الكمال لله وحده: حقيقة إيمانية ومنهاج حياة

الكمال لله وحده: حقيقة إيمانية ومنهاج حياة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

مقالة: الكمال لله وحده: حقيقة إيمانية ومنهاج حياة

image about الكمال لله وحده: حقيقة إيمانية ومنهاج حياة

إن من أعظم الحقائق الكونية التي تتجلى في كل ذرة من الوجود، وتستقر في أعماق الفطر السليمة، هي أن الكمال المطلق صفة متفردة لله عز وجل وحده. هذا المفهوم ليس مجرد عبارة تقال باللسان، بل هو ركن أساسي من أركان العقيدة الإسلامية، يحدد نظرة الإنسان لنفسه، وللخالق، وللعالم من حوله. إن الإيمان بأن الكمال لله وحده يمثل حجر الزاوية في بناء الشخصية المتوازنة التي تدرك مكانها في هذا الكون، وتسعى للخير دون الوقوع في فخ الغرور أو اليأس.

الكمال المطلق صفة إلهية متفردة

الله سبحانه وتعالى هو "الكامل" في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. كماله ليس كمطلق كمال، فهو لا يماثله شيء من خلقه. كل صفة من صفاته الحسنى بلغت المنتهى في الكمال. فقدرته مطلقة لا يحدها ضعف، وعلمه شامل لا يغيب عنه مثقال ذرة، وحياته كاملة لا يعتريها موت أو نوم، وإرادته نافذة لا يردها شيء. يقول الله تعالى في محكم التنزيل: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" (سورة الإخلاص)، وفي آية أخرى: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (سورة الشورى: 11). هذه الآيات الكريمة تؤكد على تفرّد الله بالكمال المطلق وتنزهه عن أي نقص أو عيب.

صفات الكمال الإلهي ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي أساس العلاقة بين العبد وربه. عندما يدرك الإنسان عظمة الخالق وكماله، يمتلئ قلبه بالرهبة والخشوع والمحبة، ويدفعه ذلك إلى عبادته وتنزيهه عن كل ما لا يليق بجلاله.

النقص طبيعة بشرية والسعي نحو التكامل

على النقيض من الكمال الإلهي المطلق، فإن النقص جوهر الطبيعة البشرية. الإنسان كائن ضعيف، يخطئ وينسى، وتنقصه المعرفة والقدرة. من الطبيعي أن نرتكب الأخطاء لأنها جزء من إنسانيتنا. هذا النقص ليس عيباً يستوجب اللوم الدائم، بل هو تذكير دائم بضرورة الاعتماد على الله، وطلب العون منه، والسعي نحو إصلاح النفس وتكميلها.

الإنسان لا يمكن أن يبلغ الكمال المطلق، ومن يحاول أن يظهر بشكل مثالي طوال الوقت هو شخص يرهق نفسه ويتحمل فوق طاقته، وفي النهاية قد ينهار أو يتمرد. القيمة الحقيقية تكمن في قبول هذا النقص كدافع للنمو والتطور. الله عز وجل خلقنا لنتكامل، وجعل المفقود عندي موجوداً عند غيري ليجبرنا على التعاون والتآزر. الكمال الذي يريده الله منا هو كمال نسبي وجماعي يتحقق بالتكاتف والاتحاد كالبنيان المرصوص.

آثار الإيمان بحقيقة الكمال لله وحده في حياة الفرد والمجتمع

الإيمان العميق بأن الكمال لله وحده له آثار عظيمة وثمار يانعة تنعكس إيجاباً على الفرد والمجتمع:

التواضع ونبذ الغرور: عندما يدرك الإنسان حقيقة ضعفه ونقصه أمام كمال الله المطلق، يتخلص من الكبر والغرور. يعلم أن كل نعمة أو موهبة لديه هي من فضل الله، وليس بذكائه أو تدبيره وحده. هذا التواضع يجعله أقرب إلى الناس وأحب إلى قلوبهم.

الرضا والسلام النفسي: السعي المحموم نحو الكمال في كل شيء يمكن أن يهلك الإنسان ويشعره دائماً بالنقص والإحباط. الإيمان بهذه الحقيقة يجلب السكينة والطمأنينة للقلب، لأنه يدرك أن بلوغ المثالية المطلقة أمر مستحيل على البشر. يرضى الإنسان بقضاء الله وقدره، ويعلم أن ما أصابه من خير أو شر هو بعلم الله وحكمته.

الدافعية للعمل الصالح والتطور: الإقرار بالنقص لا يعني القعود عن العمل، بل هو دافع قوي للسعي نحو الكمال النسبي الممكن في حدود القدرات البشرية. المؤمن يسعى لتكميل إيمانه وعلمه وأخلاقه وعمله، مدركاً أن الأجر والثواب على قدر الجهد والإخلاص، والله هو الموفق والمعين.

تحسين العلاقات الاجتماعية: الإيمان بأن الناس يكملون بعضهم بعضاً يقوي الروابط الاجتماعية. يدفع الناس للتعاون والتراحم، ويعذر بعضهم بعضاً في النقص والخطأ، مما يخلق مجتمعاً متماسكاً ومتعاطفاً.

خاتمة

إن حقيقة "الكمال لله وحده" هي حقيقة إيمانية كبرى تضبط بوصلة الحياة الإنسانية. هي دعوة للتأمل في عظمة الخالق، والاعتراف بضعف المخلوق، والسعي الدؤوب نحو التكامل البشري والسمو الروحي. هذا الإيمان يحرر النفس من قيود البحث عن المثالية المستحيلة، ويمنحها السلام الداخلي، ويوجهها نحو البناء والعطاء والتكامل مع الآخرين. هو منهاج حياة يدعونا لأن نكون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً، تحت رعاية الخالق الكامل المتفرد بكل صفات العظمة والجلال.

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Pa Ndã تقييم 5 من 5.
المقالات

8

متابعهم

2

متابعهم

55

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.