القضاء والقدر: حكمة وتدبير في حياة المسلم

القضاء والقدر: حكمة وتدبير في حياة المسلم

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

مقالة: الإيمان بالقضاء والقدر

image about القضاء والقدر: حكمة وتدبير في حياة المسلم

يُعد الإيمان بالقضاء والقدر أحد أهم مبادئ العقيدة الإسلامية وركنًا أساسيًا لا يكتمل إيمان المسلم إلا به. هو سر من أسرار الله في خلقه، ومفتاح السكينة النفسية والاستقامة السلوكية، إذ يجعل الإنسان يمضي في حياته على منهج سواء لا تبطره النعمة ولا تيئسه المصيبة. فهم هذا الركن العظيم يتطلب إدراكًا دقيقًا لمعناه ومراتبه وآثاره العميقة على الفرد والمجتمع.

مفهوم القضاء والقدر

القضاء والقدر مصطلحان متلازمان، ذهب بعض العلماء إلى أنهما بمعنى واحد، والبعض الآخر فرق بينهما. المعنى الإجمالي هو التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون، من خير وشر، ونفع وضر، وحركة وسكون، فهو بعلم الله المسبق، وتقديره، وإرادته، ومشيئته.

القدر: هو ما قدره الله في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض.

القضاء: هو إيجاد الله سبحانه وتعالى للمخلوقات والأحداث في وقتها وفقًا لما قدره وعلمه مسبقًا.

مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

للإيمان بالقدر أربع مراتب متكاملة لا بد من الإيمان بها جميعًا:

مرتبة العلم: الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً، أزلاً وأبداً، قبل حدوثه.

مرتبة الكتابة: الإيمان بأن الله كتب مقادير كل شيء في اللوح المحفوظ. قال تعالى: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر: 49).

مرتبة المشيئة والإرادة: الإيمان بأن كل ما يحدث في الكون لا يكون إلا بمشيئة الله وإرادته، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

مرتبة الخلق والإيجاد: الإيمان بأن الله هو خالق كل شيء، ومن ذلك أفعال العباد وصفاتهم وحركاتهم.

الثمرة العظيمة للإيمان بالقدر: راحة البال والعمل

الإيمان بالقضاء والقدر ليس دعوة للكسل أو الجبرية، كما قد يتوهم البعض. بل هو الدافع الحقيقي للعمل الجاد والسعي الدؤوب مع كامل الأخذ بالأسباب. المؤمن الحق يدرك أن النتيجة النهائية بيد الخالق، فيعمل بجد ويبذل قصارى جهده، فإذا حقق النجاح لم يصبه الغرور والكبر، لأنه يعلم أن الفضل من الله. وإذا أصابته مصيبة أو إخفاق، لم ييأس أو يجزع، بل يرضى بقضاء الله وقدره، ويعلم أن "لو علم العبد من مقاصد الأقدار لبكى من سوء ظنه بربه".

هذا الإيمان يورث القلب طمأنينة وسكينة لا مثيل لها. فهو يعصم المؤمن من القلق المفرط على المستقبل والحسد على ما في أيدي الآخرين، لأنه يوقن أن الأرزاق والآجال مقدرة ومكتوبة بحكمة بالغة وعلم شامل.

الخاتمة

إن الإيمان بالقضاء والقدر هو صمام الأمان للنفس البشرية، يربط العبد بخالقه ويجعله في حالة دائمة من التوكل والرضا. هو منهج حياة متكامل يجمع بين قوة العمل والسعي وبين السكينة الداخلية والتسليم المطلق لحكمة الله. بهذا الإيمان، يحيا الإنسان متوازناً، مستقيماً، سعيداً بما آتاه الله، صابراً على ما ابتلاه، مدركاً أن كل ما في الكون يجري بتقدير محكم وعلم دقيق من لدن حكيم عليم.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Pa Ndã تقييم 5 من 5.
المقالات

13

متابعهم

6

متابعهم

56

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.