
لماذا يغفر الله بلا حدود بينما نعجز نحن عن الغفران؟
هل يمكن لمغفرة البشر أن تقارن مع مغفرة الله؟

الجواب لا، لأن المقاييس التي نعرفها في الدنيا لا تنطبق على صفات الله عز وجل.
فالله سبحانه هو الحي الذي لا يموت، وهو الغفور كثير المغفرة. غفرانه لا يقاس ولا يحد، لأنه يملك القلوب ويعلم ما تخفي الصدور. أما نحن البشر فمحدودون، لا نرى إلا الظواهر، ولا نملك إلا الحكم على الدلائل الظاهرة.
الإنسان قد يعجز عن التسامح، وأحيانًا أخرى لا يعجز لكنه يرفض بإرادته أن يغفر، لأنه يرى أن العقاب وسيلة ضرورية لحماية كرامته أو منع الآخرين من التمادي في الخطأ. هذا أمر طبيعي، لأنه لا يعلم النوايا الخفية، بينما الله العليم الحكيم يعلم ما لا نعلم، ويغفر ما لا نستطيع نحن أن نغفره.
ولهذا جاءت صفاته العليا لتظهر الفرق: الله هو الغفور الذي يتجاوز عن السيئات ويعفو عن المذنبين، أما نحن فإننا بشر، تخدعنا المظاهر وتغيب عنا الحقائق.
وقد يظن البعض أن التسامح والغفران ضعف، لكنه في الحقيقة قوة عظيمة. فالتسامح يحتاج إلى قلب قوي وروح سامية قادرة على تجاوز الجراح. أما الحقد فهو سجن يحبس صاحبه في دائرة مظلمة من الكراهية، بينما التسامح يفتح باب النور ويحرر النفس من القيود.
الغفران ليس مجرد كلمة نتداولها، بل هو تجربة روحية تغير مسار الإنسان. حين يغفر المرء لغيره، يحرر نفسه أولًا من ثقل الغضب والانتقام. فالتسامح دواء للقلوب قبل أن يكون هدية للآخرين، ومن يتذوق معنى التسامح الحقيقي والغفران يدرك أنه خطوة نحو السكينة الداخلية، وأنه باب يفتح للتقرب إلى الله.
رغم كل ما سبق يظل الغفران البشري محدود، وقد يتأثر بالانفعالات والمصالح والعلاقات، أما غفران الله فهو رحمة مطلقة، لا يحدها زمان ولا مكان. نحن إذا غفرنا، ربما نشعر بالثقل في القلب أو بالخوف من تكرار الإساءة، أما الله سبحانه فإنه إذا غفر لعبدٍ تاب بصدق، محا ذنبه تمامًا وكأنه لم يكن.
إن الحكيم من الناس هو من يسلم أمر القلوب لله، ويتوسل فقط إلى الغفور الرحيم أن يغفر ذنوبه وضعفه، لأنه يعلم أن الغفران الحقيقي لا يملكه إلا الله، فهو الغفور الذي لا يغفل، والرحيم الذي لا يمل من العفو عن عباده التائبين.
فلنحاول أن نقترب من معنى الغفران الإلهي بالصفح والتسامح، حتى لو كان جزئيًا أو محدودًا، لعلنا نذوق شيئًا من نور صفات الله في حياتنا. فالله يغفر لعباده ويتجاوز عن سيئاتهم ، فلنكن ربانيين ولو للحظات في حياتنا كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم عن سيدنا عيسى بن مريم بأنه أراد أن يعلم أمته الروحانية بأن يكونوا ربانيين … قال تعالى : ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾ المصدر سورة آل عمران ( الآية 79
هل تعتقد أن الغفران بين البشر يمكن أن يكون وسيلة للتقرب من الله؟