أسرار لا تعرفها عن الإمام مالك بن أنس. . إمام دار الهجرة وصاحب الفقه المالكي

أسرار لا تعرفها عن الإمام مالك بن أنس.

. إمام دار الهجرة وصاحب الفقه المالكي

 

يُعد **الإمام مالك بن أنس** واحدًا من **أعظم أئمة الإسلام**، وأحد الأركان الأربعة الذين قامت عليهم المذاهب الفقهية المعتمدة في العالم الإسلامي.
لكن خلف هذا الاسم العظيم، هناك **أسرار وحقائق مدهشة** قد لا يعرفها الكثيرون عن شخصيته، وحياته، ومواقفه، وعلمه الذي غيّر وجه الفقه الإسلامي إلى الأبد.
فلنبحر معًا في رحلة عبر الزمن، نكتشف فيها ما لا تعرفه عن هذا الإمام الجليل الذي جمع بين **الورع والعلم والجمال والهيبة**.

أصله ونشأته بين العلم والورع

وُلِد الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر في **المدينة المنورة** سنة **93 هـ (712م)** في بيت علم وتقوى.
كان أبوه من كبار التابعين، وجده من الصحابة الذين حضروا عهد النبي ﷺ.صلى الله عليه وسلم 
نشأ مالك في بيئة يغلب عليها العلم والعبادة، فكان مسجد النبي ﷺ صلى الله عليه وسلم هو مدرسته الأولى، والمدينة كلها كانت بمثابة **جامعة إسلامية مفتوحة** تعج بالعلماء والفقهاء.

ومن الأسرار التي لا يعرفها الكثيرون أن **الإمام مالك كان في صغره يميل إلى الغناء والموسيقى** قبل أن يتجه إلى طلب العلم!
فقد ذكر بعض المؤرخين أنه كان يحب الأصوات الجميلة، ثم تاب إلى الله وترك ذلك تمامًا، واتجه إلى العلم بإخلاص حتى صار إمامًا للأمة.

سرّ لقبه “إمام دار الهجرة”

من الألقاب التي اشتهر بها الإمام مالك “**إمام دار الهجرة**”، والمقصود بدار الهجرة هو **المدينة المنورة**، لأنها كانت موطن هجرة الرسول ﷺ.صلى الله عليه وسلم 
وقد لُقّب بهذا اللقب لأنه كان **أعلم أهل المدينة** في زمانه، وأوثق من نقل عنها علمها وسنّتها.
فكان الناس يرحلون إليه من كل مكان، كما يُروى أن **الإمام الشافعي** نفسه قال:   "إذا ذُكر العلماء، فمالك النجم الثاقب."

وكانت المدينة في زمنه مليئة بأهل الحديث والفتوى، لكنه تميز عنهم بدقة فهمه للمقاصد الشرعية، وتقديمه **عمل أهل المدينة** كدليل فقهي معتبر، وهو من أعظم أصول المذهب المالكي.

علاقته المهيبة بالخلفاء والملوك

من أسرار الإمام مالك أنه كان يتمتع **بمكانة عظيمة عند الخلفاء**، ومع ذلك كان **يهابهم ولا يخافهم**، فلا يتزلف إليهم ولا يطلب رضاهم على حساب الدين.
فعندما أمر الخليفة **أبو جعفر المنصور** بنسخ كتاب *الموطأ* ليُعمم على الأمصار، قال له الإمام مالك بكل شجاعة:

> “يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد.”

وهذا الموقف النبيل يكشف **حكمة الإمام واستقلاليته الفكرية**، فهو لم يكن يسعى إلى الشهرة، بل إلى إحقاق الحق.

كتاب الموطأ.. أعظم كتب الإسلام

يُعتبر **الموطأ** من أعظم ما ألّف الإمام مالك، بل يعدّه العلماء **أول كتاب في الحديث والفقه مرتب ومنسق .
استغرق في تأليفه أكثر من **40 سنة**، جمع فيه أحاديث النبي ﷺصلى الله عليه وسلم ، وأقوال الصحابة والتابعين، وآراءه الفقهية المبنية على الدليل.
وكان يقول  "عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه، فسميته *الموطأ*."

ومن أسرار هذا الكتاب أنه لم يكن مجرد جمع للأحاديث، بل **منهج متكامل في الفقه والسلوك**، ولذلك اعتمده الخلفاء والعلماء في المشرق والمغرب، حتى صار أساسًا للمذهب المالكي الذي انتشر في **شمال إفريقيا والأندلس والسودان وبلاد المغرب العربي**.

هيبته وجماله وصفاته الشخصية

وُصف الإمام مالك بأنه **أبيض الوجه، طويل القامة، حسن الهيئة، مهيب المظهر**.
وكان لا يجلس للتدريس إلا بعد أن يتوضأ، ويتعطر، ويجلس بخشوع كما لو أنه في حضرة رسول الله ﷺ.صلى الله عليه وسلم 
وكان يقول: --“أحب أن أعظّم حديث رسول الله ﷺ،صلى الله عليه وسلم  فلا أحدث إلا على طهارة، وفي هيئة حسنة.”  وكان من هيبته أن أحد تلاميذه قال:

“كنا إذا دخلنا على مالك كأننا في مجلس ملك، من شدة وقاره وهيبته.”

ومن الطرائف التي تُروى أنه كان لا يركب دابة في المدينة المنورة احترامًا لمكانة النبي ﷺ صلى الله عليه وسلم الذي دُفن فيها، فكان يقول:

 “أستحي أن أطأ بقوائم دابتي أرضًا فيها جسد رسول الله ﷺ.”صلى الله عليه وسلم 

سرّ قوة فقهه وتميّزه عن غيره

من أهم أسرار تميز الإمام مالك أنه كان يعتمد على **العقل المقاصدي** بجانب النص الشرعي، أي أنه لا يكتفي بظاهر النصوص، بل يبحث عن **مقاصد الشريعة وروحها**.
كما اعتمد على “**عمل أهل المدينة**” كأصل من أصول الفقه، معتبرًا أن ما أجمع عليه علماء المدينة هو امتداد عملي لتطبيق سنة النبي ﷺ.صلى الله عليه وسلم 
وقد اتسم فقهه **بالاعتدال والتوازن**، فلا إفراط ولا تفريط، ولهذا وصفه العلماء بأنه “**فقه الحياة الواقعية**”.

ومن أمثلة فقهه الدقيق أنه قال: “ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم نور يجعله الله في القلب.”

محنته وصبره على الأذى

من الأسرار المؤثرة في حياة الإمام مالك أنه **تعرض للضرب والسجن** في زمن الخليفة **أبي جعفر المنصور**، بسبب فتوى أفتى بها في قضية سياسية تتعلق بالبيعة.
فقد قال إن “الطلاق بالإكراه لا يقع”، فاعتُبرت فتواه دعمًا لمعارضي الحاكم، فضُرب حتى انخلعت كتفه.
لكن الإمام صبر ولم يتراجع عن رأيه، وقال بعدها:

 “ضُربت على السنة، فالحمد لله على ذلك.”

وهذا الموقف يبرز **شجاعته وثباته على الحق**، فقد كان لا يبيع علمه ولا يبدل دينه من أجل الدنيا.

تلاميذه وانتشار مذهبه في العالم**

تتلمذ على يد الإمام مالك كبار العلماء مثل **الإمام الشافعي** و**الليث بن سعد** و**ابن القاسم**، وغيرهم من فطاحل الفقهاء الذين نشروا مذهبه في الآفاق.
ومن خلالهم، وصل المذهب المالكي إلى **الأندلس والمغرب ومصر والسودان**، حتى أصبح المذهب الرسمي في معظم بلاد الغرب الإسلامي.
ويُعد اليوم من **أوسع المذاهب الإسلامية انتشارًا** بعد المذهب الحنفي.

وفاته وتركته العلمية الخالدة**

توفي الإمام مالك سنة **179 هـ (795م)** في المدينة المنورة، ودفن في **البقيع** بجوار الصحابة والتابعين، بعد عمرٍ قضاه في خدمة العلم والسنة.
ترك وراءه علمًا غزيرًا، ومدرسة فقهية قائمة على **الاعتدال والرحمة والاحترام**، جعلت من الإسلام منهجًا عمليًا يراعي الواقع ويحافظ على الثوابت.

 

خلاصة القول

إن الإمام مالك بن أنس لم يكن مجرد فقيه، بل كان **رمزًا للعلم والهيبة والصدق**. جمع بين الفقه والحديث، بين الورع والزهد، بين العلم والعمل، فصار قدوة لكل من أراد أن يتعلم الدين بروحه الحقيقية.  ولذلك قال عنه العلماء: “ما في الأرض أحد أمنّ على الأمة من مالك.” سيبقى الإمام مالك نموذجًا خالدًا للعالم العامل، الذي جعل من علمه عبادة، ومن فقهه نورًا للأجيال.--- ((الإمام مالك بن أنس – الفقه المالكي – إمام دار الهجرة – الموطأ – أسرار الإمام مالك – سيرة الإمام مالك – المذاهب الأربعة – فقهاء الإسلام – علماء المدينة – تاريخ المذهب المالكي))