حكم كتابة الأملاك للزوجة لحرمان الإخوة من الميراث: بين الشرع والقانون

حكم كتابة الأملاك للزوجة لحرمان الإخوة من الميراث: بين الشرع والقانون

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

حكم كتابة الأملاك للزوجة لحرمان الإخوة من الميراث: بين الشرع والقانون

image about حكم كتابة الأملاك للزوجة لحرمان الإخوة من الميراث: بين الشرع والقانون

 حكم كتابة كل الأملاك للزوجة لحرمان الإخوة من الميراث: رؤية شرعية وقانونية

تعد قضايا الميراث من أكثر المسائل حساسية وتعقيداً في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، فهي تتعلق بحقوق مالية ثابتة ومقدرة من قبل الشارع الحكيم. ومن الأسئلة الشائعة التي تطرح في هذا السياق: **”هل يجوز كتابة كل أملاكي لزوجتي كي لا يأخذ إخوتي من الميراث؟”**. هذا التساؤل يفتح الباب لمناقشة دقيقة للنية والقصد والتصرفات المالية في حياة المورث، ومدى تعارضها مع أحكام الميراث الإلهية.

 

 

⚖️ الأساس الشرعي لحق الميراث

الميراث في الإسلام ليس مجرد حق، بل هو فريضة وتوزيع إلهي مُقدّر بنصوص قطعية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد تولى الله سبحانه وتعالى قسمة التركة بنفسه تفصيلاً، مما يدل على عظم هذا الأمر وخطورة التلاعب به.

قال الله تعالى بعد ذكر أنصبة الورثة: $$\text{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}$$ (سورة النساء، الآيتان 13-14).

هذا الوعيد الشديد يدل على أن التعدي على قسمة الله وتحجير حق الورثة – أياً كانوا – هو أمر خطير ومحرم شرعاً.

 

 

 

🚫 حكم التحايل على الميراث (التوليج)

إن القصد من وراء كتابة كل الأملاك للزوجة هو الأساس في الحكم الشرعي. إذا كان القصد الواضح من هذا التصرف هو **حرمان الإخوة من حقهم الشرعي في الميراث (وهم من جملة الورثة)**، فإن هذا العمل يعد تحايلاً على الشرع، ويُطلق عليه الفقهاء مصطلح “التوليج” أو “التبرعات المنجزة بقصد حرمان الورثة”.

* **جمهور الفقهاء** على أن التصرفات التي يقصد بها حرمان الورثة من حقوقهم محرمة، وصاحبها آثم؛ لأن فيها اعتداءً على حدود الله وتفريقاً بين الأقارب بغير مسوغ شرعي.

* **النية الفاسدة:** الأهم في هذه المسألة هي النية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: **”إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”**. فإذا كانت النية هي التحايل لحرمان الورثة، فإن هذا يجعل التصرف مع كونه قد يكون صحيحاً في الظاهر، **آثماً في الباطن**.

 

 

🎁 التكييف الفقهي للتصرف (الهبة والوصية والبيع)

تعتمد صحة التصرف من عدمه على تكييفه الشرعي والقانوني:

### 1. الهبة المنجزة في حال الصحة (التمليك في الحياة)

الهبة هي تمليك مال لشخص آخر بغير عوض في حال حياة الواهب وصحته.

* **الحكم:** إذا قام الرجل بوهب جميع أملاكه لزوجته في **حال صحته التامة**، واستوفت الهبة **شروطها الشرعية** (كالإيجاب والقبول والحيازة “القبض” من قبل الزوجة)، فإنها تعد تصرفاً صحيحاً ونافذاً في الظاهر. فلكل إنسان حق التصرف في ماله ما دام حياً وعاقلاً وبالغاً.

* **القصد النبيل مقابل القصد السيئ:** يفرق الفقهاء بين من وهب لزوجته مثلاً لمكافأتها أو إحساناً إليها، وبين من وهبها كل أملاكه **بقصد حرمان الإخوة**. في الحالة الثانية، وإن نفذ العقد قانونياً، فإن الواهب آثم شرعاً لتعمده مخالفة حكم الميراث الإلهي. قال بعض الفقهاء: “من وهب في صحته لبعض ورثته قاصداً بذلك حرمان الباقين، نفذت الهبة وأثم”.

 

 

2. الوصية

الوصية هي تبرع بمال يُنفذ بعد الموت.

* **الحكم:** إذا كان كتابة الأملاك للزوجة هو في حقيقته وصية بأن تأخذها بعد وفاته (وليس تمليكاً ناجزاً في حياته)، فهذا يخضع لقاعدة: **”لا وصية لوارث”**. الزوجة وارث، وبالتالي لا تصح لها الوصية إلا إذا **أجازها باقي الورثة** (ومنهم الإخوة) بعد وفاة المورث وكانوا كاملين الأهلية. فإن لم يجزها الورثة، بطلت الوصية وعادت التركة إلى الميراث الشرعي.

### 3. التبرع في مرض الموت (مرض المخوف)

إذا تم هذا التصرف (هبة أو بيع صوري) في مرض الموت، وهو المرض الذي يغلب فيه الهلاك، فإنه يعامل معاملة **الوصية**، ولا ينفذ إلا في حدود الثلث والباقي يخضع لقسمة الميراث، وهذا للتحوّط من حرمان الورثة.

 

 

 

🔑 شروط نفاذ الهبة بشكل صحيح

لنفترض أن التصرف تم على أنه “هبة منجزة في حال الصحة”، وحتى تكون الهبة صحيحة ونافذة، لا بد من استيفاء شروطها:

1. **الإيجاب والقبول:** أن يقول الزوج: “وهبتك هذه الأملاك”، وتقول الزوجة: “قبلت”.

2. **الحيازة (القبض):** أن تقوم الزوجة بقبض الأملاك وحيازتها، والتصرف فيها تصرف المالك، كأن تسجل العقارات باسمها وتتولى إدارتها فعلياً.

3. **العقد الصحيح:** يجب أن يتم العقد بصيغة قانونية وشرعية لا تدع مجالاً للطعن بأنها كانت صورية أو معلقة على الموت.

**ملاحظة هامة:** إذا ثبت أن العقد كان “بيعاً صورياً” (عقد بيع دون نية حقيقية للبيع والشراء ودون قبض الثمن)، فإن هذا العقد يُلغى في القضاء، وتعتبر الأملاك تركة تقسم بين جميع الورثة الشرعيين.

 

 

📜 الخلاصة والتحذير الشرعي

لا يجوز للإنسان شرعاً أن يتعمد اتخاذ إجراءات (سواء كانت هبة أو بيعاً أو أي تصرف آخر) يكون القصد الأول والأخير منها هو **حرمان بعض الورثة** من حقهم الذي فرضه الله لهم في الميراث.

* **الحكم الشرعي للقصد:** التحايل على أحكام الميراث عمل محرم، والفاعل آثم ومخالف لحدود الله.

* **الحكم القانوني/الظاهري:** قد يرى القضاء صحة التصرف إذا استوفى الشروط الشكلية والقانونية (كالهبة المنجزة)، ولكن الإثم الشرعي يبقى مرتبطاً بالنية.

 

 

الأولى بكل مسلم أن يتقي الله في ماله وتصرفاته، ويترك قسمة الميراث لله تعالى، ففي ذلك بركة وسلامة من الإثم والشقاق بين الأهل بعد الوفاة. وإن كان هناك مسوغ شرعي لتفضيل الزوجة أو غيرها (كأن تكون محتاجة أو مريضة)، فيمكن فعل ذلك **بهبة لا تشمل كل المال**، أو بالوصية في **حدود الثلث** لغير الوارث إن كان هناك من لا يرث وله حاجة، أو أن يقوم ببيع وشراء حقيقي وناجز

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Mohamed Farg222 تقييم 0 من 5.
المقالات

3

متابعهم

1

متابعهم

1

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.