علامات الساعة وواقع البشرية قراءة فى حديث: “(( إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل...))
علامات الساعة وواقع البشرية
قراءة فى حديث: “(( إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل...))

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يُعد الحديث النبوي الشريف منارةً تهدي الأمة في ظلمات الجهل، وتكشف لها ملامح المستقبل بعين البصيرة. ومن الأحاديث العظيمة التي تحمل إنذارًا للمسلمين وتحفيزًا لهم على الثبات والتمسك بالعلم والدين، حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم:
نص الحديث:
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
*"إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويُشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد."
تخريج الحديث:
* **رواه الإمام البخاري** في:* *صحيح البخاري*، كتاب الفتن، باب رفع العلم وظهور الجهل، رقم الحديث: **كتاب 88، حديث 92** (الرقم يختلف حسب طبعات الكتب).
* **ورواه الإمام مسلم** في:* *صحيح مسلم*، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ظهور الجهل والفساد، حديث رقم: **2880** (حسب طبعة دار النفائس).
* **حكم الحديث:** * **صحيح**، ويُعد من الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة الصغرى.
أولًا: معنى الحديث إجمالًا
> **"إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، ويُشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد."**
هذا الحديث النبوي يجمع بين التحذير من التحول القيمي والأخلاقي الذي سيطرأ على البشرية في آخر الزمان، ويصف بدقة ما نعيشه اليوم من اضطرابات فكرية وأخلاقية.
الحديث يتحدث عن **علامات من علامات الساعة الصغرى** التي تسبق اقتراب يوم القيامة، وهي مؤشرات لانحراف المجتمعات عن منهج الله تعالى، وابتعادها عن العلم والدين وانتشار الجهل والفساد.
فالحديث ليس مجرد إخبار بالمستقبل، بل هو **تحذير عملي** للمسلمين من الوقوع في تلك المظاهر التي تُغضب الله وتدل على ضعف الإيمان.
ثانيًا: رفع العلم وظهور الجهل
قول النبي صلى الله عليه وسلم: **"أن يُرفع العلم"** أي يذهب من بين الناس العلم الشرعي الحقيقي، وليس المقصود قلة الكتب أو قلة المتعلمين في العلوم الدنيوية، وإنما **قلة العلماء العاملين بالحق**، وذهاب العلماء الربانيين الذين يعلّمون الناس دينهم.
قال ابن حجر في *فتح الباري*: “رفع العلم يكون بقبض العلماء، فإذا مات العلماء انتشر الجهل بين الناس.”
أما قوله: **"ويظهر الجهل"**، فالمقصود أن الجهل بالدين ينتشر بين الناس حتى يظن الجاهل أنه عالم، وتُتّبع الأهواء، ويُفتي من لا علم له، فتضيع معالم الحق، ويختلط الصواب بالباطل.
*ومن مظاهر ذلك اليوم: انتشار الفتاوى الخاطئة عبر الإعلام ومواقع التواصل، وجرأة العامة على الكلام في دين الله بغير علم.*
ثالثًا: فشوّ الزنا وشرب الخمر
قوله صلى الله عليه وسلم: **"ويفشو الزنا ويُشرب الخمر"** هو وصف دقيق لحال المجتمعات عندما تبتعد عن الدين، حيث تنهار القيم وتُكسر الحدود التي أمر الله بحفظها.
فـ"فشوّ الزنا" يعني انتشاره علنًا بعد أن كان سرًّا، ويصبح أمرًا معتادًا لا يُستحى منه، بل يُزيَّن في الإعلام والفنون.
أما **شرب الخمر** فدلالته أوسع من المشروبات المسكرة، إذ يشمل كل ما يذهب العقل ويُضعف الوعي، سواء كان شرابًا أو مخدرًا أو غير ذلك.
وقد حذر الإسلام منهما لأنهما يُفسدان الفطرة والعقل والمجتمع، ويقودان إلى انهيار الأسر وضياع الأمانة.
رابعًا: ذهاب الرجال وبقاء النساء
قال النبي صلى الله عليه وسلم: **"ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد"**.
أي يقل عدد الرجال بسبب الحروب والفتن والأمراض، أو بسبب ضعف الرجولة في الأمة، حتى يصبح لكل خمسين امرأة رجل واحد يعولهن أو يقوم عليهن.
وهذه إشارة إلى اضطراب التركيبة الاجتماعية في آخر الزمان، وظهور **الأزمات الأسرية والاجتماعية** الناتجة عن غياب الدور القيادي للرجل، وانشغال الناس بالدنيا على حساب الدين.
🔹 وقد فسر بعض العلماء هذا أيضًا بأنه قد يكثر النساء بسبب كثرة الحروب التي تفتك بالرجال، كما نرى في كثير من عصور البشرية.
خامسًا: الدلالات الواقعية للحديث
عند التأمل في واقعنا المعاصر نجد أن هذا الحديث الشريف كأنه يتحدث عن زماننا:
* العلماء العاملون يقلّ عددهم، بينما يكثر “المتحدثون باسم الدين” بغير علم.
* الجهل بالدين ينتشر حتى بين المتعلمين.
* الفواحش والمخدرات تُعرض اليوم تحت مسمى الحرية أو الترفيه.
* أدوار الرجال تتراجع في كثير من المجتمعات، ويختل التوازن الأسري.
كل ذلك يجعل المسلم الصادق يقف متأملًا، فيستشعر قرب الساعة ويزداد تمسكًا بدينه، ويسعى ليكون من **الطائفة المنصورة** التي تبقى على الحق إلى قيام الساعة.
سادسًا: العبرة والدروس المستفادة
1. **وجوب طلب العلم الشرعي**، فهو الحصن الواقي من الجهل والفتنة.
2. **خطر الغفلة والانحلال الأخلاقي** الذي يهدم الأمم من الداخل.
3. **ضرورة الحفاظ على الأسرة والمجتمع** من مظاهر الفساد والإباحية.
4. **الوعي بعلامات الساعة** لا لأجل الخوف فقط، بل لتحريك الهمة نحو الإصلاح والعمل الصالح.
5. **إدراك أن النبوة حق**، وأن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم نراه يتحقق بدقة، مما يزيد المؤمن يقينًا بصدق رسالته.
الخاتمة
إن حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا ليس مجرد خبرٍ غيبي، بل هو **دعوة للإصلاح قبل فوات الأوان**، وتحذير للأمة أن لا تسير في طريق الغافلين.
فما نراه اليوم من مظاهر رفع العلم وظهور الجهل، وانتشار الفساد الأخلاقي، إلا دليل على قرب الساعة ووجوب الاستعداد لها بالعمل الصالح والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه. قال صلى الله عليه وسلم: *"بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم"** – أي سارعوا إلى العمل الصالح قبل أن تشتد الفتن وتعمّ الجهالة.