
خير الأنام محمد صل الله عليه وسلم
مولد الرسول محمد ﷺ: حدث غيّر مجرى التاريخ
المقدمة
يُعَدّ مولد النبي محمد بن عبد الله ﷺ من أعظم الأحداث في التاريخ الإنساني، بل هو الحدث الذي غيّر مجرى البشرية بأسرها. فقد جاء مولده ﷺ في زمنٍ كانت فيه الجزيرة العربية تعيش حالة من الانحطاط الديني والاجتماعي، حيث انتشرت الوثنية والجهل والظلم، فجاء النور الإلهي ليبدّد ظلام الجاهلية ويقيم حضارة جديدة بُنيت على التوحيد والعدل والرحمة.
سنتناول في هذا المقال المطوّل تفاصيل مولده الشريف، والظروف التي أحاطت به، وأثر هذا الحدث العظيم في حياة العرب والعالم، مستعرضين أقوال المؤرخين والسيرة النبوية، ومحللين الدروس والعبر التي نستخلصها من هذا الحدث الفريد.
الأحوال العامة قبل المولد
1- الأحوال السياسية
كانت الجزيرة العربية قبل مولد الرسول ﷺ موزّعة بين قبائل متناحرة، تسودها العصبية القبلية والحروب المستمرة. لم تكن هناك دولة مركزية تجمع العرب، بل كانت مكة والمدينة والطائف وبعض الممالك في اليمن مراكز نفوذ متفرقة.
في الشمال، كانت هناك قوتان عظميان: الروم البيزنطيون والفرس الساسانيون، وكان العرب يعيشون على هامش هاتين الإمبراطوريتين دون أن يكون لهم كيان سياسي قوي.
2- الأحوال الاجتماعية
غلب على المجتمع العربي آنذاك التفاخر بالأنساب، ووأد البنات خوف العار، وشرب الخمر، والقمار، والظلم الاجتماعي. ومع ذلك، كانت هناك صفات أصيلة كالكرم والشجاعة والنجدة، لكنها لم تكن منظمة ضمن قيم دينية واضحة.
3- الأحوال الدينية
انتشرت الوثنية في معظم أرجاء الجزيرة، حيث كانت الكعبة عامرة بالأصنام. كما وُجد اليهود في المدينة وخيبر، والنصارى في نجران واليمن، وبقايا من الحنفاء الذين تمسّكوا بديانة إبراهيم عليه السلام. وكان الناس ينتظرون بعثة نبي جديد يُخرجهم من الظلمات إلى النور.
نسب الرسول ومكانته قبل المولد
1- نسبه الشريف
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وهو نسب عريق، اتفق المؤرخون على طهارته وسموّه.
2- والده عبد الله
كان عبد الله والد النبي ﷺ أحب أبناء عبد المطلب إليه، تزوج من آمنة بنت وهب، ومات وهو في رحلة تجارة قبل أن يولد ابنه محمد ﷺ.
3- والدته آمنة بنت وهب
كانت آمنة من أشرف نساء قريش نسبًا ومكانة. تميزت بالهدوء والطهر، وقد رأت أثناء حملها رؤى تبشّر بمولودها العظيم.
مولد الرسول محمد ﷺ
1- العام الذي وُلد فيه
ولد النبي ﷺ في عام الفيل، سنة 571م تقريبًا، وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة بجيش ضخم وفيل عظيم، فحماه الله وردّ كيده. وكان هذا إيذانًا بقدوم عهد جديد.
2- يوم المولد
اتفق العلماء على أنه وُلد يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، لكن اختلفوا في تحديد اليوم بدقة. المشهور أنه الثاني عشر من ربيع الأول.
3- مكان المولد
وُلد في مكة المكرمة، في دارٍ تُعرف بدار أبي طالب، وقيل في بيت عبد المطلب. وهذا المكان أصبح مزارًا معروفًا بعد ذلك.
4- الأحداث المصاحبة للمولد
ورد في بعض الروايات أن آمنة رأت نورًا أضاء لها قصور الشام، وأنه عند ولادته ارتجفت إيوان كسرى وسقطت شرفات منه، وانطفأت نار المجوس التي كانت تقدّس منذ آلاف السنين، مما اعتُبر رموزًا لانتهاء عهد الظلام وبداية عهد النور.

كفالة النبي ﷺ بعد مولده
مات والده وهو حمل في بطن أمه، ثم ماتت أمه وهو في السادسة من عمره.
كفله جده عبد المطلب فترة قصيرة، ثم تولى رعايته عمه أبو طالب.
نشأ يتيمًا ليكون في رعاية الله وحده، ولتتكوّن شخصيته على الاعتماد على النفس والرحمة بالمحتاجين.
الدلالات والمعاني الروحية لمولده
1. مولده إيذان بطلوع فجر جديد بعد ليلٍ طويل من الجاهلية.
2. رمزية عام الفيل: حفظ الله بيته الحرام قبل ولادة نبيه مباشرة.
3. يتيم الأبوين: أراد الله أن ينشأ النبي بلا سند بشري قوي، ليكون اعتماده الكامل على ربه.
4. النور الإلهي: بشائر النور التي صاحبت مولده دليل على رسالته العالمية.
أثر المولد في العرب والعالم
1- في الجزيرة العربية
بعد بعثته ﷺ بحوالي أربعين سنة، توحد العرب تحت راية الإسلام، وانتقلوا من التناحر إلى الوحدة، ومن عبادة الأصنام إلى التوحيد.
2- في العالم
غيّر الإسلام موازين القوى، وواجه حضارتَي الفرس والروم، ثم أسّس حضارة عالمية امتدت من الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا.
الدروس والعبر المستفادة
التغيير يبدأ من الفرد: ميلاد رجل واحد غيّر وجه العالم.
رحمة الله بالإنسانية: إرسال محمد ﷺ كان رحمة للعالمين.
القيم الأخلاقية أساس الحضارة: الإسلام أقام حضارته على الصدق، والأمانة، والعدل، والرحمة.
الخاتمة
إن مولد الرسول محمد ﷺ لم يكن حدثًا عاديًا في تاريخ البشر، بل كان بداية عهد جديد للبشرية جمعاء. فقد جاء هذا المولود اليتيم ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن الظلمات إلى النور. ومهما كتبنا عن هذا الحدث العظيم فلن نوفيه حقه، ولكن يكفينا أن نتأمل في الدروس المستفادة منه، وأن نستلهم العبرة من سيرته العطرة، لنقتدي بهديه في حياتنا.