آسية امرأة فرعون.. سيدة الإيمان التي تحدّت الطغيان

آسية امرأة فرعون.. سيدة الإيمان التي تحدّت الطغيان

تقييم 5 من 5.
1 المراجعات

نسبها ومكانتها

تنسب المصادر التاريخية آسية إلى مزاحم بن عبيد من بني إسرائيل أو من بنيان مصر القديمة، وهي سيدة امتازت بالحسب والجمال والجاه، فاختارها فرعون زوجةً له، فصارت سيّدة القصر الفرعوني، تنعم بالرفاهية والسلطة، وتحيا في قصر هو أشبه بالجنة الأرضية بما فيه من زينة وذهب وخدم وحاشية.

غير أنّ هذا الثراء لم يَسلب عقلها، ولم يُغشِّ عينيها عن الحق. بل كانت في أعماقها تملك قلبًا مؤمنًا متطلعًا للسماء، يرفض الظلم ويبحث عن النور، حتى قُدِّر لها أن ترى آيات الله على يد موسى عليه السلام.

لحظة التحوّل

بدأ التحول الحقيقي في حياة آسية حين ألقت أم موسى وليدها في اليم، فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا. غير أنّ يد العناية الإلهية جعلت قلب آسية ينعطف على الطفل الرضيع، فأحبته حبًا عظيمًا، وقالت لفرعون:

﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ [القصص: 9].

كان ذلك الموقف أول بصمة إنسانية تُسجّل لها في سجل الخلود؛ إذ كانت بصيرتها نافذة، وقلبها رحيمًا، فأشفقت على طفل لا حول له ولا قوة، بينما كان زوجها لا يرى فيه إلا خطرًا على ملكه.

ومع الأيام كبر موسى عليه السلام، وجاءه الوحي، وبدأ دعوته لفرعون وقومه، فاستجابت آسية لما رأت من المعجزات الباهرات، وامتلأ قلبها بالإيمان بالله، فآمنت بموسى وبما جاء به، ورفعت بصرها إلى السماء تطلب النجاة من عالم الطغيان.

مواجهة الطغيان

كان إيمان آسية سرًّا في البداية، لكنها ما لبثت أن أعلنت موقفها في لحظة فارقة حين اشتدّ فرعون في عداوته لموسى عليه السلام. ولمّا علم فرعون بإيمانها، هاله أن تكون زوجته التي تجلس إلى جواره على عرش مصر قد اختارت ربًا غيره، وهو الذي كان يقول لقومه: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: 38].

فثار طغيان فرعون، وتوعّدها بأشدّ أنواع العذاب، وحاول بكل وسيلة أن يثنيها عن إيمانها، لكنها أبت إلا الثبات، ورفعت دعاءها الخالد الذي سجله القرآن الكريم:

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم: 11].

إنها كلمات تفيض باليقين؛ لم تطلب النجاة الجسدية فحسب، بل طلبت أعظم ما تطمح إليه روح مؤمنة: "بيتًا عند الله في الجنة". لم تبهرها قصور فرعون وزينته، فقد رأت بعين بصيرتها قصراً أبقى وأعظم في جنات النعيم.

عذابها وصبرها

لم يكن طغيان فرعون ليتركها دون عقاب. فثبت في بعض الروايات أنّه أمر بتعذيبها أشدّ العذاب، حتى خرجت روحها الطاهرة وهي ثابتة على كلمة الحق. قيل إنه أوثق يديها ورجليها في الأرض، ووضع فوقها صخرة عظيمة تحت الشمس الحارقة، لكنها وهي تُعذّب، كانت ترى بيتها في الجنة ماثلاً أمام عينيها، فابتسمت واطمأن قلبها.image about آسية امرأة فرعون.. سيدة الإيمان التي تحدّت الطغيان

وهكذا ارتقت روحها إلى بارئها، تاركةً خلفها درسًا خالدًا للبشرية في الثبات والصبر والإيمان.

دروس وعبر من حياتها

الثبات أمام الفتنة: لم تغرّها القصور ولا النعم الدنيوية، بل أدركت أن السعادة الحقيقية في القرب من الله.

قوة المرأة المؤمنة: جسّدت آسية معنى أن تكون المرأة شريكة في صناعة التاريخ، لا بالسلطة، بل بالإيمان والموقف.

الأمل في النجاة: وسط عذابها وآلامها، رفعت قلبها إلى السماء، فكان جزاؤها الخلود في الجنة.

الرحمة والإنسانية: موقفها مع موسى وهو رضيع يعلّمنا أن الرحمة قد تغيّر مجرى التاريخ.

مكانتها في الإسلام

لم يكن ذكرها في القرآن الكريم مجرد قصة عابرة، بل ضرب الله بها المثل للذين آمنوا جميعًا، رجالاً ونساءً، ليؤكد أنّ الإيمان ليس حكرًا على أحد، وأن المرأة قد تبلغ من الثبات ما يعجز عنه كثير من الرجال. وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال:

"كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يَكمُل من النساء إلا أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد" [رواه الترمذي].

فهي إحدى سيدات العالمين، جمعتها الخاتمة الحسنة مع أمهات المؤمنين وأم المسيح عليه السلام، في كوكبة مضيئة من النساء الخالدات.

خاتمة

إن قصة آسية امرأة فرعون ليست مجرد حكاية تاريخية، بل هي رسالة متجددة لكل إنسان يعيش في زمن الظلم أو الإغراءات المادية أو الفتن المتلاطمة. تقول لنا آسية:
"الثبات ممكن، والإيمان هو القوة الحقيقية، وما عند الله خير وأبقى."

هكذا خُلد اسمها في كتاب الله، لتكون عبرة للأجيال، ولتظل امرأة واجهت طغيان الدنيا كلّه بضعف جسدها، لكن بقوة إيمانها، ففازت بالجنة والرضوان.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

4

متابعهم

7

متابعهم

1

مقالات مشابة
-