمه المحيط. فيُظهر للخلائق أنه المالك الحق والحاكم العادل، وأن كل شيء بيده وتحت تصرفه.
تحقيق الوعد والوعيد
يوم القيامة هو اليوم الذي تتحقق فيه وعود الله لعباده المؤمنين بالثواب والنعيم، ووعيده للكافرين والعاصين بالعقاب والعذاب. فيُصدق الله وعده ووعيده، ويُظهر للعالمين صدق رسله وأنبيائه.
مواقف مؤثرة في يوم القيامة
موقف الوالدين مع أولادهما
في يوم القيامة يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. فالوالدان لا ينفعان ولدهما، والولد لا ينفع والديه، كل إنسان مشغول بنفسه وحاله.
موقف الأصدقاء والأخلاء
الأصدقاء في الدنيا ينقسمون يوم القيامة إلى قسمين: أصدقاء الخير الذين يفرحون برؤية بعضهم البعض ويدعون لبعضهم، وأصدقاء السوء الذين يتبرأ بعضهم من بعض ويتلاعنون. يقول تعالى: "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ".
موقف الرسل مع أممهم
تُسأل الرسل عما بلغوا، وتُسأل الأمم عما أُرسل إليهم. فتشهد الرسل أنهم بلغوا الرسالة، وتُسأل الأمم فمنهم من يُقر ومنهم من ينكر.
أول من يُكسى يوم القيامة
أول الناس يُكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، تكريمًا له ولمكانته عند الله. وذلك أنه كُسي ثوبًا أبيض من ثياب الجنة قبل سائر الخلائق.
أول من يجوز الصراط
أول من يجوز الصراط هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأول أمة تجوزه أمته. وهذا من التكريم الذي خص الله به نبيه وأمته.
آخر أهل الجنة دخولاً
آخر أهل الجنة دخولاً رجل يخرج من النار حبوًا، فيقول الله له: "اذهب فادخل الجنة"، فيذهب فيجدها قد ملأها أهلها، فيرجع فيقول: "يا رب وجدتها قد ملأها أهلها"، فيقول الله: "أترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها؟" فيقول: "أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟" فيضحك الله منه ويُعطيه مثل الدنيا وعشرة أمثالها.
آخر أهل النار خروجاً
آخر أهل النار خروجًا منها رجل يخرج منها يحبو، وهو آخر الموحدين الذين يخرجون من النار. يخرج وقد امتحش وصار مثل الفحمة السوداء، ثم يُغمس في نهر الحياة فيعود كما كان.
الصحف تطاير
في يوم القيامة تطاير الصحف إلى الناس، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره. والكتب هي صحائف الأعمال التي كتبها الحفظة الكرام الكاتبون، فيها كل صغيرة وكبيرة.
من أخذ كتابه بيمينه فهو من أهل الجنة، يُحاسب حسابًا يسيرًا وينقلب إلى أهله مسرورًا. ومن أخذ كتابه بشماله أو من وراء ظهره فهو من أهل النار، يدعو ثبورًا ويصلى سعيرًا.
القنطرة بين الجنة والنار
بعد الصراط وقبل دخول الجنة، يُحبس المؤمنون على قنطرة بين الجنة والنار، فيُقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونُقوا أُذن لهم في دخول الجنة.
موقف المنافقين
المنافقون لهم موقف خاص يوم القيامة، فإنهم يُحشرون مع المؤمنين في الظاهر، ولكن عند الصراط ينطفئ نورهم، فيبقون في الظلمة لا يستطيعون المرور، فيُضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.
الأمانات والمظالم
يوم القيامة تُؤدى الأمانات إلى أهلها، وتُقتص المظالم من أصحابها. فمن كانت له مظلمة أُخذت من حسنات الظالم، فإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات المظلوم فطُرحت على الظالم ثم طُرح في النار.
حال الأطفال يوم القيامة
اختلف العلماء في مصير أطفال المؤمنين والكفار، والراجح أن أطفال المؤمنين في الجنة، وأما أطفال الكفار فالله أعلم بهم، وقيل إنهم يُمتحنون يوم القيامة.
حال المجانين
المجانون الذين لا عقل لهم والذين ماتوا في الفترة بين الرسل، هؤلاء يُمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
الشهداء والصديقون
الشهداء في سبيل الله لهم منزلة خاصة، فهم أحياء عند ربهم يُرزقون، ولا يُحاسبون يوم القيامة، بل يدخلون الجنة مباشرة. والصديقون هم أعلى الناس منزلة بعد الأنبياء، ولهم مقام محمود في الآخرة.
أهل الأعراف
الأعراف مكان بين الجنة والنار، يكون فيه رجال لم تترجح حسناتهم ولا سيئاتهم، فيبقون على هذا المكان المرتفع ينظرون إلى أهل الجنة وأهل النار، حتى يقضي الله فيهم ما يريد، ثم يدخلهم الجنة برحمته.
الختام والعبرة
عظمة يوم القيامة
يوم القيامة يوم عظيم مهيب، فيه من الأحداث والمواقف ما تقشعر منه الأبدان وترتجف له القلوب. إنه يوم الحق الذي لا ريب فيه، يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين لفصل القضاء بينهم.
الاستعداد ليوم القيامة
على المسلم أن يستعد لهذا اليوم العظيم بالإيمان والعمل الصالح، وأن يكثر من ذكره والاستعداد له. فمن استعد للقائه وجده خيرًا له، ومن غفل عنه وجده شرًا عليه.
الدعوة إلى التوبة
وأخيرًا، فإن باب التوبة مفتوح في هذه الحياة الدنيا، فعلى كل إنسان أن يبادر إلى التوبة النصوح قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه التوبة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
خاتمة
هذا ما تيسر جمعه من أحداث يوم القيامة العظيم، مما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن يجيرنا من النار، وأن يحشرنا في زمرة النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.