
غزوة تبوك التاسع من الهجرة
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة تسع من الهجرة ذكر غزوة تبوك في رجبمنها قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾[ التوبة: 28،29].
روى عن ابن عباس و مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وغيرهم : أنه لما أمر الله تعالى أن يمنع المشركون (1) من قربان المسجد الحرام في الحج وغيره ، قالت قريش : لتنقطعن عنا المتاجر والأسواق أيام الحج وليذهبن ما كنا نصيب منها .
فعوضهم الله عن ذلك بالأمر بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن ید و هم صاغرون..
قلت : فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال الروم، لأنهم أقرب الناس إليه وأولى الناس بالدعوة إلى الحق لقربهم إلى الإسلام وأهله.
وقد قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[ سورة التوبة: 123].
فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزو الروم عام تبوك وكان ذلك في حر شدید وضيق من الحال ، جلى للناس أمرها ودعا من حوله من أحياء الأعراب للخروج معه فأوعب معه بشر كثير كما سيأتي قريبا من ثلاثين ألفا ، وتخلف آخرون ، فعاتب الله من منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين ، ولامهم ووبّخهم وقرّعهم أشدّ التّقريع وفضحهم أشد الفضيحة وأنزل فيهم قرآنا يتلى ، وبين أمرهم في سورة براءة ، وأمر المؤمنين بالنفر على كل حال ، فقال تعالى : ﴿ انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ۚ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾[ التوبة: 41، 42].
ثم الآيات بعدها ثم قال تعالى : ﴿ ۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[ سورة التوبة: 122].
فقيل إن هذه ناسخة لتلك وقيل لا، فالله أعلم.
قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب -يعنى من سنة تسع- ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم.
فذكر الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا ، كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث مالم يحدث بعض ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان عشرة من الناس وشدة من الحر وجذب من البلاد وحين طابت المار ، فالناس في الحال من الزمان الذي يحبون المقام في ثمارهم وظلاهم ويكرهون الشخوص هم عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يخرج في غزوة إلا كنّى عنها ، إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الذي يصمد إليه ليتأهب الناس لذلك أهبته ، فأمرهم بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بنى سلامة : ياجد هل لك العام في جلاد بنى الأصفر ؟ فقال : يارسول الله أو تأذن لي ولا تفتني ، فو الله لقد عرف قومي أنه ما رجل بأشد عجباً بالنساء منى ، وإنى أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر.
فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : » قد أذنت لك ، ففي الجد أنزل الله هذه الآية : ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[ سورة التوبة: 49].
وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكاً في الحق وإرجافا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيهم : ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[ سورة التوبة: 81 ،82].